أصدقاء الدكتور علي القاسمي

علي القاسمي: القادم المجهول

 

علي القاسمي: القادم المجهول

علي القاسمينقلا عن صحيفة المثقف


في الأسبوع الأخير من صراعه المرير مع السرطان، جلس في جناحه الخاص في المستشفى الكبير، يحيط به جميع عُوّاده: أفراد أسرته وأقربائه وأصدقائه وطلابه ومحبيه، وجميع مَن طلبهم للمجيء لسببٍ أو لآخر ومَن لم يطلبهم. ابتسامة شجاعة تملأ غضون وجهه وهو لا ينفكّ يروي الطرفة بعد الطرفة والنكتة تلو الأخرى فتنطلق ضحكاتهم ويشيع جوٌّ من السرور، وكأن الجمع قد التئمَ في مناسبةٍ سعيدةٍ، مثل عرس أو ختان أو ميلاد طفل، وليس لوداعِ عزيزٍ راحلٍ إلى العالم الآخر بعد أيام أو ساعات. هنا يختلط الهزل بالجدّ على عتبة الموت.

أتظاهرُ بالابتسام ومتابعة ما يقوله؛ ولكنّني، في حقيقة الأمر، أحاول جاهداً أن أُدرك أمراً، أن أفكَّ لغزاً حيّرني منذ أسابيع، أثناء عياداتي المتكرِّرة المتواصلة المطوّلة له، أو بعبارة أخرى أثناء مكوثي شبه الدائم في جناحه في المستشفى خلال الأشهر الأربعة المنصرمة التي أمضاها هناك، بعد أن ظلّ يسافر كلّ شهر تقريباً إلى باريس للعلاج مدَّة خمس سنواتٍ متعاقبةٍ، ولم ينجح العلاج، وأُغمي عليه ذات يوم فحملوه إلى هذا المستشفى الوطنيِّ.

ما حيّرني وأقلقني وأشعرني بعجزي وأثار غيرتي في آنٍ واحدٍ، أنّ عينه اليمنى كانت تتَّجه إلى مدخل ذلك الجناح بين الوهلة والأُخرى في انتظارِ قادمٍ ما، بَيدَ أنَّ عينه اليسرى تخشى وصول ذلك القادم المُرتقَب ولا تريد حضوره. إحدى مُقلتَيه تستدعي ذلك المجهول والأخرى تحذّره من المجيء وتصرفه.

ثلاثون عاماً من الرفقة الطيِّبة والعِشرة والمحبّة والصداقة الحميمة، بل الأخوّة الخالصة، إضافةً إلى التشابه في خلفيّتنا العائليّة وتعليمنا وخبراتنا ومهنتنا المشتركة، كلّ ذلك كافٍ ليجعلنا ـ أنا وصديقي سيدي محمد ـ قادرَيًن على فهم رغبات الآخر وإدراك مشاعره، بمجرّد النظر إلى العينَيْن. العينُ نافذةٌ مشرَعةٌ على باطن النفس. نأخذ أحياناً، ونحن وسط الآخرين، في التواصل فيما بيننا بعيوننا، نُفصِح عن الرغبات والطلبات، ونعبّر عن مشاعر القبول والرفض، والرضا والسخط، والفرح والحزن، دون أن نتفوّه بحرفٍ أو ننطق بكلمةٍ، ودون أن يعي الآخرون ما نحن فيه. يكفيني أن أنظر إلى عينيْه لأفهم ما يريد، ويكفيه أن يلمح عينيَّ ليستوعب مشاعري ويقف على أحاسيسي. أستبطنه ويستبطنني، أنفذ إلى أغوار نفسه، ويلج في أعماقي. أسراره أسراري، وأسراري أسراره، لا يُخفي أحدنا عن الآخر شيئاً، آمالنا واحدة، وهمومنا مشتركة، وأحاسيسنا متطابقة، ومشاعرنا متماثلة، كأنَّنا أصبحنا كائناً واحداً أو روحاً واحدة حلّت في جسدين، كما يقول الشاعر:

روحُهُ روحي وروحي روحهُ     إنْ يشأْ شئتُ وإن شئتُ يشأْ

ولهذا كلّه، انتابني القلق عندما عجزتُ عن استيعاب ذلك الموقف غير المفهوم: عينه اليمنى تتلهَّف لوصول القادم المجهول، وعينه اليسرى لا ترغب في قدومه.

لعلّ حزني المستعرّ بين جوانحي هو الذي أصاب قدرتي الحدسيّة بالعجز، أو لعلَّ الإرهاق الذي ألمّ بي مؤخَّراً هو الذي عوّق مداركي الاستيعابيّة. ولهذا جمّعتُ قواي الذهنيّة والروحيّة اليوم، وركّزتُ نظراتي عليه دون أن يشعر، وهو منشغل مع عوّاده، فألفيتُ بكلّ وضوح لا يقبل الشكّ ولا التأويل، أنّ عينه اليمنى تستعجل القادم المجهول وعينه اليسرى تثنيه عن القدوم.

في جميع دراساتي الفلسفيّة وأبحاثي النفسيّة لم أطّلع على حالةٍ مماثلةٍ ينقسم فيها عقلُ الكائن بهذه الحدَّة، وتنشرخ إرادته بهذا الوضوح. لم يحضرني في تلك اللحظة إلا حالتان: رسمٌ وبيتُ شعرٍ. رسمٌ منقوشٌ على أحد جدران أطلال بابل يمثّل أفعى برأسين، وكلُّ رأسٍ يندفع بقوة في اتّجاهٍ مضادٍّ. وبيتُ شعرٍ قاله شاعرٌ عربيٌّ قديمٌ يصف فيه ذئباً أصابه الهلع:

ينام بإحدى مقلتيهِ، ويتَّقي الـ    ـمنايا بأُخرى، فهو يقظانُ هاجعُ

لم أقبل الهزيمة، فأنا لستُ بأقلّ عزيمة منه. منذ خمس سنوات وهو في معركةٍ شرسةٍ مع السرطان الذي هاجم نخاع العظم منه بضراوة، ونخر عظامه حتّى أمست مثل قطعة من زجاج انتشرت فيها الشروخ، مثل شبكة عنكبوت بحيث ستنهار بفعل هبّة ريح خفيفة وتتهاوى شظايا مبعثرة، كما قال لي طبيبه وهو يصف حالته. ومع ذلك، فهو يخرج من غرفته مرّتيْن في اليوم ليتمشّى في ممرّات المستشفى في محاولةٍ شرسةٍ لإعادة الحياة إلى عظامه المنهارة. ثمَّ  يعود إلى غرفة الاستقبال في جناحه في المستشفى ليتوسّط المجلس، ويرحّب بعوّاده وزوّاره، ويروي لهم الطُّرف والنكت والحكايات المُضحِكة.

