قراءة في كتاب جديد: الترجمة وأدواتها
قراءة في كتاب جديد: الترجمة وأدواتها
دراسات في النظرية والتطبيق للدكتور علي القاسمي
أصدرت (مكتبة لبنان ناشرون) في بيروت، هذا الشهر، طبعة ثانية منقحة مزيدة من كتاب "الترجمة وأدواتها: دراسات في النظرية والتطبيق" للدكتور علي القاسمي. ويُستخدَم هذاالكتاب مرجعاً أساسياً في معاهد الترجمة وأقسامها وبرامجها في الجامعات العربية. وتقع هذه الطبعة في 248 صفحة من الحجم الكبير، وتزدان بطباعة أنيقة وتجليد جيد. وتبلغ الزيادة فيها 45 صفحة ناتجة من إضافة ثلاثة فصول جديدة لهذه الطبعة، وبذلك أصبح الكتاب يتألف من 12 فصلاً هي:
1) دور الترجمة في التفاعل الثقافي والحوار الحضاري،
2) الترجمة في الوطن العربي (بلدان المغرب العربي نموذجاً)،
3) المعاجم العربية المتخصّصة ومساهمتها في توطين التكنولوجيا.
محلق: قائمة معاجم المصطلحات الموحّدة بمكتب تنسيق التعريب بالرباط ( جديد).
4) هل ثمة إبداع في الترجمة؟ ( جديد).
5) نظرية الترجمة وعلم المصطلح،
6) أنواع المعاجم العشرة التي يحتاجها المترجم (جديد).
7) المترجم والمعجم الثنائي اللغة،
8) مشاكل المترجم في المنظمات الدولية،
9) خفايا الترجمة وفخاخها: متي يعتمر همنغواي الكوفية والعقال؟
10) في إعادة ترجمة الأعمال الأدبية المترجمة: ترجمة الأساليب والنفسيات،
11) ترجمة الشعر: حبٌّ وموتٌ ونفيٌ،
12) تبسيط العِلم بالأدب وترجمة الكتب العلمية.
وكان المؤلّف قد قدَّم بعض هذه الدراسات النظرية والتطبيقية في مؤتمرات دولية حول الترجمة في عواصم مختلفة مثل بيروت وسيئول وطنجة، ونشر بعضها الآخر في دوريات متخصّصة في المغرب ومصر، وشكَّل بعضها مقدّمات كتب ترجمها وناقش فيها قضايا الترجمة.
ويقول الناشر: " يلخِّص هذا الكتاب خبرة المؤلّف في دراسة الترجمة وتدريسها، وممارسته لترجمة عدد من الأعمال الأدبية العالمية، واضطلاعه بمراجعة ترجمة بعض وثائق منظمة الأمم المتحدة ومطبوعاتها."
يتناول الفصل الأول في الكتاب تاريخ الترجمة التي نشأت بوصفها وسيلة تفاعل ثقافي أو اقتصادي او اجتماعي بين الجماعات البشرية ذات اللغات المختلفة. ويضرب المؤلّف مثلاً على ذلك بالسومريين الذين تمكنوا من اختراع الكتابة، والعجلة، والمحراث، وتقسيم الزمن إلى وحدات، وسنّ القوانين والتشريعات، وأنشاء التعليم وتأسيس المدارس، وغير ذلك. وعندما سيطر البابليون بقيادة ملكهم حمورابي حوالي عام 1750 ق.م. على بلاد سومر، أخذ البابليون يعلّمون أولادهم العلوم السومرية. فاضطر المعلِّمون إلى استخدام الترجمة في نقل تلك العلوم من اللغة السومرية إلى اللغة البابلية، وإعداد قوائم ثنائية اللغة بالألفاظ السومرية ومقابلاتها البابلية. وهكذا قادت الترجمة إلى ابتكار أولى أدواتها، المعجم.
ويرى المؤلِّف أن الترجمة تساعدنا على معرفة الآخر وإدراك الذات في آن واحد. فالترجمة تقوم بتسليط الضوء على الآخر لنتعرّف عليه، وتعرُّفنا عليه يساعدنا على معرفة أنفسنا، لأننا لا يمكننا إدراك الذات مالم نعرف الآخر؛ فبالآخر يتحدّد الأنا.
