أصدقاء الدكتور علي القاسمي

علي القاسمي المبدع الموسوعي شهادة محمد مساعدي في حق فضيلة الدكتور علي القاسمي بمناسبة انعقاد الندوة التكريمية "إنسانية الفكر في الأدب واللغة: قراءة في أعمال العلامة الدكتور علي القاسمي" يومي 28 – 29 نونبر 2018 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق بالدار البيضاء




علي القاسمي المبدع الموسوعي



شهادة محمد مساعدي في حق فضيلة الدكتور علي القاسمي بمناسبة انعقاد الندوة التكريمية

"إنسانية الفكر في الأدب واللغة: قراءة في أعمال العلامة الدكتور علي القاسمي"

يومي 28 – 29 نونبر 2018 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق بالدار البيضاء




تحية إكبار وإجلال لشعبة اللغة العربية وآدابها، ولكلية الآدب والعلوم الإنسانية بعين الشق، ولجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء على هذه الندوة العلمية التكريمية التي لا تخلو من دلالات إنسانية:

أولها الاعتراف بما أسداه هذا العالم العراقي/المغربيالجليل، والمبدع العربي الأصيل من جهود جبارة ليس فقط في مجال الدراسات اللسانيةوالمعجمية،وإنما أيضا في مجال الممارسة الإبداعية والترجمية والدراسات الإنسانية بشكل عام.

وثانيها القيم الإنسانية الراسخة في صميم الجامعة المغربية بكل مكوناتها؛ فهي لا تنسى أبدا من أسدى لها خدمة علمية أو ساهم في تكوين طلبتها وتأطيرأجيالها، بل تظل محتفظة في ذاكرتها وذاكرة أساتذتها وطلابها بهذه البصمات الراسخة التي لن يمحوها الزمن ما دامت ثقافة الاعتراف قيمة من القيم الراسخة في هويتها التربوية والأكاديمية.

من يعرف عن قرب فضيلة الدكتور علي القاسمي يدرك الدلالاتالعميقة والمتشعبة لعنوان هذه الندوة "إنسانية الفكر في الأدب واللغة"؛ فالقيم الكونية متأصلة في هذا المبدع المناضل، وبصماتها واضحة المعالم في إبداعاته وكتاباته الفكرية، ومن يتتبع هذه الكتابات يدرك أنها علة اغترابه عن وطنه الأم.ورغم ما عاناه علي القاسمي الإنسان من تجارب مريرة مع الغربة إلا أن علاقاتِه الإنسانية الراقية جعلته يَكْسِرُ طوق هذا الاغتراب القسري ويُحَوِّلُهُ إلى أُلْفَة حينا، وإلى ذخيرة ينهل منهالبناء مشروعه الفكري، أو بياض يؤثث كتاباته الإبداعية أحيانا. ولهذا يستحق أن يقال عنه بحق إنه مفكر ومبدع موسوعي اجتمع فيه ما تفرق في غيره.

إن الغربة التي فُرِضَتْ قسرا على علي القاسمي، هي التي أتاحت له تنويع خبرته العلمية والتنموية، فقد دَرَسَ ودَرَّسَ في عدّة جامعات عربية وغربيةواشتغل مع منظمات دولية وتحمل مسؤوليات إدارية، وهذا الجمع بين البحث الأكاديمي المتخصص والمنفتح والخبرة الإدارية انعكس بشكل إيجابي على مشاريعه العلمية والإبداعية وأهله لتقديم استشارات ذات صلة بتنمية اللغة العربية وبتدبير البحث العلمي وهياكله لفائدة هيئات ومنظمات دولية. كما خصص حيزا من اهتماماته التربوية لدراسة السياسة اللغوية وإبراز دورها في تنمية لغة الطفل. وفي مجال التعليم العالي ألف كتابا مشهورا رصد فيه علاقة الجامعة بالتنمية، ويعد هذا الكتاب اليوم من أهم المراجع المعتمدة في إعداد المشاريع المتعلقة بتفعيل انفتاح الجامعة على محيطها.

