حسين الصدر، العهدة على الراوي
العهدة على الراوي – حسين الصدر
نقلا عن جريدة الزمان
العهدة على الراوي – حسين الصدر
-1-
لابُدَّ لي في البداية ان ابوح بعشقي للكتاب ، وبأنه سلوتي التي تُذهب عني الكثير من العناء …
-2-
وقد قيّض الله لي – بلطفه وكرمه – صديقاً باراً يُوصل اليّ بين الحين والحين حُزمة من الكتب الممتعة المفيدة .
الصديق البار عندي هو كالأخ البار نعمة لابُدَّ أنْ نشكر الله عليها ، كما لابُدَّ لنا ان نشكر هذا الصديق فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق .
وقديما قال الشاعر :
ومَنْ كانَ للآداب والعلمِ عاشقاً
فأفضلُ ما يُهدى اليه كتابُ
-3-
وما يُقدّم لنا من كُتب من قبل مؤلفيها هو رافد آخر من روافد الإمداد الذي لابُدَ لنا ايضا أنْ نشكرهم على تلك الهدايا الثمينة .
وما نقتنيه من الكتب على مدار السنة ليس بالقليل .
ومع هذه الكتب نقضي جلّ أوقاتنا ونحن في خريف العمر ، حتى ليمكننا القول : اننا بين المطالعة والكتابة نقضي جُلّ ساعات اليوم .
-4-
ومن الكتب الممتعة التي وصلت اليّ مؤخراً كتاب الدكتور علي القاسمي الموسوم بـ (طرائف الذكريات عن كبار الشخصيات) .
وقد اخترت ان أنقل لكم – ونحن في شهر تموز ، وعلى مقربة من الذكرى السنوية الحادية والستين لثورة 14 تموز / 1958 – قصة طريفة قرأتها في هذا الكتاب، وليست الاّ عن (نوري السعيد) –رئيس الوزراء لأربع عشرة مرة في العهد الملكي، – ننقلها لاشتمالها على حدث متميز وموقف قد لايخطر على بال الكثيرين ممن سمعوا بهذا الاسم مقرونا بأطنان من الطعون والسلبيات والشتائم .
نحن لا نكتب له الآن شهادة براءةٍ من الخطايا والأخطاء، ولكننا من خلال القصة نكتشف أبعاداً لها ثقلها في الميزان السياسي والاداري والاجتماعي .
واليك القصة منقولةً بشكل مباشر من فم عبد القادر اسماعيل البستاني – عم زوجة المؤلف د. علي قاسمي – يوم كان سجيناً عام 1949 وفوجئ بوصول نوري السعيد الى الزنزانة بعد منتصف الليل .
-كان عبد القادر اسماعيل سجينا فيما كان اخوه خليل اسماعيل وزيراً في حكومة السعيد انذاك – وتوجّه السعيد نحو البستاني وخاطبه قائلا :
(قدوري
كنتُ في فراشي ولم يواتِني النوم ، فقد كنت أفكرّ فيك وفي رفاقك ، وقُلْتُ في نفسي :
انهم من الشباب المخلصين بلاشك، وانهم يرومون تقدم العراق ورفعته
فلماذا نزّجُ بهم في السجن ؟
لماذا لا نشركهم في الحكم من أجل أنْ يستغلوا طاقاتهم الفكرية في الاصلاح والتنمية “)
لاحظوا أنّ رئيس الوزراء يفكرّ بالسجناء السياسيين فيمنعه تفكيره من النوم فيهب متجها الى السجن لمحادثتهم ..!!
ورئيس الوزراء يُحسن الظن بالشيوعيين الى الحدّ الذي يدفعه للتفكير باشراكهم في الحكم وتلك مسألة ذات دلالات كبيرة على وجود (مِعْدة هاضمة) عند السعيد ..!!
وابتداء الخطاب بمداعبة السجين عبر تصغير اسمه إبعاد للصفة الرسمية عن الحديث وإحلال الصفة الانسانية محلها .
والسؤال الآن :
ماذا كان الجواب ؟
قال عبد القادر اسماعيل في جوابه :
” أبو صباح
لسنا اصلاحيين
نحن ثوريون “
فقال نوري السعيد :
يعني انكم تخططون لثورة واذا نجحت ستقتلونا
أجاب عبد القادر اسماعيل :
-ممكن
قال نوري السعيد :
اذن من حقنا أنْ نقتلكم قبل ان تقتلونا
أجاب عبد القادر اسماعيل :
-ممكن
قال نوري السعيد :
أنا لا أريد قتلكم ،
وأكره ان تبقوا في السجن وأنتم تريدون المشاركة في بناء العراق ،
اذن اخرجوا من العراق .
وهكذا تم اسقاط الجنسية العراقية عن عبد القادر اسماعيل …!!
طرائف الذكريات عن كبار الشخصيات
للدكتور علي القاسمي ص 26-28
ونحتاج الى وقفة طويلة هنا لا يتسع لها صدر هذه المقالة الوجيزة وعلى عجل وباختصار نقول :
على الناهضين بالمسؤولية عن العراق والعراقيين أنْ يفتحوا قلوبهم قبل أسماعهم للافادة من اخبار من سبقهم من الحكّام العراقيين، والمهم ان لا يغيب العراق والعراقيون – حتى المخالفين لهم في الاتجاه – عن أذهانهم
وليعلموا ان ابنة نوري السعيد ماتت في احدى دور الرعاية الاجتماعية حيث لم يترك لها أبوها ما يغنـــــيها ..!!