أصدقاء الدكتور علي القاسمي

تطور القصة القصيرة الأمريكية الحديثة


  1. تطور القصة القصيرة الأمريكية الحديثة

علي القاسميالإنسانية والسرد: السرد جزء من النشاط الإنساني، قديمٌ قِدم اللغة نفسها. فمنذ أن نطق الإنسان ورواية الأحداث تشكِّل قسطاً كبيراً من فعاليَّته اللغوية. وأدى تقدّم الإنسانية إلى ظهور الأشكال الفنية للسرد: قصة، رواية، مسرح، سينما، تلفزيون، يوتيوب، إلخ. وقد عرفت الحضارات القديمة أنواعاً من السرد، شعراً ونثراً. فقد أبدع الأدب السومري "ملحمة جلجامش" شعراً (حوالي 2700 ق.م.) ودوّنها بالخط المسماري على الرقم الطينية، وأبدع الأدب الفرعوني قصة " بحّار السفينة الغارقة" نثراً (حوالي سنة 2000 ق.م.) ودوّنها على الورق البردي.
القصة القصيرة قطعة من السرد النثري المكثف يمكن قراءتها في جلسة واحدة؛ فهي تتناول أحداثاً قليلة وشخصيات محدودة، وتركِّز على تطوّر حدث واحد لتنتج أثراً واحداً. وعناصرها الأساسية هي: الافتتاح أو تقديم الفضاء والشخصيات الرئيسة، والحدث الذي يثير الصراع، والأزمة وخيارات البطل، والذروة، والحلّ. ومن حيث الشكل، تقع القصة القصيرة في وسطِ مربعٍ أضلاعه: الشعر، والرواية، والمسرح، والريبورتاج الصحفي. وقد يقترب شكلها من أحد إضلاع هذا المربع أكثر من غيره.
والقصة القصيرة نوعٌ أدبي جديدٌ نامٍ ما يزال يتطور، ولم يستقر بعد. ولعل هذا هو السرُّ في قوته. فقد نشأت القصة القصيرة الحديثة في أوربا خلال القرن السابع عشر من تقاليد الحكي القصصي الشفهي ذي الجذور العربية. وسجّلت حضورها في أمريكا خلال القرن التاسع عشر . ويرى بعض النقاد أن كتاب السرد الأمريكيين في النصف الأول من القرن التاسع عشر استعاروا شكل الحكاية القصيرة من الكتّاب الألمان مثل فيلهلم كلايست، وإي. تي. أي. هوفمان وغيرهما وطوروه ليلائم الصحف الأمريكية بحيث وصلوا إلى نوع القصة القصيرة الذي نعرفه اليوم. ومن أبرز كتّاب القصة القصيرة في أمريكا في القرن التاسع عشر ناثانيل هوثورن (1804 ـ 1864)، وإدغار ألن بو (1809ـ1849) الذي يُعدُّ أبا القصة البوليسية وأبا قصة الخيال العلمي.
وفي مطلع القرن العشرين، كانت هنالك عشرات الدوريات التي تحتفي بالقصة القصيرة وتفرد زاويةً خاصة لها وتدفع المال لكتّابها، ومن أشهر هذه الدورات: أتلانتك مونثلي، هاربرز مكزين، ذي نيويوركر، سكرابنرز، ذي ستردي إيفننغ بوست، أسكوار، وبوكمَن؛ وكانت تنشر قصة قصيرة على الأقل في كلِّ عددٍ من أعدادها.
وفي بداية القرن العشرين، اشتهر أو هنري (وهو الاسم الأدبي للكاتب وليم سدني بورتر (1862 ــ 1910). بقصصه التي لقيت رواجاً وإقبالاً شعبياً. وكان قد بدأ بكتابة القصة في السجن بعد أن أدانته محكمة سنة 1898 باختلاس أموالٍ عندما كان يعمل في أحد البنوك في مدينة أوستن. وعندما كنتُ طالباً في جامعة تكساس في أوستن حوالي سنة 1970 زرت داره التي حوّلتها الدولة إلى متحف، فقالت لي عجوز تعمل في المتحف وكانت في طفولتها جارة للكاتب، إنه رجل شريف وبرئ ويتهمه الناس بالاختلاس، لا تصدّقهم. والآن يقول النقاد الأمريكان: “ ليس من المؤكد إذا كان قد اقترف الجريمة فعلاً”، وخلّدوا ذكره بإنشاء جائزة للقصة تحمل اسمه.
الجيل الضائع والقصة القصيرة:
الأمريكيّون مولعون بإطلاق الأسماء على تجمُّعاتهم الأدبيّة وحركاتهم الفكريّة. وفي تاريخ الأدب الأمريكيّ خلال القرن العشرين، نلفي مجموعتَين من الأدباء الذين أَثْروا هذا الأدب وأثَّروا فيه، وهما: " الجيل الضائع" و " الجيل المُتعَب".
أُطلِق مصطلح " الجيل الضائع" على مجموعة من الأدباء الأمريكيِّين الشباب الذين رأوا أنَّ الثقافة الأمريكيّة لم تصبح ثقافة عالميّة متنوّعة، وإنَّما كانت آنذاك ثقافة انكلوـ سكسونيّة بروتستانتيّة حصراً، فحزم بعضهم أمتعتهم ورحلوا إلى باريس والمدن الأوربيّة الأخرى، ليستمتعوا بالحرِّيّة الفكريّة والثقافة العالميّة، وذلك بُعيد الحرب العالميّة الأولى (1914 ـ 1918)، وكان معظمهم قد اشترك في معاركها، وأُصيب بخيبة أمل ومرارة بسبب النتائج الإنسانيّة الكارثيّة التي تمخّضت عنها تلك الحرب التي اشتعلت نيرانها بسبب المنافسة بين الدول الاستعماريّة الكبرى، وتمّ خلالها تعبئة حوالي 65 مليون جندي ، وبلغ عدد القتلى العسكريِّين الذين سقطوا إبان المعارك أكثر من 8 ملايين جندي. فالحروب تصيب قطاعات كثيرة من الناس باضطراب في التفكير، وتغيُّرٍ في العواطف والأحاسيس، ما ينتج عنه تبدّلٌ في القيم والسلوك، ورفضٌ للقواعد السائدة التي أدَّت إلى الحرب والقتال.
واستقرّ معظم هؤلاء الأدباء الأمريكيين في باريس بعد الحرب العالمية الأولى أو زاروها في العشرينيات من القرن العشرين حينما كانت العاصمة الفرنسيّة عاصمة المذاهب الفنِّيّة الحديثة في الرسم والنحت والأدب وبقية الفنون، كالمدرسة الانطباعية والمدرسة السيريالية وغيرهما. ويسمّي الفرنسيون تلك الفترة بـ " سنوات الجنون" Les années folles أو الحقبة الجميلة La belle époque في فرنسا، وكانت تكاليف المعيشة منخفضة فيها آنذاك بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة حتى وقعت الأزمة الاقتصادية الكبرى في أمريكا سنة 1929. ويقول همنغواي في روايته “ الوليمة المتنقلة” إنه كان يكفيه أن يكتب ثلاثة قصص في الشهر، ليسدد نفقات إقامته وزوجته وطفله في باريس..
وصار هذا المصطلح (الجيل الضائع) يُطلق على جيل الأدباء والفنانين الأمريكان والبريطانين الذي بلغوا سن الرجولة أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، أي الذين ولدوا في المدة من 1883 إلى 1900.
من أدباء وفناني الجيل الضائع: القاصّ الروائيّ إرنست همنغواي ، والروائيّ القاصّ أف. سكوت فتزجيرالد، والشاعر الناقد عزرا باوند (1885 ـ1972)، والقاصّ الروائيّ شيروود أندرسون (1876 ـ 1941) ، والرسّام والدو بيرس (1884ـ1970)، والروائيّ الفنّان جون دوس باسوس (1896ـ1970)، والكاتب جون شتاينبك (1902 ـ 1968) والموسيقار كول بورتر (1891ـ1964). ويضاف إلى هؤلاء، عدد من الأدباء البريطانيين الذي أقاموا في باريس بعد الحرب العالمية الأولى مثل الشاعر الأمريكي البريطاني تي. أس. إليوت (1888ـ 1965) ، والروائي الإيرلندي جيمس جويس (1882 ـ 1941) اللذين سكنا باريس في تلك الفترة ، وغيرهما.
ولعلَّ أشهر أعمال الجيل الضائع الأدبيّة رواية " غاتسبي العظيم" لسكوت فيتزجيرالد، ورواية " الشمس تشرق ثانية " لهمنغواي، وقصيدة " الأرض اليباب " لإليوت التي يصوّر فيها مشاعر الضياع والخيبة بعد الحرب العالميّة الأولى.
وعلى الرغم من أنَّ الكاتبة الأمريكيّة التي كانت تعيش في باريس،غيرتيتود شتاين، هي التي استعملت هذا المصطلح " الجيل الضائع" لتصف به الأدباء الأمريكيِّين الشباب الذين كانوا في باريس آنذاك، فإنّها ليست من هذا الجيل، على الرغم من أنَّ بعض النقاد يعدّونها منه.
إنَّ الذي أشاع مصطلح “ الجيل الضائع” وروّجه هو إرنست همنغواي، فقد استعمله في الاستشهاد الذي صدَّر به الطبعة الأولى من روايته " الشمس تشرق ثانية" (1926)، كما كتب عنه فصلاً في روايته السيرذاتية " الوليمة المتنقلة". يقول همنغواي في ذلك الفصل عن أصل هذا المصطلح:
" كان لديها [لدى غيرتيتيود شتاين] بعض المشاكل في نظام التشغيل بالسيّارة التي كانت تقودها وهي من نوع فورد تي القديم، ولم يكُن الشابُّ المكلّف بإصلاحها في الكراج، والذي كان قد اشترك في الحرب خلال السنة الأخيرة، بارعاً في المهنة، أو ربَّما لم يخرق أولوية السيارات الأخرى ويباشر إصلاح سيارة الآنسة شتاين الفورد. وعلى أي حال، فإن الآنسة شتاين لم تعدّه جاداً وشكته لصاحب الكراج الذي أنّبه بقسوة قائلاً له: " إنَّكم جميعاً جيل ضائع."
ـ " هذا هو شأنكم. هكذا أنتم جميعاً." قالت الآنسة شتاين: " جميعكم أنتم الشباب الذين شاركتم في الحرب. إنكم جيل ضائع.
قلتُ لها: " حقاً؟"
ويميل أدباء هذا الجيل إلى استخدام موضوعات مشتركة في قصصهم القصيرة ورواياتهم، وهي موضوعات مستقاة من خبراتهم الشخصية أثناء مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى والسنوات التي أعقبتها. ومن هذه الموضوعات المشتركة حياة الأغنياء المتفسخة والطائشة، وموت الحلم الأمريكي بسبب الفساد والجشع، إضافة إلى تصوير سيرهم الذاتية بشكل أسطوري.
وكان كثير من هؤلاء الأدباء يكتبون قصصهم ورواياتهم في مقاهي باريس في العشرينيات من القرن العشرين. وقد تشكّى القاص الروائي الناقد جون أبدايك في مقدِّمة الكتاب الذي أعده بعنوان “ أحسن القصص الأمريكية في القرن العشرين” من أنَّ معظم الأدباء الأمريكيّين ينتمون إلى الطبقة البرجوازيّة المُترفة التي تعيش في المدن الكبرى، ويأنفون ويترفَّعون من الخوض في مشكلات الشرائح المحرومة من العمّال والفلاحين في قصصهم القصيرة، وأنَّ بعضهم كان يزاول الكتابة في مقاهٍ باريسيّة فاخرة، كما كان يفعل أرنست همنغواي وسكوت فتزجيرالد وغيرتيتود شتاين وغيرهم فيتناولون حياة الناس البسطاء في أمريكا بصورة شعبويّة مصطنعة بعيدة عن الواقع الفعليّ. ولهذا لم يصرّ أبدايك على واقعيّة القصّة معياراً للاختيار بقدر ما كان يتوخّى في القصّة التي ينتقيها أن تثير انتباهه إلى أنّها قصّة حيّة، جميلة، مُقنِعة، ومهمّة من حيث كشفها عن الطبيعة البشريّة.
