أصدقاء الدكتور علي القاسمي

موعد في كراتشي بقلم الدكتور علي القاسمي



موعد في كراتشي

نقلا عن موقع صحيفة المثقف
علي القاسميفي أواخر الثمانينيّات تبنَّتْ أربعُ منظَّماتٍ دوليّةٍ ـــ بدعمٍ من بعض الدول الكبرى ــ حركةً تربويّةً  شعارها " التعليم للجميع "، تمخّض عنها عقد مؤتمرٍ عالميٍّ في جوم تيان، وهي بلدةً ساحليّةٌ سياحيّةٌ في تايلند. وشاركتْ في المؤتمر وفودٌ من جميع دول العالَم، بلغ تعداد أعضائها حوالي ألف وخمسمائة شخص، من بينهم رؤساء دول، ووزراء تربية وتعليم، وخبراء تربويّون، ومراسلو وسائل الإعلام.
الهدف من المؤتمر إقناع دول العالّم الثالث بضرورة محو الأُمّيّة قبل مطلع الألفيّة الثالثة، وذلك بتعميم التعليم الابتدائيّ في أراضيها، وتيسيره لجميع الأطفال ليتعلّموا القراءة والكتابة.  ويتطلّب تحقيقُ ذلك الهدف من الدول النامية إنفاقَ أموالٍ طائلةٍ على بناء المدارس، وتدريب المعلِّمين، وإعداد المواد التعليميّة، وطباعة الكتب المدرسيّة. ولمّا لم يكُنْ في وسع تلك الدول الفقيرة توفير الأموال اللازمة، لأنّها تنفق معظم ميزانيّاتها على التسلّح والأمن، فإنَّ حركة التعليم للجميع اقترحت حلولاً عمليّة.
تتلخَّص الحلول في توفير الأموال اللازمة عن طريق إعادة هيكلة ميزانيات التربية والتعليم، وتوزيع النفقات فيها بصورةٍ عادلةٍ، ومعاملة جميع المواطنين بالتساوي. فبدلاً من إنفاق معظم ميزانيّة التربية على التعليم العاليّ والبحث العلميّ الذي لا يستفيد منه إلا نسبةٌ ضئيلةٌ جداً من  المواطنين، تُحوَّلُ معظم الميزانيّة إلى التعليم الابتدائيّ لفائدة الجميع. وبدلاً من تدريب معلِّمين على مستوى عالٍ ودفع رواتبَ كبيرةٍ لهم، يُستخدَم مساعدو معلِّمين من خريجي المدارس الثانويّة  برواتبَ منخفضةٍ. وبدلاً من تعميم تعليم ابتدائيّ يُكتفَى بتعليم أوليّ لأربع أو خمس سنوات يعلِّم جميع الأطفال القراءة والكتابة.
ذهب بعض المشكِّكين إلى أنّ الهدف المُعلَن لتلك الحركة هو " كلمة حقٍّ أُريد بها باطل". وأنّ الغاية الحقيقيّة هي وضع حدٍّ لمحاولات الدول النامية لاستنبات التكنولوجيا، وولوج عالم الصناعة عن طريق التعليم العاليّ والبحث العلميّ، لتبقى تلك الدول متخلِّفة دوماً، وسوقاً لاستهلاك المصنوعات الغربيّة، وتصدير اليد العاملة الرخيصة إلى البلدان الغربيّة (قديماً، كان الرومان يجلبون العبيد من تلك الدول النامية ذاتها للقيام بالأعمال الشاقّة والخسيسة في حين ينشغل السادة الرومان بالسياسة والديمقراطيّة والحرب).
ولكي تُهيِّئ الحركةُ جميعَ الدول النامية لقبول البيان العالميّ عن " التعليم للجميع " الذي كان سيصدر عن المؤتمر في جوم تيان، عقدتْ سلسلةً من اللقاءات الإقليميّة التمهيديّة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينيّة والبلاد العربيّة، شارك فيها وزراء التربية في كلّ منطقة، إضافة إلى خبراء "التعليم للجميع" الذين قدَّموا ما يدعم وجهة نظرهم من دراساتٍ معزَّزةٍ بالإحصاءات، والأشكال البيانيّة، والأمثلة التوضيحيّة.
عُقِد لقاء المنطقة الآسيويّة في دكا، عاصمة بنغلاديش. وبحكم عملي آنذاك، شاركتُ في هذا اللقاء. فبعد رحلةٍ جويَّةٍ دامت أكثر من اثنتي عشرة ساعةً، تخلَّلها تغيير الطائرة في مطار أوربي وتوقُّفٌ في مطارٍ عربيّ، وصلتُ إلى مطار دكا، واستقبلني المنظِّمون واصطحبوني إلى الفندق. وعندما دخلتُ بهو الفندق، وقع نظري على شخص ذي ملامح آسيويّة يجلس هناك، وتطلّع إليّ هو الآخر فالتقت عيوننا وتعانقت نظراتنا.
حالما انتهيتُ من إجراءات التسجيل لدى موظَّف الاستقبال في الفندق، نهض الرجل ذو الملامح الآسيويّة من مقعده، واقترب منّي وسلَّم عليّ، وقال باسماً:
ـ اسمك إمّا خالد وإمّا علي.
قلتُ:
ـ علي. لماذا؟
قال:
