أصدقاء الدكتور علي القاسمي

ديوان ( لحن عسكري لأغنية عاطفية) للشاعر عبد السلام المساوي


د. علي القاسمي 

ديوان " لحن عسكري لأغنية عاطفية"
للشاعر عبد السلام المساوي


نقلا عن موقع النور



الشاعر:
صديقي الشاعر الدكتور عبد السلام المساوي علمٌ من أعلام الأدب المغربي والعربي، أغنى الساحة الثقافية والأدبية بإبداعاته الشعرية المتميزة ودراساته النقدية المعمَّقة. تجمَّعت له صفات الشاعر الفذّ بكل أبعادها الإنسانية والوجدانية والجمالية والفنية. فهو إنسان جميل الخَلق والخُلق، رقيق العاطفة، هادئ الطبع، دائم الابتسامة، تزيّن وجهه سمة الحياء الأصيل، محبٌّ للآخرين، يبادر إلى تشجيع الأدباء الشباب ودعمهم ومساعدتهم ولهذا، كان من الطبيعي أن يؤسس بفاس المسابقة الشعرية الكبرى للتلاميذ الشعراء. الشعر، عنده، شعور إنساني نبيل، محرِّكٌ لفيض الوجدان، ومؤجج لشعلة المحبَّة الإنسانية.  فهو يؤمن بوجود شعراء حقيقيين يعيشون الشعر ولا يمارسون كتابته، ويدعو إلى "محو الأمّية الشعرية"، كما أعرب عن ذلك في أحد بياناته الشعرية.
ولِد شاعرنا سنة 1958 بقرية أيلة، إقليم تاونات بالقرب من مدينة فاس العريقة، عاصمة المغرب التاريخية والثقافية. ويمتاز إقليم تاونات بطبيعته الفاتنة ذات المناظر الخلابة المطرَّزة بالجبال والتلال والوهاد والوديان والجداول والشلالات وكلِّ ما يأسر البصر والسمع والفؤاد، ويريح النفس ويروّح عنها، ويفجّر العواطف، ويُنضِج المواهب الفنية. فإذا أضفنا إلى ذلك المكان الساحر، داراً مشيّدة جدرانها بالمحبة والوئام، وموشومة بعطف الوالدة ورعايتها وحنانها؛ أدركنا بيسرٍ سرَّ ذلك الحنين الجمالي إلى مراتع الطفولة ومباهجها، الذي لم يبرح الشاعر في جميع دواوينه الخمسة، منذ ديوانه الأول، "خطاب إلى قريتي" 1986(1) حتى آخر ديوان له " لحن عسكري لأغنية عاطفية" 2011(2).
وبعد أن أنهى المساوي دراسته الثانوية في مدينة تازة سنة 1978، التحق بشعبة اللغة العربية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس وتخرّج فيها حائزاً الإجازة في الأدب العربي سنة 1982. وكان من بين أساتذته في تلك الجامعة الشاعر العربي الكبير الدكتور سيدي محمد السرغيني الذي أشرف فيما بعد على رسالته العليا حول " البنيات الدالة في شعر أمل دنقل" التي نال بها دبلوم الدراسات العليا من نفس الجامعة سنة 1992، والتي طوّرها وأصدرها في كتاب نشره اتحاد الكتّاب العرب في دمشق سنة 1994(3).
ونظراً لشغفه بالمعرفة وحبه الجامح للعلم والبحث، فقد واصل دراسته للدكتوراه، على الرغم من عمله مدرّساً للغة والأدب العربيين في إحدى الثانويات. وقد نال شهادة دكتوراه دولة سنة 2003. وكانت رسالته بإشراف الشاعر الناقد المغربي المعروف الدكتور حسن الغرفي حول "الموت في الشعر العربي المعاصر" الذي تناول فيه نماذج عديدة من الشعراء العرب المعاصرين كالسياب وأدونيس ومحمود درويش وأحمد المجاطي وغيرهم.
ويبدو أن المدة الطويلة التي أمضاها شاعرنا في البحث الأكاديمي لرسالة الدكتوراه في فلسفة الموت، والنظريات التي تتناوله، والرموز التي تحيط به، وتمظهراته في نصوص الشعراء والأدباء، قد أثّرت فيه ــ وهو الشاعر المرهف الإحساس ــ تأثيراً واضحاً، لا في شعره فحسب، بل في فكره النقدي كذلك. إذ أضحى المساوي ناقد الموت المتفرِّد، وأخذ يكتب عن الموت وهو "متوّج بالفرادة"، على حدّ تعبير الشاعر المغربي الكبير أحمد بلحاج آية وارهام. ولهذا كان من اليسير عليه أن يصدر كتابه "جماليات الموت في شعر محمود درويش" سنة 2009(4)، بعد ثلاثة أشهر فقط على رحيل محمود درويش. ثم يعقبه بكتابه "الموت المتخيل في شعر أدونيس" سنة 2013(5).
