أصدقاء الدكتور علي القاسمي

علي القاسمي: مؤشِّر الدول الفاشلة.. هل العراق دولة ضعيفة أو هشة؟!

شاهد المقال

 


علي القاسمي: مؤشِّر الدول الفاشلة.. هل العراق دولة ضعيفة أو هشة؟!

الدولة:

تُعرَّف (الدولة) بأنها مجموعة من الأفراد يعيشون في نطاق جغرافي محدَّد، ويمارسون نشاطهم في ظل نظام سياسي معيَّن.

وهذا النطاق الجغرافي تختلف مساحته من دولة إلى أخرى. فهناك دول ذات مساحة كبيرة وأخرى صغيرة. كما أن عدد السكان الذين يعيشون في تلك المساحة الجغرافية يختلف من دولة إلى أخرى. ففي حين نجد أن مساحة دولة روسيا تبلغ 17.1 مليون كيلومتراَ مربعا، وعدد سكان الصين يقارب مليار ونصف المليار نسمة، نجد أن مواطني دولة الفاتيكان لا يتجاوز 900 نسمة ومساحتها أقل من نصف كيلومتر مربع (0.44كم2).

فلقب "دولة" والاعتراف بها من بقية الدول، لا يخضع لمقاييس محددة في المساحة والسكان، بل لظروف تاريخية وأوضاع جيوسياسية. ومن ناحية أخرى، نجد أن للدول أنظمة سياسية متباينة. فمساحة الدولة، وعدد سكانها، ونوعية نظامها السياسي، ليست عوامل حاسمة في نجاح الدولة ولا في فشلها. فـ (الدولة) في هذا المصطلح هي مرادف لكلمة (بلاد) فقط.

ومع ذلك فإن مصطلح (دولة) يُطلَق على جميع الدول المذكورة على اختلاف مساحاتها، وتباين أعداد سكانها، وتنوع أنظمتها السياسية؛ لأن العناصر الجوهرية في مفهوم الدولة هي ثلاثة: المساحة الجغرافية، والسكان، والنظام السياسي مهما كان. وتمارس الدولة عادةً أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية ترمي إلى تحسين مستوى مواطنيها وتحقيق التنمية.

ولكل دولة عادةً سلطة أو حكومة تستخدم الموظفين العاملين فيها بالتعيين أو الانتخاب. وهذه الحكومة تسيطر قانوناً على استعمال القوات في أراضيها، وتسيطر على عملتها في حدودها، وتطبق قوانينها وتسيطر على الإعلام في أراضيها.

الدولة الفاشلة:

ظهر مفهوم (الدولة الفاشلة) في مجال العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي.

ويتباين تعريف "الدولة الفاشلة"[1] من باحث إلى آخر طبقاً للزاوية التي ينظر منها، فإذا كان اهتمامه أمنياً عسكرياً، عرَّفَ "الدولة الفاشلة" بأنها تلك الدولة التي لا تسيطر على جميع أراضيها عسكرياً. أما إذا كان اهتمامه مالياً، فيعرّفها بأنها تلك الدولة التي لا تستطيع تسديد ديوانها وفوائد ديونها بانتظام. وإذا كان اهتمامه فكرياً، عرَّفها بأنها تلك الدولة التي لا تستطيع حل مشاكلها بنفسها بل تحتاج إلى تدخلٍ خارجي، حتى لو لم تطلب ذلك. وإذا كان اهتمامه منصباً على سيادة الدولة، يعرّف "الدولة الفاشلة"، بأنها تلك الدولة المنقوصة السيادة.  أما الباحث الدكتور سعد الكناني بأنها " الدولة العاجزة عن أداء وظائف التنمية وحماية أمنها وسيطرتها على أراضيها وحدودها."[2]

وأميل إلى تعريفها بتلك الدولة التي لا تستطيع القيام بواجباتها الأساسية في خدمة مواطنيها وتحقيق أهدافها الأساسية في تنمية البلاد مثل تعميم التعليم والصحة والبنيات التحتية، وتحقيق العدالة.[3]

ولكي تصل الدولة إلى مرحلة الفشل، تمرّ بعدة مراحل مثل (الدولة الضعيفة) و (الدولة الهشّة) اللتين تواجهان مخاطر أقل من تلك التي تواجهها الدولة الفاشلة. ولكن هذه الدول، الضعيفة والهشة والفاشلة، توصف دائماً بأنها " دولة"، لأنها لا تفقد المقوِّمات الأساسية للدولة بالكامل، وأعني بذلك: المساحة الجغرافية، والسكّان، والنظام السياسي المتبع مهما كان، على الرغم من مواجهتها مشاكل تعرّض وحدتها، واستقلالها، وبقاءها، للخطر.

أسباب فشل الدولة:

يمكن حصر أسباب فشل الدول بعنصرين أساسيين:

أسباب خارجية:

أـ الحروب الطويلة، التي تمتد إلى سنوات عديدة.

ب ـ التغيرات الاجتماعية، ومن أمثلتها، تحوّل مجموعة سكانية إلى قوة مهيمنة في البلاد، ثم إلى جماعة منبوذة. وهكذا.

أسباب داخلية:

أـ حكومة فاسدة تعمل لخدمة فئة صغيرة من السكان هي الطبقة الحاكمة أو طائفة معينة، أو منطقة محددة من البلاد، بدلاً من خدمة الشعب برمته.

ب ـ الحروب الأهلية أو النزاعات الداخلية، طائفية أو عرقية أو عشائرية.

خصائص الدولة الفاشلة:

يمكن تلخيص خصائص الدولة الفاشلة فيما يأتي:

قابليتها المتناقصة للدفاع عن حدودها الوطنية، وفقدان السيطرة على أراضيها، أو على بعض أراضيها.

قابليتها المتناقصة على حفظ الأمن في البلاد، وفقدان سلطتها احتكارَ استخدام العنف في جميع الأراضي التي تحكمها.

فقدان السلطة لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها.

عجز السلطة عن توفير الحدِّ المعقول من الخدمات العامة.

وباختصار، فإن الدولة الفاشلة تتميز بوجود حكومة غير فعّالة لا تقوم بجميع واجباتها بصورة ناجعة نافعة.

وقد لوحظ أن الدولة الفاشلة لا تختفي بين ليلة وضحاها، بل قد تستمر في الوجود طويلاً، وأحياناً لأجيال عديدة (مدة الجيل عادة بين 25 و30 سنة).

مؤشِّر الدول الفاشلة:

تصدر الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة ومؤسسات دولية أخرى، مؤشِّرات معظمها سنوية لجميع الدول الأعضاء تتعلّق بمختلف الخدمات التي ينبغي أن تقوم به الحكومات لفائدة شعوبها، مثل مؤشر التنمية البشرية، مؤشر الفقر، مؤشر التعليم، إلخ.

وقد وضع الصندوق لأجل السلام[4] ومجلة السياسة الخارجية [5] في الولايات المتحدة الأمريكية (مؤشرَ الدول الفاشلة) السنوي منذ سنة 2005، وقد أطلقا عليه مؤخراً اسم ( مؤشر الدول الهشَّة)، وهي تسمية دبلوماسية، إن صح التعبير. ويصنّف هذا المؤشرُ الدولَ ذات السيادة في الأمم المتحدة والتي تتوافر معلومات عنها، إلى أصناف، ويحصر الفشل في أربعة أنواع:

ـ تنبيه،

ـ تحذير،

ـ فشل معتدل،

ـ فشل مستدام.

ويعطي كلَّ دولةٍ علامةً (او درجة) تتراوح بين 0 و 120. وكلما ارتفعت علامة الدولة، أصبح فشلها أكبر. وعادة ما تكون الدول الهشة (الفاشلة) هي الأكثر تخلفاً في ميدان التنمية البشرية، ويطلق عليها اسم دول ذات تنمية بشرية متدنية.

وفي مؤشر الدول الهشَّة (الفاشلة) لسنة 2015، نجد أن مؤشر اليمن، مثلاً، وهو الأعلى رتبة في الفشل هو: 111.7، في حين أن مؤشر فنلندا، وهي الأقل في الفشل: 15.1 فقط.  وصنَّف المؤشر قائمة الأمم المتحدة التي تشتمل على 177 دولة توافرت معلومات عنها على الوجه التالي:

33 دولة في حالة إنذار، وهي أسوأ هشاشة،

92 دولة في حالة تحذير،

39 دولة في حالة اعتدال،

13 دولة في حالة مقبولة.