لم يحبّه الناس لروحه الخفيفة وأخلاقه السامية فحسب، بل أحبّوه كذلك لأنّه لم يطمع بما في يد غيره قط. قتل الطمعَ في نفسه، ونقّاها من الخبائث، فصارت صافيةً شفافةً، كمرآةٍ مصقولة. ومِن عينيْه وهو يتحدّث مبتسماً، أُدرِكُ أنّ الألم أخذ يشتدّ به. يرمقني بنظرةٍ ذات معنى ويبتسم. إنّه يريد أن يعلّمني كيف يموت المرءُ بكرامة. فأُرسل إليه نظرةً تقول: كما عاش بكرامة. ثمّ أدلفُ، دون أن استرعي انتباه أحد، إلى غرفة الممرضة المجاورة، وأطلب منها أن تقدّم له قرصَ مسكِّنِ الألم ذائباً في قدح ماء دون أن يلاحظ جلساؤه أنّه يشرب الدواء. إنّه أسبوعه الأخير، كما أسرّ إليَّ بذلك كبير الأطباء المشرف على علاجه.

نظرتُ حولي، تصفّحتُ الوجوه واحداً واحداً. إنّهم جميعاً هناك. أعرفهم جميعهم. لم يتغيّب فردٌ من محبّيه. ولم يتخلّف واحدٌ ممن يحبّ. تُرى مَن هو ذلك القادم المنتظر، إذن؟ لم تعُد المشكلة بالنسبة إليَّ تنحصر في عجزي عن إدراك ماهيّة التناقض بين عينيْه، بل أصبح التحدّي الذي أواجهه هو معرفة سرّ ذلك القادم المرتقَب الذي لا يريد صديقي أن يطّلع أحدٌ عليه. وبعبارة أُخرى، إنّ الذي آلمني وأقلقني أنّ صديقي الحميم  أخفى عنّي سرّاً من أسراره. فأنا لم أكتم عنه أيّاً من أسراري.

اشتعل لهيبُ التحدّي بين ضلوعي. لا بُدَّ لي من معرفة ذلك السرّ. حبُّ الاستطلاع المتجذِّر في نفس الإنسان هو الذي ارتفع به إلى قمم المعرفة، وهو الذي سقاه الردى مرّات. لن أسمح له بدفن سرّه معه. سأحطّم تلك الصدفة، لأُخرج اللؤلؤة منها. سأتّبع طريقةً أُخرى للوقوف على ذلك السرّ من دون أن أستجديه منه. فواضحٌ أنّه لا يريد البوح به حتّى إلى أقرب الناس إليه، بل إنّه يخفيه حتّى على ذاته، أعني عليّ أنا الذي هو. سأمتشق تقنيَّتي الثانية. فالتقنيَّة الأولى، وأعني بها لغة العيون، تساعد في إدراك الرغبات والطلبات والأحاسيس، ولكنّها لا تمكّنني من الوقوف على التعبيرات الدقيقة أو الأسماء المحدَّدة. ففي الحالة الأخيرة، ألجأ عادةً إلى تقنيَّتي الثانية التي تُسمى بقراءة الأفكار.

وتتلخّص فحوى هذه التقنيّة في قدرتي وقدرته على قراءة الأفكار، أفكاره أو أفكاري، من غير الحاجة إلى التعبير عنها بكلماتٍ منطوقة. وكانت هذه الطريقة قد أثارت انتباهي أوّل مرّة عندما كنتُ صبياً، وقد اصطحبني والدي خلال العطلة الصيفيّة إلى مدينة الإسكندريّة في مصر. وذات ليلة، ذهبنا إلى مطعم ـ مسرح لتناول طعام العشاء. وهناك، ظهرَ على خشبة المسرح " ساحران"، هبط أحدهما صوب المشاهدين في حين ظلَّ الآخر واقفاً على خشبة المسرح، وهو معصوب العينيْن وظهره إلى الجمهور. اتّجه الساحر الأوّل إليّ. لعلَّه اختارني لأنّي كنتُ أصغر الحاضرين، أو لأنّه عرف من ملامحي أنّني لستُ مصرياً وإنّما سائحٌ يزور مصر لأوَّل مرَّة. وطلبَ مني بلطفٍ أن أعطيه جواز سفري أو بطاقة التعريف. فناولته إياه. وأخذ يقرأ المعلومات المدوَّنة في جواز السفر قراءةً صامتةً لا يحرّك خلالها حتّى شفتيه. وإذا برفيقه الثاني الواقف على خشبة المسرح يرفع صوته بالمعلومات التي يقرأها زميله.

الاسم: علي بن محمد القاسمي

الجنسية: عراقي

المهنة: طالب... إلخ.

وبعد قليل، اتّجه الساحر الأوَّل إلى سائح آخر وفعل الشيء نفسه. 

أدرتُ وجهي إلى والدِي وعيناي تلمعان دهشة وتتألقان إعجاباً وانشراحاً وأنا أسأله:

ـ أليس في الأمر حيلة؟

ـ لا حيلةَ مطلقاً. إنَّهما يقرآن الأفكار، كما يستطيع غيرهم قراءة الشفتيْن، مثلاً. قارئ الشفتيْن يستخدم بصره، وقارئ الأفكار يستعمل بصيرته. الأمر يتطلّب شيئاً من التوافق الذهنيّ والمران والتركيز.