درس المساوي الموت من المنظور الجماعي والمنظور الذاتي للشاعر. وإذا كان الشاعر يمجّد الموت بوصفة حياة وخلوداً للشهيد، فإنه، في الوقت نفسه، يتأمل موته الفردي بكثير من الأسى والوجد. ولهذا فثمة علاقة وثيقة بين الشعر والموت من ناحيتين: الأولى، إن الموت يفجّر ينابيع الأحاسيس المختلفة لدى الشاعر، ويثير لديه ردود أفعال مختلفة: الحزن، الخوف، التمرُّد، الرغبة في خلق عالم أفضل، الإقرار بعبثية الوجود المحكوم عليه سلفاً بالموت. ومن ناحية أخرى، فإن الشاعر يحمل عصاه ويرحل في فيافي الخيال والإبداع، باحثاً عن حلٍّ للغز الموت، وجوابٍ على السؤال المصيري: " لماذا نرحل إن كنا قد جئنا؟ ولماذا قبل قطافِ الوردِ نموت؟ " على حدّ تساؤلات عبد الوهاب البياتي.
وينبّه الشاعر المساوي إلى حقيقة أن الموت لا يتجسَّد في النصِّ الشعري بالموضوعات والدلالات فحسب، بل كذلك يتمثَّل جمالياً في اللغة، معجماً وتركيبا، وفي متخيّل الشاعر تصويراً وتناصاً من خلال ما يستخدمه من رموز وأساطير، ووسائل في التعبير، وتقنيات في الكتابة.
بعد أن نال شهادة الدكتوراه وتجمعت لديه خبرة عشرين عاماً في التعليم الثانوي، التحق المساوي بأكاديمية فاس بولمان سنة 2003، فأُسنِد إليه منصب رئيس المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج في الأكاديمية. ومن موقعه ذاك، أسهم في إطلاق مشروعين ثقافيين هامين: الأول، (المهرجان الوطني للفيلم التربوي) وتولّى إدارته لدوراته السنوية من 2004 إلى 2011؛ والثاني، إصدار مجلة " علامات تربوية" التي رأس تحريرها، حتى انتقاله سنة 2012 للعمل أستاذاً للتعليم العالي في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفاس.
ومما يثير الإعجاب بشخصية الشاعر عبد السلام المساوي أن عطاءه الأدبي جزيل، ولكنه في الوقت نفسه يحافظ باستمرار على الأصالة والجدّة والعمق. فبالإضافة إلى الأعمال الأدبية التي ذكرنا، نشر كتاباً يشتمل على نصوص سردية بعنوان "عناكب من دم المكان" 2001(6)، وديواناً شعرياً بعنوان "عصافير الوشاية" 2003(7)، وكتاباً نقدياً بعنوان "إيقاعات ملونة: قراءات في الشعر المغربي المعاصر" 2006(8). إضافة إلى مقالاته الأدبية الغزيرة التي تُنشر في أمهات المجلات في مختلف البلدان العربية، وإلى إسهامه في مؤلَّفات جماعية تكريماً لبعض الشعراء العرب، مثل أمل دنقل، وعز الدين المناصرة، ومحمد بنطلحة.
وفي ضوء هذا الإنتاج الأدبي المتميز، نال المساوي جوائز أدبية عديدة منها:
ــ جائزة مجلة الفرسان، باريس، 1992، عن أفضل قصيدة عربية،
ــ جائزة فاس للإبداع والثقافة، 1999.
ــ جائزة بلند الحيدري ( منتدى أصيلة)، 2000، عن ديوانه " سقوف المجاز" 1999(9).
كما أقام له محبوه لقاءات تكريمية أهمها اللقاء الذي اشترك في تنظيمه في فاس سنة 2009، (محترف الكتابة) الذي ترأسه الشاعرة أمينة المريني و(حلقة الفكر المغربي) الذي يرأسها الدكتور سلام إدريسو، وشارك في اللقاء الناقد الدكتور عبد المالك أشهبون والشاعر الدكتور محمد بودويك.
ديوان "لحن عسكري لأغنية عاطفية":
       يقع هذا الديوان في 178 صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على خمس وعشرين قصيدة نثر، بعضها قصير لا يتعدى عدّة عبارات شعرية، مثل قصيدة ( مجذوب)، ص 33، وبعضها طويل يستغرق عدّة صفحات ولكنه يعتمد التفريع بالأرقام مثل قصيدة (رعشة في برد الملكوت)، ص 113، أو التفريع بعناوين ثانوية، مثل قصيدة ( أحلم بأني أنام)، ص 69.