فإذا أخذنا الصومال مثلاً للدول الهشة، نجد أن هذا البلد الذي يؤوي 15 مليون نسمة قد تعرَّض لأزمات جفاف منذ سنة 2011، ولحرب متواصلة بين القوات الحكومية وحركة الشباب تسببت في نزوح 2.9 مليون نسمة.

ويُعدُّ هذا المؤشِّر وسيلة نقدية، ليس لمعرفة الضغوط التي تتعرَّض لها الدول فحسب، بل

كذلك لمعرفة الأوقات التي تدفع فيها هذه الضغوط تلك الدول إلى حافة الفشل.

معايير مؤشِّر الفشل:

اعتمد مؤشر الفشل على عدة معايير أهمها:

أـ المؤشرات الاجتماعية:

1ـ الضغوط السكانية

2ـ حركة اللاجئين والمشردين

3ـ الانتقام (مثل الانتقامات العشائرية).

4ـ هجرة الأدمغة

ب ـ المؤشرات الاقتصادية:

5ـ التنمية الاقتصادية

6ـ التدهور الاقتصادي

ج ـ المؤشرات السياسية:

7ـ نزع الشرعية عن الدولة

8ـ التدهور التدريجي للخدمات

9ـ الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان

10 ـ الأجهزة الأمنية بمثابة دولة داخل دولة

11ـ صعود النخب المنقسمة

12 تدخل الدول الأجنبية في الدولة.

هل العراق دولة ضعيفة أو هشّة أو فاشلة؟

فإذا أخذنا أشهر الدول الفاشلة التي يذكرها هذا المؤشر، وهي:

أفغانستان، والعراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، والسودان؛ والصومال وجنوب السودان، نجد أنها خاضت حروباً طويلة: إقليمية، أو أهلية، وأدَّت تلك الحروب إلى تغيّرات اجتماعية ملحوظة بسبب موجات النزوح والهجرة التي رافقت تلك الحروب أو نتجت عنها.

وإذا استطعنا أن نجد عذراً لفشل أفغانستان، لكونها تعرضت لمحاولاتٍ متواصلة لاستعمارها من قبل الدول الكبرى كبريطانيا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، فإن حالة دولة العراق الذي يُعد الآن أشهر الدول الفاشلة، تحتاج إلى تدقيق النظر.

فمنذ الانقلاب العسكري الذي قضى على النظام الملكي في 14 تموز/ يوليوز سنة 1958 برضى ودعم من الأحزاب العراقية، العلنية والسرية منها، اليسارية واليمينة (ويتساءل المرء: كيف يؤيد حزب سياسي مدني مشروع انقلاب عسكري، إلا إذا كان رؤساؤه متعطشين للسلطة وقد وعدهم العسكر بوزارة في الحكومة الانقلابية العسكرية؟!)  وما أعقبه من انقلابات عسكرية متتالية، وما تعرض له العراق من  حكم شمولي دام 35 عاماً تحت حكم دكتاتور جاهل دموي مولع بالقتل الجماعي، والمقابر الجماعية، وخوض الحروب الطويلة والقصيرة، وانتهى بغزو امريكي ـ بريطاني سنة 2003، نتج عنه وصول شرذمة من شخصيات معارضة " على دبابات الغزاة" وبمساندة إيران، ليحكموا البلاد بدعمٍ من المُستعمِر الجديد الذي وضع لهم "نظاماً"  يقوم على المحاصصة الطائفية والعرقية يؤدي إلى تعميق الخلافات وتفتيت البلاد، وإطلاق يد الحكّام الجدد في نهب ثروات البلاد، وتحويل مليارات الدولارات شهرياً إلى حساباتهم الشخصية في بنوك الدول الغربية التي يحملون جنسياتها. فكل نظام سياسي يقوم على المحاصصة، مآلهُ، لا محالة، إلى الفشل الذريع. وهذا ما يفعله المُستعمر دوماً انطلاقاً من مبدأ " فرِّق تَسُد"، وما فشل الدولة اللبنانية إلا مثل على الدول التي يقوم نظامها السياسي على المحاصصة الطائفية، وهو نظام فرضه المُستعمِر الفرنسي على لبنان، عن دراية وقصد.

وخصائص السلطة الحاكمة بالعراق بعد الغزو الأمريكي عجيبة غريبة، ومن أهمها:

ـ المحاصصة العرقية الطائفية:

على الرغم من أن دستور العراق الذي وضع بإشراف المستعمر وتوجيهاته، واعلن سنة  2005، لا ينص على المحاصصة، فإن المحاصصة موجودة فعلاً وباتفاق جميع  الفاعلين السياسيين. فرئاسة الجمهورية رست على أكراد (السليمانية)، ورئاسة إقليم كرادستان العراق، أختص بها أكراد أربيل، ورئاسة الوزارة للعرب الشيعة، ورئاسة مجلس النواب الاتحادي في بغداد للعرب السنة، وهكذا.  وإذا دخلتَ في إحدى السفارات العراقية ووجدت السفير كردياً من أربيل، والقنصل كرديا من السليمانية، فاعلم أن وزارة الخارجية العراقية هي من حصة الأكراد، وهكذا دواليك.

ـ الفساد المستشري في مفاصل الدولة:

لقد أمسى الفساد تقليدا مرعياً وثقافة راسخة في الإدارة العراقية. فإذا كانت إحدى المديريات العامة في وزارة من الوزارات هي من حصة حزب معين، فإن المدير العام الجديد يؤدي سراً قسَم الإخلاص لرئيس الحزب الذي اختاره أو لمندوبه، كما يؤدي ثمناً لقاء المنصب قبل التعيين أو بعد التعيين شهرياً أو سنوياً. وقد شاهدتُ ذات مرة فيديواً مسرّباً لأحد وزراء الكهرباء المتعاقبين (ووزارة الكهرباء هي البقرة الحلوب الكبرى للفاسدين، فالعراق منذ أكثر من نصف قرن لم ينعم أهله بالكهرباء) وهو يؤدي قسم الإخلاص لمندوب رئيس حزبه. وبعبارة مختصرة، فإن المناصب العليا تُباع وتشترى، كما كانت في أواخر الدولة العثمانية.

والفساد على نوعين:

ـ النوع غير المقنن عن طريق نهب وسرقة واختلاس أموال الشعب بطرق غير مشروعة.

ـ النوع المقنن، عن طريق إصدار قانون أو مرسوم متَّفق عليه بين قادة الأحزاب الحاكمة دوماً يحدّد رواتب الوظائف العليا أو أعضاء البرلمان بأجور خيالية. فمثلاً يستحق النائب 32 راتباً إضافياً لحراس شخصيين يختارهم بحريته من أقاربه أو من غيرهم. ولم يأتِ هذا الرقم 32 اعتباطاً، بل بالاعتماد على عدد رجال الحماية التي كان يسهر على حماية الرئيس وكل فرد من أفراد أسرته وكبار مساعديه في فترة الحكم الشمولي.

ولتوضيح هذا النوع المقنن من الفساد الذي ينبغي أن يُدرَّس في معاهد الإدارة والقانون بوصفه من ابتكار المستعمر الأمريكي ورجال المحاصصة في حكم العراق. نضرب مثلاً في الراتب السنوي لبعض أصحاب المناصب العليا في العراق بعد 2003 (لأن قبل ذلك لا توجد رواتب محددة لرئيس الجمهورية وأفراد عائلته وعشيرته):

ـ رئيس الجمهورية: حوالي  65000 دولار شهريا، ما عدا مخصصات الامتيازات، علماً بأن رئيس الجمهورية منصب شرفي، وله نائبان، يتقاضيان راتباً مقارباً لراتبه. (راتب الرئيس الأمريكي المعاصر أوباما آنذاك :

ـ رئيس مجلس النواب: 44000 دولار شهرياً.

ـ الوزير 28000 دولار شهرياً.