وتؤدّي الترجمة إلى تلاقح الثقافات، فهي تؤثِّر في الثقافة المنقول إليها وفي لغتها، حين تزوّدها بمفاهيم وعلوم وتقنيّات الثقافة المنقول منها، وتُغني لغتَها بألفاظ وتراكيب وأساليب جديدة. ومن ناحية أخرى، فهي تؤدّي خدمة للثقافة المنقول منها بتوفير حياة جديدة للنص الأصلي. ومن الأمثلة على ذلك أن بعض كتب الفلسفة اليونانية مفقودة ولم يَستعِد الغربُ مضامينها إلا من خلال الترجمة العربية لهذه الكتب التي تمّت في العصر العباسي.
أما الفصل الثاني فيعرض عرضا مفصلاً لوضعية الترجمة في الوطن العربي من خلال صورة دقيقة لأوضاع الترجمة في بلدان المغرب العربي. فالمستعمر الفرنسي استخدم الترجمة وسيطةً بين الإدارة الاستعمارية والأهالي، وطريقة تعليمية لنشر لغته بينهم. أما بعد الاستقلال فقد استخدمت الدول المغاربية الترجمة أداة للاقتباس من النهضة الأوربية، وكذلك لتعريب الإدارة والتعليم في المغرب العربي. وهكذا أنشأت هذه البلدان معاهد الترجمة، ومؤسَّسات وضع المصطلحات، التي تعدّ من أدوات الترجمة . كما تطرَّق هذا الفصل إلى التشريعات المتعلقة بتشجيع الترجمة، وفي مقدمتها تعميم اللغة الوطنية وتنميتها، وتلك المتعلقة بالمترجمين ومكافآتهم ونشر إنتاجهم، وتأسيس مراكز الترجمة الوطنية والقومية، ونقل الكتب العلمية والتقنية إلى اللغة العربية بكمية كافية ونوعية جيدة.
ويتناول الفصل الثالث دور الترجمة في تنمية التقنيات الوطنية وأهمها: بنوك المصطلحات، والترجمة الآلية. ويضم ملحق هذا الفصل قائمة معاجم المصطلحات الموحّدة التي أصدرها مكتب تنسيق التعريب بالرباط. التي يقارب عددها ستين معجما باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية. وأغلب هذه المعاجم في العلوم والتقنيات، وهي مخزونة في بنك المصطلحات في المكتب. ويمكن الاستفادة منه عن طريق الشابكة (الإنترنت)، وعنوان موقع المكتب:
http:/www.arabiztion.org.ma
في الفصل الرابع، يعرّف المؤلِّفُ (الإبداعَ) بأنه "إنشاء شيءٍ جديد من عناصرَ موجودة سابقاً". وهكذا فإن الخاصيّتيْن الجوهريتيْن في مفهوم (الإبداع) هما " تجاوز الواقع" و " تخيّل الجديد". أما (الترجمة) فيعرّفها بأنها "نقل معاني نصٍّ من لغة إلى أخرى". وهي تقتضي إعادة الكتابة في اللغة المنقول إليها. وهذه الكتابة الجديدة تتطلّب أسلوباً يختلف من شخص لآخر، طبقاً لدرجة الإبداع لديه، وذكائه، ومعرفته، ومزاجه، وقدرته على السخرية. ولهذا فالمترجم يبدع نصاً جديداً من عناصر لغوية موجودة سابقاً. ففي الترجمة إبداع كذلك.