       في هذا الديوان، يواصل المساوي توظيف الأسطورة والتاريخ والتراث واستثمارها في شعره لإمداد نصوصه بشحنة رمزية موحية، ولتكون نصوصاً حداثية، موضوعاتها معاصرة ولكنها تسافر في فكر الماضي، كما تحلق في أجواء المستقبل.  ونلمس في الديوان عناية خاصة بالألفاظ ودلالاتها المستجدة، فهو يغرس المعاني الفريدة في جنينة اللغة، دائم البحث عن دلالة بكر يزفها إلى لفظ جزل. يفتش، وهو مسلحٌ بثقافة لغوية واسعة ودراية عميقة في الأدب العربي قديمه وحديثه، في خمائل اللغة وغابة الحروف عن زهرةٍ نادرة لم تُقطَف، زهرةٍ ذات ألوان لم يحلم بها جهابذة الرسامين، وأريج لم يخطر على بال خبراء العطور الموهوبين، فشعره لا يرضى إلا بكلمات لم يجرِ بها قلم ومعانٍ لم يراودها كاتب قبله:
       أبحث عن تخطيطٍ لحروفٍ
       يزيغُ بها القلمُ
       عن حبره
       والحبر عن لونه
       واللون عن بياضه الدائم ...
       في هذا الديوان، يتسم شعره بعمق فكري وتجربة وجدانية صادقة. ويبدو لنا المساوي كما لو كان يكتب حياته ويدوِّن ذاته شعراً. فهو، مثل كثير من الشعراء والأدباء، يهفو إلى بثّ سيرته وأحداثها في نصوصه، وإلى بقاء اسمه وتراثه بعد رحيله. ولعل هذا يفسر لنا، أيضاَ، انهماكه حالياً في تدوين سيرة روائية بعنوان " بيوت بلا جدران". فموضوعات هذا الديوان تتمثل لنا في ذكريات الطفولة والحنين إلى أيامها الخوالي:
       كان يقود الوقت بمشيئته:
       يركبُ الأغصان إذا ارتفع الضحى
       وتزدحم الرغبات فيه
       إذا حلّ المساء... ( ص 48)
       وفي وسط مرابع الطفولة وملاعبها، تنتصب الأم سامقة رائعة، تنبعث منها جميع مشاعر الحنان والمحبة:
       أمّي،
       كل المفاتيح في صدرك
       قبالة غيم الأحباب
       فأدخليني
       بهو المعاني
       عندما ينتهي البحر على يديك
       وعندما يصير الله على شفتيك...
       هذه الأم حصّنته بصلواتها ودعواتها، وكان صدرها موطن الحنان والاطمئنان الذي يأوي إليه، وكان الفرح يرقص في عينيها عندما تلمحه:
       لم يزل خوفها يحرسني
       من زلّة فوق أرصفة ٍ
       تحرّكها الرياح
       ولم تزل عيناها تشعان بالفرح
       وهي تراني مقبلاً من أيما جهةٍ...
فهذه الأم الرؤوم تعيش في ذاكرة الشاعر ليلاً ونهاراً وتلهمه أنبل المشاعر وأجمل المعاني حتى يومنا هذا:
       تستيقظين الآن
       في الهزيع الخير من أرقي
       فتنتصب الأشجار مثمرةً من جديد
       وباسقةً كارتفاع الصلاة...
يلهمني خطوك همزةَ وصل أرسمها
ويخبرنا الشاعر عن أبيه:
وأبي الذي مات
يقفز في الغبار والقمح
وفي يده بغلة تتأوه من غضبة السوط...
وعن أصدقائه وندمائه وعاداته:
الغامضون من حولي
يلفظون دخانَ شحوبهم
ويدخلون أعتاب الكأس بوقاحةٍ
وأنا الواضح تماماً كباقي الأيام
تجفوني كأسي...
ويخبرنا الشاعر في هذا الديوان عن الشعراء الذين تأثر بهم، من القدماء والمحدثين، إما بقصائد عناوينها تحمل أسماءهم، مثل: المعري، أمل دنقل، أدونيس محمود درويش، أمل دنقل؛ أو يذكر أسماءهم في غضون قصيدة من القصائد:
فالغدُ أحدٌ
وأخشى أن أستفيق على صوتِ السيّاب
وعلى قيامة الشعراء في دوحة المعري...
إضافة إلى أنه سبق أن أستخدم عبارة شعرية شهيرة للمعري عنواناً لأحد دواوينه، "هذا جناه الشعر عليّ"، 2008(10).
وأخيراً وليس آخراً، يخبرنا الشاعر عن النساء اللواتي أججن عاطفة العشق والرغبة في الأعماق:
أي طيف يحتويك
ولا تنهارُ النجوم
وأي مكان تسيرين فيه
ولا يرتجف ...
  