ـ أما الراتب التقاعدي للياور، رئيس الجمهورية الأول بعد الاحتلال الأمريكي فيبلغ  حولي 51 ألف دولار شهريا. ومجموع الرواتب التقاعدية التي تقاضاها حتى سنة 2019 تبلغ  قرابة عشرة ملايين دولار.[6]

وهذه الرواتب لا مثيل لها في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا. وليس في بلد مثل العراق يعيش ما يقرب من 50 بالمئة من شعبه تحت خط الفقر المدقع. فإذا قارنا مثلاً راتب رئيس أقليم كردستان العراق (وهو 400 ألف دولار شهرياً)، براتب  معاصريه من رؤساء الدول الكبرى الغنية، مثل الرئيس الأمريكي أوباما مع المخصصات الإضافية ( وهو 37 ألف دولار شهرياً) وبراتب الرئيس الفرنسي ساركوزي (وهو 24 ألف يورو/دولار)، وبراتب السيدة ميركل المستشارة الألمانية (وهو  23 ألف يورو/ دولار) يتضح لنا الفساد في العراق. فهذه الرواتب المبالغ فيها هي نوع من الفساد المقنن المتفق عليه بين حكام المحاصصة.

ولكن هذه الرواتب الخيالية لا تعدّ شيئاً ذي بال إزاء الامتيازات الخارقة لزعماء العراق الفقير. ولعل حالة جلال الطالباني (1933ـ2017) رئيس جمهورية العراق الراحل مثلاً واضحاً على ذلك. فقد أنتُخبه "مجلس النواب" مرتين لرئاسة الجمهورية أمضى معظم المدة الرئاسية في مستشفيات خاصة في الأردن والولايات المتحدة وألمانيا (آخرها في مستشفى ألماني رفيع المستوى مدة سنة ونصف متواصلة) على حساب العراق طبعاً، وقبيل وفاته في ألمانيا، أعلنت رئاسة الجمهورية على موقعها ان الطالباني الذي سيصل مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق سيؤدي " بكل المسؤولية المعروفة عنه مهامه وعمله رئيساً لجمهورية العراق". ولكن جثمانه  ـ مع الأسف ـ هو الذي وصل من المانيا بعد أن أمضى سنة ونصف في مستشفى الماني رفيع  على حساب العراق. وفي تشييعه رفض أهله وأنصاره لف جثمانه بالعلم العراقي الذي هو رئيسه، وإنما بالعلم الكردي، وكتبا شاهدة القبر باللغة الكردية، علماً بأن الناطقين بكردية السليمانية والناطقين بكردية أربيل لا يتفاهمان إلا بلغة العراق العربية. وكانت عقيلة الرئيس الطالباني قد تبرعت بخمسة ملايين جنيه إسترليني لجامعة بريطانية لتدريس اللغة الكردية فيها (طبعا لهجة السليمانية).

ـ المليشيات المقدسة:

كان المستعمر البريطاني يطلق على الهند لقب " أرض البقرة المقدّسة"، لأن البقرة مقدَّسة لدى الهندوس الذين يشكِّلون الأغلبية في الهند، فالبقرة تسير في الطرقات والأسواق وتأكل ما تريد من خضروات معروضة للبيع دون أن يستطيع أحد أن يعترضها أو يمنعها. فهي مقدسة.  وبالمثل يسمّي بعضهم  العراق " أرض المليشيات المقدّسة". والسبب في ذلك أنه توجد في العراق 32 ميليشيا (وهذا رقم قياسي عالمي)، منذ سنة 2014 (وبعضها القليل قد نشأ قبل ذلك التاريخ.). وتسمية بعضهم هذه المليشيات ب "المقدسة" نابعة من كون كثير من هذه المليشيات يرأسها رجال دين من حوزة النجف، وهم يرتدون ملابسهم الدينية بعمائمهم البيضاء أو السوداء، وليست أزياء عسكرية، فهم لم يدرسوا في أية مدرسة عسكرية، تماماً مثل معظم أفراد عائلة الرئيس صدام الذين حملوا رتب عسكرية رفيعة، مثل فريق وعميد ركن، إلخ. دون أن يدرسوا في أية كلية عسكرية أو مدنية.

وكثير من هذه المليشيات أنشأتها أو تموّلها إيران، وتأتمر بأوامرها. وهذه سياسة استعمارية فارسية مارستها إيران منذ زمن الإمبراطورية الفارسية الثانية (220ـ651م)، فكان الفرس الساسانيون يستعملون العرب المناذرة بالحيرة في العراق لحرب أعدائهم الرومان الذين كانوا يستعملون العرب الغساسنة في الشام لذلك الغرض.[7]  ومن الممكن أن نطلق على هذه الحروب بين العرب المناذرة والعرب الغساسنة اسم " حروب بالوكالة"، حتى جاء الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي ووحدهما تحت رايته.

وإذا وُجدت مليشيا واحدة في إحدى الدول فاعلم أنها دولة ضعيفة هشة فاشلة، لأن جيش الحكومة فيها لا يسيطر على جميع أراضيها، وأن الصدام بين الجيش وإحدى تلك المليشيات المتعددة أو بين المليشيات نفسها محتمل جداً، كما هو الحال في السودان حاليا. فالحرب دائرة بين الجيش السوداني وميليشيا " الدعم السريع" اللذين نشبت بينهما قبل أكثر من أربعة أشهر، ويروح ضحيتها يوميا مواطنون سودانيون، وبلغ النازحون والمهجرون من الشعب السوداني حتى الآن حوالي أربعة ملايين مواطن إضافة إلى القتلى والجرحى. فما بالك في بلد واحد توجد فيه 32 ميليشيا (الله يكون في عونه!).

هل يطالب الشعب العراقي بحقوقه؟

إذا أردت أن تسرق شعباً فعليك تجهيله أولاً. وهذا ما دأبت على فعله الحكومات العسكرية أو شبه العسكرية منذ إسقاط الملكية سنة 1958، فليس بناء المدارس والمستشفيات من أولوياتها مطلقاً. وفي زمن المحاصصة الطائفية والعرقية، دأبت الحكومات المتعاقبة على الإمعان في التجهيل بشتى الوسائل، مثل إدخال طقوس تجهيلية في زيارة العتبات المقدسة بالعراق. فتجد من الزوار مَن يتمرغل في الوحل والأوساخ. ولا ينهاه أحد من رجال الدين من أصحاب الميليشيات الذين درسوا الفقه وأول أبوابه، باب الطهارة، ناهيك بالتطبير في عاشوراء الذي حرّمه كبار المراجع الدينية الشيعية منذ بداية القرن العشرين الميلادي مثل  السيد الشهرستاني والسيد أبو الحسن ( الذي ذبحوا أبنه حينما كان يصلي خلفه عقابا له على موافقته على تحريم التطبير).

ومع كل ذلك التجهيل المريع، فإن الشعب العراقي شعب أبيُّ كريم، لا يرضى بالضيم، فواصل الخروج بالمظاهرات التي تطالب بـما يلي:

ـ محاربة الفساد،

ـ توفير العمل للعاطلين.

ـ تحسين الخدمات

ـ إنهاء الفساد.

وكانت الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2005 تقابل تلك المظاهرات السلمية بالغاز المسيل للدموع، وبالرصاص الحي. وقد أدت هذه الممارسات القمعية الهمجية إلى مقتل 740 مواطناً وجرح 17 ألف مواطن آخر في بغداد وبقية المحافظات، إضافة الى المخطوفين. وفي كل مرة يصدر بيان من وزارة الداخلية في بغداد يزعم أن مندسّين أطلقوا النار على المتظاهرين (ويتساءل المرء: ما هي وظيفة رجال الأمن؟ أليس قبل كل شيء حماية المواطنين من المندسين؟!)[8]

وأخيرا يتساءل المرء: كيف الخلاص، وقد قلنا إن الدولة الهشة قد تستمر عدة أجيال؟

ما هو الحل؟

لا يكمن الحل في توافق الفاسدين المفسدين على الإصلاح، فهذا كمن يتطلبُ في الماء جذوةَ نار. يكمن الحل في الرجل الوطني الغيور الذي يقوم بعملية الإصلاح. تحضرني حكاية عن لي كوان يو ( 1923 ـ 2015) الذي كان شاباً لا يتجاوز عمره خمسة وثلاثين عاماً عندما تولى رئاسة وزراء سنغافورة بعد استقلالها في مطلع الستينيات؛ وكانت أفقر دولة في آسيا، مجرد مدينة بلا موارد، فحوّلها إلى دولة راقية ذات اقتصاد رفيع، ترتيبها في سلم التنمية البشرية العالمي اليوم هو الخامس بين 189 دولة.  ولهذا فهو يُلقَّب بالرئيس المعلّم الذي حوَّل التراب إلى ذهب.

