أحمد العلوان، عندما يرسم همنغواي ملامح باريس في الثلاثينيات
عندما يرسم همنغواي ملامح باريس في الثلاثينيات
قبل سنوات قليلة، وبعد اضطرابات مدينة باريس، أخذ مذيع إحدى المحطات الفرنسية يجوب شوارع باريس، ليتلقى ردود الفعل الأولى للناس حول هذه الأحداث، في وقتها التقى بسيدة عجوز، ليسألها عن مشاعرها، وخلال ذلك لفت نظره كتاب كان في يدها ابتاعته من إحدى المكتبات، فسألها عنه، فقالت: هذا كتاب “باريس حفلة” للكاتب إرنست همنغواي يتحدث فيه عن مدينة باريس في عقد الثلاثينات، وعلقت؛ نحن بحاجة إلى اكتشاف مدينتنا من جديد.
بعد هذه المقابلة نفدت نسخ الكتاب من الأسواق! ومن ثم أعيدت طباعته من جديد! بعد أن طُبع المرة الأولى في ستينيات القرن الفائت.
وفي إحدى مكتبات البحرين لمحت كتاب “باريس عيد، وليمة متنقلة” لهمنغواي، بطبعته الأولى العربية لسنة 2016 ميلادي، وبدون تردد ابتعته، ولحسن الحظ كان المترجم الدكتور علي القاسمي، وهو عراقي مقيم في المغرب.
وفي مقدمة الكتاب المطولة، والجميلة، استعرض القاسمي قصته مع همنغواي، وكتابه، وتطرق إلى صعوبات الترجمة، وفلسفتها، ومن أجل أن يهضم إحساس الكاتب لحظة التأليف، ذهب برفقة ابنته إلى باريس، مارًا بالمقاهي، والساحات، والطرقات، والأماكن التي ارتادها همنغواي، فأصبحت مقدمة المترجم لوحدها مؤلفًا تستمتع بقراءته، وتكتشف المهنية العالية في مضمار الترجمة.
هنالك ثمة مسلمتان معروفتان في الأوساط الأدبية عربيًا عن همنغواي، أولاهما حصوله على جائزة نوبل للآداب عن روايتهِ “الشيخ والبحر”، وثانيهما قصة انتحاره بإطلاق رصاصة في رأسه بواسطة بندقية ورثها عن أبيه.
لكن أظن من غير المعروف أن الانتحار جاء بمثابة فعل وراثي، فوالده مات منتحرًا، ويقال إن همنغواي اكتشف إصابته بمرض وراثي يتطور في الدماغ، ليصبح بعدها مجنونًا!
قد يصنف كتاب “باريس عيد” رواية هي أقرب للسيرة الذاتية للفترة التي عاشها في باريس بين عامي (1926-1921) ميلادية، والتي التقى من خلالها بالكثير من الأدباء، إذ كانت باريس في وقتها قبلة للكتاب، حيث رصد تجربته الشخصية مع العديد من الشخصيات، والعديد من الأماكن، وفي رسالة كتبها همنغواي لصديقه تشي بعمق تأثير باريس فيه، يقول فيها: “إذا واتاك الحظ بما فيه الكفاية لتعيش في باريس وأنت شاب، فإن ذِكراها ستبقى معك أينما ذهبت طوال حياتك، لأن باريس وليمة متنقلة”.