السخرية في الديوان:
تعرّف المعاجم العربية، قديمها وحديثها، بما فيها معجمنا "المعجم العربي الأساسي"(11)، (السخرية) بأنها الهزء بالآخر. ويرفض المربّون وعلماء النفس استخدام السخرية في النقد والقضاء والتعليم، وينتقدون حتى سخرية سقراط حينما كان يتظاهر بالجهل ويوجه السؤال تلو السؤال لطلابه كي يدركوا خطأهم. فالسخرية تنطوي على نوع من العدوانية والتهكم على الآخر والاستخفاف به وقمعه، وإظهار التفوّق عليه والافتخار بالأنا، وتؤدي إلى العداء والبغضاء، وتكون طاقة تدميرية تشدّ الآخر إلى الأسفل وتضغط على طاقاته الحيوية. ولهذا ورد تحريم هذا النوع من السخرية في القرآن الكريم: } لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم[ (سورة الحجرات: 49)
ولكنَّ استقراء محدوداً لسياقات (السخرية) في ديوان "لحن عسكري لأغنية عاطفية"، يدلنا على النقص في تعريف هذه المعاجم، لأنه اقتصر على نوع واحد من أنواع السخرية، على حين توجد أنواع أخرى تقترب من الفكاهة أو الهزل، وتضطلع بوظيفية تفريجية، فتخفف من الإحباط، وتقلل من الصرامة، وتوجِد موقفاً أقل توتراً. ومن هذه الأنواع: السخرية من الذات (أو السخرية الذاتية)، والسخرية من الواقع المرير ونقده تعبيراً عن الشعور بالعجز، أو اتخاذ موقف ساخر من الوجود وبعض مظاهره. وتؤدي هذه الأنواع دوراً مهماً في نقد الذات في محاولة لتدمير الصورة الذاتية المشوهة، أو إيجاد حل لمشكلة مستعصية من أجل استعادة التوازن والشعور بالأمن والاعتبار الاجتماعي.
واستخدام السخرية في الأدب يعتمد على إبراز التناقض المضحك، واستخدام الصور المجازية الكاريكاتورية، والتلاعب بالألفاظ، وغيرها من التقنيات. والأسلوب الساخر يتطلّب تحلي الأديب بذكاء حاد يمكّنه من رؤية الصلة الخفية بين الظاهر والمستتر، والربط بين الموجود والمراد، وإدراك الجوانب المضحكة في الظواهر العادية.  ولهذا لا نجد في تاريخ الأدب العالمي إلا عدداً محدوداً جداً من المبدعين الذين نجحوا في هذا النوع من الأدب، مثل الإسباني  ميغيل دي ثيربانتس ( 1547 ــ 1616) صاحب " دون كيشوت"، والأمريكي مارك توين (1835 ــ 1910) الذي قال عن نفسه: "يقولون إنني كاتب ساخر، ولكن لم تبلغ بي السخرية حداً أرى معه تمثال الحرية مصلوباً على أبواب أمريكا." ، والكاتب المسرحي الإيرلندي البريطاني جورج برنادشو ( 1856ـــ1950) الذي فازت مسرحيته " سيدتي الجميلة (بجماليون)" بجائزة نوبل للأدب سنة 1925.
في ديوان " لحن عسكري لأغنية عاطفية"، تواجهنا السخرية والعبثية منذ العتبات الأولى للديوان، العنوان ولوحة الغلاف. فالعنوان يضمّ تناقضاً مضحكاً، لأن القارئ يتوقع لحناً رومانسياً لأغنية عاطفية، أو لحناً عسكريا لنفير الحرب، ولكن الشاعر جمع بين الذئب والحمل في حفرة العنوان. أما لوحة الغلاف فهي سوريالية ذات خطوط مبعثرة وألوان متنافرة وليس لها منظور. ولا يفهم القارئ شيئاً من خطوطها المشوشة وألوانها الداكنة المضطربة، وكأن المقصود منها أن يضحك القارئ مع الوجه المندهش المطل من الغيوم على بقية اللوحة.
