أصدقاء الدكتور علي القاسمي

إدوارد جونز: رجلٌ غنيٌّ

 

إدوارد جونز: رجلٌ غنيٌّ

علي القاسمي

نقلا عن صحيفة المثقف



بقلم: إدوارد جونز

ترجمة: د. علي القاسمي


السيد هوراس بيركنز وزوجته السيدة لونيز بيركنز ــ ابن واحد وحفيد واحد ـ عاشا معاً بتعاسةٍ بالغة لأكثر من اثني عشر عاماً في الشقَّة رقم 230 في إقامة الغروب، وهي بناية شقق للمواطنين كبار السنِّ، تقع في 1202 في الشارع الثالث عشر الشمالي الغربي. انتقلا إلى هناك سنة 1977، وهي السنة التي احتفلا فيها بمرور أربعين سنة على زواجهما، السنة التي تطارحا فيها الغرام لآخر مرة ــ فقد احتفظت لونيز بدفتر مذكّرات من هذا النوع، وتلك الحقيقة دُوِّنت في أحد أيام الأسبوع حيث لم تكتب فيه أي شيء آخر ذلك اليوم. كتبت “هو لامسني”، وهي العبارة التي كانت تستعملها دائماً في مذكِّراتها كناية عن ممارسة الجنس. وكانت تلك السنة هي التي تقاعدا فيها، هي بوصفها كاتبة في وزارة التجارة، حيث عرفت عشيقاً واحداً، وهو كموظف مدني في البنتاغون (وزارة الدفاع)، مسؤول عن سجلات قدامى المحاربين. كان قد عمل عريفاً قبل أن يصبح رئيس السجلات. وفي اليوم الذي تقاعد فيه، منحه وزير الدفاع درعاً تكريمياً بعرض صدره، والتُقِطت له وللويز صورة مع وزير الدفاع، علقاها خلال تلك السنوات الاثنتي عشرة في غرفة الجلوس في شقّتهم رقم 230، على الحائط إلى اليمين من جهاز تكييف الهواء.

وقبل شهر من انتقالهما إلى الشقَّة الجديدة، قادا سيّارتهما الكاديلاك الخمرية اللون من دارهما الصغيرة في شارع تشيزبيك في الجنوب الشرقي من المدينة، إلى مطعم يونيون ستيشن حيث قطعا عهداً لأحدهما الآخر بأن تكون إقامة الغروب بداية جديدة لهما. واتفقا معاً وهما يتناولان سمكة من نوع السَّلّور المسودَّة وكعكة الخوخ، على أن يظلّا مُخلصيْن أحدهما للآخر، وأن يصبحا جدَّيْن بصورةٍ أفضل. وكان هوراس قد علم منذ وقت طويل بالعشيق من زارة التجارة. فقد كانت لويز قد أخبرته عن الرجل بعد شهرين من قطعها علاقتها به سنة 1969. وأخبرت زوجها، وهما يتناولان عشاء من معكرونة السباغيتي طهتها بمنزلهما في شارع تشيزبيك: “ إنه كان يعمل في غرفة البريد، وقد لامسني في غرفةٍ بأحد الفنادق.”، وكتبت في مذكِّراتها: “ وبعد أن انتهينا، توسَّل بي أن أهرب معه إلى فلوريدا. وكلُّ ما استطعتُ أن أفكر فيه هو أن فلوريدا مكانٌ لكبار السن.”

وأثناء عشاء معكرونة السباغيتي، لم يذكر شيئاً عن العشيقات اللواتي راودهن حينما كان متزوِّجاً بها. كانت تعلم أنَّ له العديد منهن، كانت تعرف ذلك لأنَّهن كنّ مكتوبات على وجهه منذ السنوات الأولى من زواجهما، ولأنَّه لم يزعج نفسه في إخفاء ما كان يفعله في السنوات الأخيرة. “ سأعود بعد برهة. لديّ شغل أقضيه.”  هكذا كان يقول، حتّى إنَّه لم يذكر العشيقة التي ضاجعها  قبل يومٍ واحد فقط من عشاء معكرونة السباغيتي، تلك التي ودّعها بقوله: “ كوني صالحة وكوني لطيفة.”، بعد أن أخبرها أنه عزم على أن يُصبِح رجلاً جديداً يحترم عهود زواجه. وضحكت المرأة النحيفة، وهي سائقة حافلة مدرسية تضع على كلتا ذراعيها أسورةً تصل حتّى مرفقيها تطلق خشخشة، ضحكةً مثل شخيرٍ جعلت هوراس يرغب في صفعها، لأنَّه كان معتاداً على أخذ الناس له بجدّية. “ إذن أنساك” قال هوراس وهو في طريقه إلى الباب، وأضاف: “ كنتُ أحاول فقط أن أتركك بلطف.”