يوضّح الفصل الخامس العلاقة بين علم المصطلح ونظرية الترجمة. فعلم المصطلح هو "العلم الذي يبحث بين المفاهيم العلمية والألفاظ التي تعبّر عنها". وقد يضطر المترجم أحياناً أن يقوم بدور المصطلحي عندما لا يعثر على مقابل لمصطلح علمي باللغة المنقول إليها. ولهذا لا بدّ للمترجم أن يُلمَّ بأصول علم المصطلح. ويستعرض هذا الفصل أهمَّ نظريات الترجمة التي تستند إما إلى علم اللغة أو علم الاتصال. ينظر علم اللغة إلى الترجمة بأنها تقوم على عمليتيْن الأولى عملية تلقي معنى النص التي تمرُّ بثلاثة مستويات: الإدراك السمعي او البصري، وتفكيك النص لتحويله إلى مفاهيم ومعان، وإعادة بنائه لفهم مضمونه. والعملية الثانية هي عملية التعبير عن المعنى بمفردات وتراكيب يتلقاها القارئ. أما علم الاتصال فينظر إلى الترجمة بوصفها تواصل بين مرسلٍ ومتلقٍ وبينهما رسالة تمَّت صياغتها وفق قواعد معينة بسياق معين، وانتقلت من المرسل إلى المتلقي بوسط قد يتعرض لضوضاء خارجية أو مؤثرات داخلية قد تؤثر في وصول امعنى الرسالة المراد إلى المتلقي.
يحسب بعضهم أن المترجم العربي لا يحتاج إلا إلى أداة واحدة تتمثل في معجم ثنائي اللغة جيد. بيد أن الفصل السادس يبرهن على أن المترجم يحتاج لأداء مهنته إلى عشرة أنواع من المعاجم الجيدة هي: المعجم الثنائي اللغة، المعجم الأحادي اللغة لفهم لغة الأصل، المعجم الأحادي اللغة للتعبير بلغة النقل، معجم للرموز والمختصرات والمختزلات، معاجم مختصة في العلوم المختلفة، معجم مفهرس لألفاظ القرآن الكريم، معجم مفهرس للحديث النبوي الشريف، معجم الاستشهادات، معجم الأعلام، معجم المتواردات. ويبيّن الفصل دورَ كل نوع من هذه المعاجم في تيسير عملية الترجمة.
يخصص المؤلّف الفصل السابع لخصائص المعجم الثنائي اللغة الجيّد الذي يشكّل الأداة الرئيسة بيد المترجم، مع دراسة تطبييقية على معجم " المنهل: فرنسي ـ عربي". ويرى المؤلّف وجود نوعين من المعجم الثنائي اللغة: معجم مخصَّص لفهم اللغة الأجنبية مقابل معجم مخصَّص للتعبير باللغة الأجبية. ثم يحدّد الخصائص الضرورية في المعجم الجيّد وهي:
ـ الاتساع الأفقي: كفاية عدد المداخل الرئيسة،
ـ الاتساع العمودي: كفاية عدد المداخل الفرعية.
ـ العناية بالتعابير الاصطلاحية والسياقية،
ـ دقة الملعومات الدلالية والمعلومات الأخرى: الصوتية والنحوية والتأثيلية.
ـ استخدام التمييز الدلالي، لمساعدة الممستعمل على فهم المعني المقصود للمقابل المتعدد المعاني.
ـ العناية بأسماء الأعلام،
ـ الإشارة إلى مجال الاستعمال للألفاظ.
ويضرب المؤلِّف أمثلةً على عدم دقة المقابلات من معجم "المنهل" فمثلاً:
ـ But هدف، غرض، غاية
ـ objectif هدف، غرض، قصد
ـ fin ...، غاية، مصير ...
وهذه المقابلات غير دقيقة، ولو أنها تنتمي إلى حقل دلالي واحد. وهي لا تساعد المترجم العربي. كان من اللازم أن يعطي المعجم مقابلات الكلمات الفرنسية الثلاث على الوجه التالي:
ـ But غرض
ـ Objectif هدف
ـ Fin غاية
ويسوق المؤلّف أمثلة عديدة من هذا المعجم ليبرهن على وجهة نظره. مثلاً في حقل دلالي آخر يورد معجم "المنهل":
ـ Fosse لحد، ضريح.