يقول الرئيس لي كوان يو:

" إلى أي درجة كانت سنغافورة الستينيات تعيسة بائسة: فقر ومرض وفساد وجريمة. بيعت مناصب الدولة لمن يدفع، خطف رجال الشرطة الصغيرات لدعارة الأجانب، وقاسموا اللصوص والمومسات فيما يجمعون. أحتكر قادة الجيش الأراضي والرز، وباع القضاة أحكامهم. قال الجميع: الإصلاح مستحيل.

لكنني توجَّهتُ إلى المعلمين الذين كانوا في بؤس ويزدريهم الجميع، ومنحتُهم أعلى الأجور وقلت لهم: أنا أبني لكم أجهزة الدولة، وأنتم تبنون لي الإنسان."

سأل أحد الصحفيين لي كوان يو : ما هو الفرق بين سنغافورة ودول العالم الثالث الآسيوية؟؟

فأجاب:

" الفرق هو أننا نبني المدارس والمكتبات ودور البحث العلمي وهم يبنون المعابد. نحن ننفق موارد الدولة على التعليم، وهم ينفقونها على السلاح. نحن نحارب الفساد من قمة الهرم، وهم يمسكون اللصوص الصغار ولا يقتربون من المفسدين الكبار. "

وعندما أثنوا على لي كوان يو، بوصفه صانع المعجزة في سنغافورة، قال بكل تواضع:

ـ أنا فقط قمتُ بواجبي نحو وطني، فخصصتُ موارد الدولة للتعليم وغيرتُ مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة، والمعلم هو مَن صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق، بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه بعضاً في الشوارع."

***

الدكتور علي القاسمي

..........................

[1] Failed State/ Etat defiant

[2] سعد  الكناني، "العراق بعد 2003، الدولة الفاشلة" في الحوار المتمدن، عدد 7619 بتاريخ 22/5/2023.

[3] علي القاسمي. الجامعة والتنمية (الرباط: المعرفة للجمع، 2001) ص 29

[4] Peace Fund  (PFF).

[5] Foreign Policy

[6]  صلاح خسن بابان. أرقام فلكية تستنزف ميزانية العراق في الرابط:

https://www.aljazeera.net/politics/2020/9/29/%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-لام

[7] عبد الهادي محيسن. مملكتا المناذرة في الحيرة والغساسنة في الشام . مجلة الشراع 30 أيار، 2021.

[8] www.aljazeeera.net/politics/2002

تعليقات (2)
تحياتي للاستاذ العلامة القاسمي المحترم

دمت قدوة في الدراسة والتحليل العلمي المنير

مع الود والتقدير
شكراً سيدي الطبيب الأديب المفكر الدكتور صادق السامرائي حفظك الله ورعاك على تشجيعك المتواصل ومحبتك الخالصة.
محبكم: علي القاسمي               

ذة. ابن الطاهر آمال، إشكالية الدلالة في المعاجم العربية التراثية انطلاقا من مؤلف " المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق"

شاهد المقال

جامعة القاضي عياض، مراكش. الترجمة وتعليم اللغات الأجنبية والتعدد اللغوي / أعمال مهذاة للعلامة الدكتور علي القاسمي ( عمّان. دار خليج، 2023).

شاهد المقال

مصطفى شقيب، الترجمة الادبية ورهان الابداع..

شاهد المقال


الترجمة الادبية ورهان الابداع..

نقلا عن صحيفة المثقف

رواية مرافئ الحب السبعة نموذجا

هل لم تعد الحاجة تدعو الى مترجمين ادبيين؟

في زمن الانتشار المكثف للمعالجة المعلوماتية وذيوع البرمجيات الآلية، وآخرها انجازات برمجية "بين قوسين" الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي" وقدرته على محاكاة الانتاجات الآلية البشرية الى درجة أن وضع المترجمون ايديهم على قلوبهم خوفا من ضياع مناصب شغلهم.. لكن بإيجاز شديد، ما يسمى بالذكاء الاصطناعي ليس له من الذكاء الا الاسم، فما هو سوى نهب واستغلال للجهود البشرية ومحاولة انتاج مماثل بفعل سرعة المقارنات.. فالمنتوج آلي محاكي صرف، وسرعان ما يسقط هذا الروبوت في الاختبار إذا طلب منه صناعة نص مليء بالمشاعر والجماليات اللغوية والعناصر الثقافية.. فلا تنتج هذه الآلة غير كلمات جوفاء باردة، لا روح فيها ولا زخم، ولا نبض بشري صادق..

ولا عجب، فالمترجمون الادبيون بكل خلفياتهم العلمية والثقافية يعترفون بخيانتهم بدرجة ما لنص أدبي ما، فكيف بهذا الروبوت اللعين، الوليد غير الشرعي لحسابات وجشع الشركات الكبرى؟

إذن اين تتمثل صعوبات الترجمة الأدبية؟

يعترف الاختصاصيون اننا عندما نترجم نصا ادبيا فإننا نترجم كل مكونات هذا النص من محتوى وجمالية وايقاعات وايحاءات وتلميحات وخصوصيات ثقافية وما وراء الكلمات والاشياء الضمنية وما يريد المؤلف ايصاله الى قارئ اللغة الأصل.. لذلك يرى منظرو المجال انّ شروط الإبداع يجب ان يتضمن فضلا عن اجادة اللغتين، امتلاك ذائقة فنية وثقافة عميقة في كلي اللغتين.، ويتعين على المترجم ان يبدع عملا يضاهي او يقترب من العمل الاصلي، والامثل ان يبدو كانه مكتوب باللغة الهدف.

اعتبارا ان لا تكافؤ بين اللغتين في البنية والتراكيب والاستعارات وغيرها، كما ان القارئ الجديد قد يجهل كل شيء عن الثقافة المترجمة.

وفي مثالنا هذا الترجمة الفرنسية لرواية العلامة الدكتور علي القاسمي "مرافئ الحب السبعة" الصادرة في عدة طبعات منذ العام 2012 والتي حظيت باهتمام النقاد وكتب عنها عشرات الرسائل الجامعية..

في هذا العمل، كل عناصر الصعوبات والتحديات موجودة في هذا المؤلف الرائع،

ولنبدأ من البداية:

بعد مغادرة قسرية للوطن، واسفار وتنقلات عديدة، وشعور بثقل نفسي هائل، يستعد الكاتب لمعالجة تغريبته عبر الكتابة. فيستمر في مكتبه طوال اليوم والليل، يشرع في خط رواية متفجرة ذات ايقاع شعري خالص؛ لكنه كان يتوقف في كل مرة، يبلل الأوراق بالدموع ويقطّع ما كتب. ثم يعاود الكرّة من جديد.. ولو أنّ أصدقائه نصحوه بالتوقف قائلين له تصريحا أنه لن يستطيع الكتابة في هذه الظروف عن الوطن السليب والحرية المكبوتة والحب الخائب وذكريات الطفولة والأم والنخلة والقرية وحيواناته الأليفة ..

الا انه نجح في النهاية بعد مدة طويلة جدا-عشر سنوات-العقد الاول من القرن الواحد والعشرين..

إذن نحن امام ابداع ادبي عميق جياش، يفيض الما وشوقا وحنينا.. بوح انساني سام.. الرواية سيرة ذاتية شعرية درامية ملحمية معرفية، نبضت بمكنونات العراقي المهجّر ونثرت على الأوراق آمال الاحلام الكامنة في اللاوعي العربي.. فنجد التاريخ العربي والتغريبة الفلسطينية والاندلسية ومآسي الشعوب العربية وخصوصيات ثقافية فنية (من موشحات وتهاليل واشعار صوفية) وبطولات شعبية واعتزاز بالحضارة العربية وقصص حب عذري حزينة سعيدة..