في تلك اللحظة تلاشت الحدود الفاصلة بين السحر والحقيقة، وتعانق الخيال والواقع في نظري.

ـ ولكن، يا أبي، هل أستطيع أنا، مثلاً، أن أتعلَّم قراءة الأفكار؟

وتفاقمتْ دهشتي وتعاظم سروري حينما سمعتُ والدي يقول:

ـ ولِمَ لا؟ بإمكاني أن أساعدك على ذلك.

وكان والدي قد درس العلوم الدينيّة في الحوزة العلميّة ببغداد، وتعاطى الرياضات الروحيّة والتصوّف.

وبعد عودتنا من مصر، أخذ والدي يدرِّبني على قراءة الأفكار. وهذا الفنّ يختلف قليلاً عن التخاطُر، أي تناقل الخواطر والوجدانيّات من عقلٍ إلى عقلٍ على البُعد بغير استخدام الوسائل الحسّيّة المعروفة. أمّا قراءة الأفكار فتتمُّ بحضور الطرفين في مكانٍ واحد.  أوضح لي والدي أنّ التفكير يختلف عن الفِكرة أو الأفكار، لأنّ التفكير هو العمليّة الذهنيّة التي تتبلور في فكرةٍ تُصاغ على شكلٍ جملة لغويّة داخليّة تستقرّ في الذهن، يُطلِق عليها اللسانيون اسم اللغة الوسيطة. وعندما تنتقل تلك الجملة من التفكير إلى التعبير، ويتلفّظها الفردُ باللسان والشفتَين وبقية أعضاء النطق، تُصبح لغةً منطوقةً، تلتقطها آذان السامع، وتنقلها إلى المخّ لتفسيرها، واستيعابها وتمثُّلها.

وذكّرتني التمارين التي استخدمها والدي بالتمارين التي كانت تستعملها معلمة البيانو معي، لأتعرّف على النغمات الموسيقيّة. كانت تعزف على البيانو إحدى النغمات، وعليّ أن أنطق باسم علامتها الموسيقيّة. أسمع النغمة فأقول:

ـ ري

ـ حاولْ مرةً أخرى.

تقول المعلِّمة ذلك، وتعيد عزف النغمة ذاتها ثانية، فأقول:

ـ فا

ـ حاول مرةً أخرى، اسمع جيداً.

وتعيد عزف النغمة نفسها.

ـ مي.

ـ نعم، أحسنتَ.

وهنا أشعر بارتياح.

وأخذ والدِي يتّبع طريقة مماثلة. يصيغ فكرةً صغيرةً في ذهنه، ثمَّ يطلب مني قراءَتها. استجمع بصيرتي الداخليّة وأركز على ذهنه، كما علّمني، فتتضح لي الفكرة شيئاً فشيئاً على هيئةِ جملةٍ لغويّةٍ، أقرأها بصعوبة أوّل الأمر، ثمَّ بالتكرار والمران أصبحتُ أقرأ أفكاره بيسرٍ وسهولة. 

ها أنا ذا أجلس قبالة صديقي في جناحه في المستشفى. مرّ يومان وأنا في محاولةٍ متّصلةٍ فاشلةٍ لفهم اللغز: عينه اليمنى تشرئِب متطلّعة إلى القادم المجهول، وعينه اليسرى تحذّره من القدوم وتخشى وصوله. لا بُدّ من استخدام تقنيَّتي الثانية " قراءة الأفكار " لفكِّ اللغز. ولكنِّي أتردّد في انتضائها لسببيْن: أوّلهما الإجهاد الذهنيّ الذي يرافق هذه التقنيَّة بسبب الطاقة المُستنفَدة في التركيز، وثانيهما أنَّ صديقي هو الآخر يقرأ الأفكار. والعجيب في الأمر، أنّه، هو كذلك، تعلّمها من أبيه الذي درس العلوم الدينيّة في جامعة القرويين بفاس. ألم أقلْ إنّنا متشابهان في هواياتنا وأخلاقنا وعاداتنا وتعليمنا، وحتّى خلفيَّتنا العائليّة؟

لَم يبقَ له سوى ثلاثة أيام على قيد الحياة، كما أسرّ لي بذلك طبيب الإنعاش. جميع الأحبّة والأقرباء والأصدقاء الأوفياء والطلاب القدامى يحيطون به، وحتّى بعض الأطباء والممرضات الذين أخذوا يُمضون بعضَ أوقات استراحتهم في مجلسه. اصطادهم سيدي محمد الذي كنتُ أسميه " صيّاد القلوب". وقعوا في شباك محبّته. نظرتُ إليه. التقتْ عيوننا. أَدركَ من نظراتي أنّني سأحاول قراءة أفكاره. ابتسم لي ابتسامة خاصَّة ولمعتْ عيناه بطريقةٍ معينة. فهمتُ. إنّه يتحداني وكأنّه يقول لي:

فالسرُّ عنديَ في بيتٍ لهُ غلقٌ     ضاعتْ مفاتيحُهُ والبابُ مختومُ

إنّه يمزح معي. لا ريب في ذلك. إنّه يلعب. هكذا يفعل دائماً، حتّى في أحاديثنا الاعتياديّة، يواظب على اللعب. يستخدمُ في كلامه الجِناس والطباق، يُكثِرُ من المشترك اللفظيّ ذي الدلالات المتعدَّدة، يستعمل عباراتٍ مبهمة، يستثمرُ أبحاثه اللسانيّة للإعجاز والتعجيز. لكنّني لن أسمح له هذه المرّة. سأوقفه عند حدّه. سأريه قُدراتي أنا أيضاً. سأفضُّ الختم، وأخلع الباب، وأهدم الأسوار. فأنتَ تعرف من أنا. لا، يا صديقي العزيز. لقد تخطَّيتَ عتبة الهزل، وحللتَ في فناء الجدّ والحقيقة. الموتُ هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذا الوجود التي لا تقبل الهزل. وأنتَ ما زلتَ ترتدي زيّ البهلوان وتواصل الضحك والإضحاك. لا، يا صديقي.