ـ Mausolée ضريح، قبر ضخم
ـ Tombe ضريح،
ـ Tombeau رمس، لحد، ضريح، قبر
يقول المؤلّف: " جعل المنهل كلمة ضريح مقابلاً للمفردات الفرنسية الأربع. وواقع الحال خلاف ذلك. فهذه الكلمات لها معان مختلفة في حقلٍ دلالي واحد. والعربية هي الأخرى تعبّر عن هذه المعاني الأربعة بكلمات مختلفة. فالحفرة التي تُعدّ لدفن الميت تُسمى ( جدثاً ) Fosse، وعندما يُلحَد فيها الميت ويحثى عليها التراب، تُسمى (رمساً) Tombe، وعندما يُنصب على الرمس شاهدٌ يصبح (قبراً) Tombeau، وإذا بُني عليه بناء كبير عاد (ضريحاً). أما ( اللحد) فهو شق في جانب الحفرة يُلحَد فيه الميت. ويُسمى التراب أو الرمل الذي يُحثى على الجدث (رمساً) كذلك. وكلمة (قبر) بالعربية لفظ عام يمكن أن يُطلق على جميع هذه الأشياء. وهكذا فالمقابلات الدقيقة هي على الوجه التالي:
ـ Fosse جدث
ـ Tombe رمس
ـ Tombeau قبر
ـ Mausolée ضريح
والمعجمي الذي يورد سلسلة شبه مترادفات مقابل كلمة واحدة مثله مثل الطبيب الذي يكتب في وصفته للمريض عدداً كبيراً من الأدوية لعلّه يصيب في واحد منها.
ويورد المؤلّف استشهادات من الشعر العربي للدلالة على صحة آرائه. كما يبين كيفيات التعامل مع الكلمات التي تغيّر معناها في السياقات المختلفة.
يتناول الفصل الثامن مشكلات المترجم العربي في المنظمات الدولية، التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
ـ عدم توافر معاجم ثنائية اللغة تتسم بالكفاية والدقة. وقد ناقش المؤلف ذلك في الفصل السابق
ـ ضآلة قدرة المترجم العربي الإنتاجية، الناتجة من تدني نوعية إعداده وقلة خبرته بسبب تبني التعليم العالي العلمي والتقني في البلدان العربية لغة أجنبية ( الإنجليزية أو الفرنسية) لغة تلقين. في حين أن الدول التي حققت تنمية بشرية عالية كاليابان وماليزيا والصين وتركيا وإيران وفنلندة وغيرها تستخدم لغتها الوطنية في جميع مراحل التعليم. (وطبعاً يتعلم طلابها لغات أجنبية، ولكن ليس بوصفها لغة التعليم، بل لغات أجنبية أو ثانية).
ـ مشكلة ضغط الوقت قد تؤدي إلى وقوع المترجم في الخطأ. فالمترجم في المنظمات الدولية محدد بوقت عليه أن ينتج فيه النص المكتوب، أو إذا كان مترجماً فورياً فعليه أن يأتي بالترجمة الشفوية في الحال. فليس لديه الوقت المتاح لاستشارة الشابكة أو الاستنجاد بمعجم من المعاجم. وتختلف متطلَّبات الدول والمؤسّسات الدولية من حيث إنتاجية المترجم اللازمة. فالحكومة الأمريكية مثلاً تطلب من المترجم الواحد إنجاز ما بين 5 و7 صفحات في اليوم، ومنظمة الأمم المتحدة تطالبه بـ 8 صفحات، والشركات الألمانية بـ 9 صفحات ( معدل محتويات الصفحة الواحدة 220 كلمة). ويشرح الكتاب العوامل التي تؤثِّر في قدرة المترجم الإنتاجية، مثل: صعوبة النص، والهدف من الترجمة، ووسائل المترجم وأدواته، واللغة التي يترجم إليها، والضوضاء الخارجية التي تؤثر في عمله، إلخ.
ـ خطورة نتائج الخطأ الذي يقع فيه المترجم الدولي: فإذا كان خطأ المترجم الأدبي قد يؤدّي إلى إفساد متعة القارئ وفهمه للنص، فإن خطأ المترجم في المنظمات الدولية قد يؤدي إلى إفساد العلاقات بين دولتيْن. يروي مترجمٌ أمريكي أنه كان يترجم في اجتماع بين الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، والرئيس السوفيتي غورباتشوف حول الحد من الأسلحة النووية، وأخطأَ في ترجمة أحد المصطلحات التقنية . فذهب بعد الاجتماع إلى الرئيسيْن ليعتذر، فقال له الرئيس الأمريكي مازحاً: احمد الله أن خطأكَ لم يؤدِ إلى اندلاع حرب عالمية نووية.
