أصدقاء الدكتور علي القاسمي

اعتماد سلام، خاطرة بعد قراءة رواية مرافىء الحب السبعة للدكتور علي القاسمي

 اعتماد سلام، خاطرة بعد قراءة رواية مرافىء الحب السبعة للدكتور علي القاسمي

 هل الغربة هي مغادرة الوطن قسرا والعيش بعيدا عنه؟ أم الغربة هي موت الأم والإحساس باليتم؟ أم الغربة هي عشق امرأة والتوله بها دون أن يكون لك حظ معها؟.

أي من تلك هي الغربة وماذا لو اجتمعت كلها لدى شخص واحد؟. هذا حال الملاح السومري سليم الهاشمي الذي يكابد كل تلك الغربات متنقلا عبر مرافىء مختلفة، اختار الروائي العراقي المقيم في المغرب علي القاسمي أن يطلق عليها "مرافىء الحب السبعة" لتكون عنوان روايته السيرذاتية التي أعادت منشورات الزمن إصدارها بداية العام الحالي في طبعة مغربية من الحجم المتوسط.

في القسم الأول من الرواية نتعرف على مرفأين اثنين، الأول انطلق منه الملاح والثاني لم يطل بقاؤه فيه، وهما بغداد وبيروت. في هذا القسم يترك سليم الهاشمي العراق هاربا مكرها بعدما أضحت حياته معرضة للخطر إثر سقوط بغداد بين أيدي الانقلابيين من العسكر. قال رفيقه العراقي وهما في بيروت قبل أن تخرسه رصاصة مجهولة عندما كان يتجول ذات ليلة ممطرة في شارع الحمراء "كلما وقع انقلاب في قطر من أقطارنا العربية سماه قادته ثورة شعبية وأعلنوا أنهم ثاروا ليحرروا الناس من الظلم والطغيان والديكتاتورية وأنهم قاموا بحركتهم المباركة من أجل العدل والحرية والمساواة والديمقراطية، ثم يطلقون بيانهم الأول بتعطيل الدستور وحظر التجول وإغلاق الصحف وإلغاء الأحزاب. أهذه هي الحرية التي يقصدون؟ أهذه هي الديمقراطية؟ ". الحادث سرع برحيل الملاح السومري نحو مرفأ جديد بعدما طلب منه والده مغادرة بيروت إلى الولايات المتحدة الأمريكية خشية على حياته. 

على وقع وداع أخرس ومشبع بالشجن بين سليم ووالده في مطار بيروت ينتهي القسم الأول من الرواية، ليحرك الملاح السومري شراع سفينته نحو القارة الأمريكية، فيبدأ القسم الثاني على وقع وصوله إلى مرافيء جديدة هي نيويورك، أوستن وتكساس، وفي هذا القسم يكتشف سليم جزءا آخر من العالم، أمريكا التي بدأت تنميتها قبل أقل من أربعة قرون تفوقت على بلدان عمرها وحضاراتها تقاس بآلاف السنين، وقد كان لافتا انبهاره بعادات الجامعات الأمريكية ومستوى التدريس بها وعلاقات الأساتذة مع الطلبة وحرصهم على توفير ظروف جيدة لهم من أجل الدراسة. من محطة إلى أخرى يطوي الملاح الأيام التي بدت بائسة وهي خالية من رائحة الأهل وطعم الفرات رغم  كل الإغراءات التي وجدها في جامعة تكساس التي التحق بها طالبا للدكتوراه.. العلم، الامتيازات ، والعمل وكل ما يحلم به عربي مكسور ومطارد، حتى الحب وجده هناك في سوزان الأمريكية اليهودية التي يئد مشاعره نحوها لأنه لا يرى مسقبلا لزواج مختلط. لاشيء يجعل المنفى قريبا من الروح التي تسكن الوطن رغم النوى، بل يحدث ما يكرس الشعور بالغربة ويعمقه أكثر..أخوه استشهد وحبيبته الأولى ماتت وصديقه اغتيل ثم الهزة الأقوى وفاة والدته هناك في العراق البعيد." الغربة تستحق أكثر من دموع العين، تستحق أن تنزف لها دماء القلب حتى آخر قطرة"!.

تخرج من الجامعة وحصل على شهادة الدكتوراه ومازال العراق وطنا مشتهى لا يستطيع أن يعود إليه،  شعوره المتفاقم بالغربة جعله يرفض عرضا بالعمل كأستاذ في جامعة تكساس، يراوده حلم سومري بالعودة بعد سبع سنوات من الغربة. أو ليس الرقم سبعة مقدسا لدى السومريين؟!

القسم الثالث من الرواية يعرض لآخر مرفأين حط بهما الملاح وهما الرباط والرياض، قدم إلى المغرب أستاذا في جامعة محمد الخامس وهناك وقع في حب طالبته المكحلة عيناها بالحزن. حب بدأ علي القاسمي تأليب مواجعه مع بداية القسم الأول من روايته لكنه يؤجل الكشف عن أسرار قصته إلى آخر جزء منها، قصة عشق خاسرة  لم تنتصر فيها العاطفة المتوهجة في قلب سليم لطالبته المغربية حتى بعد انجلاء سرابل الحزن المخيمة على عينيها. فانتقل بعدها إلى الرياض أستاذا في إحدى جامعاتها أيضا قبل أن يعود إلى المغرب مجددا مفصولا من العمل, ذاوي الجسد، مشتت الفكر، فاقدا لبوصلة الحياة. لا يملك سوى شال أمه الأسود وحفنة من تراب العراق يرفع الأول إلى شفتيه يلثمه ويشم رائحة الثاني فيعود طفلا في حضن أمه ووطنه.

الغربة تفعل ذلك وأكثر.. وهذه رواية للمغتربين والمنكوبين والمهجرين والنازحين والمبعدين، تتلمس بعضا من حياتهم التي تنقضي بين ذات تائهة في غربة المكان وبين ألفة الروح التي لا تفارق الوطن أو الأم أو الحبيبة. "وهل يستطيع إنسان أن يغير القدر حتى لو كان له كنز من الحذر؟!".

 

مقالات ذات صلة