ـ لأنّني عندما استيقظتُ هذا الصباح، قلتُ في نفسي إنّني سألتقي اليومَ بشخصٍ أُحبُّه اسمه خالد أو علي، وسأقدِّم له هديّة هي عبارة عن اسمه مخطوطاً بالخط الديوانيّ الجليّ المُزخرَف والمُشجَّر بطريقةٍ بديعةٍ. فالخطّ العربيّ هوايتي.
ثمَّ فتح حقيبته اليدويّة وأخرج منها قطعتيْن من الورق المقوَّى الأبيض مُزيَّنتيْن بخطّ جميل، إحداهما " خالد " والأخرى " علي". ناولني الأخيرة وقال:
ـ هذه هديّة التعارف.
وفيما رحتُ أتمتم بكلمات الشكر، تبادر إلى ذهني أنّ الرجل يتكسَّب بهذه الطريقة. وربما اطّلع على قائمة الوفود الواصلة إلى الفندق ذلك اليوم وأعدّ القطع المخطوطة طبقاً لأسماء الوافدين. وهممتُ بإخراج محفظتي من جيبي لإعطائه بعض النقود. لكنّني، ولكي أواصل الحديث معه، قلتُ له قبل إخراج محفظتي:
ـ الآن أنتَ تعرف اسمي، فهل لي أن أتشرّف بمعرفة اسمك الكريم ليتمّ التعارف؟
أجاب ببساطة:
ـ أنور دِل.
عند سماعي هذا الاسم تجمّدتْ أصابع يدي على المحفظة، ولم أسحبها من الجيب الخلفيّ لسروالي، وقلتُ مُستفسراً:
ـ البرفسور أنور دِل، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس؟
بلعتُ ريقي، ثمَّ أضفتُ تحوّطاً:
ـ أم أنّه مجرُّد تشابه أسماء؟
قال:
ـ تماماً، أنا البرفسور أنور دِل.
حمدتُ الله في نفسي لأنّني لم أُخرِج محفظتي ولم أُعطِه النقود. فالرجل من الشخصيّات الأكاديميّة المرموقة في الولايات المتحدة وهو من أصل باكستانيّ (حوالي 40 بالمائة من أساتذة الجامعات الأمريكية الكبرى يتكلّمون الإنكليزيّة بلكنة أجنبيّة، وهذا ما نسّميه بالعربيّة "هجرة العقول أو هجرة الأدمغة " أو ما يسمّيه بعض الساخرين بالمساعدات العلميّة التي تقدِّمها الدول النامية أو النايمة إلى أمريكا). وكنتُ أثناء دراستي في جامعة تكساس، قد قرأتُ بعض مؤلَّفاته واطّلعتُ على بعضها الآخر، لأنّها ذات صلةٍ، من قريب أو من بعيد، بموضوع تخصّصي. فأعماله تتناول نظريّة المعرفة؛ ليست تلك المعرفة التي نكتسبها عن طريق الحواس والتجارب المختبريّة، ولا المعرفة التي نحصل عليها بالاستدلال المنطقيّ والتوصّل إلى النتائج من مقدِّماتها، وإنّما تلك المعرفة التي تتأتّى لنا من الغوص في داخل ذواتنا واستخدام القوى الخيِّرة الكامنة في نفوسنا. إنّها المعرفة الحدسيّة، أو المعرفة القلبيّة كما يسميها البرفيسور أنور دِل (بالمناسبة، " دِل " باللغة الأورديّة تعني "القلب").
أمضيتُ عصر ذلك اليوم مع البرفيسور أنور دِل، وعلِمتُ منه أنّه جاء إلى دكا للمشاركة في الاجتماعات التي كانت ستبدأ صباح اليوم التالي، بوصفه خبيراً تربويّاً. وفي المساء ألحّ عليّ لتناول طعام العشاء معه على مائدة السفير الباكستانيّ في دكا. وعندما اعتذرتُ بشدّة، لأنّني لم أكُن مدعوّاً من لدن سعادة السفير، أخبرني أنّه أبلغ السفير بأنَّه سيصطحبني، وأنّ السفير صديق حميم له، وأنّه يعدّ نفسه صهراً للسلك الدبلوماسيّ، فزوجته هي أخت سفير بنغلاديش في موسكو (تزوجها  ــ وهي بنغالية ــ  عندما كانا يدرّسان معاً في  جامعة لاهور، قبل انفصال بنغلاديش عن باكستان عام 1971). وكنتُ قد أطلعتُ على ترجماتٍ أنجزتْها زوجتُه من اللغة البنغالية إلى الإنجليزية لبعض أشعار رابندرانات طاغور (1861ـ 1941) الذي حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1913 عندما كانت الهند وباكستان وبنغلاديش موحَّدة تحت الاستعمار البريطانيّ، تقديراً لروعة أشعاره الروحيّة. وظلَّ طاغور، أمداً طويلاً، الشاعر الشرقيّ الوحيد الحائز على جائزة نوبل (كأن فوزه بتلك الجائزة آنذاك رسالة ضمنيّة من أصحاب الجائزة إلى الشرقيّين للبقاء في حدود عالَمهم الروحيّ، وترك تدبير العالَم الماديّ للدول الغربيّة).
توطّدت الصداقة بيني وبين البرفيسور أنور دِل خلال أيام اللقاء الأربعة. وأهدى إليّ مزهريّة صغيرة من المرمر وطلب إليّ أن أضعها على مكتبي في منزلي، فهو يحتفظ بمثيلتها على مكتبه في منزله في مدينة سان دييغو في كاليفورنيا. وقال:

ـ وهكذا، فعندما تنظر إلى هذه المزهريّة، وأنظر أنا إلى أُختها في الوقت نفسه، سنتواصل روحيّاً، رغم المسافات البعيدة التي تفصل بيننا.
بعد انتهاء الاجتماعات، أخذ أعضاء الوفود يودّع بعضهم بعضاً. وجئتُ لأودّع صديقي الجديد البرفيسور أنور دِل. ولشدَّ ما أدهشني قوله:
ـ لا تودّعني هنا. سنذهب معاً إلى كراتشي لتناول طعام العشاء مع شيخي في منزله هناك. أودّ أن أعرّفك به.
أجبتُ بلطف:
ـ شكراً، يا أستاذ أنور على دعوتك الكريمة، ولكن عليَّ أن أسافر مساء هذا اليوم  بطائرة الخطوط الفرنسيّة إلى باريس، ومن هناك سأعود على متن طائرة الخطوط الملكية المغربيّة إلى الرباط حيث تنتظرني مواعيدُ عملٍ كثيرة.
قال مبتسماً وهو ينغّم كلماته:
ـ قلبي يحدّثني بأنَّك صاحبي في سفري إلى كراتشي، سواء أردتَ ذلك أم لم تُرِد.
(وذكّرني كلامه ذاك ببيتَ شعرٍ للقطب الصوفيّ ابن الفارض:
قلبي يُحدّثني بأنـَّـكَ مُتلفي    روحي فِداكَ عرفتَ أم لم تعرفِ)

قلتُ له بشيءٍ من الإصرار:
ـ مستحيل.
قال بلهجة الواثق مما يقول:
ـ ليس ثمّة شيءٌ مستحيل في الوجود. كلُّ شيءٍ ممكن.
وطبعاً كان من المستحيل عليّ أن أغيّر خططي وسفري قبل ساعتين من إقلاع طائرتي.
وفي المطار، توجّهتُ إلى منضدة الخطوط الفرنسيّة، ودفعتُ بتذكرتي إلى المضيّفة هناك؛ غير أنّها أخبرتني أنّ رحلتي قد تأجّلت حتّى يوم غدٍ لأسباب تقنيّة. وأضافت أنّها تستطيع تحويل تذكرتي ـ إذا أردتُ ـ إلى خطٍّ آخر هو : دكا ـ كراتشي ـ لندن ـ الدار البيضاء. وأوضحتْ أنّها حاولتِ الاتصال بي هاتفيّاً في الفندق صباح ذلك اليوم عدّة مرّاتٍ لإبلاغي بالأمر دون جدوى، وأنّ الطائرة المتّجهة إلى كراتشي ستغادر بعد ساعتيْن فقط، وأنّ عليّ أن أُمضي الليلة في فندق قرب المطار في كراتشي على حساب الشركة، ثمَّ أواصل السفر في الصباح إلى لندن فالدار البيضاء.
لم يكن لي خيار آخر فقبلتُ.