وينبغي الإشارة إلى أنَّ مصطلح " الجيل الضائع" قد استُعمِل ليدلَّ على مفاهيم مختلفة مع تباين المكان والزمان. ففي بريطانيا يُطلَق هذا المصطلح على مجموعة الأدباء والشعراء الذين قُتلوا في الحرب العالميّة الأولى، مثل الشاعر روبرت برووك (1887 ـ1915)، والشاعر ويلفرد أَوين (1893 ـ1918) الذي قُتل قبل أُسبوع واحد فقط من الإعلان عن نهاية الحرب. أمّا في أمريكا في الوقت الحاضر، فيطلَق مصطلح " الجيل الضائع " على آلاف الشباب الذين فقدوا أعمالهم ووظائفهم بسبب الأزمة الاقتصاديّة العالميّة 2008 ـ2009.
القصة القصيرة الأمريكية في النصف الأول من القرن العشرين:
في النصف الأول من القرن العشرين، كان فرسان الرواية والقصة القصيرة في أمريكا ثلاثة : سكوت فيتزجيرالد، ووليم فولكنر (1897ـ 1962)، وإرنست همنغواي، وقد حاز فولكنر وهمنغواي جائزة نوبل، كل على انفراد. ولكن طريقتهما في كتابة القصة القصيرة مختلفة. فقصص فولكنر أقرب إلى الحكاية المُضمَّخة بعطر الماضي، أما قصص همنغواي فهي أقرب إلى صور قلمية تستثمر الرموز الأسطورية (الماء، السمكة، الجروح، الولادة). وكلاهما ينتمي إلى المدرسة الواقعية مع ظلالٍ من الانطباعية.
وقد أثَّر ظهور السينما وتطورها الهائل خلال النصف الأول من القرن العشرين، على القصة بطريقتيْن:
الأولى، إنتاج عددٍ هائل من الروايات والقصص سينمائياً ودفع مقابل مجز لكتّابها، حتى إن بعضهم شارك في كتابة السيناريو أو تفرغ له، كما فعلت الكاتبة دوروثي باركر (1893 ـ 1967) وزوجها.
الثانية، إن السينما أثّرت في القصة الأمريكية بنفس الطريقة التي أثَّر الفن الفوتوغرافي في الرسم. فقد أخذ الرسامون التقليديون يبحثون عن أنماط وأساليب لا تستطيع المصوِّرة (الكامِرة) مضاهاتها، ولهذا وجِدت مدارس فنّية مثل الانطباعية والسيريالية في الرسم. وهكذا فعندما استولت السينما على الوظيفة السردية للقصة، حاول بعض كتاب القصة التركيز على جوانب أخرى لفن السرد في محاولة لإلغاء الواقعية السردية. ففي النصف الثاني من القرن العشرين، نجد كتاباً مثل دونالد بارتلم (1931 ـ 1989) الذي ينتمي إلى مدرسة ما بعد الحداثة، يعمل مثل فنّان تلصيقي ومحلِّل للثقافة الشعبية. أي أن بعض كتاب القصة القصيرة ابتعدوا عن الواقعية السردية وحاولو ما لا يمكن للسينما تصويره. بيدَ ان بعض كبار كتاب القصة القصيرة التزموا بالواقعية مثل الكاتب الشهير جون أبدايك (1932 ـ 2009)، أو بما يقرب منها كالوافعية القذرة التي أبدع فيها توبياز وولف (1945 ـ) الذي ترجمنا قصة له في كتابنا “ مرافئ على الشاطئ الآخر” ، وريشارد فورد (1944 ــ)، وإدوارد جونز(1951 ــ) اللذين ترجمنا بعض قصصهما في هذا الكتاب.
الجيل المُتعَب:
ذكرنا أن الأمريكيين يميلون إلى استعمال مصطلح ما يُجمِل خصائص مجموعة من السكّان في فترة معيَّنة. فمثلاً يطلقون مصطلح " جيل ما بين الحربَين " على الأشخاص الذين كانوا إبان الحرب العالميّة الأولى أصغر من سنِّ التجنيد فلم يُجنّدوا، وأصبحوا أثناء الحرب العالميّة الثانية أكبر من سِنّ التجنيد فلم يُجنَّدوا. وهذا الميل هو الذي قاد إلى ظهور مصطلح " الجيل المتعب".
يُطلَق مصطلح " الجيل المتعَب" على مجموعة من الشبّان الأدباء الموهوبين المنتمين إلى الطبقة الوسطى الموسرة الذين كانوا يلتقون في حي جامعة كولومبيا بمانهاتن في نيويورك خلال النصف الثاني من الأربعينيّات والنصف الأوَّل من الخمسينيّات في القرن الماضي، ويشتركون في ملامح أربعة هي:
أوَّلاً، رفضهم للثقافة المادّيّة الأمريكيّة وقيمها السائدة آنذاك،
ثانياً، شذوذهم الجنسيّ، والكشف عنه في كتاباتهم،
ثالثاً، ولعهم بالمُسكرات والمخدّرات وتجريب أنواع جديدة منها،
رابعاً، انجذابهم للنزعات الروحيّة الشرقية.
ويلاحَظ أنَّ أعضاء هذه المجموعة من الأدباء متضامنون، يساعد بعضهم بعضاً، مادّيّاً ومعنويّاً. كما سيتَّضح لنا.
وكانت النواة الأولى من " الجيل المتعَب " قد تشكَّلت في جامعة كولومبيا في نيويورك التي كانت في طليعة الجامعات الأمريكيّة آنذاك، حيث التقى الشاعر ألن غينزبرغ (1926ـ1997) والشاعر الكاتب جاك كيرواك (1922 ـ 1969) اللذان كانا يدرسان هناك، والروائيّ وليم باروز (1914 ـ 1997) الذي كان يدرس في جامعة هارفرد ويتردَّد على نيويورك للالتقاء بجماعة الشواذ الجنسيِّين. وهؤلاء الثلاثة هم المؤسِّسون الأوائل لجماعة " الجيل المُتعب".
في أواسط الخمسينيّات انتقل كبار أعضاء "الجيل المُتعب"، ما عدا باروز، إلى مدينة سان فرانسيسكو وأُطلِق عليهم مصطلح بيتنكس Beatniks وعقدوا صداقات مع جماعة " نهضة سان فرانسيسكو". وكانوا يلتقون في مكتبة أضواء المدينة City Lights Booksellers التي أسَّسها الشاعر الرسام لورنس فيرلنغتي سنة 1953، الذي يوصف بأنَّه من نهضة سان فرنسيسكو والجيل المتعَب معاً. وبقيت هذه المكتبة حتّى اليوم تحتضن الثقافة المناهضة للسلطة والقيم السائدة، كما هو واضح من الكُتب التي تنشرها أو تعرضها.
وبعد انتقال جماعة " الجيل المتعَب" إلى سان فرانسيسكو، توسَّعت الحركة ونالت شهرة كبيرة خاصّة بعد القراءات الشعريّة التي نظّمتها في معرض فنّيّ، وأصابها شيء من التحوّل في الستينيّات، ففسحت المجال لما يُسمّى بالثقافة المضادّة، الرافضة تماماً للقيم الأمريكيّة السائدة، وتحوَّلَ مصطلح بيتنكز إلى هيبيز Hippies. وأخذ هؤلاء الهيبيون يفضّلون العيش المشترك والجنس المشاع أحياناً، ويكوّنون تجمُّعاتهم ومستوطناتهم لا في الولايات المتّحدة فحسب، وإنَّما في أنحاء العالم أجمع. وعلى الرغم من أنَّ الهيبيز جماعة هامشية، فإنَّ لهم تأثيراً وازناً في الفنِّ والأدب، بسبب انخراط كثيرٍ من الفنّانين والأدباء الشباب في حركتهم لما لها من جاذبية للشباب حيث ترفَع جميع أو بعض القيود عن الممارسات الجنسيّة وتناول المخدّرات والمسكرات، وعن القيم المنظِّمة للحياة الاجتماعيّة.
وأذكر أنني عندما كنتُ طالباً في جامعة تكساس في أوستن في مطلع السبعينيات، حضر الشاعر ألَن غينزبرغ إلى الجامعة وجلس على الأرض وألقى عدداً من قصائده المعارضة للحرب التي كانت تشنها الولايات المتحدة على فيتنام، وطالب بإنهائها.
ولكن لا يوجد موقف موحَّد لقادة حركة " الجيل المتعب " من القضايا السياسية المطروحة، ففي حين يناهض ألن غينزبرغ الحرب الفيتناميّة ويلقي قصائده النارية في مظاهرات المحتجِّين على الحرب، نجد أنَّ جاك كيرواك يؤيِّد تلك الحرب.
في تلك الفترة ذاتها، كان يُطلَق على الأدباء السوفييت الذين يناهضون الخط الرسمي للحزب الشيوعي وقيمه وممارساته، اسم " الجيل الصامت". وقد أُلقي القبض على عدد من أعضاء هذا الجيل وزُجّ بهم في السجون أو أُرسلوا إلى المنفى في سيبريا، وفي مقدمتهم الشاعر الروسي جوزيف برودسكي (1940 ـ 1996)، الذي سجن ثمَّ نُفيَ فذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحاز على جائزة نوبل.
أصل المصطلح " الجيل المتعب":
كانت بداية جماعة "الجيل المتعَب" تتألَّف ـ بالإضافة إلى مؤسِّسيها الثلاثة الأوائل غينزبرغ وكيرواك وباروز ـ من عدد من الشواذ الجنسيِّين الذي يتعاطون المخدرات ويمارسون الكتابة. وتضمُّ هذه الجماعة القاتل لوسيان كار (1925ـ 2005) الذي طعن رجلاً حتى الموت يدعى كاميرر كان مغرماً به، والمجرم الكاتب اهيربرت هونك (1915ـ 1996)، والسارق الكاتب الشاعر نيل كاسادي (1926 ـ 1968) الذي اعتُقِل عدّة مرّات لسرقة السيارات والمحلات التجارية وغيرها، واللص الشاعر غريغوري كورسو (1930 ـ 2001) الذي كان أصغر الأعضاء سناً، والشاعر الكاتب المسرحي ألن أنسين (1922 ـ 2006)، والكاتب الشاعر الأستاذ الجامعي جون هولمز (1926 ـ 1988) الذي لم يكن نشطاً في فعاليات الجماعة بقدر ما كان مهتماً بالتعرّف عليها وتوثيقها، ولهذا كان يطلَق عليه اسم " المتعَب الهادئ"، وأضرابهم.
وقد استعمل كيرواك مصطلح " الجيل المُتعَب " أوَّل مرّة أثناء محادثة له مع الأستاذ جون هولمز سنة 1948، حين قال له:
ـ" أتدري أنَّ هذا جيلٌ مُتعَب فعلاً ".
فنشر هولمز مقالاً في مجلة " نيويورك تايمز" (العدد 16، نوفمبر 1952) عنوانه " هذا هو الجيل المتعَب "، ذكر فيه أنَّ المصطلح من وضع جاك كيرواك الذي اقتبس الفكرة من هيربرت هونك.