في قصيدة ( لحن عسكري لأغنية عاطفية)، ثمة سخرية ذاتية أمام واقع مرير يتسم بعبثية  لا يملك الشاعر معها إلا الاستسلام لمصيره:
ليس لي خوذة تحميني
من لسعة الحرب
وليس لي مهرة
تركض بي في طريق النجاة
ماذا أخسر سوى قامتي إذا سقطت ...
( كما لو كان يقول: ماذا أخسر سوى درهمين؟)
وعندما يزور المساوي  ـــ في المعرة بسوريا ـــ قبر شاعره المفضّل أبي العلاء المعري الذي كتب أجمل قصيدة رثاء للإنسانية في الأدب العربي، يكتب المساوي قصيدة ساخرة مُرّة:
للأرض المشقوقةِ
 أنيابٌ بيضاء ..
وجمجمةُ أبي العلاء
يسكنها جُعلٌ تافهٌ
بلا كراء...
والسخرية هنا ليست من أبي العلاء، طبعاً، ولكنها من الوضع القائم والمصير المحتوم.
ويواصل المساوي سخريته في هذه القصيدة من الفلسفات والأفكار والمصائر، فيقول:
قربَ قبرِكَ، يا أبا العلاء
قبرٌ بحجمِ وسادةٍ
لرضيعٍ لم يَدفِن رأسه
في حليب الصدر
لم يعش غيرَ دقيقةٍ..
دمُهُ أخضرُ، يا شيخَنا،
كفجر السنابلِ
صمتُهُ، يا شيخَنا،
أغنيةٌ غطّاها التراب
هو ذا عالمُكَ، يا أبا العلاء
فهل تطلب المزيد؟!
وهل يطلب القارئ الكريم المزيد من هذه النصوص الرفيعة الساخرة؟ ما عليه، إذن، إلا أن يقرأ الديوان ليلفي فيه ثقافة ومتعة نادرتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
•(1)     عبد السلام المساوي، خطاب إلى قريتي ـــ شعر ـــ ( الدار البيضاء: مؤسسة بنشرة، 1986)
•(2)     عبد السلام المساوي، لحن عسكري لأغنية عاطفية  ــ شعر ـــ ( بيروت: دار النهضة العربية، 2011)
•(3)     عبد السلام المساوي، البنيات الدالة في شعر أمل دنقل ــ دراسة ـــ ( دمشق: منشورات اتحاد كتاب العرب، 1994)
•(4)     عبد السلام المساوي، جماليات الموت في شعر محمود درويش ( بيروت: دار الساقي، 2009)
•(5)     عبد السلام المساوي، الموت المتخيّل في شعر أدونيس ــ دراسة ــ ( دمشق/ الجزائر: الشركة الجزائرية السورية، 2013)
•(6)     عبد السلام المساوي، عناكب من دم المكان ــ سرد ـــ ( فاس: دار ما بعد الحداثة، 2003)
•(7)     عبد السلام المساوي، عصافير الوشاية ــ شعر ــ ( فاس: دار ما بعد الحداثة، 2003)
•(8)     عبد السلام المساوي، إيقاعات ملونة: قراءات في الشعر المغربي المعاصر ( فاس: دار ما بعد الحداثة، 2006)
•(9)     عبد السلام المساوي، سقوف المجاز ــ شعر ـــ ( الدار البيضاء: دار النشر المغربية، 1999)
•(10) عبد السلام المساوي، هذا جناه الشعر عليَّ ــ شعر ـــ ( فاس" مطبعة إنفوبرينت، 2008)
•(11)  علي القاسمي ( المنسِّق) وآخرون، المعجم العربي الأساسي ( تونس/ باريس: الألكسو، لاروس، 1989)
د. علي القاسمي