والفصل التاسع هو مقدّمة المؤلِّف لترجمته لكتاب " وليمة متنقلة" لإرنست همنغواي، الذي بلغت طبعاتها إحدى عشرة طبعة في مختلف العواصم العربية. ويقول المؤلِّف إن كتاب همنغواي أُهدِي إليه عندما كان طالباً في الجامعة الأمريكية في بيروت أواسط الستينيات وأُعجب به وأراد ترجمته إلى اللغة العربية، ولكنّه تردّد ولم يُقدِم على ترجمته إلا بعد أكثر من ثلاثين عاماً. ويعود تردُّده إلى أن الكتاب يضمُّ ذكريات همنغواي عن باريس عندما أقام فيها عدة سنوات في بداية العشرينيات من القرن الماضي. ولم يكن المترجم يعرف باريس، فخشي أن تجانبه (الأمانة) في النقل. إضافة إلى ذلك أن همنغواي كان يتحدث عن الهوايات التي كان يزاولها في باريس مثل الرهان في سباقات الخيل، وألعاب الدراجات البخارية، وتناول أنواع الخمور والمشروبات الكحولية، والمترجم لا خبرة له فيها، فخاف أن يجانبه (الصدق).
وبعد أن درس المؤلّف في الولايات المتحدة وفرنسا تغيّر مفهوم (الصدق) و(الأمانة) لديه. واقتنع بانه لا يشترط في المترجم ممارسته فعلاً خبرات المؤلِّف الأصلي وتجاربه لتكون ترجمته صادقة. فالصدق صدقان: صدق واقعي وصدق فني. وحتى المؤلِّف الأصلي قد يتحدّث عن أمور من المتخيَّل وليس من الواقعي، فيصوِّر أحداثاً لم تقع، وتجارب لم يخبرها، ومع ذلك يحقق نجاحاً إذا توفرت له مخيلة مبدعة وتحلّى بالصدق الفني.
ولم تعُد الأمانة تعني المطابقة التامة بين النص الأصلي والنص المترجَم، لأنه لا توجد مطلقاً مطابقة تامة بين لغتيْن مهما كانت درجة القرابة بينهما، ومهما بلغ التشابة بين بنيتيهما وأساليبهما. ولهذا فالترجمة الكاملة غير موجودة بتاتا؛ فكل ترجمة يشوبها القصور، ونجاح أي ترجمة نجاح نسبي.
والفصل العاشر هو دراسة للمؤلِّف نشرتها مجلة " لوجوس" التي تصدرها جامعة القاهرة في عددها الخاص عن الترجمة. وتحاول هذه الدراسة الإجابة على السؤال: لماذا نعيد ترجمة الأعال الأدبية المترجمة سابقاً؟ فيقدّم المؤلِّف عدة إجابات محتملة:
ـ لأن طبعة الترجمة السابقة قد نفدت ولم تعُد متوافرة في الأسواق،
ـ لأن اللغة في تغيّر وتحوّل وتطوّر باستمرار،
ـ لأن الترجمة تزيد متعة القراءة لدى المترجم،
ـ لأن الترجمة تعلّم المترجِم الكتابة الأدبية الإبداعية،
ـ لأن المترجم كالممثل، ويختلف الممثلون في أداء الدور الواحد.
ولكي يكتب المؤلِّف دراسته لمجلة " لوجوس"، قرر أن يترجم كتاباً له عدة ترجمات سابقة، فوقع اختياره على قصة " الشيخ والبحر" التي نال على إثرها إرنست همنغواي جائزة نوبل وتتجاوز ترجماتها العربية ثلاثين. ثم قارن ترجمته بترجمتيْن سابقتيْن أحدهما لشيخ المترجمين العرب، المرحوم منير بعلبكي، والأخرى للدكتور زياد زكريا. وأثبت من خلال أمثلة كثيرة أن الترجمتين السابقتين لم تراعيا أسلوب همنغواي الذي يتميز بالسهولة، والاقتصاد في اللغة، وعدم المبالغة، واللغة الإشارية، واللامباشرية، وإشراك القارئ في العملبة الإبداعية. ويزعم المؤلف أن وظيفة الترجمة ينبغي أن لا تقتصر على نقل المعاني، بل كذلك الأساليب، والنفسيات في الثقافة الأصلية. ويتطرق إلى إلى قضايا عديدة، مثل ترتيب الصفات والنعوت في الجملة العربية، وشروط الإضافات المسموح بها للمترجم، ومدى قدرته على تغيير الصيغ اللغوية، مثل تغيير صيغ الماضي إلى المضارع، أو تغيير الكلام غير المباشر إلى الكلام المباشر، أو تغيير الصيغة الاستفهامية إلى الصيغة الخبرية، وهكذا.