أغمضتُ عينيّ وركزتُ قوى بصيرتي على أفكاره لقراءتها. لم أتبيَّن شيئاً. أعدتُ المحاولة بتركيزٍ أشدّ. يا للدهشة ويا للعجب. ليس ثمَّة ما أقرأ. ذهنه خالٍ من أيّة فكرة يمكنني التقاطها. ماذا أقول؟ حتّى الجنين الذي في بطن أُمّه لا يخلو ذهنه الصغير من تلافيف سجّلتْ ما وصل إليه من أصواتٍ وأحداثٍ من العالم الخارجيِّ، ولا يظلّ صفحة بيضاء ناصعة كما هو عقلك الكبير الآن؟ كفى لعباً، فأنا في حالة لا تسمح لي باللعب.

ابتسمَ لي، وواصل كلامه مع الآخرين.

إنّه يتحدّاني وأنا أقبل التحدّي. أحتاجُ إلى تركيزٍ أشدّ، وبذلِ مجهود أكبر للقيام بمحاولةٍ غير مسبوقة: سأحاول قراءة أحاسيسه قبل أن تتبلور في فكرةٍ ذات صياغة لغويّة وسيطة. فلا شكَّ أنَّه تعمّد عدم السماح لعواطفه بالتمظهر في ذهنه. احتفظَ بها هناك في أغوار الأعماق.

أمضيتُ العصر كلّه في التجريب. كان العَرق يتصبّب مني، وارتفعت درجة حرارتي. لاحظني أحد الأطباء كان بين الجالسين. حتّى أطباء المستشفى أخذوا يمضون أوقات استراحتهم في مجلسه. يسحرهم بحديثه. إنّه الساحر الأكبر. خرجتُ من الصالة. تبعني الطبيب.

ـ لا شيء. إنَّني على ما يرام.

ولكنّني لستُ ممن ينهزمون عند أوّل إخفاق. سأحاول غداً صباحاً فقد انصرف عوّاده جميعاً، حان وقت العشاء. سأغادر أنا كذلك. لا أريد أن أرى الممرضة وهي تُطعِمه بالملعقة، لأنّ يديه تعطّلتا عن الحركة منذ يومَيْن. ولكن سأعود غداً صباحاً، فلم يبقَ له سوى يوم أو يومين من الفترة التي حدَّدها الطبيب، ولا بُدَّ لي أن أقف على سرّه الذي لا يريد أن يفشيه لمخلوق.

حاولتُ أن أنام جيداً تلك الليلة، تأهُّباً لمعركتي الأخيرة. لم أفلح. نهضتُ باكراً. تحمّمتُ بالماء البارد لأوقظ جميعَ قواي وحواسي. توجّهت إلى المستشفى في أوّل الصباح قبل أن يغرّد العصفور الدوريّ، وقبل أن ترحل القُبّرة، وقبل أن تتربع الشمس في وسط السماء.

أَلفيتُه وحيداً. تعانقتْ نظراتنا. دخلتِ الممرضة وهي تحمل طعام الفطور. طلبتُ منها الانصراف. شيءٌ في داخلي حبّذَ لي أن نبقى وحيديْن. أخذتُ أطعمه بيدي ونحن صامتان. أعني لا ننطق. ولكنّنا كنا في حديثِ عيونٍ مستمرٍ، مع أنَّ قراءة العيون اليوم أصعب من المعتاد كثيراً، فقد كانت دموعٌ مقموعةٌ تلصف في مآقينا. هكذا هي حالنا خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. ما إنْ نبقى وحدنا، حتّى تغزونا دموع عنيدة.

وبغير إرادة مني، رجته عيناي معرفةَ القادم المنتظَر. لا جواب. عيناه فارغتان. لا رفض ولا قبول. هذه هي عادته. لا يرفض لأحدٍ طلباً. يجود بكلّ شيء. ولكن ما هذه المعلومة التي لا يجود بها عليّ؟ نظرتُ إليه. فهمَ من عينَيَّ أنّني، والحالة هذه، سأبذل قصارى جهدي للوقوف على ذلك السرّ.

صَمتُّ. ركّزتُ عينَيّ المغرورقتَيْن بالدمع عليه بأجمعه؛ لا على عينيْه فقط، ولا على ملامح وجهه فحسب، وإنّما على كيانه كلِّه. أَخترقُ بنظراتي العارمة جلده الشاحب، وعظامه المهشَّمة، وقفصه الصدري المضعضع. أنفذُ إلى صميم قلبه، أشترك مع دقّاته الباهتة في معزوفة جنائزيّة، أتسرّب إلى دمائه المنسابة ببطءٍ مميت، أركّز أكثر فأكثر.

جبيني يتصبَّب عرقاً. تشتعل الحمى في جسدي. تتعالى ضربات قلبي بشكلٍ جنونيٍّ. غشاوةٌ تغطّي عينيَّ. أراه أمامي يميل في جلسته ميلاناً غير طبيعيّ. يُغمض عينيْه. يتدلّى رأسه على صدره. يتّجه جسمه إلى الأمام. إنّه ينهار من على مقعده إلى الأرض. لا أرى شيئاً آخر. تظلمّ الدنيا في عينيّ. أسقط أنا الآخر مغشياً عليّ. ننتهي مُسجَّيَين على الأرض جنباً إلى جنب.

***

قصة قصيرة

بقلم: علي القاسمي

....................................

من مجموعتي القصصية:

ـ علي القاسمي. حياة سابقة، ط 4 (القاهرة : دار أروقة للنشر، 2019).

وهذه المجموعة متوافرة في موقع " أصدقاء الدكتور علي القاسمي" على الشابكة، للقراءة والتحميل.