بعد أنْ ارتقيتُ سلَّم الطائرة وتوجّهت إلى مقعدي، فوجئتُ بالبرفيسور أنور دِل جالساً في المقعد المجاور. قال مبتسماً والسرور بادٍ على وجهه:
ـ ألم أقُل لكَ إنّ قلبي يحدّثني بأنّك رفيقي في رحلتي إلى كراتشي؟
حين هبطنا في مطار كراتشي قبل منتصف الليل، لم يدَعني البرفيسور أنور أذهب إلى الفندق، لإيداع حقائبي على الأقل حتّى الصباح، قائلاً وهو يلوّح لسيّارة أُجرة:
ـ لا وقتَ لدينا لذلك. سنأخذ الحقائب معنا. فهم ينتظروننا على مائدة العشاء.
حالما توقّفتْ سيّارة الأجرة التي تقلّنا، أمام المنزل المطلوب، فتح شيخٌ وقور الباب، وهو يقول بفرحٍ غامر:
ـ أنور، أهلاً وسهلاً. قلبي يحدّثني منذ الصباح بأنّك ستزورنا اليوم. وقد طلبتُ من أولادي وأزواجهم أن يأتوا هذه الليلة لتناول العشاء مع عمّهم أنور.
***
قصة قصيرة
بقلم: علي القاسمي
.......................
ـ هذه القصة من مجموعة قصصية عنوانها " حياة سابقة" نُشرت عدّة مرات في الدار البيضاء، وبيروت، والقاهرة، ونجران.

المشاركون في هذه المحادثة

    تعليقات (16)

    الاخ الصديق الاديب الاستاذ الدكتور علي القاسمي 

    حيّاك الله وبارك عليك ورعاك 
    نعم انها قصة حملت في داخلها وقائع لا استبعد وقوعها في حياتنا . 

    خالص ودّي لك عاطر بأطيب وأرق التحايا مع اطيب التمنيات . 