ويتناول الفصل الحادي عشر مسائل شائكة في ترجمة الشعر، من خلال ترجمة الدكتور بسام خليل فرنجية لخمسين قصيدة من آخر ثماني مجموعات شعرية للشاعر الرائد عبد الوهاب البياتي إلى الإنجليزية. وقد نشرت جامعة جورج تاون في واشنطن تلك الترجمات في كتاب عنوانه " حب وموت ونفي" ضمن احتفالاتها عام 1989 بمناسبة الذكري المئوية الثانية لعيد الاستقلال الأمريكي.
أما الفصل الثاني عشر فينصبُّ على مشاكل ترجمة الكتب العلمية، متخذاً من ترجمة المؤلّف لكتاب رواية " أحلام أنشتاين" للدكتور ألن لايتمن، منطلقاً لهذه المشاكل. والدكتور لايتمن يضطلع بتدريس الفيزياء الكونية في أشهر جامعة تقنية أمريكية هي معهد ماسشوست للتكنولوحيا (M.I.T.)، وفي الوقت نفسه يقوم بتدريس الكتابة الإبداعية فهو شاعر روائي قصاص، وهذا ما لم يحصل في تاريخ هذه الجامعة. وفي هذه الرواية يسعى لايتمن إلى تبسيط بعض محاور النظرية النسبة للقارئ عن طريق سبكها في قصص قصيرة متسلسلة لتكون رواية رائعة.
ويعرض المؤلِّف أهم الصعوبات التي واجهته في ترجمة هذه الرواية. وأبسط هذه الصعوبات أن كلمة (Time) باللغة الإنجليزية لفظ مشترك تقابل معانيه المختلفة باللغة العربية ثلاثة ألفاظ مختلفة هي زمان وزمن ووقت، ما يتطلب جهداً وتركيزا وانتباها من المترجم لئلا يفسد معاني الكتاب المقصودة. ف (الزمان) هو حركة الكون، وهذا اللفظ العام يتألف من (زمن) ماضٍ، و(زمن) مضارع، و (زمن) مستقبل. فالـ (الزمن) فترة من فترات (الزمان)، كما في قولنا "زمن الصبا ولّى"، أو كما يقول نزار قباني في قصيدته " إلى نهدين مغرورين":
عندي المزيدُ من الغرور
فلا تبيعيني غرورا ...
من حُسن حظكِ
أن غدوتِ حبيبتي زمناً قصيرا.
فالزمان أطول من الزمن طبقاً لمقولة علما اللغة العرب الأقدمين : " زيادة المبنى تفيدُ زيادة المعنى".
و (الوقت) جزء صغير من (الزمن)، كما في قولنا "وقت الصبح" أو " دخل وقت صلاة العصر"، أو كا قال الشاعر ديك الجن الحمصي الذي قتل حبيبته بسبب وشاية كاذبة، ثم قتله الندم والأسى:
قولي لطيفكِ ينثـــني... عن مضجعي وقتَ الرقاد
كي أستريح وتنطفي... نــارٌ تأجــجُ فــي الفـــؤاد
وقد يقع الخلط في الاستعمال مجازاً، أو بسبب استعمال العام للخاص وبالعكس.
وفي آخر الكتاب يضع المؤلِّف سيرة علمية موجزة له تشتمل على أكثر من خمسين كتاباً من مؤلفاته مع تاريخ النشر واسم دار النشر لكل طبعة من طبعات كل كتاب. وكذلك أزيد من خمسين كتاباً ورسالة جامعة كُتِبت أو نُشِرت عن كتبه.
تعليقات (2)
MC
عا