في سنة 1952، أصدر جون هولمز روايته " انطلق" Go التي كانت أوَّل رواية للجيل المتعَب، وهي تروي أحداثاً من حياة صاحبها وعلاقاته بأصدقائه مثل جاك كيرواك ونيل كاسادي وألن غينزبرغ، موضحاً قيمهم وشارحاً طموحاتهم.
وفي سنة 1958 تولى أرفينغ روزنثال (1930 ـ) تحرير مجلة جديدة في جامعة شيكاغو، عنوانها مجلة شيكاغو Chicago Review أصبحت فيما بعد من أشهر المجلات الأدبيّة في أمريكا. ونشر روزنثال في أوَّل عدد منها صدر في ربيع 1958 مجموعة من القصائد لشعراء "الجيل المتعَب" مثل جاك كيرواك، ولورنس فيرلنغتي (1919 ـ)، وألن غينزبرغ، وفيليب والن (1923 ـ 2002)، وفيليب لومانتيا (1927ـ2005)، وجون وينرز (1934ـ 2002)، وروبرت دنكن (1919 ـ 1988) . كما نشر في هذا العدد الفصل الأوّل من رواية " الغداء العاري" لوليم باروز . وبذلك أعطى روزنثال دفعة قويّة لأدب الجيل المتعَب ونهضة سان فرانسيسكو.
وفي عدد الشتاء من " مجلة شيكاغو"، نشر روزنثال فصلاً آخر من رواية " الغداء العاري" لباروز، وفي تلك الأثناء، قامت عدّة صحف بمهاجمة المجلّة واتهمتها بالإخلال بالآداب العامّة، فقرَّرت الجامعة إيقاف توزيع العدد، وهكذا فقد روزنثال وظيفته. فانتقل إلى نيويورك واصدر بمساعدة زميل له مجلة " Big Table" ونشر في عددها الأوَّل جميع مواد عدد الشتاء من " مجلة شيكاغو" الذي لم يوزع.
وفي نيويورك توثَّقت علاقة رزونثال بجماعة " الجيل المتعب"، وبعد أن انتقل باروز إلى مدينة طنجة قام وليم روزنثال بزيارة هذه المدينة وأعجب بها، وعاد إليها وسكنها من سنة 1962 إلى 1964. وخلال تلك الفترة كتب روايته الشهيرة Sheeper التي نشرتها Grove Press سنة 1967 والتي يعدّها بعض النقاد واحدة من أهم أربع روايات أنتجها الغرب في القرن العشرين. وهذه الرواية، ليست رواية بالضبط، وليست مذكِّرات بالضبط، وليست أطروحة جامعيّة عن الأديب الأمريكي هرمان ميلفيل Herman leilMelv- (1819 ـ 1891)، ولكنّها كلُّ ذلك وأكثر من ذلك، لأنَّك ستجد فيها فقرات عن تعاطي الحشيش وإشاعات عن ألن غينزبرغ وهربرت هونك ووليم باروز وجماعة " الجيل المتعَب".
وعلى الرغم من أنَّ بول بولز الذي عاش خمسين سنة في طنجة، يشترك مع أعضاء " الجيل المتعَب " برفضهم لقيم المدنيّة الصناعيّة، وبالشذوذ الجنسي، وبتناول المخدرات، وعلى الرغم من علاقاته الحميمة مع كبار المتعَبين مثل وليم باروز، وجاك كيرواك، وألن غينزبرغ، وجيزن، فإنّه لا ينتمي إلى "الجيل المتعَب"، فهو يختلف عنهم في العمر وفي الأسلوب، وقد صرَّح في مقابلة له قائلاً: " لم أكن من كتّاب الجيل المتعب، ووصفي بذلك هو جهل خالص.".
بَيدَ أنَّ بول بولز كان مركز جذب لأدباء الجيل المتعَب وفنّانيه الذين كانوا يتأثِّرون بكتاباته عن طنجة أو يأتون إلى طنجة لزيارته، فتعجبهم المدينة فيقيمون فيها مُدداً متفاوتة. ومن أولئك المتعَبين الشاعر الكاتب الناشر المصوّر منتج الأفلام الأمريكي إيرا كوهن Ira Cohen (1935 ـــ) الذي وصل إلى طنجة سنة 1961 على متن باخرة شحن يوغسلافية وعاش في المدينة مدَّة أربع سنوات، ونشر مجلَّة متخصِّصة في التعزيم (طرد الأرواح الشريرة) عنوانها "كناوة" Gnaoua ولكن لم يصدر منها سوى عدد واحد. كما نشر باسم مستعار هو " بنما روز" كتاباً عنوانه" كتاب طبخ الحشيش" ، The Hashish Cookbook وسجَّل موسيقى جيلالة لإحدى الطرق الصوفيّة المغربيّة. ثمَّ سافر إلى إفريقيا والنيبال واليابان والشرق الأقصى، وعاد إلى نيويورك حيث يعيش الآن، ويأتي لزيارة طنجة بين آونة وأخرى.
مؤسِّسو الجيل المتعب:
سنلقي نظرة سريعة على سِيَر مؤسِّسي الجيل المتعب:
أولاً، ألَن غينزبرغ (1926ـ1997):
ولِد ألن غينزبرغ في مدينة نيووارك في ولاية نيوجرسي لأبويين يهوديَّين. وكان والده لويس غينزبرغ مدرِّساً في مدرسة ثانوية ويتعاطى الشعر. وكانت أمّه التي تعاني مرضاً نفسياً لم يُشخَّص، تنتمي إلى الحزب الشيوعي وتصطحب ولدها ألن وأخاه إيوجين معها لحضور اجتماعات الحزب. وقد ذكر ذلك في قصيدته "أمريكا" حيث قال: " اسمعي يا أمريكا، كنتُ شيوعياً في طفولتي، ولست آسفاً على ذلك.".
أظهر ألن ميولاً أدبيَة مبكرة فكان، وهو ما زال في المدرسة الثانوية، يبعث برسائل إلى جريدة " نيويورك تايمز" حول قضايا سياسيّة متنوِّعة مثل حقوق العمال والحرب العالميّة الثانية وغيرهما.
وعندما أنهى مدرسته الثانويّة انتقل إلى نيويورك ودخل جامعة كولومبيا بمنحة من جمعيّة يهوديّة. وللحصول على ما يحتاجه من نفقات أثناء دراسته، اشتغل في البحريّة التجاريّة، ثمَّ اشتغل في مكتبةٍ لبيع الكتب، فتعرف أثناء عمله هناك على عدد من الأدباء والمثقفين.
وخلال السنة الأولى في جامعة كولومبيا، تعرَّف على طالب يدعى لوسيان كار (1925ـ2005)، فعرّفه هذا على عدد من أصدقائه الذين أصبحوا فيما بعد من كتّاب الجيل المتعَب، مثل جاك كيرواك، ووليم باروز، وجون هولمز.
وفي نيويورك، أظهر ميلاً للنزعات الروحيّة الشرقية، وسافر إلى الهند. كما التقى مصادفةً في أحد شوارع نيويورك بترنغبا رنبوشي ، وهو أستاذ من التبت في طريقة التأمُّل البوذيّة، وأصبح صديقه وتتلمذ عليه. وبعد ذلك، صادق المدعو سوامي بهوبادا، صاحب طريقة " كرشنا" في الولايات المتَّحدة الأمريكيّة ، وساعده ماديّاً وأدبيّاً على نشر طريقته. كما اتّصل بشعراء البنغال خاصَّةً ملاي روي شاودري الذي عرّفه على شعار السمكات الثلاث برأس واحد الذي اتخذه أمبراطور الهند المغولي جلال الدين محمد أكبر (حكم من 1556 ـ 1605) ليرمز إلى تعايش جميع الثقافات والأديان.
وفي نيويورك، أُدخِل ألن غينزبرغ في مصحّة عقلية، وهناك التقى بنزيل آخر هو الكاتب الأمريكي كارل سولومون (1928 ـ 1993) فأصبحا صديقَيْن. وقد تعاطف معه ألن غينزبرغ كثيراً حتّى إنّه أهدى إليه قصيدته " عواء".
في سنة 1954 انتقل ألن غينزبرغ، وعددٌ من قادة الجيل المتعب، إلى سان فرنسيسكو. وفي أواخر تلك السنة التقى بالشاعر بيتر أورلوفسكي (1933 ـ) الذي أصبح شريك حياته حتّى وفاته.
وفي سنة 1957 حضر ألن غينزبرغ مع شريك حياته أورلوفسكي إلى طنجة لزيارة صديقه وليم باروز، ثمَّ أنضم إليهم الشاعر غريغوري كورسو (1930ـ2001) وهو أصغر أعضاء " الجيل المتعَب" سناً عند تأسيسها، وكان مقيماً في باريس. وبعد أن أمضيا بضعة أسابيع في طنجة، رحل الزائرون الثلاثة إلى باريس، ونزلوا في فندق رخيص في الحي اللاتيني يُسمى اليوم بالفندق المتعَب The Beat Hotel . وبعد مدَّة قصيرة، لحق بهم وليم باروز حيث قام غينزبرغ وكورسو بوضع رواية باروز " الغداء العاري" في شكلها الأخير، اعتماداً على أوراق الرواية الأصليّة التي كتبها وليم باروز في طنجة.
وعلى الرغم من أنَّ جماعة " الجيل المتعَب" قد تأسَّست في نيويورك، فإنَّ ألن غينزبرغ كتب أشهر قصائده، "عواء" ، في مقهى في مدينة بيركلي، وصدرت في مدينة سان فرنسيسكو سنة 1956 في كُتيب عنوانه " عواء وقصائد أخرى"، عن " مكتبة أضواء المدينة " التي يملكها الشاعر لورنس فيرلنغتي. وقد أصبحت " عواء" أوَّل قصيدة من قصائد الجيل المتعَب، وتضارع قصيدة " الأرض اليباب " لإليوت من حيث أهمِّيَّتها ورمزيَّتها، كما تعدّ هذه القصيدة " عواء" ورواية " على الطريق " لجاك كيرواك (1957) ورواية " الغداء العاري" لوليم باروز (1959)، أهمّ الأعمال الأدبيّة للجيل المتعَب.
تتناول قصيدة " عواء" مواقفَ مستقاةً من تجربة الشاعر وتجارب جماعته من الشعراء والفنانين وموسيقيّي الجاز، والمتطرِّفين سياسيّاً، والمدمنين على المخدِّرات، والمرضى النفسيِّين، والمثليين، الذين كان الشاعر ينتمي إليهم ويلتقي بهم في أواخر الأربعينيّات وأوائل الخمسينيّات، وفيها إشارات إلى عدد من أصدقائه مثل نيل كاسادي، ووجاك كيرواك، ووليم باروز، وبيتر أولفسكي، ولوسيان كار، وهربرت هونك. وتذكر القصيدة العلاقات الجنسيّة اللوطيّة، وتوجِّه نقداً للمدنيّة الصناعية الأمريكيّة. ومطلع القصيدة هو:
" رأيتُ أفضل العقول من أبناء جيلي يُدمَّرون بالجنون،
عراةً مهووسين جائعين،
يجرجرون أنفسهم في أزقة الزنوج في الفجر... "
وقد صادرت شرطة الجمارك حوالي خمسمائة نسخة من الكتيب قادمةً من المطبعة في بريطانيا، واعتُقل الناشر الشاعر فيرلنغتي بعد مدَّة قصيرة بتهمة الإخلال بالآداب العامّة. وكان سبب التهمة ما ورد في القصيدة:
" ويدعون أصحاب الدراجات النارية
ينكحونهم من دُبر، وهم يصرخون من اللذة..."