التعليقات

الاسم: علي القاسمي
التاريخ: 15/12/2013 22:37:25
أخي العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن أحمد الإمام المحترم،
السلام عليكم، أشكرك على كلماتك الرقيقة، وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك الكريم. إن تبحّرك في اللغة العربية وآدابها هو الذي يجعلك تتذوق حلاوة الشعر العربي. شكري الجزيل ومحبتي الخالصة.

الاسم: د/عبدالرحمن بن أحمد الإمام. جامعة الحكمة نيجيريا
التاريخ: 15/12/2013 19:44:12
بأية حلاوتين نفرح ؟ بلحن استعذب الصعاب فجعلها حلوا عذبا ، أم بكلمات اختارها أمير المعجميين المعاصرين لنكتشف من القصيدة رونقا وجمالا وحلاوة قد لايقصدها الشاعر نفسه فبالأمرين نفرح حتى تكتمل فرحتنا . جزاكما الله خيرا
محبكما د/عبدالرحمن بن أحمد الإمام من جامعة الحكمة إلورن نيجيرياز

الاسم: علي القاسمي
التاريخ: 11/12/2013 13:00:50
صديقي العزيز الأديب المتألق الدكتور نعيم عودة، كلماتك النابعة من القلب تنساب إلى فؤادي برقة ونعومة كما يسري النسيم من القدس إلى مراكش، حاملاً معه همس الأحباب، وأريج المنائر والأبواب، وعطر الملائكة والأصحاب. دمت لي أخاً وفياً.

الاسم: علي القاسمي
التاريخ: 11/12/2013 12:51:08
عزيزتي القاصة الناقدة الدكتورة حورية الظل المحترمة،
شكراً على إطلالتك البهيةعلى المقال. وأنا متأكد من أنك إذا حصلتِ على نسختك من الديوان، فإن زهوره النادرة الساحرة الأريج ستتفتح خصيصاً لك ، لأنها لا تكشف عن حسنها الفائق إلا لأديبة ناقدة من قامتك ووزنك الرائعين.

الاسم: حورية الظل
التاريخ: 11/12/2013 11:56:46
لم أقرأ الديوان بعد (وهذه مناسبة لأطلب نسختي) لكن قراءتي للمقال جعلتني أرغب بشدة في قراءته، لأن الدكتور علي القاسمي أطلعنا على بعض فواكه الديوان الشهية وجعلنا نتذوقها أيضا، لنقف على ما تحتويه بساتين الأستاذ عبد السلام الموساوي الشعرية من خيرات، نغترف منها باستمرار، ويظل قامة شعرية عالية في المشهد الشعري المغربي والعربي المعاصر، فدام له التألق والعطاء وشكري إلى الدكتور علي القاسمي الذي سبر أغوار هذه التجربة وجعلنا نقف على جوانب جديدة من تجربة الدكتور عبد السلام الموساوي

الاسم: د. نعيم عودة
التاريخ: 11/12/2013 08:49:29
أخي دكتور علي القاسمي،، كلما كتبت َ كلما سموت َ ، فكتابتك حول هذا الشاعر وحول شعره يكسبه بهجةً ويلحق به الروعة المنشودة، فالشاعر لم يترك أمـه ولم يترك آماله ولم يترك وطنه، وكذلك أنت لم تترك هذه العناصر تفـر متناثرة في الفضاء كما فعلتَ في روايتك الجميلة ( مرافئ الحب السبعة) ,, سلمت يداك ويـداه..

