إشكالية اسمها الحرية في الأدب العربي / خالد الحلي
ويتضمن الكتاب مجموعة من المقالات والدراسات التي تتناول إشكالية الحرية، ويدور القسم الأول منها حول مفهوم الحرية وحقوق الإنسان، نتيجة لاشتغال المؤلف مراجعا لتقرير التنمية البشرية الذي يصدره سنويا البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أو نتيجة لمشاركاته في المؤتمرات التي عقدت حول تقارير التنمية الإنسانية العربية. أما القسم الثاني فيتمحور حول متابعته لتجليات إشكالية الحرية في بعض الأعمال الأدبية العربية المعاصرة.
وفي إطار معالجته للموضوع، يرى المؤلف أولا أن الحرية طبع لا تطبع. فالإنسان يولد حرا مجردا من أي قيد، كما كان الإنسان في بداياته جزءا من الطبيعة الفسيحة التي لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود. ولهذا فالإنسان بطبعه نزوع إلى الحرية دائم البحث عنها.
ولدى حديثه عن حدود الحرية، يؤكد أن الحرية لا تعني الفوضى، بل بالعكس. فالحرية تموت في الفوضى. وأهم شرط من شروط تحقيق الحرية هو تنظيمها وتحديدها وتثقيف الأفراد على الالتزام بالنظام الذي يضمن الحرية للجميع، وإلا لن يستطيع أحد منهم ممارسة حريته.
وفي إطار هذا التصور يحدد ثلاثة حدود رئيسة لحرية الفرد هي:
1) حرية الفرد تحدها حريات الآخرين.
2) حرية الفرد في الاختيار محدودة بقدراته الذاتية، الفكرية والمادية.
3) حرية الفرد محدودة بالأوضاع الاجتماعية والقوانين وغيرها.
وعندما يتوقف المؤلف عند مفهوم الحرية، يقول: إن هذا المفهوم قد تطور عبر العصور، شأنه في ذلك شأن جميع المفاهيم التي يكونها العقل البشري. وبصورة عامة، يمكن القول إن «الحرية» هي حالة يكون فيها الإنسان قادرا على مزاولة إرادته في الفعل أو عدم الفعل من دون ضغوط خارجية (جسدية) أو داخلية (نفسية) تحد من تلك الإرادة. ولهذا فقد رأى بعضهم أن للحرية جانبين: أحدهما سلبي يشير إلى غياب العوائق والحواجز والضغوط التي تمنع الفرد من ممارسة إرادته، وهذا الجانب فردي. والآخر، إيجابي يتعلق بإمكانية الفعل بحيث يتحكم الفرد في حياته أو يحقق أغراضه، وهذا الجانب جماعي، أي إنه يتوافر لكل أفراد الجماعة.
وحول وجود لفظين مترادفين لهما معنى واحد أو يدلان على مفهوم واحد في اللغة، يؤكد أن الباحثين يميلون إلى التفريق بينهما عن طريق تخصيص كل لفظ منهما بوجه من وجوه المفهوم. ومن الأمثلة التي يضربها على ذلك أن الناطقين باللغة الإنجليزية يستعملون لفظين مترادفين للدلالة على مفهوم (الحرية)، وهما (freedom) ذو الأصل الأنجلو ـ سكسوني، و(liberty) ذو الأصل اللاتيني. ويقول بهذا الصدد إن بعض المفكرين الإنجليز ذهبوا إلى القول بأن اللفظ الأول يدل على الحرية بوصفها خبرة ذهنية داخلية وجودية، وإن اللفظ الثاني يدل على الحرية بوصفها ممارسة خارجية سياسية اقتصادية. ولكن حقيقة الأمر هي أن اللفظين مترادفان. وهذا شبيه بذهاب بعض الكتاب العرب إلى استعمال لفظ (السلام) ليدل على السلام العالمي بين الدول و(السلم) على السلم الاجتماعي داخل الدولة الواحدة، في حين أن اللفظين مترادفان ومشتقان من أصل واحد هو (س ل م) الذي يدل في معظم مشتقاته على الصحة والعافية، كما يقول ابن فارس في معجمه «مقاييس اللغة».