وبعد محاكمة طويلة أثارت جدلاً واسعاً في الصحافة الأمريكيّة، دعم خلالها "اتّحادُ الحرِّيّات المدنيّة الأمريكيّ" الشاعرَ فيرلنغتي في المحاكمة، وبعد شهادة تسعة من خبراء الأدب لصالحه، قرَّر القاضي الذي نظر الدعوى واسمه كلايتون هورن أنَّ القصيدة ليست مخلَّة بالآداب. وهكذا أصبح هذا الحُكم سابقةً في عدم ملاحقة النصوص الجنسيّة.
ثانياً، وليم سيوارد باروز (1914 ـ 1997)
وليم باروز روائيٌّ كاتبٌ رسّامٌ ناقدٌ اجتماعيٌّ. ولد في عائلة بارزة ميسورة في مدينة سان لويس في ولاية ميزوري. وكان جده وليم سيوارد باروز قد أسَّس شركة الآلات الحاسبة في سان لويس التي تطوَّرت بعد ذلك إلى مؤسِّسة باروز.
بعد أن أنهى وليم سيوارد باروز الثاني دراسته الثانويّة سنة 1931، التحق بجامعة هارفرد للحصول على شهادة في الآداب. وأثناء دراسته في الجامعة عمل مراسلاً لجريدة. ولكنَّه لم يحبِّذ ذلك العمل، وأخذ يقوم برحلات إلى نيويورك للتعرُّف على جماعة الشواذ جنسيّاً والمدمنين على المخدِّرات، وفي جامعة كولمبيا، عرّفه صديقه وابن مدينته لوسيان كار بزميلَيه في الجامعة ألن غينزبرغ وجاك كيروك.
عندما تخرّج في جامعة هارفرد سنة 1936، خصص له والداه منحة شهرية قدرها مائتا دولار، ظلَّ يعيش عليها مدَّة ربع قرن دون أن يمتهن عملاً. وسافر بعد تخرجه في الجامعة إلى أوربا وأمضى وقتاً في النمسا وهنغاريا، يرتاد تجمعات الشواذ جنسيّاً والهاربين من وجه العدالة. وفي كرواتيا التقى بفتاةٍ يهوديّة اسمها ألسي كلابر، فتزوّجها رغم معارضة والديه، من أجل مساعدتها على الحصول على تأشيرة دخول أمريكيّة، وعندما وصلت إلى نيويورك طلَّقته. وبعد أن عاد إلى نيويورك أصاب القلق والديه بشأن حالته النفسيّة، إذ قطع إحدى أصابع يده في عام 1939 لينال إعجاب رجل كان مغرماً به.
وبعد الهجوم اليابانيّ على بيرل هاربر سنة 1942، التحق باروز بالجيش الأمريكيّ، فصنّفوه جندياً في المدفعيّة ولم يمنحوه رتبة ضابط، فأُصيب باكتئابٍ، ما دفع والدته إلى إخراجه من الجيش بحجّة أنَّ انخراطه في الجيش كان خطئاً منذ البداية، لأنَّه كان مصاباً بعدم الاستقرار العقليَّ آنذاك. فذهب إلى شيكاغو واشتغل في أعمال متنوعة.
وعندما انتقلَ صديقه لوسيان كار والرجل المعجَب به ديفيد كاميرر إلى نيويورك، التحق بهما باروز. وفي سنة 1944 أخذ يعيش مع زوجة جندي كان يقاتل في الجبهة اسمها جوان فولمر آدمز وابنتها في شقةٍ يشاركه فيها صديقه جاك كيرواك وزوجته الأولى أدي باركر. وعندما عاد زوج جوان فولمر من الحرب، وأطلع على أفعالها طلَّقها، فتزوّجها باروز عرفيّاً، وولدت له طفلاً فيما بعد، اسمه وليم باروز الثالث. وقد توفي هذا الابن في سن الثانية والثلاثين بسبب الإدمان الشديد على الكحول والمخدرات.
في تلك الفترة في نيويورك، كان الكاتب باروز يتناول المورفين فأدمن عليه، وأخذ يبيع الهيروين للحصول على المال الذي يشتري به المورفين. كما أن زوجته هي الأخرى أدمنت على المخدرات. فحصلت له مشاكل مع السلطات الأمنية بسبب إدمانه ولعدم تبليغه عن جريمة القتل التي اقترفها صديقه لوسيان كار وراح ضحيتها الرجل المعجب به ديفيد كاميرر. وقد اعتقلت الشرطة كيرواك بوصفه " شاهداً مادياً" في هذه الجريمة. واعتُقل باورز وحكِم عليه بالسكن مع والديه لرعايته في مدينة سان لويس، وأُدخِلت زوجته مستشفى الأمراض العقليّة. وبعد عودته من سان لويس، أخرج زوجته من المستشفى وانتقل بها إلى ولاية تكساس حيث عمل في زراعة القطن والميروانا. وهناك بدأت مشاكله مرَّة أُخرى مع رجال الشرطة الذين عثروا في داره على مراسلات بينه وبين ألن غينزبرغ تتحدّث عن تسليم كميات من الميروانا.
لكلِّ هذه الأسباب، هرب باروز إلى المكسيك عام 1951 مصطحباً زوجته جوان فولمر وابنه. وأخذ يدرس اللغة الإسبانية في كلِّيّةٍ هناك. وفي شهر أيلول من ذلك العام وأثناء حفلة سكر مع عدد من الأصدقاء، قام باروز بلعبة وضع الكأس على رأس زوجته وإطلاق النار ـ وهو سكران ـ على الكأس، فأصابت الرصاصة رأس زوجته فقتلتها في الحال. وأُدخل السجن وبعد 13 يوماً وصل أخوه إلى المكسيك ودفع الرشاوى إلى الشرطة والمحامين والقضاة، فأطلقوا سراحه بكفالة لحين محاكمته. وجاءوا بشهود زور قائلين إنَّ الرصاصة انطلقت من المسدس أثناء تنظيفه، ودُفِعت الرشوة للخبراء لتأييد هذه الشهادة، وطالت المحاكمة. وفي هذه الأثناء كتب روايته القصيرة Queer. وفي انتظار المحاكمة التي كانت تؤجل كثيراً، هرب محامي باروز من المكسيك بسبب مشاكل قانونيّة أُخرى، فقرَّر باروز مغادرة المكسيك إلى أمريكا، وصدر الحكم عليه غيابياً بالسجن مدّة سنتَين.
وقد أثَّر حادث مقتل زوجته فيه كثيراً فاحترف باروز الكتابة للتخلُّص من أزمته النفسيّة. وفي عام 1953 عاش فترةً مع والديه في بالم بيتش في فلوريدا، ثمَّ مع ألن غينزبرغ في نيويورك، وبعد ذلك سافر إلى روما للسكن مع الشاعر الكاتب المسرحي الأمريكي ألن أنسن (1922 ـ 2006) الذي هو كذلك عضو في حركة "الجيل المتعب". وعندما ضجر من العيش في روما، انتقل إلى طنجة بعد أن قرأ رواية بول بولز " السماء الحانية " وكتاب الأديب الأمريكي غور فيدال (1925 ـ 2012)" الحكم على باريس". وبعد أن عاش في طنجة بضعة أشهر، عاد إلى الولايات المتّحدة. ولكنَّ أموره هناك لم تكُن على ما يرام، فرجع إلى طنجة في نوفمبر 1954 وعاش فيها مدة أربع سنوات، انكبَّ خلالها على كتابة روايته " الغداء العاري" كما كتب بعض المقالات التجارية عن طنجة لم تنشَر في حينها، وإنَّما نُشرت سنة 1989 في مجموعة قصصيّة عنوانها "Interzone ".
في طنجة تعرّف وليم باروز على الرسّام الكاتب البريطانيّ الكنديّ بريون جيزن (1916ـ1986). وكان جيزن قد انتقل من فرنسا إلى طنجة سنة 1950 بعد أن زار المدينة القديمة مع بول باولز وأُعجب بها. وفي طنجة اشترك جيزن مع الرسام المغربي محمد الحمري (1932ـ2000) في تأسيس مطعم " ألف ليلة وليلة" الذي كان يقدِّم فرقة موسيقى هزجوكة لزبائنه الدوليين وكان منهم وليم باروز. وقد تعلَّم باروز من جيزن تقنية التقطيع في الرسم وطبقها على الكتابة. فأنت تأخذ مقاطع من نصوص مختلفة وترتِّبها في نص هجين.
كان باروز يكتب في طنجة وهو تحت مفعول الميراوانا المعروفة في طنجة باسم " المعجون"، وكذلك مخدِّر ألماني اسمه " أيكودوت". ولهذا كانت موادّه غير مترابطة. وصل كيرواك إلى طنجة سنة 1957 لزيارة باروز ومكث فيها مدة شهر، وساعده على طباعة وترتيب مواد كتابه Interzone، وما إن غادر كيرواك طنجة حتى حلّ بها ألن غينزبرغ وشريك حياته أورلفيسكي وغيرغوري كورسو ونزلوا في فيلا منيرة وهي عبارة عن نُزل يتوفَّر على حديقةٍ صغيرة وتسمح شرفته برؤية الشاطئ، ويقع بالقرب من شارع باستير، فساعدوا باروز على ترتيب وطباعة مواد روايته " الغداء العاري". وعندما غادر هؤلاء الثلاثة إلى باريس، لحق بهم باروز، بعد مدة قصيرة، ونزل معهم في " الفندق المتعب" وهناك ساعده غينزبرغ وكورسو على وضع روايته " الغداء العاري" في شكلها الأخير.
كان غينزبرغ قد بعث بفصل من رواية " الغداء العاري" إلى إرفنغ روزنثال، محرّر مجلة شيكاغو الذي نشر الفصل في عدد الربيع من تلك المجلة. وقد فقد روزنثال وظيفته بسبب نشر ذلك الفصل، بعد أن كتبت الصحف عن الخلاعة والتهتك فيه. ولم يجدوا ناشراً أمريكياً يجرؤ على نشر الرواية، فأصدروها عن مطبعة أولمبيا في باريس سنة 1959، ثم ظهرت في انجلترا سنة 1964، وفي أمريكا بعد ذلك.
" الغداء العاري" رواية سيرذاتية، تصوّر نشاط بطلها " وليم لي" وحياته في أمريكا، والمكسيك، وطنجة. وجميع أحداثها مستقاة من حياة وليم باروز نفسه وخبراته في تلك الأماكن، وإدمانه على المخدرات، الهيروين والمورفين في أمريكا والمكسيك، ومعجون الميراوانا في طنجة. وتُعرّي الرواية رعبَ الواقع الذي كان يعيشه البطل. وتضمُّ خليطاً من القصة البوليسية، والخيال العلمي البيولوجي، والتخيّلات المقززة، والنكات الساقطة، وتحاول تقديم مقولة فلسفيّة عن المخدرات والشذوذ الجنسيّ. ولهذا قال روزنثال عن هذه الرواية: "إنّها أقرب إلى اللاشكل من أيِّ كتاب يمكن أن يكون". ويعدّها نقّاد الأدب الأمريكيّ اليوم من أمهات الروايات الأمريكيّة المؤسِّسة في القرن العشرين، كما يعدّون باروز من أهم الروائيِّين التجريبيِّين الذين أثَّروا في الثقافة الشعبيّة والأدب الأمريكيّ.
في أواسط الستينيّات، انتقل باروز إلى لندن وواصل علاجه من الإدمان وكتب عدة أعمال أدبية، وفي السبعينيّات عاد إلى نيويورك واستأنف تناول الهيروين. وفي الثمانينيّات استقر بوصفه كاتباً مقيماً في المدينة الجامعية في لورنس كنساس، وأخذ يمارس الرسم، وتوقّف قلبه في مدينة لورنس سنة 1997.