كل هذا، الظروف التي كتبت فيها الرواية وروحها الفياضة،

علينا ابداعه بصدق واصالة؛

ويا لها من مهمة !

ولا بأس أن أحكي عن تجربة من سبقني في إعادة كتابة هذه الوراية، وهي محاولة فريدة قبلي انا من طرف المستشرق الروماني نيقولا دوبريشان، مترجم معاني القرآن الكريم وادباء عرب الى لغته.. هذا الرجل، أمام رواية مليئة بالإشارات الثقافية المحلية، اختار اسلوب الشرح والهوامش من اجل وضع القارئ في عالم القصة، وهكذا حفلت الرواية بهوامش كثيرة يحال المتلقي الروماني اليها.

اما من جهتي، فقد اردت انتاج رواية من دون مقدمات او هوامش، اردت ان يندمج القراء في عمل فني رائع دون توقف او شروحات..

لا ادري ان كنت مصيبا او مخطئا؟

للحقيقة، الرواية فضلا عن الزخم العاطفي والايقاع الشعري، عامرة بالنبرات الثقافية في كل ما كتب. فالقارئ الاجنبي اكيد انه لن يتلقى كما يتلقى القارئ العربي وقع كلمات بغداد، المستنصرية، ابو نواس، الحلاج، فاس، القرويين، محمد الصغير وخطاب امه اليه "نعم، ابكِ كالنساءِ ملكاً لم تدافع عنه كالرجال"، بل حتى اسماء شخصيات الابطال ووقعها، "أثيرة" المفضلة"، سليم (المفروض انه معافى لكنه دائما عليل بعشق الوطن والمراة.. )، اسم البطة "وفاء" رمز الاخلاص..

ولكي نرى بعضا من ذلك، لنقرا فقرات مختارة ومقابلها بالفرنسية:

عندما أوت حميدة إلى سريرها تلك الليلة، كانت تشعر بانقباضٍ لا تعرف له سبباً. لم تتمكَّن من النوم. تناولتْ كتاباً وراحت تقرأ في الفراش فلم تستطِع أن تفهم شيئاً مما قرأتْ. ألقتْ بالكتاب جانباً، وغطَّت رأسها في دعوةٍ منهكة للنوم. في منامها المنغَّص، رأت بغداد تحترق في الليل. كانت ألسنةُ اللهب تتصاعد إلى عنان السماء، وتغطّي المدينة الغافية على ضفتَي دجلة، بدثارٍ من دخان. في كابوسها المُريع، أطلّتْ من شرفة شقّتها على شارع أبي نواس، فتراءت لها كراسي المقاهي الممتدَّة على النهر تلتهمها النيران، وهي تلقي بنفسها في ماء النهر، للنجاة من ألسنة اللهب. وراح تمثال الشاعر أبي نواس يتلوّى وسط النيران وكأنَّ يوم القيامة قد حلَّ، وأُلقي بالشاعر السكّير في جهنم، دون أن تشفع له زُهديّاته وابتهالاته الشعريّة التي نظمها في أواخر حياته.

ومن بعيد، تراءت لها السواري الرخاميَّة لجامعة المُستنصِريَّة تتهاوى الواحدة تلو الأخرى تحت النيران، وتتداعى جدرانها المزخرفة، وتذوب ألواح شبابيكها الزجاجيَّة الملوَّنة، فتجري ذائبةً في سواقٍ من لهبٍ، تجتاح الأزقَّة القريبة المؤدِّية إلى شارع المتنبي، فتحرق في طريقها الكُتُب والمخطوطات المكدَّسة في دكاكين الورّاقين، وفي المعاهد العلميَّة، وفي المكتبات، وفي بيوت الخواصّ، وفي صدور الرجال. تحترق أوراق الكتب ولا يتناثر منها في الفضاء إلا التكبيرات: " الله أكبر"، " الله أكبر"، " الله أكبر"، لتملأ الجوَّ مثل طائراتٍ ورقيَّةٍ لا تشدّها خيوط ولا يسوسها أطفال. وأمام أنقاض جامعة المستنصريَّة، وقف شبحُ الخليفة المستنصر بالله، حاسر الرأس، مُعفَّر الجبين، حافي القدمَين، وقد أذهلته الكارثة التي حلَّت بالجامعة التي شيَّدها.

كانت النيران تسري في كلِّ دربٍ من دروب المدينة العريقة، وتجتاح كلَّ مَعلمة من معالمها: المكتبات، المدارس، المصانع، المنازل، المعاهد، وأطلال الأَحبَّة. حتّى الحدائق العامَّة لم تسلم منها، فقد كانت النار تلفُّ جذوع الأشجار وتمحق أغصانها، فتتكسَّر باعثةً أزيزاً وأنيناً وأصواتٍ متنافرةً تختلط في ضجّةٍ رهيبة. وكانت ألسنة اللهب تلاحق الفراشات المتطايرة فراشةً فراشةً، فتحيلها إلى رماد؛ وتمتدّ إلى الزهور المتمايلة زهرةً زهرةً فتذرو وريقاتها هباءً.

أفاقت حميدة مذعورة وهي تتساءل: أين أنتَ يا زكي الآن؟

ص4

Cette nuit-là, dans son lit, Hamida se sentit déprimée sans savoir pourquoi. Elle ne parvint pas à s´endormir. Elle prit un livre et commença à lire sans rien comprendre. Elle jeta alors le livre et, épuisée, couvrit sa tête dans une invitation au sommeil. Dans son sommeil troublé, elle vit Bagdad s’incendier. Les flammes s´élevèrent dans le ciel, et la fumée enveloppa la ville qui était plongée dans le sommeil, sur les bords du Tigre. Un affreux cauchemar ! Depuis le balcon de son appartement, qui donnait sur la rue d’Abu Nuwas, elle vit alors les chaises des cafés dévorées par les flammes, et des individus qui se jetaient désespérément dans l’eau du fleuve. La statue du poète Abu Nuwas se tordait au milieu des flammes comme si le jour du jugement était arrivé. Le poète ivre était jeté en enfer, sans que les poèmes ascétiques qu´il avait composés à la fin de sa vie puissent intercéder.

Hamida aperçut au loin les pylônes marbrés de l’Université Al-Mustansiriya qui s’effondraient les uns après les autres sous les flammes, et les murs peints qui s’écroulaient. Les baies vitrées colorées se fondaient dans un ruisseau de flammes, qui envahissaient les ruelles voisines menant à la rue Al-Mutanabi, et brûlaient sur leur passage les manuscrits, qui étaient amassés dans les papeteries, les institutions scientifiques, les bibliothèques, les maisons et le cœur de l´humanité. Les feuilles des livres se consumaient, et seules les louanges qui évoquaient la grandeur de Dieu s´envolaient dans l´espace : « Allah est grand, Allah est grand, Allah est grand », remplissant l’atmosphère, tels des cerfs-volants sans fils, ni guide. Devant les ruines de l’Université Al-Mustansiriyya surgit le fantôme du calife Al-Mustansir Billah. Immobile, la tête et les pieds nus, et le front couvert de poussière, il était abasourdi par le désastre que l´université qu’il avait bâtie subissait.

Les flammes se propageaient dans tous les recoins de la ville majestueuse, s´emparant des bibliothèques, des écoles, des usines, des institutions… et atteignaient des êtres chers. Même les parcs publics n’avaient pas été épargnés : le feu cernait les troncs des arbres et balayait leurs branches, qui se brisaient en émettant un grondement. Au même moment, dans un vacarme assourdissant, se mêlaient des sanglots et des bruits discordants. Les flammes poursuivaient les cerfs-volants, les réduisant en cendres, et attaquaient les fleurs vacillantes, les réduisant en poussière.

Hamida se réveilla terrifiée en se demandant où était Zaki.