وحول مائدة عشاء آخر من معكرونة السباغيتي، قبل أسبوعين من انتقالهما، أعادا ما تعاهدا عليه أثناء عشاء سمكة السلّور، وغسلا الصحون معاً وأويا إلى الفراش رجلاً وزوجة؛ وخلال الأيام التالية، باع جميع أثاث منزلهما في شارع تشيزبيك تقريباً، وما احتفظا به يعود في الأساس لهوراس، بدءً بمجموعة قوامها 639 أسطوانة موسيقية، العديد منها “ عزيزاتي الحلوات “ لسنة 78. وكان يتباهى بالقول إنه لا توجد فرقة موسيقية يُعتدُّ بها سجّلت أغانيها بين سنتي 1915 و1950 إلا وجمع اسطواناتها، وقال، أمّا بعد 1950 فقد أصبحت الفرق الموسيقية غير متقنة، فاضطر إلى التراجع عن الجمع. واحتفظ هوراس بسيارة الكاديلاك التي كان قد صبغها تكريماً لفريق كرة القدم، ودفع لموقفٍ للسيّارات ليضعها في مرأب الطابق السفلي. وكان الغرض من بناء إقامة الغروب أن تكون إقامة راقية، ولكن نضب المال لدى أصحابها البنائين، وهما اثنان من أصدقاء المجلس البلدي، في منتصف البناء، فجعل المجلس البلدي الحكومة المحلية تشتري البناية منهما. واستكملت الحكومة المحلية بناء إقامة الغروب بغرف صغيرة؛ وبعد ذلك، على إثر إلقاء أحد مفوضي الحكومة خطاباً في الجنوب الغربي من المدينة حول ضرورة العناية بكبار السنِّ، جاء بعض رجال الحكومة المحلية في الشمال الغربي من المدينة بفكرة أنَّ المسنّين قد يحبّون السكن في إقامة الغروب في الشمال الغربي من المدينة.

بعد ثلاثة أسابيع من انتقال هوراس ولونيز، نزل هوراس ذات يومِ أَحد إلى صالة مدخل البناية لأخذ بريدهما، وحدث أن رأى كلارا نايتلي وهي تأخذ بريدها، وتسكن كلارا في الشقة رقم 512. وقال هوراس عن شقّتها بعد أقل من ساعة من لقائهما:

ــ “ لقد أثثتِ الشقة بصورة جميلة حقاً.”

ــ “ ولكني أستطيع أن أرى من طريقة عنايتكَ بنفسكَ أنَّ لكَ ذوقاً رفيعاً. وأستطيع أن أقول ذلك عنكَ مباشرة، فقد ملأتَ رأسي غروراً بكلِّ ذاك الكلام، يا سيد بيركنز.”

قالت كلارا ذلك وهي تناوله فنجان القهوة الذي رفضه لأنَّ مثل هذه المناسبات تستدعي شيئاً أقوى من القهوة، قال:

ــ “ ما فائدة رأس المرأة إذا لم يستطِع رجلٌ أن يملأه بالغرور من وقتٍ إلى آخر. ها، أجيبي عن ذلك كلارا، فقط أجيبي عن ذلك.”

كانت كلارا في الخامسة والخمسين من عمرها، أقلَّ بقليل من معظم سكان إقامة الغروب، ومع ذلك فهي أكبر بكثير من جميع عشيقات هوراس الأخريات. لم ينطبق عليها تعريف رجال السلطة للمواطنين كبار السن، ولكنَّها كانت تعاني بعض العِلل، من ضغط الدم العالي إلى مرض السكري، ولهذا سمح لها رجال السلطة بالانتقال إلى تلك الإقامة.

وعلى الرغم من العهود، فإنَّ الزواج، أو القليل الذي تبقّى منه، قد بلغ نهايته.

ــ   “ سأجعل من نفسي سعيدة”.