ثالثاً، جاك كيرواك (1922ـ1969):
كاتبٌ شاعرٌ رسّامٌ أمريكيٌّ. ولِد في بلدة لويل في ماساشوستس لأبوَين كنديَّين من مقاطعة كيبيك ناطقَيْن باللغة الفرنسيّة. وكان كثيرون من أهل كيبيك يهاجرون في ذلك الوقت إلى منطقة انجلترا الجديدة في أمريكا للحصول على عمل. فالفرنسيّة لغة أُمٍّ لجاك كيرواك فقد كانت عائلته تتكلّم الفرنسية في المنزل، ولم يتعلّم الإنجليزيّة حتّى دخوله المدرسة في سنِّ السادسة من عمرة. ولهذا فإنّ جاك كتب بعض أشعاره بالفرنسيّة.
وعندما كان جاك في سنِّ الرابعة، توفي أخوه جيرار الذي يكبره بخمس سنوات، فأثَّر فيه ذلك كثيراً وانفعل وجدانه بالحادث، ووصف مشاعره تلك في روايته " رؤى جيرار" .
ونظراً لتفوّقه في الألعاب الرياضية مثل الجري وقفز الحواجز وكرة القدم الأمريكيّة، حصل على منحةٍ من كلية بوسطن وجامعة كولومبيا في نيويورك. ثمَّ اضطر إلى ترك الدراسة في الجامعة بسبب خلافاته المتكرِّرة مع مدرِّب فريق كرة القدم.
في جامعة كولومبيا ربطته صداقة مع ألن غينزبرغ، ولوسيان كار الذي قدّمه إلى وليم باروز حينما جاء هذا الأخير من جامعة هارفر لزيارة صديقه لوسيان والالتقاء بجماعة الشواذ جنسيّاً.
في سنة 1942، التحق جاك كيرواك بالبحريّة التجاريّة الأمريكيّة، وفي سنة 1943، انضمَّ إلى القوات البحريّة الأمريكيّة، ولكنَّه سُرِّح منها لأسباب نفسيّة حيث وجِد أنّه " ذو طبيعة لا مبالية ويعاني ازدواجيّة الشخصيّة..."
وعندما قام صديقه لوسيان كار بطعن المدعو ديفيد كاميرر حتّى الموت، لأنّه كان يضايقه جنسياً، حسب ادعّائه، اعتُقِل جاك كيرواك بوصفه " شاهداً مادّيّاً" سنة 1944 ورفض والده دفع الكفالة لإطلاق سراحه، فاقترح على صديقته الكاتبة إدي باركر (1922 ـ 1993)، وهي من جماعة " الجيل المتعب" كذلك، أن تدفع الكفالة ووعد بزواجه بها بعد خروجه من السجن، ففعلت وتزوّجها، ولكن بعد حوالي سنة واحدة أُبطِل الزواج. وقد كتبَ عنها في روايته " المدينة والبلدة " وتحدُّث عنها كذلك في روايته الشهيرة " على الطريق" .
تزوَّج جاك كيرواك مرَّة ثانية من جوان هافرتي التي ولدت له ولده جان بعد أن انفصلت عنه ببضعة أشهر.
وقد ذكرنا أن كيرواك زار صديقه وليم باروز في طنجة سنة 1957 وأمضى معه شهراً في المدينة.
وعندما توفّي كيرواك في عمر السابعة والأربعين بسبب إدمانه المفرط على الكحول والمخدرات، كان يعيش مع زوجته الثالثة ستيلا سامباز، بيدَ أن أُمَّه هي التي ورثت معظم مخلَّفاته.
تعدّ روايته " على الطريق" واحدة من أهم الأعمال الأدبيّة للجيل المتعب. وقد صدرت سنة 1957 عن دار الفايكنغ بعد أن طلبت الدار حذف كثير من المقاطع الجنسيّة من الرواية. وقد حقّق نشرها شهرةً أدبيّةً لكاتبها. وهي كذلك رواية سيرذاتيّة تستقي مادّتها من رحلات كيرواك وأصدقائه في أمريكا خلال منتصف القرن الماضي، وتستلهم الثقافة الأمريكية في نيويورك بعد الحرب العالمية الثانية كالجاز والمخدرات، والشعر. وكان كيرواك قد بدا كتابتها بالفرنسيّة ثمَّ عدل عنها إلى الإنكليزيّة. وبنصيحة من صديقه نيل كاسادي، استعمل في كتابتها كيرواك " النثر التلقائي " وهو نوع من أسلوب تيار الوعي.
وكان كيرواك ينشر مقاطع من رواية " على الطريق" ، قبل نشرها، على شكل قصص قصيرة، ففي سنة 1955 نشر قطعة منها بعنوان " الفتاة المكسيكية" التي وقع عليها الاختيار لتكون ضمن كتاب " أحسن القصص الأمريكية لعام 1956"، وقد ترجمناها في هذا الكتاب.
وبعد النجاح الهائل الذي حظيت به رواية " على الطريق"، شجعه الناشرون على نشر كتاب آخر، فكتب The Dhama Bums الذي يتحدّث فيه عن تجربته الخاصّة مع البوذيّة. وكان كيرواك قد عثر على كتاب مقدَّس بوذيّ سنة 1954، وانغمس في دراسة الفكر البوذيّ وممارسته.
وقد أثّر أسلوب كيرواك السلس الواضح في كثير من كتّاب الجيل المتعب بمن فيهم ألن غينزبرغ في قصيدته "عواء"، ولهذا يلقَّب كيرواك بـ " ملك المتعبين"، إضافة إلى أن كثيراً من النقّاد الأمريكيين يعدّونه أباً لحركة " الجيل المتعب".
هل يوجد ما يماثل الجيل المتعب في تاريخ الأدب العربيّ؟
يحدّثنا تاريخ الأدب العربيّ عن مجموعة من الأدباء والشعراء والإخباريِّين الشباب الذين اشتهروا بالخلاعة والمجون وظهروا في الكوفة خلال العصر العباسي الأول (132ـ231هـ/750ـ847م)،. وتُعرِّف كتبُ اللغة الخلاعةَ بالاستهتارِ والتهتُّكِ باللهو والشراب، وعدم مراعاة الدِّين والحياء. أمّا المجون فهو ارتكاب الأفعال القبيحة والفضائح المخزية دون المبالاة بعذل الآخرين وتقريعهم.
ويبدو أنَّ سلوك أولئك الأدباء جاء نتيجةَ الخيبة التي أصابتهم بسبب غياب العدل الاجتماعي في ظلِّ الحكم الأمويّ الذي كان يميّز ضد الموالي، فقد كان معظمهم من الموالي، وكذلك بسبب ما نتج عن القتال عند سقوط الدولة الأمويّة وتولّي العباسيين الحكم. وكان سلوكهم تعبيراً عن تحول المجتمع العربي من خشونة البداوة إلى نعومة المجتمع الحضري وملذّاته. وتضمُّ هذه الجماعة والبة بن الحباب (ت 170 هـ/ 786م)، وهو أستاذ الشاعر السكّير الشهير أبي نواس، والشاعر مطيع بن إياس (ت 161هـ/783م)، والحمّادين الثلاثة: الشاعر حمّاد عجرد (ت 161 هـ/778م)، والشاعر حمّاد الراوية (ت 155هـ/771م)، والشاعر حمّاد بن الزبرقان النحوي (القىرن الثاني الهجري)، وكذلك يحيى بن زياد بن عبيد الله الحارثي (ت 160هـ/776م) وغيرهم.
ويشترك هؤلاء الموهوبون بجملةٍ من الملامح الخاصّة بهم أهمّها ما يأتي:
1) الإدمان على المسكرات والمبالغة في تناولها، وجعلها محور أشعارهم.
2) الولع بالغلمان والتغزُّل بهم في أشعارهم وكتاباتهم، إضافةً إلى الجواري.
3) خروجهم عن نواميس المجتمع ورفضهم لنهجه السائد وقيمه، واستخفافهم بالتقاليد المرعية والعادات المحكمة، من دين وأخلاق وسياسة، بوصفها قيوداً على عقل الإنسان وغرائزه، وعائقاً أمام حريته وملذّاته. ولهذا تعرّضوا أحياناً لمضايقات السلطة لأسبابٍ دينيّةٍ وسياسيّةٍ واجتماعيّةٍ.
4) التعاطف والتراحم والتعاون فيما بينهم، فيدافع بعضهم عن بعض ويعمل على إعلاء شأنه، فقد " كانوا يتنادمون ويتعاشرون [أجمل عشرة] وكأنهم نفس واحدة"، كما قال عنهم ابن قتيبة في كتابه " الشعر والشعراء".
ولما كان الولع بالغلمان نادراً في المجتمع العربي قبل العصر العباسي الأول، فإن الجاحظ الذي كان معاصراً لهذه الجماعة الماجنة، قد ردّ هذا النمط من السلوك الجديد، في رسالته " مفاخرة الجواري والغلمان"، إلى تأثير الموالي، خاصة الفرس، في المجتمع العربي.
ولعل أبيات آدم بن عبد العزيز التالية تبين لنا موقف تلك الجماعة الماجنة من الولع بالشراب، واستخفافها بالدِّين، وعدم إصغائها لنقد النقّاد أو لوم اللائمين:
اسقني واسقِ خليلي ... في مدى الليلِ الطويلِ
قهوةً صهباءً صـرفاً ... سُبيت من نـهر بيــلِ
قُلْ لمِن يلحاكَ فيـها ... من فـقـيهٍ أو نبيـــلِ:
أنتَ دعها وارجُ أُخرى ... من رحـيقِ السلسبيلِ
تعطـشُ اليوم وتُسـقى ... في غـدٍ نَعْتَ الطلولِ
أمّا التعاطف والتكافل والإخاء بين أفراد الجماعة فتصوِّره لنا أبيات قالها الشاعر مطيع بن إياس في صديقه يحيى بن زياد:
كنتُ ويحيى كَيــَدٍ واحـــدهْ نرمي جميعاً وترانا معا
إنْ عضَّني الدهرُ فقد عضَّهُ يوجعنا ما بعضنا أوجعا
أو نامَ نامت أعينٌ أربـعٌ منِّا وإن أسْهَرْ فلن يهجعا
يَسرُّني الدهرُ إذا ســرَّهُ وإنْ رمـاهُ فَلَـنا فجَّــعا
ونلاحظ في النماذج القليلة التي سقناها من أشعارهم أن أسلوبهم يميل إلى وضوح اللغة وسهولة التراكيب، في وقت كان معاصروهم من الشعراء الكبار يمتازون بجزالة اللفظ وصعوبته. فمن شعر مطيع بن إياس وهو يصف رحلة سكر مع مغنِّية تُدعى جوهر، قوله:
خرجنا نمتطي الزهرا ونجعل سقفنا الشجرا
ونشـربها معتقـةً تخال بكأسها الشررا
وجوهرُ عندنا تحكي بدارة وجهها القمرا
يزيدك وجهها حُسناً إذا ما زدته نـظرا
فهنا نرى أن الشاعر أتى بصورة مجازية في كلِّ بيتٍ تقريباً، دون أن يستخدم ألفاظاً حوشيّة أو تراكيب معقَّدة.
وإذا كان مركز هذه الجماعة الأصليّ هو الكوفة، فإنّها انتشرت إلى مدن عراقية أخرى كالبصرة وبغداد.