P14

آه يا نخلةَ أُمّي. لقد طوّفتُ في مدن الأحزان، وتنقّلتُ بين البلدان، عبرت البحار والشُّطآن، فلم أرَ مثلك في شموخكِ، وتناسق شكلكِ، وروعة لونكِ، وطيب ثمركِ. كلُّ الأشجار قميئة القدر بعدَكِ. شاهدتُ أشجار الأَرز الضخمة في ذرى جبال لبنان، ورأيت شجرة الباوباب العملاقة في جزيرة مدغشقر، وفي جنوب أفريقيا شاهدت الأهالي يتجمّعون في الربيع حول شجرة الجَكَرَنْدَا الزاهية بأوراقها القرمزية وهم يتمتمون بأمانيهم كيما تُستجاب، وفي أقصى بلاد سوس تلمّستُ شجرة الأرگان الصلدة التي قاومت زلزال أغادير؛ ولكن لم تدخل قلبي شجرةٌ مثلكِ، يا نخلةَ أمي، ولم يلذّ لي ثمرٌ كما لذَّ لي رُطَبكِ عندما كنت أتناوله مع اللبن المخيض. كلُّ الثمار لا طعم لها في فمي بعد رُطَبك، يا نخلة أمي. وكلُّ الأشجار تتضاءل، تتقزم، تتلاشى، إذا ما قورِنت بقامتك الفارعة وأنت منتصبة بإباء في دارنا القديمة الفسيحة الأرجاء. كم تمنيتُ أن أكون طائراً يحلّق في الأعال، يخترق الحدود دون أن تلحظه العيون، لأحطَّ على سعفة من سعفاتك التي يهزّها النسيم، كما كانت أُمّي تهزّ مهدي تحت ظلالك، أو كما كنتُ وأخوتي نتأرجح في أرجوحة نربطها إلى جذعكِ وأحد شبابيك المنزل. آه، يا نخلةَ أُمّي، كم أتمنّى اليوم لو أنّني صنعتُ تمثالاً معبوداً من تمرك، على عادةِ بعض عرب الجاهلية الرُّحَّل، وحملته معي في حقيبتي كيما ألتهم شيئاً منه عندما يعضّني جوع الحنين إلى الوطن.

ص14

Oh ! Palmier de ma mère ! Je me suis promené dans les villes de la tristesse, j’ai voyagé de pays en pays, j’ai traversé les mers et les rivages, mais je n’ai jamais vu quelque chose de pareil. Je n´ai jamais rien vu de pareil que toi, de pareil que ta grandeur, que ta forme harmonieuse, que l´enchantement de ta couleur, et que tes délicieux fruits. Aucun arbre n´est égal à toi. J’ai vu les énormes cèdres qui parsèment les sommets du Mont Liban ; l´arbre géant de l’île de Madagascar ; les familles en Afrique du Sud qui se regroupent autour du Jacaranda (arbre subtropical orné de feuilles violettes) pour y murmurer leurs souhaits dans l’espoir qu’ils soient exaucés ; l´arganier (arbre coriace de la région du Souss au Maroc) qui a résisté au séisme d’Agadir… Cependant, aucun arbre n’a pu conquérir mon cœur comme tu l´as fait, palmier de ma mère, et aucun fruit n´a été aussi délicieux que les tiens… tes fruits que je mangeais avec du babeurre. Aucun fruit n´a le même goût que tes dattes dans ma bouche. Oh ! Palmier de ma mère. Tous les arbres s’affaiblissent, s´éteignent, s’effacent, en comparaison avec ta grandeur, toi qui est érigé avec fierté dans notre ancienne maison spacieuse. J’ai tant souhaité être un oiseau planant dans les hauts cieux qui dépasse les frontières en passant inaperçu, afin de me poser sur une de tes palmes que la brise secoue. Ainsi le faisait ma mère lorsqu´elle me berçait sous ton ombre fraîche, ou comme nous le faisions mes sœurs et moi-même lorsque nous nous balancions sur la balançoire que nous attachions à ton tronc et à l´une des fenêtres de la maison. Oh ! Palmier de ma mère. J´aimerais tant dresser une statue à ta mémoire, à la mémoire de tes dattes, qu´elles soient vénérées, comme avaient l´habitude de le faire certains nomades de l´Arabie préislamique… les emporter avec moi, dans mon sac, afin d’en manger un peu lorsque la nostalgie pour la patrie me dévorerait.

P23

إنَّك لا تدري، يا أبي، أنَّني منذ ذلك الفجر الذي احترفتُ فيه الرحيل، والشمس تشرق كلَّ صباح في عيني من العراق، وتغيب كلَّ أصيل في العراق، وأنَّ ساعتي أدمنت توقيت بغداد، أينما ذهبتُ، لأنَّ هذه الساعة التي أهديتَها إليّ ذات يوم، تعمل بالنبض، نبض قلبي الذي تجسّه في معصمي. وقلبي ينبض بحبِّ العراق.

تقول، يا أبي، إنَّني قد أنسى وطني حينما أعبر إلى الضفة الأُخرى، وأنتَ على يقينٍ، يا أبي، أنَّني في أيِّ المحيطات أبحرتُ، وفي أيِّ البحار نشرتُ أشرعتي، فإنَّ بوصلة القلب ستبقى متجهةً دائماً نحو منائر وطني، وأنَّ ساريتي ستظلُّ أبداً ملفّعة بشال أُمّي وضفائر أُختي. وسأستنشق عبير بستاننا في نسيم البحر. وسيغتسل طيف بلادي في مجرى مركبي، وأرى خيال أعناق نخلاتنا في الغمائم فوق السفن، وسيجري ماء الفرات على الدوام في عروقي وأوردتي وشراييني ودمعي. وسأظلّ صادياً ظمآنَ لن أرتوي إلا ببضع قطرات من ماء الفرات الفرات.

وطني هو ذلك النهر المنساب برقّة في أحضان قريتنا الوديعة. وطني هو النخلات التي تحنو على النهر ويتدلّى سعفها الطويل في مجراه، فتمتزج خضرتها بزرقة السماء على صفحة مائه. وطني هو البجع البري الذي كان يسبح مع مجرى التيار قادماً من أعالي النهر، فكنتُ أسبح نحوه جذلاً، أطلق صرخات الفرح، أطارده بمرح، ترفرف أجنحته، يرتفع طائراً على سطح الماء، فانبهر به.

وطني هو قبلة أمّي على جبيني، وضمّة أمّي إلى صدرها، وحكايات أمّي والنعاس يداعب أجفاني في دفء فراشي، وخلطة الحليب والزبدة والعسل التي كنتَ تسقيني في فطور الصباح، وجدائل أُختي الكبرى وهي تقودني إلى المدرسة.

وطني هو الراعية الصبيَّة، عيدة، ذات الوجه الأسمر المليح المتناسق التقاطيع، والجسم الناحل الصغير، والذؤابتين المنفلتتَين من عصابة رأسها السوداء. عيدة التي كنتُ أجري خلفها وهي مسرعة إلى عملها في المروج، وأنا أنادي: " عيدة، عيدة" فتلتفت نحوي ملوِّحةً بعصاها مهدّدة وهي تقول: " وجعة شديدة، وأيش تريد من عيدة؟" فكنتُ أضحك للهجتها البدويّة، والحزم البادي على وجهها الأسمر الصغير.

هل كنتُ أعبث، يا عيدة، حين كنتِ تعملين بجدّ، فاستحققتُ لعنتكِ؟ إذن الآن وقد أدركتُ معنى العمل بعد هذا العمر، أعذركِ واطلب منك العفو. أتدرين، يا عيدة، أنَّ ذاكرتي ظلّت موشومةً بملامحكِ التي لوَّحتها شمس بابل بسحرها، موشومةً بعينيكِ اللامعتَين، بشفتيكِ المكتنزتَين. ما تذكَّرتُ طفولتي، يا عيدة، إلا وكنتِ أنتِ تركضين في مروجها الخضراء بهمَّةِ وحزم، تردّين نعجةَ شاردةً إلى القطيع، أو تنحنين لتحتضني حَملاً لم يستطع مجاراة القطيع، أو تعدّين غنمك بالعصا قبل العودة إلى المراح، وتركضين وتركضين وكلبك يجري خلفكِ دوماً، كما لو كان مشدوداً بخيطٍ إلى أذيال ردائكِ ذي القبّ والسلهام الطويل.