هكذا أسرَّت لويز لمذكِّراتها، بعد شهر واحد من ملامسته لها آخر مرَّة.  كانت لويز وهوراس قد أثّثا الشقَّة بصورةٍ لطيفة، ولم يُرِد أيٌّ منهما أن يتخلّى عنها للآخر. وأرادت أن تتخذ موقفاً نهائياً من الرجل الذي سبَّبَ لها كثيراً من الأحزان، الرجل الذي قال لها بعد ستة أشهر من اعترافها،

أيَّة عاهرة هي، لتقدم على مضاجعة رجل غرفة البريد في وزارة التجارة.

كان هوراس في الستين من عمره، لم يفكر قطّ في مضاجعة امرأة فوق الخمسين، ولكن كلارا ــ وبعدها ويلا صاحبة الشقة رقم 1001، ومريام صاحبة الشقة رقم 109 ــ أيقظن شيئاً في نفسه، وبدأ يفكِّر في النساء اللواتي فوق الخمسين عاماً، وهنَّ لسْنَ صفقةً سيئة في الواقع. ففي إقامة الغروب، توجد دزينات من هذا النوع من النساء، والعديد منهم أرامل ولهنَّ جاذبية، والعديد منهن متلهِّفات لسماع كلمة إطراء من عريفٍ متقاعد من الجيش حصل على كثير من النياشين والأشرطة لا يستطيع زيّه حملها جميعاً. وصار واضحاً له أنّه سيد الموقف أو ديك الحارة؛ فكثيرٌ من الرجال في إقامة الغروب يعانون أمراضاً لم تُصِب هوراس لحدِّ الآن، أو لم يكن أولئك الرجال في مثل وسامته ولا رشاقته، أو أنهم معوّقون بزوجات يحبّونهن. في إقامة الغروب، هو رجلٌ غني، فلماذا ينتقل ويمنح تلك العاهرة الرضا والسرور.

وهكذا عاشا منفصليْن في مكانٍ مساحته أقل من ربع مساحة دراهما في تشيزبيك. وصارت الإقامة تعرفهما بوصفهما رجل وزوجة لا يطيق أحدهما الآخر في الشقة رقم 230.  وراح الناس يثرثرون حول عائلة بيركنز أكثر من أيِّ فردٍ آخر، وكان ذلك يسبّب القلق للونيز، التي تربَّت على ضرورة أن تبقى شؤون العائلة داخل العائلة فقط. “ أوه،  يا ربي، ما الذي يفعلانه الآن؟” “ يتقاتلان مثل القطط والكلاب، إنهما يفعلان ذلك. “ .“ وأية امرأة يرى الآن؟” . وكانا يشتريان طعامهما بصورة منفصلة من محل (الأطعمة الغنية) في الشارع الحادي عشر، أو من الدكان الصغير في الشارع الثالث عشر، وكانا يسيئان القول أحدهما للآخر، إذا كان ما اشتراه أحدهما قد عبث به أو أَكلَه الآخر. وتوقّفت لونيز عن توجيه الكلام إلى هوراس مدَّة تسعة شهور سنتي 1984 و 1985 عندما اكتشفت أن كعكة اليقطين غدت أصغر حجماً بقليل من آخر مرَّة أخذتْ قطعة منها. “ أنا لم أمسّ تلك الكعكة اللعينة، أيتها المرأة الحمقاء.” هكذا أجابها عندما اتهمته، “ كم سنة وأنتِ زوجتي، وأنتِ تعلمين أنني لا أميل مطلقاً إلى كعك اليقطين.” . “ هذا جميل ما تقوله، يا هوراس، ولكن لماذا فقدت الكعكعة من حجمها؟ أعلم أنك تأكل أيَّ شيءٍ عند الاضطرار. هذه هي طبيعتك القذرة.”. “طبيعتي ليست أقذر من طبيعتك.”

وبعد ذلك جلبت صندوق تبريد صغير في غرفة نومها، مع أنّها كانت تحتفظ بالموادِّ الكبيرة في ثلّاجة المطبخ. واشترى هاتفاً خاصّاً به، لأنَّه شكى من أنها لا تعطيه الرسائل الصوتية الموجهة إليه.

ــ  “ لم أكُن أبداً سكرتيرة للعاهرات.” قالت ذلك عندما رأته ينصب جهاز الهاتف قرب الأريكة التي يستعملها سريراً لنومه.

ــ  “ لا تجعليني أبدأ الكلام عن العاهرات، فأقول إنكِ كتبتِ ذلك الكتاب الملعون.

ــ ” إنكَ أنتَ الذي أمليتَه.”