طنجة الخلابة: أدباء أمريكا يستلهمون طنجة:
بعد أن وصلت القوات الأمريكية إلى طنجة سنة 1942، انضمت الولايات المتحدة إلى الإدارة الدوليّة لطنجة التي فرضتها الدول الاستعمارية على المغرب سنة 1923؛ وصارت الإدارة الدولية تتكون من أمريكا وإسبانيا وفرنسا وإنجلترة. وكانت هذه الإدارة تميل إلى التسامح مع متناولي المخدِّرات والشاذِّين جنسيّاً من الغربيِّين. إضافةً إلى أنَّ كتابات بول بولز صوّرت طنجة على أنّها مدينة الغرابة، حتّى إنَّ الصحف الأمريكيّة أخذت تصف طنجة بأنّها " أكثر المدن غرابة وغموضاً في العالم."
لكلِّ تلك الأسباب أضحت طنجة مركز جذبٍ لعددٍ من أدباء الجيل المتعب مثل: وليم باروز، وإيرا كوهين، وإيرفنغ روزنثال، وبريون جزين، وألن غينزبرغ، وجاك كيرواك، وغريغوري كورسو، وغيرهم. وفي طنجة كتبوا عدداً من أروع أعمال الجيل المتعب الأدبية مثل روايتي " الغداء العاري" لباروز و " الغنّام" لروزنثال .
ولم يؤثِّر الجيل المتعب في الآداب والفنون الأمريكيّة فحسب، وإنما أثّر كذلك في الآداب والفنون المغربية، وهكذا نجد إشارات في النقد الأمريكيّ إلى " مشهد طنجة المتعب" Tangier Beat Scene الذي يضمّ إضافة إلى الفنّانين الأمريكيِّين بعض المغاربة مثل الكاتب محمد شكري والرسام محمد الحمري والقصاص الرسام محمد مرابط، وغيرهم من الذي تأثَّروا مباشرة بمضامين أدب الجيل المتعب وأساليبهم، بل حتّى بطريقة حياتهم وسلوكياتهم.
ولا ننسى أن عدداً من أدباء الجيل الضائع الذين كانوا يقيمون في باريس، زار مدينة طنجة، لا لقربها من باريس ولكن لجمالها وسحرها المُلهِمَيْن. كما زارها وأقام فيها عدد كبير من الأديب الأمريكيين، مثل الروائي القاص المؤلِّف الموسيقي بول بولز Paul Bowls (1910 ـ 1998) الذي أخذ بنصيحة الكاتبة الأمريكية غيرتيتود شتاين فترك باريس واستقر في طنجة ابتداءً من سنة 1947 ولحقت به بعد سنة واحدة زوجته الكاتبة المسرحية جين بولز (1917 ـ 1974) وبقيا في طنجة حتّى وافتهما المنية؛ والصحفيّ الأمريكيّ وليم بيرد (1888 ـ 1963)، الذي استقرّ في طنجة بعد الحرب العالميّة الثانية وأصبح محرِّراً لدورية Tangier Gazette حتّى إغلاقها سنة 1960؛ وأشهر كاتب مسرحيّ أمريكي في القرن العشرين تنسي وليمز (1911ـ 1983) الذي زار طنجة لرؤية صديقه بول بولز وكتب عنه محمد شكري كتابه " تنسي وليمز في طنجة " الذي ترجمه إلى الإنكليزية بول بولز؛ والكاتب الموسيقار ترومان ِكابوت (1924 ـــ 1984) مبتكر الرواية اللاسردية الذي قدِم إلى طنجة سنة 1948، كذلك لزيارة بول بولز وزوجته؛ والممثِّل كاتب السنياريو سين غوليت (1968 ـــ) الذي يعيش في طنجة ويصدر مجلَّته Entertainment Weekly التي ينشر فيها قصصه.
ولقد كتبتُ ذات مرة عن مدينة طنجة قطعة انطباعية جاء فيها:
طنجة مدينة برزخيّة، تلتقي على أعتابها الأرض والسماء، ويتعانق في تخومها الجبل الشامخ والموج الهادر، ويتهافت على أديمها البحر الأبيض والمحيط الأطلسي ليغسلا قدميها. ويلتقي في فضائها الملائكة والشياطين، فيعتنقون ويهبطون يتنزَّهون في وهادها ووديانها وأحيائها وحدائقها وأزقَّتها، ويخلدون إلى مقاهيها ومطاعمها وفنادقها. ولأنَّها صرّة العالم، تجتمع عندها القارات، وتتحاور في حضرتها الثقافات، كلُّ من قبّل ثراها منحته الخلود والحياة، وكلُّ من فارقها مات كمداً وحزناً وآهات.
كان اسمها، منذ القدم عطراً ساحراً، يتنقّل على أجنحة النسيم شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، فينتشي كلُّ مَن يشمّه، ويهيم بها عشقاً وغراماً. استنشقه الأنبياء والقديسون، والزهّاد والعبّاد، والقادة والمغامرون، واللصوص والمجرمون، وجميعهم وقعوا صرعىً بحبِّ طنجة وراحوا يهذون باسمها حتّى الإغماء. احتشدَ على أبوابها الفنّانون والشعراء والعلماء والأدباء، لعلّها تهبهم شيئاً من سحرها فيوافيهم الإبداع ويتيسّر لهم العطاء.
في الزمن الأسطوريّ الأوَّل، في فجر التاريخ، سمع بحسنها الفتّان، نبيُّ الله نوح، أبو البشر الثاني، وهو في مدينته شورباك في بلاد سومر جنوبي العراق، فعقد العزم على الوصول إليها والارتماء في أحضانها؛ فأفنى العمر كلّه، يصنع فُلكه ليبحر إلى مرافئ الحبيبة الموعودة. عَبرَ الأنهار، ومخرَ البحار، وقطع المحيطات من أجل عينيْها. كان يبعث بيماماته البيضاء بين آونة وأُخرى بحثاً عن طنجة، فكانت اليمامات تعود إليه خائبةً. وعندما أطلقها بالقرب من البوغاز، ورفرفت أجنحتها في سماء طنجة، أصابتها سهام الحبِّ، وسقطت على صدر الحبيبة الناهد بجبال الريف ولم تعُد إليه.
وعندما سمع عباقرة البحر الفينيقيّون بها، عقدوا العزم على الوصول إليها. جهَّزوا سفنهم العملاقة وانطلقوا، ولكنَّ طنجة كانت بعيدة المنال. استراحوا في الطريق وبنوا مدينة أوتيكا (العتيقة) ومدينة قرطاج (القرية الجديدة) مقراً لهم للراحة والتزوُّد بالمؤونة في طريقهم إلى طنجة. وعندما بلغوها، أَسَرتهم عيونها حبّاً وهياماً، فاتّخذوها سكناً ومقاما، ومنها انطلقوا إلى أوربا شمالاً وإفريقيا جنوباً وأمريكا غرباً.
هاجمها قطّاع الطرق من الإغريق، قاصدين قطف تفاح طنجة الذهبي، فضربهم حنابعل، القائد الجبار، بسيفه البتار ضربةً شقّت البحر بين أوروبا وإفريقيا، لكي يحمي طنجة من اللصوص والصعاليك والمغامرين. بيدَ أنَّ حبّ طنجة كان يستولي على أفئدتهم ويعبث بألبابهم، فتوافدوا تباعاً وارتادوها جماعة وأفراداً. قصدها الأباطرة والملوك من الرومان والبيزنطينيّين والوندال، كلُّ يمنّي نفسه بالوصال. وغازلها قوّاد البرتغال وملوك الإنجليز والإسبانِ، حاملين لها أغلى الهدايا وأحلى الأماني، طالبين يدها، فكانت طنجة تسخر منهم جميعاً، وظلّ قلبها مغربيّاً خالصاً.
بين الفينة والأخرى، عندما يرتجُّ عليّ القلم، ألجأ إلى طنجةَ، أحتمي برمال شواطئها، أستظلُّ بوارف أشجارها، استنشقُ هواءها المنعش، أرتوي من مائها العذب، أجلسُ في أحد مقاهيها قبالة البحر، التفتُ إلى يميني فأرى جبال الريف مثل سيدة مستحمَّة مستلقية على شاطئ طنجة. التفتُ إلى يساري فتنعشني نسمات قادمة من مغارة هرقل. أنظر أمامي فأرى وجوه أهل طنجة المشرقة الطافحة بالبشر والمحبّة والكرم. وعندها ينفعل وجداني وتنثال الكلمات على ستارة قلبي مثل مطر غزير.
القصة الأمريكية المعاصرة:
في النصف الثاني من القرن العشرين لوحظ تحوّل في القصة الأمريكية القصيرة في مضمونها وشكلها، مفاده أنّها تخلَّتْ عن تصوير أوضاع المجتمع واتّجهت إلى تصوير حالات الفِكر، وانتقلت من سرد الأحداث والوقائع إلى تحليل المشاعر والعواطف، ولم تعُد الحقائق التي تقدِّمها القصص سافرة واضحة بل مغلَّفة باللغز ومحجبة بالرمز، وأخذ القصاصون ينافسون الشعراء في استخدام الأخيلة الشعريّة واللغة الموحية المموسقة.
وحينما قرأتُ كتاب " أحسن القصص الأمريكية لعام 2015 " الذي تولّى تحريره الروائي القصاص الأمريكي تي. سي. بويل –(1948 ـ)، أستاذ الأدب في جامعة جنوب كاليفورنيا، والذي يضم 20 قصة قصيرة اختارها من حوالي 2000 قصة قصيرة نُشِرت في السنة السابقة في الدوريات الأمريكية والكندية، خرجتُ ببعض الملاحظات أهمها:
أ ـ من حيث الحجم، أصبحت القصة الأمريكية أطول بكثير مما كانت عليه في النصف الأول من القرن العشرين، كما تدل عليه الأعداد الأولى من سلسلة " أحسن القصص الأمريكية لعام ــــ "، فمثلاً في كتابنا السابق عن القصة الأمريكية " مرافئ على الشاطئ الآخر، نجد أن قصة " أحادي القرن في الحديقة" للقصاص جيمس ثيربر (1894 ـ 1960) تتألف من صفحة واحدة، وقصة " شيخ عند الجسر" لأرنست همنغواي تتألف من صفحتين فقط. أما معدل قصص كتاب " أحسن القصص الأمريكية لعام 2015" فحوالي 20 صفحة. ولعلَّ ذلك يعود إلى تصاعد الاهتمام بالجوانب النفسية لشخصيات القصة ومحاولة تحليلها ومعرفة تأثيرها على الحدث، بصورة مُقنِعة.
ب ـ أن المرأة أخذت تقاسم الرجل في مجال السرد الأمريكي، ففي حين كانت النساء القاصّات البارزات في النصف الأول من القرن العشرين، معدودات على أصابع اليدين، نجد أن كتاب " أحسن القصص الأمريكية لعام 2015" يشتمل على 10 قصص للنساء و10 قصص للرجال. ولم يعتمد الاختيار على جنس الكاتب، بل على جودة القصة. وقد لاحظنا زيادة عدد النساء القاصات المجيدات بصورة تدريجية في هذه السلسلة. ففي أواخر القرن العشرين ، نجد في كتاب " أحسن القصص الأمريكية لعام 1996" 10 قصص للنساء من مجموع 24 قصة. وفي كتاب عام 1997، نجد 8 قصص للنساء من مجموع 21 قصة. وتُعزى هذه الزيادة إلى عدة عوامل أهمها مشاركة المرأة للرجل في أمريكا في جميع المجالات بما فيها الكتابة الإبداعية، وأنتشار الأقسام التي تعلّم تقنيات الكتابة الإبداعية في الجامعات الأمريكية، وموهبة المرأة في القصِّ، فهي حفيدة شهرزاد التي كانت تحكي لتحيا.