ولكنْ، قولي لي، يا عيدة، أين أمسيتِ اليوم؟ هل عدا عليك الزمن الذي لا يرحم كما عدا عليّ؟ هل غزا الشيب مَفْرِقكِ؟ هل أقعدتك الشيخوخة فلا تستطيعين المشي، بله الركض؟ أم أنَّ يد الموت قطفتكِ قبل الأوان كما كنا نقطف التفاح في بستاننا؟ وكيف مرّت حياتكِ؟ هل كنتِ سعيدة؟ أم أنَّ الناس في الأرياف لا يعرفون معنى السعادة؟ حسناً، هل تزوجتِ؟ وهل كان زوجكِ رجلاً طيّباً؟ هل عاملكِ برفق؟ هل أنجبتِ أطفالاً بمثل ملاحتكِ، وسمرتكِ، وحدَّة لسانكِ؟ وأين هم الآن؟ هل أُتيحت لهم فرصة التعلُّم في المدرسة؟ هل مارسوا أعمالاً أقلَّ عنتاً من الفلاحة والرعي؟ أم التهمتهم نيران الحروب الهوجاء التي دمَّرت وطني؟

أتذكَّرك، يا عيدة، فأضحك من أعماقي. أنا الذي نسيت طعم الضحك في فمي منذ سنوات. أضحك من كلماتكِ التي كنت تنطقينها بنبرة حادّة: " وجعة شديدة، وأيش تريد من عيدة؟" هل كنتِ تعدّينني طفلاً شقياً يبتغي إضاعة وقتكِ فتردعيني بأقسى الكلام، وبتلويحٍ من عصاك الطويلة؟ ص80

Vous ne savez pas, père, que depuis cette aube où je suis parti, chaque matin le soleil se lève dans mes yeux en Irak et le crépuscule s´y couche aussi… ma montre est réglée sur l’heure de Bagdad, peu importe où je vais, parce que cette montre que vous m’avez offerte un jour, fonctionne par impulsion, l’impulsion du cœur palpable sur mon poignet. Or mon cœur bat pour l’amour de l’Irak. Vous dites, père, que je parviendrai à oublier ma patrie quand je passerai sur l’autre rive. Pourtant, vous savez bien que la boussole de mon cœur sera toujours orientée vers les phares de ma patrie, et que ma grande voile sera à tout jamais enveloppée du châle de ma mère et des tresses de ma sœur. Le parfum de notre verger, je l’inhalerai dans la brise de la mer. Le spectre de mon pays se lavera dans le courant de ma navigation, l’ombre de nos palmiers planera dans les nuages et dominera les bateaux, et l’eau de l’Euphrate coulera en permanence dans mes veines, mes artères, mes vaisseaux et mes larmes. Assoiffé, seule l´eau de l´Euphrate apaisera ma soif.

Car ma patrie, c’est cette rivière qui coule tendrement dans notre paisible village. Ma patrie, ce sont les palmiers qui se penchent sur la mer, les longues palmes tombantes, dont la couleur verte se mélange au bleu du ciel, irradiant ainsi la surface de l´eau. Ma patrie, c’est le cygne qui nage le long du cours d’eau en amont de la rivière, vers lequel je nage, exalté, lançant des cris de joie et le poursuivant pour m´amuser. À l´envol, il ne court pas à la surface de l´eau, mais décolle directement d´un seul élan, et cela m´impressionne !

Ma patrie, c’est ma mère qui baise mon front, me serre contre sa poitrine, me raconte des contes, tandis que bien au chaud dans mon lit, la somnolence caresse mes paupières. Ma patrie, c´est ma mère qui me sert au petit déjeuner ce délicieux mélange de lait, de beurre et de miel. Ma patrie, ce sont aussi les tresses de ma grande sœur qui me conduit à l’école. Ma patrie, c’est la petite bergère Aida au charmant visage brun et harmonieux, au petit corps maigrelet… Aida, derrière laquelle je courais alors qu’elle allait aux pâturages, tout en l’appelant « Aida, Aida ». Elle se tournait alors vers moi et brandissait son bâton menaçant en disant (d’un accent bédouin) :

– Qu’une douleur aiguë te touche, que veux-tu d’Aida ?

Je riais de son accent, et de la fermeté apparente sur son petit visage foncé. Oh ! Aida. Je ne faisais que rigoler tandis que tu allais à la besogne. Est-ce que je méritais une telle malédiction ? Avec l´âge, j´ai enfin compris ce qu´est le travail… je te comprends et te demande pardon. Tu sais, Aida, ma mémoire est restée tatouée par tes traits que le soleil de Babel avait dessinés avec sa magie, marquée à tout jamais par tes yeux brillants, par tes lèvres pulpeuses. Chaque fois que je me souviens de mon enfance, Aida, je te vois courir dans les pâturages verts avec détermination et fermeté, ramenant une brebis errante au troupeau, te penchant sur un agneau n´ayant pu suivre le rythme du troupeau, ou encore comptant tes moutons avec le bâton. La joie de vivre ! Tu courais sans cesse, ton chien toujours derrière toi comme s´il était pendu à ta robe longue à capuche.

Mais, dis-moi, Aida, où étais-tu ce soir-là ? Le temps, impitoyable, t’a-t-il transgressée comme il m’a transgressé ? Le grisonnement a-t-il envahi tes cheveux ? La vieillesse t’a-t-elle estropiée ? Peux-tu encore marcher, sans parler de courir ? La main de la mort t’a-t-elle prématurément cueillie comme on cueillait les pommes dans notre verger ? Et comment as-tu vécu ? As-tu été heureuse ? (si les gens de la campagne ont le sens du bonheur). T´es-tu mariée ? Ton mari a-t-il été un homme bienveillant ? T’a-t-il traitée tendrement ? As-tu eu des enfants ayant ton charme, ton teint hâlé, et ton insolence ? Où sont-ils maintenant ? Ont-ils été à l´école ? Ont-ils exercé des professions moins pénibles que la besogne agricole, l’agriculture et le pâturage ? Les feux des guerres dévastatrices ont-ils ravagé ma patrie ?

Je me souviens de toi, Aida, et je ris au fond de moi. Moi, qui depuis des années a oublié le goût du rire dans ma bouche. Je ris des mots que tu prononçais sur un ton aigu « Qu’une douleur aiguë te touche, que veux-tu d’Aida ? ». Est-ce que tu me considérais comme un vilain garçon qui désirait abuser de ton temps ? Tu me dissuadais alors avec des mots durs en brandissant ton long bâton.

p.88

***

مصطفى شقيب - مترجم أدبي

يونيو 2023

تعليقات (1)
تحية حارة للمترجم الأديب الأخ الكريم الأستاذ مصطفى شقيب حفظه الله ورعاه، بمناسبة هذه الدراسة القيمة عن طبيعة الترجمة الأدبية واستراتيجياتها المختلفة وتقنياتها الدقيقة.
إنها بجق دراسة أكاديمية لا يستطيع الأستاذ الجامعي إعدادها ما لم يكن قد مر بتجربة الترجمة الفعلية، التي تعني حرفياً إبداع العمل الأدبي في اللغة الهدف.

العجيب في إمكانات صديقي المترجم الفذ الأستاذ ممصطفى شقيب إنه أستطاع أن يترجم في عام واحد جميع سردياتي التي أخذت مني ما يقرب من ثلاثين عاماً. إنه إنجاز رائع أشادت به المراجعة الأستاذة الدكتورة ماري إيفيلين لوبودير، كما أبدت إلإعجاب به لجنة القراءة في دار نشر لارمتان في باريس، بحيث قررت نشر جميع ما ترجمه الإستاذ مصطفى من أعمالي إلى اللغة الفرنسية. ولا يتأتى ذلك لأي فرد ما لم تكن قد تجمّعت له القدرة اللغوية باللغتين، والموهبة الأدبية، إضافة إلى محبة الترجمة من الأعماق.