التعليقات

قصة حزينة جدا معبرة عن موت العظماء، ولغة الحواس هذه المرة بقراءة الأفكار. صراع العين اليمنى واليسرى، وقوة التحكم ما بين الأعماق النفسية وظاهرها بدون خوف أو ارتباك. السارد الزائر المتردد على رفيق الدرب المعرفي، من النبغاء الذي حققوا مستويات عليا في إنسانيتهم. من كل الجوانب. تتلاحم نفسه حواسه وأفكاره مع جسد بعقل عالم وعلة قاتلة ......
حياك الله وأعزك أخي وعزيزي الدكتور العلامة سيدي القاسمي. محبكم الحسين بوخرطة.

أخي الحبيب الكاتب الأديب الأستاذ الحسين بوخرطة حفظه الله ورعاه،
أشكرك على محبتك التي تعبق من ثنايا عباراتك الكريمة.
إن هذه القصة تعبّر عن تجربة حقيقية عشتُها وآلمتني حقا، فقد فقدت أخاً مغربياً كان لي نِعمَ الأخ.
وهي كما ترى غنية بالمعارف النفسية العلمية التي كنتُ أتقاسمها معه.
تمنياتي لك بالصحة والسعادة والإبداع المتواصل .
أخوك علي القاسمي

  1.  

قصة مدهشة حقا تستفيد من التجربة الفنية العالمية لكتابة القصة القصيرة ومما زادها خصبا أنها تعتمد على التراث الفكري العربي والتراث المحلي المعاصر فتجعلنا نعيش زماننا أي الزمن في عمقنا نحن بصفتنا افرادا من خلال القكر الداخلي للفرد وزمن الامة من خلال شواهد الشعر والمستقبل الذي نحاول اللحاق به سلبا أو غيجابا
قصة في منهى الروعة والاصالة والحداثة قدمها لنا أديب كبير
تحياتي
قصي عسكر

عزيزي الشاعر الكبير الروائي القاص الكاتب المتميز الدكتور قصي عسكر حفظه الله ورعاه،
أشكرك من القلب على تشجيعك المتواصل لي.
يكفيني أن القصة أعجبتك أنت بالذات. فأنت مقياس نجاح النص الأدبي في نظري.
وقد أثرت في تعليقك الكريم قضية الزمن النفسي لدى المثقف العربي، بتعقيداته المتداخلة المذهلة: الماضي والحاضر والمستقبل.
تمنياتي لك بموفور الصحة والهناء وموصول الإبداع والعطاء.
محبكم: علي القاسمي

  1.  

القاص المبدع الدكتور على القاسمي

ودّاً ودّا

قصص الأستاذ على القاسمي فيها كل ما يجتذب القارىء
قصة كاملة كعمارة شامخة مبنى ومغزى ,
إبداع متكامل يخرج منها القارىء وقد امتلأ قلبه وعقله
وخياله بكل ما هو جميل ومفيد .
دمت في صحة وإبداع استاذي الجليل

عزيزي الشاعر المتميز الأستاذ جمال مصطفى حفظه الله ورعاه
شكراً جزيلا على كلماتك الجميلة النابعة من قلب محب للحق والخير والجمال.
أرجو أن تصدّقني إذا أخبرتك بأنني لم أفكر ولا للحظة في البناء القصصي، كما ينبغي لكل قاص قبل أن يكتب قصته.
لقد سردتُ الحكاية كما حدثت في الواقع.
ومن حسن حظي أنه أغمي عليَّ وانا في المستشفى الجامعي وفي جناح تحت المراقبة المشددة.
أتمنى لك ألا تمرَّ في محنة مماثلة، وان تصحبك الصحة والسلامة.
محبكم: علي القاسمي

الف تحية للدكتور القدير المبدع علي القاسمي المحترم، لتفتخر بابل باديبها الموسوعي البارع الدكتور علي القاسمي، هذا اقل ما اقوله في حق من كتب هذا الاثر القصصي الشامخ

الشاعر المتألق الأستاذ باسم الحسناوي حفظه الله ورعاه.
شكراً لإطلالتك الكريمة على قصتي القصيرة، وعلى كلماتك التي ملأتني فخراً.
محبكم: علي القاسمي

الشاعر المتألق الأستاذ باسم الحسناوي حفظه الله ورعاه،
أشكرك أجزل الشكر وأخلصه على إطلالتك البهية على قصتي القصيرة وثنائك الجميل عليها، لقد امتلأت فخراً بكلماتك الكريمة.
تمنياتي لك بموفور الصحة وموصول الإبداع.
علي القاسمي

  1.  

{جبيني يتصبَّب عرقاً. تشتعل الحمى في جسدي. تتعالى ضربات قلبي بشكلٍ جنونيٍّ.
غشاوةٌ تغطّي عينيَّ. أراه أمامي يميل في جلسته ميلاناً غير طبيعيّ.
يُغمض عينيْه. يتدلّى رأسه على صدره. يتّجه جسمه إلى الأمام.
إنّه ينهار من على مقعده إلى الأرض. لا أرى شيئاً آخر. تظلمّ الدنيا في عينيّ.
أسقط أنا الآخر مغشياً عليّ. ننتهي مُسجَّيَين على الأرض جنباً إلى جنب. }

اخي واستاذي وصديقي الاديب والعالم الكبير
الدكتور علي القاسمي
سلاماً ومحبّة
نص قصصي محتشد بالوجع والقهر والاسى
ولايخلو يخلو النص من غرابة وغموض جمالي عال في ثيماته الاساسية
التي ادهشتني بقدرتك على الامساك بها والاشتغال السردي عليها ؛
بكل براعة وإتقان ومهارة .
احييك سارداً مبدعاً اخي الدكتور القاسمي
دمتَ بعافية وابداع وألق