ج ـ إن كتاب " أحسن القصص الأمريكية لعام 2015" اشتمل على ثلاث قصص تتناول حياة المثليّين (الشواذ جنسياً) المتزوجين ومشكلاتهم. واستخدمت هذه القصص استعمالات لغوية غير مسبوقة أو كانت تعدّ خطأ تركيبياً ومنطقياً، مثل " هي وزوجتها" و " هو ورَجله ، أي وزوجه" ، و " الأم الأولى والأم الثانية" (بالنسبة لبنت ولدت في منزل للزوجية مكوّن من سيدتيْن) وغير ذلك. وهذه الاستعمالات اللغوية الجديدة يُعنى بها المعجم التاريخي الذي يرصد التغيّرات التي تطرأ على اللغة عبر الزمن. ومعروف أن هذه القصص المثلية هي نتيجة لسنِّ قوانين في معظم الولايات الأمريكية تبيح زواج المثليّين، رجل برجل أو امرأة بامرأة، وتسمح لهم بتبني الأطفال أو ولادتهم بالنسبة للنساء. ومن وظائف القصة القصيرة تسجيل الظواهر الاجتماعية والمشكلات الاجتماعية.
وكما ذكرنا، فإن القصة القصيرة نوع أدبيٌّ نامٍ، ما يزال في دور التطور والنمو، ولهذا نتوقَّع تحولات عديدة في القصة في بلد مثل أمريكا يمارس فيه آلاف الأدباء كتابة القصة القصيرة.

بقلم: الدكتور علي القاسمي
..........................
- نُشرت هذه الدراسة بوصفها إحدى مقدّمتين عن القصة القصيرة في كتابي، " مشاعل على الطريق: أبدع وأروع القصص الأمريكية الحديثة" الذي صدر عن المركز الثقافي العربي في بيروت والدار البيضاء، 2018.
المراجع:
ـ إرنست همنغواي، وليمة متنقلة، ترجمة: علي القاسمي (القاهرة: مكتبة الأسرة، 2009) الطبعة الرابعة.
ـ نبيل الفرجاني، المظاهر الجمالية عند ظرفاء العرب، من الحجاز إلى بغداد (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2005)
-   The Beat Generation, in: www.honors.umd.edu/Honr2691/bibFeats.html
-   Levi Asher, “ The Beat Generation” in : www.litkicks.com/beatgen/
-   The Authorized Paul Bowles Web Site, in : www. Paulbowles.org
-   Ann Charters, Beat and Company, Portrait of a Literary Generation (New York: Bolphin Doubleday, 1986.
-   John Holmes, “ This is the Beat Generation” , The New York Times Magazine, Nov. 16, 1952. Copied in: www.litkickes.com/text/ThisisBeatGen.html
-   Ann Waldman (ed.), The Beat Book (Boston: Shmbhala, 199

    تعليقات (26)


    1.  
    قرأت نصف المقالة و سأقرأ نصفها الآخر بعد طقوس الصباح.
    لا شك انها ترتب و تتابع اهم مشاهد القصة الأمريكية الحديثة و التي تغلق ملفاتها و تترك المجال لتيارات جديدة و مختلفة.
    و لكن لماذا اختار الدكتور علي القاسمي اسم الجيل المتعب و ليس الجيل الغاضب. فهم بجملتهم رافضون لكل شيء و لا سيما تقاليد و اعراف المجتمع و السياسة.
    صديقة روسية تحضر اجتماعات اضواء المدينة كل اربعاء تتكلم عن غياب المؤسس بسبب كبر العمر. و عن ادباء من العالم الثالث يهتمون بما بعد الكولونيالية و ما بعد البيروسترويكا و في المقدمة تميم الأنصاري و أرافيند أديغا و خالد الحسيني و الروسية أولغا زلبيربورغ.
    مع التأكيد على قيم التوازن الانساني و انتقاد مجتمع السوق "او الحيتان السود".
    و العودة الى الطفولة لإلغاء الماضي و البحث عن مستقبل.
    عموما افراد هذه المحاور يتبادلون المواقع و الادوار و حتى الواقعية القذرة كما في بوكوفسكي تحمل كل اشارات الجيل الغاضب او جيل البيتنيك او المتعب بلغة الدكتور القاسمي.
    انها مشكلة روحية خاصة بقلق الكتابة.
    ساتابع ما تبقى بعد استراحة.

    1.  
    تعليق اخر على المقالة الرصينة و الأكاديمية.
    لماذا المقارنة مع اباء الكوفة و لديك محمد شكري و جماعته. في العراق حلقة ادباء كركوك. معارضة و احد رموزها سركون بوص مترجم عواء صعلوك متشرد فعلا بكل ظروف حياته. و لا يوجد ما يقلل من اهميته الادبية بهذا الوصف لسلوكه الفوضوي المعروف.
    و في سوريا جيل السبعينات في القصيدة النثرية و شيخهم رياض صالح الحسين من حلب، لم يتركوا بيتا لم يضربوه بحجرة. هذا غير مجلتهم السرية التي اشترك بها جميل حتمل و حسان عزت و اخرين. و كانت غير مطبوعة و اننا على الآلة الكاتبة و بنسخ محدودة و دون غلاف و على ورق بحجم A4. و من المعروف انهم من رواد السهرات "الحمراء" كل انواع الكحول الثقيل و البنات الجميلات و الشتائم البوهيمية و دخول المعتقل و الخروج منه. و هو ما سرع بوفاة رياض و انقلاب خطيبته العراقية و خوفها من متابعة الحياة معه.
    من المهم التعريف لهذه ااجماعات ليس لأن الحياة الشخصية تهمنا و لكن لفن مغامرتهم الأدبية كانت ضرورة لايقاظ النانمين على فراش من حجر. و الأنظار نحو الماضي الميت. و هذا لا بخدم ضرورة التحديث و التنوير و التحول الديمقراطي (لأن الديمقراطية بعيدة عنا بأميال طويلة حتى الآن).
    الحجر في المياه الراكدة لا يضر و يحذر.
    و شكرا.
    صديقي العزيز العالم الأديب الدكتورصالح الرزوق،
    شكراً لجميل اهتمامك وكريم عنايتك بدراستي، فأنت لم تكتفِ بتعليقٍ واحد بل تكرَّمتَ بتعليقيْن، فزدتني إمتاعاً وامتناناً. حفظك الله ورعاك.
    محبكم: علي القاسمي
    مقالة علمية عميقة، تعطي طوق نجاة لمن لا يرون الإبداع إلا في الغرب والحداثة وما بعدها.. لم يتوغلوا في التاريخ بل توغلوا في الجغرافيا فقط.. هذا الطوق يمكن أن يضيف عليه هذا المثقف أو ذاك نماذج من تاريخ العرب والمسلمين الشيء الكثير، ونماذج من تاريخ كل بلد عربي على حدة الشيء الكثير أيضا.. يبقى الدكتور علي القاسمي منتجا سرديا، لا يتوانى في الإبداع والنقد.. بارك الله في عمرك وعلمك
    أخي الحبيب الإعلامي الأديب الدكتور عبد الحكيم أحمين،
    أشكرك على كلماتك الجميلة وأفكارك النبيلة. وأتفق معك أن وضوح الرؤية والرؤيا يتطلب عدم فصل التاريخ عن الجغرافية، كذلك عدم فصل الزمان عن المكان.
    وشكراً جزيلا على كلماتك الطيبة بحقي، فهي نابعة من نفس تفيض بالمحبة والخير والجمال.
    معزّكم: علي القاسمي

    1.  
    بورِكْتَ بوركْتَ يا عَلِيُّ
    بالسَّردِ والإبداعِ ألمَعِيُّ
    شاعرنا الكبير الدكتور أكرم جميل قنبس،
    يأبى كلامك إلا أن يخرج شعراً موزوناً مقفى.
    شكري ومحبتي،
    المعجب بكم: علي القاسمي
    قرأت بافتنان مقالتك الرصينة المصاغة باقتدار الباحث الاكاديمي وبأسلوب المبدع البارع فكنت الممتع والمفيد
    قرأت مقالتك استاذي بافتنان فامتعت وأفدت ابقاك الله في خدمة العلم والثقافة وامد الله في عمرك
    أستاذنا الجليل الأديب سيدي محمد الرحماني بنشارف،
    شكراً لرضاك النبيل وثنائك الجميل.
    محبكم: علي القاسمي
    تحية عطرة لأستاذنا العزيز الدكتور علي القاسميّ :
    قرأتُ المقال وأثار في بالي تساؤلات عن صراع الأجيال ، أي أجيال الأدب عموماً ، والقصة القصيرة على وجه الخصوص ، ما عوامل بروز الصراع ، هل هي اختلاف التأويلات والرؤى ؟ أم إن قيمة الرفض والمرفوض هي الخالقة لهذه التيارات ؟
    تحدث نابوكوف في لوليتا عن تجاذبات الأثر والتأثير بين أوربا وأمريكا ، فهل نجد ملامح أوربية لخلق توجّهات هذه الجماعة أو تلك ؟ ولا سيّما أن المقالة تركّز على أن الحاضنة ( الجيوثقافية ) كانت فرنسا ، الرجوع إلى أوربا بعد تلكم الانهيارات العظيمة بسبب الحرب الكونية هل يمثّل تقوقعاً ، ام هو رجوع نحو الأمّ الأولى للأمريكيين القادمين من أوربا ؟ هناك أسئلة كثيرة ... أتمنى أن تكون مجالاً للحوار والمثاقفة .
    أخوكم ...
    د. حسام الجبوري
    أخي المحبوب اللساني الأديب الموهوب الدكتور حسام الجبوري.
    أشكرك بإخلاص على تكرمك بإثارة الأسئلة الذكية. فالسؤال هو أساس المعرفة.
    ولا شك في أني سأجري دراسة أخرى في محاولة للإجابة على بعض أسئلتك، قبل أن أدفع الكتاب لطبعة ثانية، إن شاء الله.
    مع مودتي ودعائي لك بالصحة والهناء والعطاء.
    أخوك: علي القاسمي

    1.  
    لقد استمتعت أستاذي الفاضل بهذه الجولة العطرة في الأدب المقارن حيث تتضح أهمية الترجمة في ضوء هذه الدراسات، وهذه مهمة لا يتقنها إلا المترجمون البارعون ،فشكرا لكم أستاذنا على هذه الأ عمال المترجمة التي تخدم أدبنا العربي الحديث وتساهم في توفير الموضوعات النظرية والتطبيقية المقارنة للباحثين والمترجمين، بارك الله في عمركم وحفظكم وجعلكم نبراسا للباحثين والمترجمين.
    أخي الكريم الأستاذ سيدي محمد الصمدي
    أشكرك من القلب على تكرمك بالتعليق على دراستي وتأكيدك أهمية الترجمة للغتنا وآدابنا.
    فاللغة العالمية، ليست هي اللغة التي يتكلمها أكبر عدد من الناس، بل هي تلك اللغة التي يُترجَم إليها أكبر عدد من الكتب في المجالات المعرفية المختلفة.
    تمنياتي الخالصة لك بالصحة والهناء والإبداع والعطاء.
    معزّكم: علي القاسمي

    1.  
    مرحبًا عالمنا الكريم. شكرًا جزيلًا.
    يراعك الفذ يسطر الجمال بأبهى صوره في كل ما تلتقفه الأوراق .
    قد لا أملك الكثير من الإحاطة بفحوى مقالكم الكريم، إلا إنني وجدت المجتمع وتغيراته ماثلًا في كل ما تجود به الأمم من نتاجٍ ثقافيّ وعلميّ، ولاسيّما ما تفعله الحروب في أنماط تفكير أفرادها ونفوسهم وعاداتهم وقيّمهم.