    الحاج عطا
    1.  
    لم يكن لاستمتاعي بالقصة حد وانا متشوق لمعرفة تفاصيل الموعد في كراتشي ،لم اصدم ابدا عندما لم أجد من كراتشي شيئا سوى العنوان الذي تم استخدامه بمهارة بالغة وإتقان 
    تحياتي أستاذنا القاسمي
    1.  
    صديقي الوفي الحبيب الشاعر الأديب الأستاذ الحاج عطا الحاج منصور،
    لقد غمرتني بتشجيعك المتواصل، ودثّرتني بكلماتك الطيبة شعراً بديعاً ونثراً رائقاَ.
    وليس لدي شيء أرد به جميلك سوى كلمات الشكر الحسنة، أو كما قال المتنبي:
    لا خيل عندكَ تهديها ولا مالُ فليحسن النطق إن لم يسعد الحالُ
    وتقبل مني ـ أخي العزيز ـ أسمى عبارات الإعجاب والمودة والاحترام.
    محبكم: علي القاسمي
    1.  
    الأخ الكريم القاص الأديب الدكتور حسين أبو سعود،
    أشكرك من القلب على كلماتك الجميلة التي تكرّمتَ بها في الثناء على قصتي. وقصتي هذه شبيهة بقصتك الجميلة " ليالي شيراز". غير أن قصتك تميس بالخيال والإبداع الأدبي، وقصتي عارية منهما، فهي واقعية بأسماء شخوصها وتفاصيل أحداثها.
    وفي الأدب الأمريكي الحديث، يُطلَق مصطلح fiction على قصتك الرائعة وليس على قصتي التي تُعدُّ من باب التقرير الصحفي أو التاريخ.
    وأغتنم هذه المناسبة لآتقدم منك بالتهنئة الحارة بمناسبة نيلك جائزة القصة.
    مع خالص مودتي وصادق احترامي.
    علي القاسمي
    1.  
    استمتَعتُ كثيرًا بمُلاحَقَةِ أَحداثِ القَصَّةِ القَصيرَةِ المُشَوِّقَةِ، ومَكمَنُ الإبداعِ فيها عِندي هوَ قُدرَتُها عَلى شَدِّ انتِباهِ القارئِ عَلى الرَّغمِ مِن واقِعيَّةِ أَحداثِها وشَخصِيّاتِها. ولَعَمري إنَّ هذا لَيُشبِهُ النَّصَّ الذي يَتَوَسَّلُ بِحَقائقِهِ، لا بِمَجازاتِهِ واستِعاراتِهِ، لإيصالِ رِسالتِهِ الإبداعِيَّةِ؛ فلا شَكَّ في أَنَّ اتِّخاذَ الوَقائعِ والحَقائقِ مُنطَلَقًا لِلإبداعِ رُكوبٌ لِمَركبٍ صَعبٍ وسُلوكٌ لِطَريقٍ وَعرٍ. فمُبارَكٌ لِلأُستاذ الدُّكتور عليّ القاسميّ هذا الإبداعُ الجَديدُ، وأَسأَلُ اللهَ لَهُ المزيدَ مِن التَّوفيقِ والتَّسديدِ.
    1.  
    الاديب العلامة الكبير
    أن الاسلوبية الابداعية في النص . من ناحية البنية المتن السردي ,والبنية الفكرية في الرؤى والرؤيا , على عتبات سردية الحدث النص , في براعة جمالية غارقة بالتشوق والمتعة . تحتاج الى كلام طويل في تحليل البناء الفني والتعبيري , في لغة السرد التي صيغت بشكل غير مألوف في الخلق الابداعي , والتي تعتمد على ركائز مهمة , في براعة طرح الرؤية الفكرية والفلسفية , في منصات الحياة والوجود . بما يحمل العلامة الاديب من خزين معرفي واسع وعميق , في شتى المعارف الحياتية والانسانية , عبر خزين تجربته وخبرته الطويلة . في الادب والفلسفة والعلم والتراث واللغة , مما يؤهله طرح افكاره بكل براعة في جوانب الفكر الفلسفي النظري والعملي والاكاديمي , على اسس صائبة في مسالكها الانسانية في الفكر الحر , بما تحمل من معاني ودلالات شتى , التي من شأنها ان تشحن العقل والذهن , بالتفكير والتأمل والتمعن في محتواها , والاديب العلامة كعادته يغوص في مسائل مهمة وحيوية , من عتبات الحياة والوجود . يقدمها بشكل جذاب وجميل , وفي لغة مدهشة في سردها الواضح . ولكن تملك في عمقها معنى الرؤية والرؤى , من مفاهيم الحياة ومظاهر الوجود , بالطرح الوقعي المخزون في دلالاته . والشيء في منتهى الابداع في فن القص , يهتم اهماماً بالغاً في بناء الشخصية , في بنية متناسقة, في شكل محكم ومرتب في المتن السردي , ويجعلها متحركة وفاعلة في الحدث , او بتصاعد وتيرة بناء الحدث , حتى خاتمة الدهشة والتساؤل , التي تثار في ذائقة القارئ جملة من التساؤلات . في درامية الحدث او موضوع القص . وهي تقتحم هذه الابعاد . الانسانية . الاجتماعية . الدينية . التثقيفية . بما يملك الاديب العلامة , من معارف علمية واكاديمية في الابداع , عبر رحلته الطويلة . في خوض منصات عديدة وبشكل مرموق , بعمق الرؤية والطرح والمناقشة والتحليل , لذلك اننا اما نص موزع على هذه الجوانب , في صياغة واقعية جميلة . لكنها غير مألوفة في براعتها , في بنية النص ودلالته , وفي بنية الحدث ودراميته الصاعدة . يجعلنا امام امرين ماذا نقيم المفكر في طرح ارائه الجريئة . او امام قاص كبير , يجعل عجينة القصة مرنة وطيعة برؤيته الفكرية والفلسفية بالطرح الوقعي لكنه يثير جملة تساؤلات حيوية , اننا واقولها بكل يقين امام مبدع متكامل بكل الجوانب , ومثال على ذلك هذه القصة القصيرة ( موعد في كراتشي) ياخذنا من عوالم صغيرة ذاتية في مخيلتها المتخيلة , لكنها تكبر وتتسع الى العوالم الواقعية , ثم الاتساع الاكبر العوالم مابعد الواقعية , او ما وراء الواقع . وكل محطة من هذه المحطات , تملك رؤى ورؤيا من معالم الفكرية للحياة والوجود . يدخلنا الى عمق الحدث , ليدس اطرحاته الفكرية والفلسفية, في عينات وعتبات زاخرة في الابداع والرؤية . لذا احاول باختصار تحليل النص في ابرز ركائزه الرئيسية والهامة ( على امل ان حظى بقراءة المجموعة القصصية ( حياة سابقة ) , العنصر الاساسي المطروح في المتن السردي , هي مألة استنساخ البشر , او استنساخ الاروح , او انتقال الروح من جسد الى جسد آخر . في ابعاد النص المطروح . اي اننا امام حياة جديدة , او الحياة التالية ( ميتا السرد / ما وراء السرد ) ولكن يبدو لي الحياة الجديدة او التالية , ربما افضل من الحياة السابقة , من ناحية الحكمة والبصيرة والتنبوء بالحدث المستقبلي , بما تمثلها شخصية ( أنور دِل ) ذو الملامح الاسيوية . لذلك نطرح هذه التساؤلات التي تعزز مقولة , استنساخ الارواح , او انتقال الروح من جسد الى جسد آخر . هو :
    × كيف عرف البروفسيور( أنور دِل ) بأنه سيلتقي بضيف بغير موعد ومعرفة مسبقة . ويعرف اسمه بالتحديد , ويقد هدية مرسومة فيها أسمه ( علي ) ؟
    وقال باسماً:

    ـ اسمك إمّا خالد وإمّا علي.

    قلتُ:

    ـ علي. لماذا؟

    قال:

    ـ لأنّني عندما استيقظتُ هذا الصباح، قلتُ في نفسي إنّني سألتقي اليومَ بشخصٍ أُحبُّه اسمه خالد أو علي، وسأقدِّم له هديّة هي عبارة عن اسمه مخطوطاً بالخط الديوانيّ الجليّ المُزخرَف والمُشجَّر بطريقةٍ بديعةٍ. فالخطّ العربيّ هوايتي.)
    × كيف عرف ( انور دِل ) في تأجيل موعد اقلاع الطائرة , وكذلك كيف عرف بأنها ستغير وجهة اقلاعها من , الى باريس . ثم الخطوط الملكية المغربية ثم الرباط , تغيرها الى ( كراتشي )
    ( ـ شكراً، يا أستاذ أنور على دعوتك الكريمة، ولكن عليَّ أن أسافر مساء هذا اليوم بطائرة الخطوط الفرنسيّة إلى باريس، ومن هناك سأعود على متن طائرة الخطوط الملكية المغربيّة إلى الرباط حيث تنتظرني مواعيدُ عملٍ كثيرة.

    قال مبتسماً وهو ينغّم كلماته:

    ـ قلبي يحدّثني بأنَّك صاحبي في سفري إلى كراتشي، سواء أردتَ ذلك أم لم تُرِد.
    × كيف عرف بانه سيكون ضيفه على مائدة العشاء في كراتشي . ثم خاتمة المفاجأة في دهشتها , بأن صاحب البيت , هو ايضاً يعرف بحدسه في التنبوء بأن سيحل عليه ضيفا على مائدة العشاء ( انور دِل ) وصديقه ( علي ) .
    ( ـ أنور، أهلاً وسهلاً. قلبي يحدّثني منذ الصباح بأنّك ستزورنا اليوم. وقد طلبتُ من أولادي وأزواجهم أن يأتوا هذه الليلة لتناول العشاء مع عمّهم أنور. )
    اي اننا أمام تناسخ الارواح , او ان الروح تنتقل من جسد الى آخر , لذلك تملك الحدس والتنبوء المستقبلي .
    بهذه المناسبة اريد ان أعبر عن سعادتي وفرحي الكبير , بأن رجع الحق الى صاحبه الشرعي , حقاً وحقيقة , واعني بجائزة التكريم , في جوائز الابداع , بمنح العلامة الاديب الكبير الدكتور علي القاسمي . جائزة الابداع لعام 2019 . لصحيفة المثقف الغراء , السباقة الى منح جوائز الابداع الى المبدعين, لمن يستحقها حقاً وحقيقة . لاني لا اعول أبداً , على على تكريم الدولة الى المبدعين الحقيقيين . لان هذه جوائز التكريم للابداع محتكرة ومحسومة سلفاً الى حبربشيتهم من اصناف واشباه المثقفين , في منحهم جوائز التكريم والابداع , الذين هم من نتاج ( سوق مريدي ) الذي يبيع ارقى الشهادات الادبية والعلمية والفضائية والكونية , خلال دقائق معدودة , مثل اعضاء البرلمان بأن 70% . هم حاملين ارقى الشهادة الجامعية الراقية والرفيعة من ( سوق مريدي ) , واغلبهم لم يكمل الشهادة المتوسطة وليس الثانوية , وليس الى الذين قدموا عصرة جهدهم في عمرهم الطويل , في الابداع وقدموا الكثير للعراق .فألف تهنئة من القلب الى المبدع الكبير العلامة الاستاذ علي القاسمي .
    ملاحظة : ارجو واكون شاكرا جداً , لو ارسلت نسخة من مجموعتك القصصية ( حياة سابقة ) على هذا الايميل :
    jamah.abdala@gmail.com
    1.  
    صديقي العزيز المترجم الأديب الدكتور كيان أحمد حازم
    شكراً لكلماتك الطيبة وملاحظاتك العميقة. إن جمعك بين الفلسفة والنقد والأدب مكّنك من ترجمة كتاب " معنى المعنى " لأوغدن وريتشاردز، كما مكّنك الآن من الإمساك بجوهر الأدب المتمثل باقتناص قضايا كونية من أحداث واقعية بسيطة. فأنت تستطيع أن تستخلص بعض مسائل علم النفس الموازي من إمعان النظر في أحداث حقيقية بسيطة. وهذا ما فعلته أنت، بوصفك مفكراً لا يكتفي بطرح السؤال : ماذا؟ بل يردفه بأسئلة كيف؟ ولماذا؟ من أجل تنمية المعرفة في خدمة رفاهية الإنسان.
    مودتي واحترامي، وتمنياتي لك بمزيد من العطاء والتألق.
    محبكم: علي
    1.  
    صديقي الحبيب المفكر الأديب الأستاذ جمعة عبد الله
    في كل مرة تتكرم بالتعليق على قصة من قصصي، أجد نصك أمتع وأكثر إثارة من نصي. والآن في تعليقك الكريم هذا، تثير مسألة فيزيائية إلهية عويصة: هل قصصي في مجموعتي " حياة سابقة" تتناول حياة سابقة أو لاحقة أو موازية؟
    كنتُ قد تطرقتُ إلى هذه القضية باختصار شديد في كلمتي " حياتي بين التسيير والتخيير" المنشورة في " صحيفة المثقف " والتي وقفتُ فيها ، وقفة سريعة خاطفة، عند النظرية الكونية الغربية الجديدة المعروفة باسم " الأكوان المتوازية"، والتي نزلت إشارة سريعة إليها في القرآن الكريم. وأنقل إليك بعض العبارات التي وردت في تلك الكلمة:


    " جاء في تفسير الطبري (224ـ 310هـ) في كتابه " جامع البيان في تفسير القرآن". ما نصه:
    سُئل ابن عباس (ر) عن تفسير الآية : (الله الذي خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن) . فقال ابن عباس : لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم، وكفركم تكذيبكم بها. ثم قال: (ومن الأرض مثلهن): خلق من الأرض مثلهن لما في كل واحدة منهنّ مثل ما في السماوات من الخلق ، وفي كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق، وفي كل سماء إبراهيم..[ ونحو ما على الأرض من الخلق].
    وقال ابن كثير (ت 774) في كتابه " تفسير القرآن العظيم"، بمثل ذلك في تفسير هذه الآية:
    " قال ابن عباس : " في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى [ ونحو ما على الأرض من الخلق] ."