هذه الغربة إذن أثمرت شخصية موسوعية ذات ذاكرة قوية أهلتها لإنتاج نفائس إبداعية لعل أبرزها:

·    كتاب "طرائف الذكريات عن كبار الشخصيات"، الذي وَصَفْتُهُ في مراسلة مع المحتفى به بأنه أسلوب متفرد استثمره علي القاسمي لكتابة سيرته الذاتيةبطريقة لا تخلو من تعريض بلاغيprétérition : فهو يكتب عن الذات مؤكدا أنه لا يكتب عنها،وهذا  الأسلوب في الكتابة لا يستثمر المذكرات فقط، ولكنه يتقن اللعب بالمرايا: فالقارئ يرى الذات/المؤلف من خلال الآخر/الشخصيات، والذات ترسم صورتهاانطلاقا منها.

·    إبداعاته السردية التي تختزل رحلاته السندبادية الشاقة والشيقة في عوالم عربية وغربية، واقعية وتخييلية؛فهذه الأعمال تأسر قارئها بطرائف ومغامرات ومواقف إنسانية استوحاها المبدع من تجربته المتفردة وعلاقاته الإنسانية المميَّزة، وذخيرته الموسوعية التي تَتَّسِعُ لتشمل المحلي والكوني، وعبَّر عنها بمهاراته التعبيرية والتصويرية التي توهم القارئ بواقعية الأحداث وتجعله يتماهى معها دون أن يدرك حجاب الخيال الشفاف الذي يُغَلِّفُها ويحيط بها ويخترق البياضات التي تتخللها. ويمكن التمثيل لما قلناه برواية "مرافئ الحب السبعة"؛ فهي من جهة عمل أدبي هجينتلتحم فيه السيرة الذاتية والرحلة والقصة والمشاهد الدرامية والتقنيات السينمائية بالإضافة إلى الشّعر. وهي من جهة ثانية تسرد الوقائع بطريقة يتناوب فيها الواقع والحلم، والغربة والحنين، والعذاب والاستعذاب.

وإذا كانت الألفة هي السّمة المميزة لشخصية علي القاسمي الإنسان والتي نلمسها في شبكة علاقاته الإنسانية المميَّزَة، أو في كرمه وتواضعه وابتسامته التي لا تفارق محياه، أو في معرفته الموسوعية وذاكرته القوية التي تجعل من يجالسه لا يقوى على فراقه، فإن الغربة متأصلة في أناه الأخرى أي في ظله الإبداعي حيت نجده يردد في روايته "أسافر وأنا لا أحمل سوى غربتي، غريب حتى مع نفسي". فالغربة إذن هي أُلْفَتُهُ الإبداعية التي تَفَنَّنَ في التعبير عنها بأساليب شتى أتاحت له الغوص في أعماق ذاته وفي دهاليز الذات الإنسانية بشكل عام؛فتارة يفلسفها، وتارة يُشَعْرِنُها، وتارة يؤججها بالحب ليعزف بها سمفونية منطلقها ومنتهاها العذاب وأوج تصاعدها الاستعذاب. وعلى العموم فإن استعذاب الحب وعذاب الغربة متجاوران بطرق شتى في روايته وقصصه، حيث يستثمرهما باحترافية عالية لتأجيج البعد الدرامي؛ فتارة يستثمر الحب من أجل تأجيج نار الغربة، وتارة أخرى يستثمر الغربة من أجل مضاعفة لهيب الحب.

أتمنى أن يكون هذا اللقاء العلمي الاحتفائي وغيره من اللقاءات التكريمية مناسبة لتذويب جليد الغربة القاتل الذي يحاول فضيلة الدكتور علي القاسمي أن يخفيه في أعماقه، ولكن كتاباته الإبداعية تفصح عنه بطريقة تدمع العين وتدمي القلب.




مقالات ذات صلة