وبالنسبة لمفهوم الحرية في العقل العربي، يخلص إلى أن هذا المفهوم معقد ويشتمل على جميع عناصره الجوهرية في مختلف مراحل تطوره التاريخي، وأن لفظ الحرية يعني للعربي جميع الدلالات المختلفة له. ويتفق هنا مع رأي الدكتور طه عبد الرحمن في كتابه «حوارات من أجل المستقبل» حول أن للفظ عند الفيلسوف تاريخا طويلا هو عبارة عن طبقات من الدلالات بعضها فوق بعض، فيريد مبدئيا أن ينزل إلى هذه الطبقات واحدة واحدة. ولكن إذا كان الفيلسوف يبحث شعوريا عن دلالات اللفظ، فإنه يعتقد أن المثقف العادي ينفعل بجميع دلالات اللفظ بصورة لا شعورية، ويكتسب اللفظ دلالاته المركزية والهامشية لديه من مجموع استعمالاته في لغته ممثلة في الكتب والاستشهادات كالأمثال السائرة والحكم والأقوال المأثورة والقواعد المتبعة وغيرها.
وفي هذا الإطار يؤكد أن الحرية هي قيمة القيم، وغاية الغايات، فبها تكتسب الحياة معنى، وبدونها تتساوى حياة الإنسان والموت، وبإشاعتها في المجتمع تتوافر مستلزمات التنمية البشرية التي تضمن حياة لائقة بالكرامة الإنسانية. وما من أمة حققت التقدم الفكري والاقتصادي إلا بإشاعة الحرية، خاصة حرية التعبير. وكم يحز في النفس أن نرى شمس الحرية تشرق ساطعة على كثير من الأمم فتبدل العلم بالجهل، والمرض بالصحة، والغنى بالفقر، إلا في بلادنا العربية.
وبمراجعته لتقرير عن التنمية الإنسانية العربية صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يرى أن غياب الحرية في البلاد العربية هو أزمة ثقافة قبل أن يكون أزمة سياسة. ولكنه، مع اتفاقه من حيث المبدأ، مع توجهات التقرير الرئيسية، خاصة في ربطه بين الحرية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإنه يرى أن مسألة احترام الحريات وحقوق الإنسان هي حقيقة ثقافية قبل أن تكون حاصل قوانين مسطرة، وينبغي العمل أولا على إشاعة مفاهيم وقيم الحرية وحقوق الإنسان واحترامها في المدرسة والأسرة والمكتب والمصنع وجميع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليتم التجاوب والتفاعل بين القوانين الضامنة للحريات والحقوق، والممارسات الفردية والسلطوية.
وحول كيفية تنمية ثقافة الحرية، يؤكد أن نشر ثقافة الحرية في المجتمع، لا يمكن أن يتحقق إلا بتضافر عدد من العناصر، كالتعليم، والتدريب، ووسائل الإعلام والاتصال، وأنشطة المجتمع المدني، والتشريعات، وغيرها. وبوصفه أحد المشتغلين في التعليم، يقترح أن تكون حلقة التعليم هي الحلقة التي نبدأ بإصلاحها في سلسلة البنيات الاجتماعية الأخرى. فبواسطة التعليم يمكن نشر ثقافة الحرية في المجتمع العربي والإيمان بقيمها. وهو يخلص إلى أن التعليم، وخصوصا التعليم العالي، هو الحلقة التي ينبغي أن نبدأ فيها بترويج ثقافة الحرية وقيم حقوق الإنسان لإشاعتها في جميع شرائح المجتمع.
ويتناول المؤلف بعد ذلك بعض الإنتاجات الإبداعية العربية، من زوايا حرية التعبير، والحرية والهوية، والحرية في اختيار الشكل الفني، وحرية الكاتب في ابتكار أنواع أدبية جديدة، وحرية الكاتب في تجنيس أعماله، وحرية الشاعر في الغموض، والتعامل مع موضوع الحرية إبداعيا.
عن ملحق المنتدى الثقافي – جريدة الشرق الأوسط 2/7/2009