الشاعر الكبير الأديب المتالق الأستاذ سعد جاسم حفظه الله ورعاه.
تحية حارة من غريب إلى غريب.
لعل الفقرة الأخيرة من القصة قد أعجبتك لأن عباراتها تتسارع كما تتزايد دقات القلب قبل أن يغمى على بعض المرضى.
لقد كنتُ مريضاً طوال مرض صديقي سيدي محمد أبو طالب، الأستاذ الجامعي بالرباط. كان بمثابة الأخ والأهل لي.
وعندما فارقنا، شعرتُ بوحدة أليمة وغربة قاتلة.
تمنياتي لك بالصحة وللعراق بالحرية وفتح الأبواب لأبنائه الغرباء.
علي القاسمي

قرأت القصة بعد قصة لجورج سونديرز. ولاحظت عمق التشابه في الأسلوبين. فالملامح تدل على الباطن. و مع ذلك الملامح تخون بطل القصة و تحتفظ بأسرار البطل الثاني.
و ربما لهذا السبب كان على الخاسر ان يموت مثل الرابح المريض.
كانت نموذجا عن حرب باردة بين اثنين على طرفي نقيض.
اهم ما يميز هذه القصص جزالة الأسلوب و فصاحته رغم هجوم اللغات نصف العامية لغدبنا الواقعي الحديث.. و بالذهن عبده جبير و سعيد الكفراوي و بقية هذا الجيل المعلق بين رواد الواقعية و رواد التحديث.

صديقي العزيز العالم االناقد لأديب الدكتور صالح الرزوق حفظه الله وحقَّق مناه،
أشكرك على تعليقك الجميل على قصتي القصيرة. وكتابتك حافلة عادة بثقافتك الثرة ومطالعاتك العميقة في الأدب العربي والعالمي.
في نقدك الرائع، أشرتَ إلى "هجوم اللغات نصف العامية لأدبنا الواقعي الحديث"، وأتفق معك على فداحة هذا التوجّه وضرره.
وقد ذهبتَ إلى موت الخاسر في القصة وموت الرابح معاً، وهذه قراءة جميلة للقصة. ولكن الحقيقة الحقيقية أن السارد الذي هو أنا لم يمت، بل أُغمي عليه، وعبرّتُ عن ذلك بقولي في خاتمة القصة " أسقط أنا الآخر مغشياً عليَّ، ننتهي مسجييْن على الأرض جنباً إلى جنب"، وهذا يحقق النهاية الجميلة التي أردتها أنتَ، لأنني لو متُ، من سيروي لك القصة؟
محبتي واحترامي.
علي القاسمي

الأستاذ الكبير أدبا و خلقا و تواضعا الدكتور علي القاسمي
حياكم الله

إننا لنفخر بك سيدي الكريم، كلما قصصتَ علينا أحسن القصص
بما أوحيَ اليك ذلك الأدب و تلك اللغة و علم البيان.

شكرا من القلب لهذا الجمال أستاذنا الفاضل.

عزيزي الأديب الأريب الأستاذ زياد كامل السامرائي حفظه الله ورعاه،
أشكرك على كلماتك التي تعبق بالأدب ومحبة الآخرين، وتنمُّ عن طيب محتدك، وقويم تربيتك، وكرم أخلاقك وأقوالك .
وأرجو أن تعذرني إذا لم أشكرك على تعليقاتك الكريمة في بعض المواقع الأدبية الأخرى، وذلك لضيق وقتي. ولكني أشكر المعلقين في هذا الموقع، لأنني فعلتُ ذلك من سنين طويلة، وأخشى إذا انقطعت، يشعر الأصدقاء بشيء من عدم الاحترام من قبلي.
تمنياتي لك بموفور الصحة والهناء وموصول العمل والعطاء.
معزّكم: علي القاسمي

القاص القدير الدكتور على القاسمي
تحية الود والاعتزاز

قصة جميلة برغم ما تصف من الم وتوجع وأسى.
يكمن جزء من قوة هذه القصة في كونها مبنية بناء عفويا وتنساب بواقعية وسلاسة وكأن الراوي ينقل ما حدث له في الواقع دون ان يتدخل فيه، لذلك فعنصر التشويق فيها مثلا جاء عنصرا مركزيا في بنائها السردي وكأنه جزء من واقعية وحتمية الموت الذي تقودنا القصة اليه.
يكمن السر في نجاح اي قصة في التوافق بين ثيمتها او موضوعها وبين ومعمار بنائها السردي.
دام ابداعك الثر استاذنا الكبير..

أخي العزيز أستاذنا المترجم الأديب الدكتور عادل صالح الزبيدي حفظه الله ورعاه،
شكراً لكلماتك الغنية بالفكر والنقد والأدب.
منذ ملحمة جلجامش السومرية، والأدب العراقي يعبّر عن الحزن والالم والأوجاع، فكيف تريدني ـ يا سيدي ـ أن أكتب المرح والفرح والعراق اليوم في أوصاب وترح؟

قلتََ عن القصة إنها "تنساب بواقعية وسلاسة وكأن الراوي ينقل ما حدث له في الواقع دون ان يتدخل فيه"، هذا عين الصواب إذا حذفنا كلمة " كأن". فقد أكدتُ لأصدقائك وأصدقائي الذين تكرموا بالتعليق على القصة أنها واقعية بلا صنعة.

كيف أشكرك على كرمك وتشجيعك أيها الأديب المبدع الذي أكن له عميق المحبة وحقيق الإعجاب ؟
أخوك: علي القاسمي