الاسم: علي القاسمي
التاريخ: 11/12/2013 00:13:06
صديقي العزيز عالم النفس الأديب الأستاذ مصطفى شقيب
أشكرك على التفاتتك البهية إلى أن الشعر يخاطب الوجدان والروح، ويطلقهما في أجواء نورانية عليا تزيد من الإحساس بالخير والحق والجمال، وهي التفاتة لا يحظى بها إلا علماء النفس أمثالك، القادرين على تحليل أعمق المشاعر الإنسانية وأنبل الأحاسيس الخيرة.

الاسم: علي القاسمي
التاريخ: 11/12/2013 00:05:35
عزيزي الناقد المتميز الدكتور عبد الرحيم وهابي،
أشكرك على إضاءاتك النقدية لتجربة الدكتور المساوي الشعرية، فهي إضاءات ذكية نافذة تنير الدرب أمام الدارسين والقراء ـ وأنا منهم ـ لولوج آفاق جمالية جديدة، والنهل من ينابيع فنية ثرة، تساعد على تكثيف متعة التلقي لشعر الدكتور المساوي والتفاعل معه. دمتَ ناقداً لامعاً معطاءً.

الاسم: مصطفى شقيب
التاريخ: 10/12/2013 23:56:41
نحن امة الشعر.جيناتنا لم تتحول كليا..لم تمسخها عمليات القولبة والتصنيع المائع السريع..ما نراه هامة عليا تسترعي التقدير والاحترام..لقد ابحر بنا الدكتور القاسمي الى كنه عوالم الاستاذ المساوي،التي من خلالها نعاود اكتشاف ذواتنا واحاسيسنا الدفينة..لولا الشعراء لضاعت المشاعر..ستظل اعمال الشاعر المساوي موضوعا للدرس وسبر اغوارها ..بل وتعلم لغتها الروحانية الفريدة..مصطفى شقيب/المغرب

الاسم: علي القاسمي
التاريخ: 10/12/2013 23:51:21
عزيزي الناقد المتألق الدكتور عبد المالك أشهبون
أشكرك على إطلالتك الحلوة على المقال، وعلى كلماتك الرقيقة، وأشاركك الرأي في تفرد تجربة الشاعر الكبير الدكتور عبد السلام المساوي الذي أغنى المشهد الثقافي العربي بإبداعاته الفذة.

الاسم: عبد الرحيم وهابي
التاريخ: 10/12/2013 21:55:04
شكرا للمفكر والناقد والمبدع علي القامي على هذه الدراسة القيمة التي نسجت خيوط التجربة الشعرية للشاعر والناقد المغربي الكبير عبد السلام الموساوي، الذي قدم الكثير للأدب المغربي، وللثقافة العربية، خاصة من خلال تجربته الشعرية المتميزة، التي تمتح من معين رمزي وأسطوري...استطاعت أن تجدد رؤيا الشعر المغربي، وتتمم باقتدار وتفرد تجربة شعراء السبعينيات. وقد أضاف الدكتور علي القاسمي أبعادا جديدة لهذه التجربة بإماطته اللثام عن اللغة الساخرة، التي تجعل من شعر الموساوي بالفعل شعرا رؤيويا، يحاول استلهام التراث العربي، قصد الربط بين الحاضر والماضي لاستشراف المستقبل... لقد لامس الدكتور علي القاسمي، جوانب جمالية : لغوية ورمزية وتراثية، واسلوبية....تفتح الآفاق لدراسات مقبلة، حول التجربة الشعرية المتميزة للشاعر المتألق عبد السلام الموساوي.

الاسم: عبد المالك أشهبون
التاريخ: 10/12/2013 21:23:57
استمتعت بقراءة مقال العلامة الفذ واﻷكاديمي المرموق علي القاسمي متعه الله بالصحة واالعافية...والأجمل في المقال أنه يتناول تجربة شاعر مغربي له وزنه الشعري المميز في المشهد الشعري المغربي المعاصر ويتعلق اﻷمر بالشاعر عبد السلام المساوي...
فالمتعة مزدوجة متعة قراءة ما كتبه الناقد. حول تجربة شاعر مميز...

مقالات ذات صلة