يعيش ابنهما الوحيد ألونزو وزوجته وابنه في مدينة بالتمور. ولم يكُن قريباً من والديه زمناً طويلاً، ولم يستطِع أن يفسِّر سبب ذلك لزوجته. أمّا حفيدهما ألونزو الصغير الذي كان في الثانية عشرة من عمره عندما انتقل جدّه وجدّته إلى إقامة الغروب، فإنه كان يحبُّ زيارتهما. وعندما كان يزورهما، فإنَّ هوراس يقوم بقطع الهاتف وإبعاده. وتقوم لونيز وهوراس بالنوم معاً في الفراش. وكانت تضع وسادةً بينهما في الفراش العريض لتذكّر نفسها بألّا تتدحرج نحوه.

وأخذ حفيدهما يزورهما بصورةٍ أقل عندما أخذ يكبر في سنوات المراهقة، ثمَّ بعد أن التحق بالكلية في أوهايو، أخذ يتَّصل بهما  كلَّ بضعة أسابيع، بالهاتف الذي سجّلاه باسم هوراس ولونيز بيركنز.

وفي سنة 1987، أخذت دقّات قلب لونيز تتضاءل حتى بلغت النبض الأدنى، فأخذت تمضي أوقاتاً أطول في مستشفى جامعة جورج واشنطن منها في شقَّتها. ولم يَعُدها هوراس مطلقاً. وتوفيَّت بعد سنتيْن. أستيقظت في تلك الليلة الأخيرة في المستشفى، وخرجت إلى الصالة ثمَّ إلى قاعة الممرضات، لكنّها لم تجِد ممرضةً لتخبرها أين هي أو لماذا كانت هناك. وقالت موجهة كلامها للجدران: “ لماذا يتوجَّب على المرضى إدارة هذا المكان وحدهم؟”  عادت إلى حجرتها وخطر لها لماذا كانت هناك. لقد كانت الساعة الثالثة صباحاً، فاتصلت برقم هاتفها أولاً، ثم اتصلت برقم هوراس. تناول السماعة، ولكنها لم تنبس ببنة شفة أبداً. “ مَن هذا الذي يعبث بهاتفي؟ “ وأخذ هوراس يسأل: “ مَن هذا؟ أنا لا أسمح لأحد باللعب على هاتفي.” أغلقت الهاتف واضطجعت وتلت صلواتها.  وبعد الانتقال إلى إقامة الغروب، اتخذت عشيقاً آخر، رجلاً من الكنيسة المعمدانية بشارع فيرمونت، حيث كانت تذهب بين آونة وأخرى. كان متقاعداً كذلك، وكتبتْ في مذكراتها أنه لم يكن أكولاً “ وهناك في الأسفل، حيويّاته مفقودة.”

دُفِنت لونيز بيركنز في مكان بمقبرة هاموني كانت هي وهوراس قد اشترياه عندما كانا أصغر عمراً. وهناك مكان لهوراس، ومكان لابنهما، ولكن ألونزو كان قد وضع خطَّة ليدفن حين يحين أجله في مقبرة خارج مدينة بالتمور.

احتفظ هوراس بالشقة تقريباً كما كانت عليه في آخر يوم لها هناك. وقام ابنه وزوجته وابنهما بنقل ملابسها للجمعية الخيرية، وأعطوا بعضها للنساء الأخريات في البناية. وكانت ثمّة تذكارات من الأقطار التي زارتها لونيز وهوراس معها كرجل وزوجته ــ منحوتة خشبية من غانا تمثِّل رجالاً يحيطون بنمرٍ قتلوه، نجمة داود معدنية من إسرائيل، كرة أرضية ثلجية من جبل فيوجي مع قليل من الثلج لاصقاً في أعلاها. وكانت تلك الأشياء لا تعني كثيراً لألونزو، ولكنَّه كان يعرف ابنه ويعلم أنه قد يحتفي بها يوماً ما.

حاول هوراس النوم في الفراش، ولكنَّه لم يكُن غير مسرور بسريره الأريكة خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية؛ فتخلَّص من الفراش ونقل أريكته إلى غرفة النوم وأبقاها مفتوحة كسرير طوال الوقت.