    دمت ودام ابداعك الجميل عالمنا الكريم.،
    الباحثة الجادّة الأستاذة المهذّبة سهاد،
    شكراً لثنائك الكريم على الدراسة، وقد قادك اهتمامك بعلم اللغة الاجتماعي إلى ملاحظة صائبة وهي أن التغيّرات في المجتمع تؤثر، لا محالة، في ثقافته. فأساس الثقافة اللغة، واللغة تستجيب لحاجة المجتمع في التعبير عن المعاني والالمفاهيم المستجدة.
    وهذا ما أشارت إليه الدراسة، حيث وُجِد أن تعابير لغوية جديدة كانت تُعدُّ خطأ نحوياً أو منطقياً، أخذت طريقها إلى كتاب " أحسن القصص الأمريكية لعام 2015".
    أكرر شكري لك، ونحن جميعاً في انتظار استكمالك بحثك القيم الذي تجرينه في علم اللغة الاجتماعي.
    حفظل الله ورعاك.
    علي القاسمي

    1.  
    مبهرة..هذه الرحلة، هذه السياحة عبر عصور الأدب وتحولاته في بلد كبير مثل الولايات المتحدة...هل يمكن أن نطلق عليه أدب الترف؟أدب الخواء أدب اللامعنى؟ عوالمهم وهمومهم مختلفة عن عوالمنا..لذلك كانت تعبيراتهم مختلفة عنا...فعلا، الأديب ابن بيئته..
    أخي العزيز المترجم الأديب الأستاذ مصطفى شقيب
    شكراً على مرورك بدراستي. وشكرا على ملاحظتك القيمة بخصوص "أدب الترف".
    وهي ملاحظة أبداها كذلك الكاتب الأمريكي الكبير جون أبدايك في مقدمته لكتاب " أحسن القصص الأمريكية في القرن العشرين" (1999)، حينما ذكر أن كثيرا من كتّاب القصة الأمريكان هم من الطبقة المترفة، ويزاولون الكتابة في مقاهٍ باريسية، ويتناولون مشكلات العمّال والفلاحين بطريقة شعبوية. (يقصد الجيل الضائع).
    فأنت وهو، كلاكما، على حق؛ فالقصة التي ليست نابعة من تجربة حقيقية قد لا تؤثر في القارئ.
    دمتَ مبدعاً متألقاً.
    أخوك : علي

    1.  
    شكرا جزيلا الدكتور علي القاسمي على هذه المقدمة النقدية لكتابك عن القصة القصيرة الأمريكية الحديثة والمعاصرة.
    جمعت هذه الدراسة التقديمية بين التاريخ الأدبي والدراسة النقدية والبيوغرافيا والترجمة وبعض ملامح الدراسة المقارنة. ولهذا فاسلوبها يجمع بين تعدد لغات تلك الخطابات التي هي من خصاىص التاريخ الأدبي المعاصر.
    ركزت الدراسة على مسار القصة القصيرة الأمريكية الحديث والمعاصرة، من خلال نماذج دالة من اعلامها، ومن خلال التقاط سماتها الموضوعاتية والفنية. وتوقفت الدراسة في هذا المسار عند جماعة الجيل المتعب، من خلال تتبع اعمال هذه الجماعة واصحابها ونصوصهم القصصية الدالة والمؤثرة، وتتبع سير نماذج اعضاىها المؤثرين وأهم نصوصهم، وتنقلاتهم بين امريكا واوروبا وطنجة، ونهايات بعضهم المؤثرة. ولعل مثل هذا العرض المركز لهذه الجماعة الأدبية
    هو الذي يعطي للدراسة قيمتها التاريخ ادبية والنقدية، لانها تثير دور الجماعات الأدبية، مثل الاجيال والتيارات والمذاهب والمدارس الأدبية التي تعطي لمسار الادب والفكر دينامية تطوره في كل الآداب الإنسانية.
    القت الدراسة كذلك الضوء على معاناة جماعة الجيل المتعب في امريكا ولجوء بعض اعضاىها الى اوروبا وطنجة التي وجدوا فيها من يحضنها، بل تركت أثارها في بعض القصاصين والادباء المغاربة.
    اما الفقرات الخاصة بمفهوم الجيل المتعب في الادب العربي، فهي التفاتة مقارنة دالة تحتاج الى قفة مطولة خاصة تبدا من الصعاليك والمجان وغيرهم.
    الدراسة في النهاية تحفز قراءها على قراءة الكتاب من جهة، وعلى اعادة النظر في الراي المبسط لدور القصة القصيرة في الأدب والحياة من جهة اخرى. كما فتحت الدراسة لآفاق مقانة بين الجماعات الأدبية في مختلف الآداب الإنسانية.
    أستاذنا الناقد الكبير الدكتور أحمد بوحسن،
    أشكرك أجزل الشكر وأخلصه على تعليقك الكريم الذي تناول دراستي بالتحليل، والذي ذكّرني بكتابك القيم " في المناهج النقدية المعاصرة" ( الرباط: دار الأمان، 2004) الذي ينبغي أن يدرسه كلُّ ناقد وكل كاتب. لقد أفدتُ منه كثيراً وزادني إعجاباً بالمدرسة النقدية المغربية الحديثة، وأنت من أعلامها.
    تمنياتي الطيبة لكم بالصحة والهناء والإبداع.
    محبكم: علي القاسمي
    الأخ والصديق العزيز الدكتور علي القاسمي المحترم:
    تحياتي القلبية
    في الحقيقة اخي وحبيبي دكتور علي انا رأيت مقالتك الرائعة والقيّمة قبل الليلة البارحة ولكني كنت مشغولا ، فالبارحة بعد السحور بدأت بقراءتها بكل شوق ومتعة لِما تحتويه من قيمة عالية في تناولك فيها أهم اجيال القصة القصيرة الأمريكية ،بتسلسل شيق غير ممل، ولحصولي على الكثير من جوانب المعرفة بكتّاب القصة القصيرة الأمريكية الحديثة، مقارنة بمستوى الكتابات الأدبية في كندا ، لأني ومن خلال اقامتي في كندا واحتكاكي بالمثقفين هناك ، شعراء وكتاب قصة وفنانين تشكيليين ، وحضوري للأمسيات الأدبية مع اصدقاء كنديين من اصول اوربية ، وكذلك مشاركاتي مع فنانين تشكيليين من مختلف الجنسيات في معارض تقيمها وزارت الثقافة الكندية ، وعلى العموم اردت من كل ما اوردته ، فان الأبداع الأدبي والفني ليس بالمستوى المطلوب هناك، فسألت أحد اصدقائي الكنديين المقربين لي، وعلى تواصل دائم معه لحد الآن ، على الرغم من انتقالي الى موسكو بسبب اطروحتي وانت تعرف ذلك اخي دكتور علي ، لكنّا دائما نتواصل انا وصديقي الشاعر والقاص الكندي الذي ذكرته اعلاه ، فقبل قدومي الى موسكو سألته ، لماذا لا توجد امسيات ادبية مثلما قبل عندما كنا نذهب معاً؟
    أجابني:للأسف المستوى الثقافي الأدبي في كندا ليس جيدا ، والدولة لا تعير أهتماما لهذا الجانب .
    وكذلك الجانب الفني التشكيلي ، فهل تصدق ان احدى السنوات قام وزير الثقافة بدعم الفنانين بتوفير قاعة لعرض لوحات المشاركين في السيتي هول ، بينما في السنوات الأخرى صار مفروضا على كل فنان تشكيلي مشارك ان يدفع مبلغا من المال ، ويجمعوا ذلك كي تستأجر لنا المديرة المسؤولة قاعة .
    ولهذا أخي وحبيبي دكتور علي ، كانت قراءتي لمقالتك الممتعة حتى النهاية على الرغم من طولها ، وذلك لغنى محتواها ، التي ربما يصعب الحصول على ما فيها بهذا الشكل في أماكن اخرى، والشئ الآخر الذي جعلني ان استمر في قراءة المقالة وبمتعة ،هو لمعرفة مستوى الأهتمام بكتابة القصة القصيرة في الولايات المتحدة الأمريكية ومقارنتها بكندا ..
    فتبيّن لي ان المستوى في أمريكا في هذا الجانب افضل بكثير من كندا، ولربما يعود السبب هو لنسبة السكان العالية في أمريكا مقارنة
    مع كندا، فمثلا نسبة نفوس الولايات المتحدة الأمريكية اکثر من ۳۲۹ ملیون نسمة.
    اما نفوس كندا فهو ما يقارب ۳۹ ملیون نسمة.
    فالف شكر لك اخي العزيز دكتور علي القاسمي على هذا الجهد العظيم الذي تفضلت به علينا .
    محبتي التي تعرفها
    اخوك:ابراهيم
    صديقي العزيز الطبيب الأديب الشاعر الفنان الدكتور إبراهيم الخزعلي،
    شكراً جزيلاً على جميل تواصلك وعلى تفضلك بقراءة دراستي.
    افتقدتك منذ مدة، ولكني أعلم أنك مشغول ومحلّق في فضاءات الأدب والعلم، وفي أجواء كندا وروسيا.
    لقد نبهني تعليقك الكريم إلى قضية كنتُ أتابعها قديماً، تتصل بالأدب الكندي باللغتين الإنكليزية والفرنسية. ولعلك لاحظت في الدراسة أنني ذكرتُ أن جاك كيرواك، ملك المتعَبين، هو كندي الأبوين وبدأ كتابة روايته " على الطريق" بالفرنسية ثم تحوّل إلى الإنكليزية.
    أسأل الله تعالى أن يحفظك ويرعاك ويوفقك.
    محبكم: علي القاسمي
    دراسة رائعة وغنية .. دمت ويراعك د. علي القاسمي
    الأخ الكريم القاص الأديب الأستاذ عبد الجبار الحمدي،
    شكراً جزيلاً على كلماتك الثمينة، التي أسعدتني مثل دُرر نادرة قليلة تُهدى إلى إنسان مرهف الإحساس.
    معزّكم : علي القاسمي

    1.  
    أشكر أستاذي المحترم الدكتور علي القاسمي على هذه الدراسة الرصينة، التي عرّفتنا على القصة القصيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد اطلعت من خلالها على أدبهم في رحلة ممتعة وشيّقة أتحفنا بها الدكتور علي القاسمي حيث تمكن من تقصي حقائق القصة القصيرة بأمريكا بأسلوب رائع مشوق مع مقارنة هادفة بين أدباء ما أطلق عليهم "الجيل المتعب "وبعض كتابات العرب من شعراء المجون والترف... إنّ هذا الجيل "الجيل المتعب" يمكن أن نطلق عيله في الجزائر بـ "الطابو" أي الأدب الذي لا يمكن أن ينشر أو يذكر بين أفراد العائلة، لكن مع التّقدّم الفكري والانفتاح على العالم الغربي ومعرفة أدبهم أصبح المثقف العربي يطلع على كل كبيرة وصغيرة بخصوص ثقافة البلدان، فعلا استمتعت بهذه المقالة الرائعة وأفدّت منها كثيرا بحكم أنّها وضحت لنا كل مراجل تطوّر القصة القصيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، فألف شكر للعالم الألمعي الدكتور علي القاسمي.
    ابننا العزيز اللساني الأديب الدكتور كمال لعناني، مجمع اللغة العربية الجزائري
    أشكرك من صميم الفؤاد على تكرمك بمتابعة ما أنشر، ولعل متابعتك المستمرة ليست نتيجة المودة المتبادلة فحسب، بل كذلك لشغفك بالمعرفة وثقافتك الواسعة. وهذان شرطان أساسيان لتألُّق الإنسان في مهنته وتخصصه، طبيباً كان أو شاعراً أو فلاحاً.
    تمنياتي لك ولأهلك الأعزاء بالصحة والهناء.
    علي القاسمي

    مقالات ذات صلة