الاديب العلامة
اسلوبية استاذنا الكبير القاسمي مذهلة ومتميزة في بيانها المتفرد في الخلق والابتكار في تقنيات اساليب فن السرد , أو فن القص . بأن يجعل . اللغة . السرد . الحدث , عجينة يشكلها في رسوم وتصوير مادي وحسي , بشكل سلس وشفاف . لذلك اتخذ من الحدث الواقعي الذي مر في حياته ( اتمنى من الله تعالى ان لايكرر هذا الحدث الصادم عليك ايها العزيز ) ان يخلق منه رؤى وافكار خلاقة ومبتكرة في نظرته الفكرية والفلسفية . هذه البراعة في شد انتباه القارئ بالشد المرهف , من خلال عملية الشد والانفراج , او عملية التشنج والارتياح . فمنذ العبارة السردية الاولى الصادمة ( في الأسبوع الأخير من صراعه المرير مع السرطان، ) ثم الانتقال الى ناحية الانفراج والارتياح, بأن المريض يقابل الامر بكل ارتياح . لكي يبدد مخاوف وقلق الاخرين حوله , من فقدان حياته والانتقال الى العالم الاخر , بينما هو في غاية السرور ويشرك الاخرين في هذا السرور ( ومَن لم يطلبهم. ابتسامة شجاعة تملأ غضون وجهه وهو لا ينفكّ يروي الطرفة بعد الطرفة والنكتة تلو الأخرى فتنطلق ضحكاتهم ويشيع جوٌّ من السرور، وكأن الجمع قد التئمَ في مناسبةٍ سعيدةٍ، مثل عرس أو ختان أو ميلاد طفل ) هذه الروحية الخلاقة وهو على شفى الموت , ان يخلق الارتياح عند الاخرين . كأننا امام سمفونية البحر بين الهيجان والهدوء في لغة السرد . ثم ينقلنا الى رؤى وافكار خلاقة تمثل نوعية بارزة في فن السرد ( اكرر دعوتي بأن على الجامعات الادبية العربية المرموقة , ان تدخل المنهجية الاسلوبية الخلاقة عند الاديب العلامة القاسمي في برامج دراساتها المقررة , لانه يفتح جوانب لغة السرد لتحلق في الفضاء الواسع , أو مثل ما يقولون يدخل هواء جديد يحلق بجناحيه عالياً ) لانه يملك افكار خلاقة يسكبها في لغة السرد , فيدخلنا في لغة العيون . كأن لغة العين اليمنى تختلف عن لغة العين اليسرى , رغم جامعهما القلق والارتباك , فنجد العين اليمنى قلقة في انتظار القادم ( آنٍ واحدٍ، أنّ عينه اليمنى كانت تتَّجه إلى مدخل ذلك الجناح بين الوهلة والأُخرى في انتظارِ قادمٍ ) وايضاً الخشية من جناح المستشى أو صالة العمليات . بيما العين اليسرى ( بَيدَ أنَّ عينه اليسرى تخشى وصول ذلك القادم المُرتقَب ولا تريد حضوره. إحدى مُقلتَيه تستدعي ذلك المجهول والأخرى تحذّره من المجيء وتصرفه. ) هو الخوف والخشية من الصدمة قد تحدث وتهز اركان أحبته وذويه بالصدمة . ثم يدخلنا في لغة الافكار . أو لغة قراءة افكار الانسان الداخلية وناحية الحدس والتنبوء . ليس بطريقة ساذجة وغبية مثل قرأءة الكف أو الفال , او قراءة الفنجان , بل تبنى على اسس علمية كأسس الهرمون الموسيقي ونوطاته المعروفة . اتصور ان النظرة الفكرية والفلسفية عند الاديب القاسمي , في فلسفة الانسان او هويته , عندما نضعها تحت المجهر . بأن كيان الانسان قابل للكشف . وكشف حتى الدواخل والاسرار الداخلية , كأن هناك من استنسخ ماهيته أو هويته . بأن من المستطاع قراءة وحدس هويته الداخية , مثل قراءة الهوية أو جواز السفر ( كأن حياته اليابقة مرت بنفس الفعل والاداء ) . ان تقمص جينينة الانسان السابق واللاحق , كأن حياة الانسان تنتقل من طور الى آخر . يعني باختصار يمكن حل لغز الانسان الداخلي . مهما ما يستطيع ان يخفي مكنونه الداخلي . وهذه المجموعة القصصية ( حياة سابقة ) تتناول هذا الطرح من جوانب متعددة , وهذه القصة القصيرة هي من ضمن المجموعة . . يأخذ السرد الى النهاية المفجعة , بأن يصاب المريض بالانهيار وغياب الوعي وكذلك مرافقة . يعني يسقطان على الارض في غياب الوعي جنباً الى جنب . وهذا يدل على الوفاء وعمق الصداقة والاخوة النقية مثل نقاوة وردة الياسمين . الله يرحم صديقك الفقيد , ونسأل الله ان يرحمه برحمته الواسعة .
ودمت بخير وصحة ايها العزيز

أخي الحبيب المفكر الناقد الأديب الأستاذ جمعة عبد الله حفظه الله ورعاه
حديثك عن صديقي المرحوم سيدي محمد أبو طالب هيج أشجاني وأضرم أحزاني.

لقد كان أستاذاً جامعياً استثنائياً لا مثيل له. كان يعامل طلابه كأولاده: يذهبون إلى داره متى ما شاءوا، لاستخدام مكتبته، أو حاسوبه عندما كانت الحواسيب الشخصية نادرة، أو تناول الطعام، أو ليشرح لهم ما استعصى عليهم. وعندما كان يدعى لإلقاء محاضرة في ندوة، يشترط أن تستضيف الندوة في نفس الوقت عدداً من طلابه الذين يهمهم موضوعها وينفعهم، ليدربهم. وبعد تخرجهم، يختار بعضهم أن يمضي سنة أو أكثر مريدا لأستاذه سيدي محمد.

ورد في البرقية التي بعث بها يوم وفاته، الملك محمد السادس: " إنه رجل لن يتكرر!"ً

شكراً لك، أخي العزيز على تحليلك العميق للقصة. دمت ناقداً فذا معطاءً، في صحة وخير وهناء.
محبكم: علي القاسمي

الدكتور علي القاسمي أسعد الله مساءك بالخيرات والصحة والعافية
القادم المجهول: قصة مثيرة مدهشة في تفاصيلها السردية المعبرة
عن القادم المجهول في نهايتها .
تقبل تحياتي واعجابي . ودمت في رعاية الله وحفظه.