شكراً جزيلاً أخي العزيز المترجم المتميز الأستاذ مصطفى شقيب. حفظك الله ورعاك.
أخوك: علي القاسمي

عرار، الدكتور علي القاسمي سيرة ومسيرة

شاهد المقال

 

الدكتور علي القاسمي سيرة ومسيرة

عرار:

عن دار الوفاء في الاسكندرية بمناسبة العيد الخامس والسّبعين للعلامة أ.د علي القاسمي أشهر أ.د منتصر أمين عبد الرّحيم كتابه المعنون بعنوان:

"الدّكتور علي القاسميّ سيرة ومسيرة" مجموعة بحوث ودراسات مهداة إليه بمناسبة عيد ميلاده الخامس والسّبعين.وهو كتاب قرّر مؤلفه أن يجعل منه سفراً لجمع بعض ما كتب حول مشروع القاسمي ومسيرته وعطائه بقلم طائفة عملاقة من الأكاديميين والمتخصصين والمبدعين والإعلاميين حيث يقول في هذا الصّدد:" نقدّم هذا الكتاب اعترافًا وتكريمًا لعالم جليل هو الأستاذ الدّكتور علي القاسمي الّذي جمع – منشأ وإقامة وحِلًا وترحالًا- بين المشرق والمغرب العربيّ من ناحية وبين الشرق والغرب من ناحية أخرى؛ فتوافرت له بذلك أسباب كثيرة لسمت إبداعيّ فريد وسم جميع أعماله العلميّة والأدبيّة والثّقافيّة، فالقاسمي عالمًا وأديبًا وإنسانًا بصم الثّقافة العربيّة ببصمته الخاصة الّتي ستظل مسطورة في سجل الخالدين، ولقد توسلنا في بلوغ تكريمه – ولسنا ببالغيه – وسيلتين؛ الأولى أنْ نضع بين يدي القارئ “سيرة” ذاتيّة علميّة وإداريّة حول كامل أعماله ومناصبه، والوسيلة الأخيرة أنْ نجعل مواد هذا الكتاب بمثابة قراءة علميّة وأدبيّة ونقديّة لكثير من مؤلفاته الّتي تمثل علامات على طريق “مسيرته” العلميّة والأدبيّة والثّقافيّة، وعليه جعلنا العنوان الفرعيّ للكتاب “سيرة ومسيرة” وقد تطلّب منا ذلك الاطلاع على كثير من الدراسات الّتي كتبت عن أعماله، وكثير من مراسلاته وملفاته الشخصية. وكنّا قد توصلنا بعديدٍ من المشاركات المقترحة الّتي تنتمي إلى حقول بحثيّة تتصل باهتمامات الدّكتور القاسمي العلميّة والأدبيّة لكنَّ أسبابًا كثيرة جعلتنا نقتصر على ما تجده – قارئنا الكريم – ضمن محتويات هذا الكتاب.

إنَّ الهدف من إعداد هذا الكتاب أنْ تكونَ جميع الدّراسات والبحوث والشّهادات الّتي يضمها بين دفتيه واقعة في إطار الاحتفاء والاعتراف بشخصية تركتْ بصمة واضحة وأثرًا طيبًا نافذًا في ثقافتنا بعامة، وهو اعتراف نابع من الوعي الموضوعيّ بمكانة هذه الشّخصية وقيمة أعمالها ومنزلتها من بالثّقافة العربيّة".

كما وجّه المؤلف في مطلع كتابه شكراً لكلّ الباحثين الذين شاركوا في هذا الكتاب إذ قال:" عندما فكّرتُ في إصدار كتاب تُخَصَّص بحوثه ودراساته لتكريم عالم جليل وأديب أصيل له حضوره ومكانته مثل الدّكتور القاسميّ، كان من الطبيعي أن أفكر في حجم التّجاوب الكبير الّذي ستلقاه هذه الفكرة، لكني لم أكن أتصور حجم التّعاون النّبيل والكريم الّذي وجدته من علماء وأدباء ونقّاد ومفكرين في الوطن والمهجر على حد سواء؛ لذا لا يسعني إلا أن أتقدّم بجزيل الشّكر وعظيم الامتنان إلى جميع الأساتذة الكرام الذين شاركوا في هذا الكتاب، كما لا يفوتني أيضاً أن أتقدّم بالشّكر والتّقدير إلى كلّ أولئك الأساتذة الذين عبروا عن رغبة حقيقيّة في المشاركة، غير أنّ التزاماتهم وانشغالاتهم العلميّة، وكذلك المهلة الزّمنيّة المتاحة حالت دون ذلك".

وقد عبّر العلامة القاسمي عن فرحه الكبير بهذا المصنّف،إذ قال في هذا الشّأن:" يشرفني ويسعدني أن أتوجّه بالشكر والعرفان للعالم اللغوي المصري المعجمي المتألق الدكتور منتصر أمين عبد الرحيم على تكرمه بإعداد هذا الكتاب الذي استغرق سنتين من وقته الثمين حقاً، في زحمة بحوثه الجامعية، ومؤلفاته القيمة الأخرى. وهذا الكتاب دليل على المودة المتأصلة بين طلاب العلم من أبناء العروبة أينما كانوا".

ويتصدّر الكتاب مقدمة للكتاب،وسيرة وجيزة عن القاسمي وحياته ومنجزه الأكاديمي والإبداعيّ، ثم جرى تقسيم الكتاب بعد ذلك إلى أقسام مختلفة، إذ احتوى القسم الأوّل المعقود تحت عنوان "القاسمي معجميّاً" دراسات بقلم كلّ من:د.صالح جواد الطعمة،و د.أحمد شحلان،ود.عبد الغني أبو العزم،وعزّ الدين الوشيخي.

أمّا القسم الثاني في الكتاب فقد انعقد تحت عنوان " القاسمي مصطلحيّاً"، إذ شارك فيه كلّ من: د.محمد الدحماني، ود.عبد الرحمن بجيوي، ود.محمد العلوي. إلاّ أنّ القسم الثالث من الكتاب فقد انعقد تحت عنوان " القاسمي مترجماً"، وقد شارك فيه كلّ من: أ.محمد اليملاحي، وأ.عزيز العرباوي، وأ.عبد الرحيم العلام.

في حين أنّ القسم الرّابع من الكتاب المعقود تحت عنوان" القاسميّ ناقداً ومفكراً"،قد احتوى على دراسات بأقلام: الشاعر فاروق شوشة، وأ.البشير النطيفي، ود.محمد الشدادي. أمّا القسم الخامس " القاسميّ تربويّاً "فقد شارك فيه كلّ من:أ.إدريس الكريوي، أ. أبو إياد آل ياسر، د.هيثم الخوجة.

والقسم السّادس من الكتاب معقود تحت عنوان " القاسميّ قصّاصاً"، وقد شارك فيه كلّ من:

د.محمد صابر عبيد، د.عبد الملك أشهبون، د.حسين سرمك.إلى جانب مشاركة كلّ من د.عبد الرحيم وهابي، ود.فيصل غازي، ود.منتصر أمين، ود.سوسن البياتي في القسم السّابع من الكتاب المعقود تحت عنوان " القاسميّ روائيّاً"،إضافة إلى العنوان المعقود تحت 
رواية " مرافئ الحبّ السّبعة” ملهمة الشّعراء والرّسامين"، إذ شارك فيه كلّ من: د.عدنان عبد الكريم الظاهر، وأ. زهرة الزيراوي.

كما عقد المؤلف الفصل الثامن من كتابه تحت عنوان "شهادات الأصدقاء"، وشارك فيه كلّ من:د.جورج عبد المسيح، ود.صلاح فضل، ود.عبد السلام المساوي، ود.نور ثائر حسن، ود.نجاة المريني، ود.مالكة العاصمي، ود.سعيد يقطين، ود.أحمد كروم، ود.عبد القادر الجموسي، ود.الحسن الغشتول، وأ.عبد الرحمن الربيعي، وأ. نجاة الزباير، ود.عبد الرحمن السليمان، والروائي محمد عز الدين التازي، وأ.عبد الكريم غلاب.

وقد أُختتم الكتاب بفصل تاسع يحمل عنوان "حوارات"،وقد شارك فيه كلّ من: أ.إبراهيم أوليحان، ود.سناء الشعلان، ود.عبد العزيز حميد. وصولاً إلى خاتمة نثرية بقلم أ. فيصل عبد الحسن، وخاتمة شعريّة لوليد الكيلاني، وبيلوغرافيا غير كاملة للدراسات النّقديّة لبعض أعمال القاسمي الأدبيّة.

 مصدر : ديوان العرب