    والسؤال الذي يثيره تعليقك: هل هذه الأكوان المتوازية خُلِقت في وقت واحد، أو بصورة متعاقبة؟؟!!
    لعل من الأسلم والأسهل أن أشكرك على تعليقك الكريم وأصدع بما أمرت به من إرسال مجموعتي "حياة سابقة" إليك حالاً، فطلباتك أوامر، كما يقول إخواننا المصريون.
    وأكرر عبارات الشكر لشخصك الكريم على تهنئتك لي .
    وتقبل من أخيك أصدق عبارات المودة والاحترام.
    محبكم: علي القاسمي
    1.  
    "ويخلق ما لا تعلمون".هناك عوالم لا نعلمها، وسائل اتصالات كنا نجهلها قد عرفناها اليوم وما كنا لنصدقها، فيما نجهل أخريات..هناك أسرار وملكات منحت لبعض البشر..سواء بمثابراتهم النفسية أو الجسدية أو هي مجرد هبات سماوية..ما زلنا نكتشف كل يوم الجديد والمبهر وما يحتاج أجوبة مقنعة فعلا..أصدقكم القول أني أحلم بأشياء تقع فيما بعد..قصة المبدع الفنان علي القاسمي واحدة من قصص أخرى في نفس التيمة عليكم بقرائتها ليزيد انبهاركم وتساؤلكم..
    1.  
    تحيّة طيبة وبعد؛ أشكر أستاذي الجليل الدكتور علي القاسمي على هذه التحفة الأدبية المتميزة، فقد نقلت لنا أحداث واقعية في صورة قصة ممتعة، فقد صورت لنا مشهد (المكان والزمان) في شكل رحلة ممتعة متبوعة بروح القدر والصدفة، وتوحي القصة بالكثير من القيم الإنسانية (التنمية البشرية المتمثلة في كيفية النهوض بقطاع التعليم الإبتدائي للجميع/أدب الرحلة/كيفية التعامل مع الشخصيات والدعوات/...
    وقد تجسدت قيمة القدر والصدفة في مشهد قصصي مثير بأسلوب مشوق بارع.....
    فشكرا أستاذي الجليل على هذا الإبداع الفني الفريد، أتمنى لكم مزيدا من التألق والنجاح
    مع خالص مودتي واحترامي
    1.  
    صديقي العزيز عالم النفس الأستاذ مصطفى شقيب ،
    أشكرك على إطلالتك البهية على قصتي القصيرة، وعلى كلماتك العميقة حول المعرفة الإنسانية المحدودة. ولا أشك أن اشتغالكم في علم النفس وعلم النفس الموازي سيزيد من متعتك وإمتاع الآخرين.
    تمنياتي لك بموفور الصحة والخير ومزيد من المعرفة والكشف.
    محبكم: علي القاسمي
    1.  
    ابننا اللساني الأديب الدكتور كمال لعناني، مجمع اللغة العربية الجزائري.
    أشكرك من القلب على الأضواء النيرة التي سلطتها على القصة ومراميها.
    إن ثقافتك العميقة تزيد من حدة النظر وسعة الفكر لديك، وتتيح لك بلوغ آفاق بعيدة إن شاء الله.
    تمنياتي الحارة لك بدوام التألق والعلا.
    علي
    1.  
    قصة مشوقة ممتعة تشتمل على معلومات قيّمة , غريبة في أحداثها (إذ إنّ ما يتنبأ به البروفسور أنور دل يصبح حقيقة ) بدءا من كتابة الاسم بالخط العربي وانتهاء بالسفر إلى كراتشي , بل أنَ من استقبل البرفسور أنور لديه الحدس نفسه الذي يمتلكه البرفسور .دام إبداعك أستاذنا العلامة الدكتورعلي القاسمي القدير.
    1.  
    شكراً لك عزيزتي الأستاذة بتول الربيعي. 
    كما تفضلتِ، التشويق تقنية أساسية في القصة، والمعلومات الثقافية هي ملح الطعام في الأدب. 
    وفي هذه القصة تلخيص لنظرية المعرفة، خاصة طرائق الوصول إلى الحقيقة الثلاث: المنطقية، المختبرية، الحدسية.
    أتمنى لك التوفيق والتألق في مناقشة أطروحتك للدكتوراه. 
    علي القاسمي
    1.  
    تدهش دائما بما تبتكره من أساليب وأحداث لرواية الواقع الحقيقي،. تمسك بلحظات مميزة في الحياة لا يلتفت إليها كثيرون رغم قيمتها الكبيرة. وقد أمسكت بقيمة روحية استثنائية يتمتع بها بعض الناس ولا يصدقها كثيرون، قدمتها بكامل الدقة والإقناع في قصة ممتعة عجيبة.
    هناك بعض الكائنات تمتلك طاقة روحية تصل إلى درجة الكشف.
    تحية إعجاب وتقدير لكفاءاتك أستاذنا العزيز الدكتور علي القاسمي
    مالكة العاصمي
    1.  
    سيدتي الشاعرة الرائدة المناضلة الدكتورة مالكة العاصمي
    أشكرك على كلماتك التي أعلقها على صدري وساماً، يُسعد قلبي ويُبهج نظري ونفسي. 
    إن دراساتك الفلسفية والاجتماعية هي التي أهلتك لهذا الحُكم الصائب. كما أن أسرتك الكريمة التي يكثر فيها الشعراء والأدباء والمتصوفة والحكماء، أعطتك التجربة العملية في هذا النوع من الرجال، حيث يرون في بصيرتهم ما لا نراه في أبصارنا. وقد قال المتنبي عن واحد من هؤلاء:
    ذكيٌّ تظنّيهِ طليعةُ عينهِ يرى قلبُه في يومه ما ترى غدا
    أكرر أسمى عبارات شكري وامتناني واحترامي لك ولكلماتك الطيبة.
    علي القاسمي

    مقالات ذات صلة