لقد أدرك أمرين بعد وفاة لونيز: إنَّ “ حيوياته” استعادت شبابها، ولا يعاني المشاكل التي يجابهها الرجال الآخرون، مع أنّه كان قد فشل مرات قليلة في مسيرته، ولكن ذلك متوقّع. والآن وهو يقترب من عيد ميلاده الثالث والسبعين، شعر بأنه أصبح قوياً وفحلاً كدأبه. وفكّر وهو يتناول الويسكي من نوع (شيفا ريكال) ذات ليلة قبل أن يخرج، في أنَّ الربَّ غريب الأطوار، فهو يقبض روح زوجة الرجل ويعطيه قضيباً جديداً مكانها. والشيء الآخر الذي أدركه هو أنَّه منجذبٌ أكثر فأكثر إلى النساء الأصغر سناً. فعندما ماتت لونيز، كان يصاحب امرأة في الحادية والستين من العمر، ساندي كارلن، في الشقة رقم 907.

في أحد أيام شهر شباط/ فبراير، تسعة شهور بعد وفاة لونيز، جاءت إحدى بنات ساندي، اسمها جيل، مع صديقة لها اسمها ألين كننغهام، لزيارة أمِّها. وكانتا في الخامسة والعشرين من العمر. ومن اللحظة التي دخلتا في شقَّة ساندي، بدأ هوراس بإسداء الإطراء إليهما ــ بشأن شعرهما، ولون أظافر اليدين، والثنية الحادة في سروال جيل ( أنتِ كويتِ السروال بنفسكِ؟”)، وحتّى جلسة ألين وهي تضع ساقاً فوق أخرى. وضحكت الشابتان، ما أسعده وأرضاه عن نفسه، وكانت ساندي جالسة في مكانها على الأريكة. وفيما كان الثلج في كأس الببسي كولا في يدها اليسرى قد ذاب، أدركت مرة أخرى أن الرب لم يعِدها برجل حتى يوم وفاتها.

وعندما غادرت الفتاتان حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، تبرّع هوراس بمرافقتهما إلى الأسفل " ليُبعد جميع الرجال السيئين" في الصالة، وقد سمعته حارسة العمارة وهي في مكتبها وهو يُعرب عن سروره إذا ما جاءت الشابتان لرؤيته بعض الوقت. نظرت الشابتان إحداهما إلى الأخرى، وضحكتا أكثر. كانتا تعتزمان الذهاب إلى أحد النوادي في الجنوب الغربي من المدينة تلك الأمسية، ولكن الرجل الكبير أمتعهما بطريقته المباشرة التي وضعتهما بين العسل والحنظل، كما أخبرت جيل صديقة لها بعد أسابيع. وعندما لاحظ ميلهما لقبول دعوته، قال ولماذا لا تأتيا هذه الليلة، ليس هنالك وقتٌ أفضل من الحاضر. قالت جيل لا بدَّ أنك أخذت هذا الاقتباس من أغنية، ولكنَّه قال لا، لأنَّه كان يقول هذه العبارة منذ قبل ولادتهما. وقالت ألين تلك هي الحقيقة، وضحكت الشابتان مرَّةً أخرى. وقال إنَّه لن يكذب بشأن كونه رجلاً متفتحاً، ثم شاركهما في الضحك. نظرت جيل إلى ألين وقالت: هل تريدين؟ فقالت ألين: وماذا عن أمِّك؟ هزّت جيل كتفها، فقالت ألين: طيب، فقد انفصلت مؤخراً عن رجل كانت قد التقت به في نادٍ آخر، لذا فهي في حاجة لشيءٍ ما ينسيها الألم حتّى يأتي رجل آخر، ربما من نادٍ أفضل.

وحوالي الساعة الحادية عشرة والنصف، خرجت جيل وأخذت تتجوّل في الليل، وبقيت ألين في الشقة وأخذت تبكي ـ على الرجل من النادي غير الجيّد، وعلى عمليتَي الإجهاض، وعلى هروبها من الدار وهي في السابعة عشرة من العمر بعد خصام مع أبيها، " لقد تركته غافياً على الأريكة"، هكذا قالت وهي تتمدَّد على الأريكة الجديدة في شقَّة هوراس، وقد خلعت حذاءها وانتعلت خفّاً كان لِلونيز. وكان هوراس يجلس على كرسيٍّ مقابل لها. " كلُّ ما أعرفه، أنَّه ما يزال غافياً على الأريكة." وقبل أن تتطرَّق إلى قصَّتها مع والدها، وحتّى قبل قصَّة عمليتي الإجهاض، عرف هوراس أنّها ستضاجعه تلك الليلة. ولم يكُن في حاجة إلى ملء كأسها للمرة الثالثة. وقالت عن والدها: " كان رجلاً سميناً، ولاأتذكر أكثر من ذلك.”.