أخي العزيز التربوي الأديب تواتيت نصر الدين حفظه الله ورعاه،
أسعدتني إطلالتك البهية على قصتي القصيرة،
وأشكرك على كلمات الثناء والتشجيع النابعة من روح كريمة تحب العطاء.
معزّكم: علي القاسمي

هذه من القصص التي تحبس الأنفاس وتمنع قارئها من تركها على أمل إتمام قراءتها لاحقا. وأشهد أني لم أستطع فكاكا منها ولو لحظات، بل ظلت عيناني تتابعان سطورها وتلاحقها بغية الوقوف على السر العجيب الذي كتمه المريض عن صديق عمره. وأشهد أيضا أن الكاتب المبدع د. القاسمي نجح أيما نجاح في جعلي منجذبا بقوة نحو قصته ومنتظرا على أحر من الجمر ما تسفر عنه خاتمتها التي جاءت حافلة بالتفصيلات المدهشة والمواقف المذهلة.
بوركت أنامل الدكتور المبدع علي القاسمي،

أخي المفكر الأديب الدكتور كيان أحمد حازم حفظه الله ورعاه،
أشكرك على هذه السطور المثيرة المليئة بكلمات التشويق والمكتنزة بالعبارات الأديبة المدهشة في وصف قصتي القصيرة.
وهي سطور منبعثة من قريحة أدبية متمكّنة من اللغة وأسرارها وأساليبها، لا يملكها إلا أديب مترجم كبير مثلك.
وأنا شاكر وممتن لتشجيعك الكريم المتواصل.
تمنياتي الطيبة لك بالخير والصحة والهناء.
محبكم: علي القاسمي

عندما يُرسم الواقع بكلمات مبدع يبدو مؤلمًا أكثر ، خمنتُ القادم منذ البدء ولكن السرد محزن لدرجة شغلتني عن فضول معرفته ، نعم انشغلت بمحاولة حبس الدمع الذي بقي محشورًا بين الجفن والرمش، لا تهتم ربما يستغل أي موقف بسيط حتى ينساب مسرعًا أو يجف محذرًا من بركان يريد أن يثور في أي لحظة .
العلامة عندما يكون فنانًا تكون النتائج روائع القاسمي 🌸🌸

عزيزتي الأديبة اللسانية الدكتورة أسمهان الموسوي حفظها الله ورعاها،
أشكرك من القلب على كلماتك الطيبة بحق قصتي.
البكاء هو دليل على إنسانية الإنسان، ونبل مشاعرة، وسمو قريحته. اضطلعتْ بمراجعة ترجمة روايتي " مرافئ الحب السبعة " إلى اللغة الفرنسية، الدكتورة ماري إيفيلين لو بودر، أستاذة الأدب المقارن في جامعة غرناطة بإسبانيا، وبدلاً من أن تخبرني بأن الرواية جيدة، كتبت إليَّ بالواتساب تقول: آه لو تدري يا علي، كم ذرفت عيناي من الدموع وأنا أقرأ روايتك!
أسأل الله أن يمتعك في حياتك وألا تدمع لك عين.
معزّكم : علي القاسمي

هذه قطعة من أدب القلوب، مسطورة بلغة كل حرف فيها مختار بعناية، وتعالج موضوعًا - القادم المجهول - الذي ما زال الإنسان يطرحه منذ فقد جلجامش صديقه وصفيَّه أنكيدو، حتى اليوم.

لقد بعث النص رهبة فيَّ. إنه إبداع لا حدود له. دام ظلك أباحيدر🌹

أخي الحبيب عالِم التأثيل والترجمة الدكتور عبد الرحمن السليمان حفظه الله ورعاه،
لقد وضعتَ اصبعك على سرٍّ الكتابة: كل شيء يصدر من القلب يصل إلى القلب.
وعندما شرعتُ في الكتابة أخذت على نفسي عهداً ألّا أكتب إلا عن تجاربي وأحاسيسي الشخصية، فزخرت كتاباتي بالأشجان، لأن الحزن أمضى عاطفةً من الفرح وأطول بقاءً.
أسأل الله ألا يريك الحزن ويملأ حياتك بالبهجة والسرور ، أخي أبا ياسين.
محبكم: علي القاسمي

هذه من القصص التي تحبس الأنفاس وتمنع قارئها من تركها على أمل إتمام قراءتها لاحقا. وأشهد أني لم أستطع فكاكا منها ولو لحظات، بل ظلت عيناي تتابعان سطورها وتلاحقانها بغية الوقوف على السر العجيب الذي كتمه المريض عن صديق عمره. وأشهد أيضا أن الكاتب المبدع د. القاسمي نجح أيما نجاح في جعلي منجذبا بقوة نحو قصته ومنتظرا على أحر من الجمر ما تسفر عنه خاتمتها التي جاءت حافلة بالتفصيلات المدهشة والمواقف المذهلة.
بوركت أنامل الدكتور المبدع علي القاسمي

هذه القصه تشكل تجليا مختلفا متميزًا حيث عملت على ثراء وتوثيق عرى العلاقه بين القص والعلوم والمعرفة و يميزها كذلك واقعيتها التي تتجاوز قدره الخيال على تجاوزها هكذا يحرص علي القاسمي على المتعه كحرصه على الفائدة في كثير من ابداعه
شعرت بالحزن والفجيعة وانا اقرا القصه لكني ما استعطت ان اهرب منها وكعادتي دائما اهرب من كل ما يحزنني .تحياتي بروف القاسمي

أخي الحبيب الناقد الأديب الدكتور طلال الطاهر قطبي حفظه الله ورعاه،
تحية لك ولجميع السودانيين الذين استخلصتَ طيبتهم ومحبتهم للمعرفة في قلبك ووجدانك وعلى لسانك.

أشكرك على كلماتك الطيبة التي جسّدت مذهبي في القص.
فالثقافة هي جوهر الأدب، وماذا يبقى من الأدب من دون معرفةٍ وثقافة؟!

تمنياتي لك بدوام الصحة والهناء وموصول الإبداع والعطاء.
محبكم: علي القاسمي

مقالات ذات صلة