نقلا عن موقع كتابات في الميزان
صدرت عن المركز الثقافي العربي في بيروت والدار البيضاء رواية بعنوان "مرافئ الحب السبعة" للكاتب العراقي المقيم في المغرب علي القاسمي. وتقع الرواية في 321 صفحة من الحجم المتوسط.
ويضعنا الاقتباس الذي يزيّن الغلاف الخلفي في أجواء الرواية:
" جئتِ كالحُلم وكالحُلم مضيتِ. حلمٌ لن يُنسى. وبقيتُ أنا أغوص في أعماق ذاتي، أغرز رايات انكساري، وأبحث عن كُنه الحبِّ. آه لو أنَّي أعرف سرَّ الحبِّ، لأدركتُ سرَّ وجودي، وسرّ رحيلي، وأسرار العيون التي تحيّرني ألغازها. ولكن عقلي عاجزٌ عن إدراك أيّ شيء.
ستمضي حياتي موشومةً بثلاث نسوة: امرأة أرادتني وأردتها، ولكن القدر لم يُرِدنا معاً؛ وامرأة أرادتني ولم أُرِدها فكسرتُ قلبها، وظلَّ ضميري مصلوباً على خيبة أملها؛ وامرأة أردتُها، ولكنّها لفظتني ولم أستطِع نسيانها. وأنت المرأة الأخيرة، يا أثيرة.
هل أستطيع أن أحتفظ بالماضي كما هو في ذاكرتي المزدحمة بالذكريات، دون أن أعيد تشكيل أحداثه في ضوء الحاضر؟"
وإذا كانت هذه الفقرات تلخّص العلاقات العاطفية للشخصية الرئيسية في الرواية، سليم الهاشمي، فإن الرواية، في جوهرها، هي رواية الغرباء والمهجَّرين واللاجئين والمنكوبين؛ تصوّر معاناتهم النفسية، وتغوص في أعماق وجدانهم، لتكشف عن خيباتهم وانكساراتهم وآلامهم. فسليم يضطر إلى الهرب من العراق مع صديقه زكي، إثر انقلابٍ عسكري في بغداد، واللجوء إلى لبنان. وبعد اغتيال زكي في بيروت بتدبير من سلطات بلده، فرّ سليم الهاشمي إلى أمريكا لمواصلة دراسته العليا. بيدَ أنه، بعد أن حاز الدكتوراه، أُصيب بمرض الحنين، والشوق بلهفة إلى الوطن:
" يا وطني المستحيل! إني أفتّش عنك منذ سنين، بين ركام الذكريات، وأبحث عنك في فضاءات الأوجاع والأحزان والفجائع والمقابر الجماعية. أتسقّط أخبارك،... فلا يصلنى إلا صدى أنينك، وأنتَ بين مخالب اللصوص، وتحت سكاكين العتاة والطغاة والغزاة...
يا أيها الوطن المسافر في عروقي كالدماء، يا ايها الوطن الملازم جفن عيني كالبكاء... ها إنّي أُعيد بناءك كل يوم بحروفي، وأشيّد منائرك من كلماتي، وأحفر سواقيك المندثرة بعباراتي..."
ولكي يخفّف سليم الهاشمي من عذاب مرض الحنين إلى الوطن، جاء إلى المغرب أستاذاً زائراً في كلية الآداب بالرباط. وهناك التقى بالحسناء المغربية أثيرة، ووقع في حبّها؛ بيدَأنّها لم تبادله المحبَّة، لأنّها كانت وفيةً لزوجها الطبيب الذي قُتِل في انقلابٍ عسكري فاشل.
وظلّ طيف أثيرة يلاحق سليم الهاشمي ولم يستطِع نسيانها حتى بعد مغادرته المغرب:
" لو كنتِ أنتِ طرقتِ الباب، لرمَّمتُ حطام نفسي، ولَمْلمتُ روحي المبعثرة، ورسمتُ على شفتَيَّ بسمة، وخلعتُ المصاريع، وقلعتُ العتبات، وأوسعت لك المداخل والممرّات، وفرشتُ لك أهداب العين والجفن.
لو كنتِ أنتِ طرقتِ الباب، لنثرتُ تحت رجليكِ الفلَّ والريحان، وغسلتُ قدميكِ بحليب القبَّرة وعسل الملكات ودموعي، ونشَّفتُهما بالآهات وزهر الياسمين وشقائق النعمان، وعطَّرتُهما بالعود والمسك والزعفران.
لو كنتِ أنتِ طرقتِ الباب، لأوقدتُ لك الأصابع شمعاً، وأنرتُ دربكِ إلى سويداء القلب ودثّرتكِ فيه، وأشعلتُ لكِ مهجتي بخوراً، وانشغلتُ بك انشغالَ الصوفي بعبور المسالك واختراق الحُجُب، إلى شواطئ أُفقكِ الخفي البهي.
لكن، لكنَّ طيفك، يا أثيرة، هو الذي أطلَّ عليَّ في غير الأوان، ليسخر من محاولاتي البائسة للنسيان، ويُريق شرايين الذكرى في فضاء حجرتي، ويؤثِّث سريري بالحمّى وأوجاع الذكريات."
والرواية مطرّزة بالفِكر والمعرفة والثقافة والمعلومات والآراء السياسية، المنثورة بطريقة سردية ماكرة ماهرة، بحيث يلتهمها القارئ بشغف وانجذاب دون أن يدري. وجرياً على عادة الأعمال الأدبية العربية الكبرى التي تضمّنت مقارنات سردية بين التقدّم في أوربا والتخلّف في البلدان العربية، كوسيلة فنية للتوعية، فإن رواية " مرافئ الحب السبعة" تشتمل على مقارنة شيقة بين الثقافة الأمريكية والثقافة العربية، خصوصاً التقاليد الجامعية الأمريكية والعلاقات بين أعضاء الهيئة الأكاديمية من أساتذة وباحثين وطلبة.
استخدم الكاتب بمهارة تقنيات سردية متعدّدة مختلفة مثل: تعدّد الأصوات، والحوار، والرسائل، والمذكّرات، والتناصّ، والتكرار البلاغي، وتيار اللاوعي، وغيرها، مما زاد من تشويق الرواية وجاذبيتها. وتراوح أسلوبها بين الشعر، والمونولوج، والنثر الأدبي الجميل.
والمؤلّف، الدكتور علي القاسمي، كاتب باحث متعدّد الاهتمامات، له أكثر من أربعين كتاباً في القصة القصيرة، والنقد الأدبي، ونظرية الترجمة، وعلم المصطلح، وصناعة المعجم، وحقوق الإنسان، والتنمية البشرية، والتربية والتعليم. وقد نقل بعض روائع الروايات العالمية إلى اللغة العربية. وهو عضو في عدد من المجامع اللغوية والعلمية العربية والهيئات الثقافية الدولية.