قال لها وهي تتحدث عن والدها: " اسمعي. كل شيء سيتحسن بالنسبة إليك. وكان يدرك أنه في مثل أوقات الإغراء تلك، كلَّما يكون الرجل إيجابياً، تصبح الأمور أفضل. لم يعُد نافعاً أن ينصحها بنسيان والدها، فهي قد فعلت الشيء الصحيح بالهرب من ذلك السمين؛ كان من الأفضل أن يركّز على الغد، وأن يخبرها أن العالم سيصير أكثر إشراقاً في الصباح. وجاء إلى الأريكة، وقبل أن يجلس على حافة طاولة القهوة، سحب سرواله قليلاً بأطراف أصابعه، وعندما شاهته يفعل ذلك، تذكّرت شيئاً لطيفاً بصورةٍ غامضة. من المؤكّد أنَّ الأولاد في النادي لا يفعلون ذلك بتلك الطريقة. تناول يدها وقبَّلَ باطن كفّها، وقال: " كلُّ شيءٍ سيكون على ما يرام."

استيقظت ألين كوننغهام في الصباح وهوراس نائم بهدوء إلى جانبها. لم تؤنِّب نفسها ولم تنظر إليه بجزع لما فعلت. تنهّدت وأراحت رأسها على الوسادة وفكّرت أنَّها ما تزال تحبُّ الرجل الآخر من النادي كثيراً، ولكن لم يكُن ثمَّة ما تستطيع فعله، ولم تتمكَّن السترةُ الجلدية التي اشترتها له بمبلغ خمسمئة دولار من إعادته إليها. بعد سنتيْن من هروبها من المنزل، رجعت إلى حيث كانت تسكن مع والديْها ولكنَّهما رحلا، ولا أحد في البناية يعرف إلى أين انتقلوا. ولكن كلَّ واحد منهم كان يتذكّرها. قالت سيّدةٌ كبيرة لها: " لقد كبرتِ، يا ألين، بكلِّ تأكيد، ولم يكُن في وسعي أن أعرفك لو لم تخبريني من أنتِ." وقالت ألين للصديق الذي أوصلها بسيارته: " اللعنة عليهما، اللعنة عليهما، وليذهبا إلى الجحيم.". ثمَّ، وهي في السيارة التي كانت متَّجهة إلى مرتفعات كابيتول حيث كانت تقيم، قالت: " حسناً، ربَّما اللعنة ليست على أمّي، فقد كانت صالحة." فقالت الفتاة التي كانت جالسة في المقعد الخلفي من السيّارة: " فقط اللعنة على أبيك، إذن.". وفكّرت ألين في الموضوع وهم يمرّون في شارع رود آيلند، وقبل أن يستديروا إلى شارع نيوجرسي، قالت: " نعم، اللعنة على والدي، ذلك التافه السمين."

ونهضت من فراش هوراس وأرادت أن ترطّب الجفاف في فمها، فيما كانت تبحث في خزانة الملابس عن بُرْنُس حمّام. لم تأخذ البرنس الأزرق ولا البرانس الصوفية المزركشة، مفضِّلة برنساً اخضرَ داكناً ذكّرها بشيء رائع، في الوقت الذي كان فيه هوراس يرفع سرواله. وما إن ارتدت البرنس حتّى شمَّت رائحة الردنيْن، ولكنَّها مجرَّد رائحة مسحوق الغسيل القويَّة.

وفي نصف الغرفة الذي تحوَّل إلى مطبخ، وقفت وشربت معظم عصير البرتقال الموجود في علبة كارتونية. وقالت: "هذا تصرّفٌ غبي، فأنتِ تعرفين أنَّه ينبغي أن تشربي الماء، فهو أفضل للعطش.". أرجعت العلبة إلى الثلاجة، وأدهشتها كثرة الطعام فيها. وخرجت إلى غرفة الجلوس، وباب الثلاجة ما زال مفتوحاً، ودوّنت جميع ما لدى هوراس من أصناف الطعام. وفكّرت: تستطيع أيَّة فتاة أن تعيش ببحبوحة هنا، إذا أحسنت التصرّف. كانت تقيم في منزل صديق لها في الشمال الغربي من المدينة، وأخذت أمّ الصديق تلمّح لها بأنَّ الوقت قد حان لتغادر. قالت وهي تنظر في الثلاجة عما تريد أن تأكل: " هَم م م، يا للرجل، يا للبيت، وللطعام، وللبيت. كان عليكِ أن تبقي في المدرسة، يا بنت." إنهم يعطون درساً عن هذا: الطعام والبيت في الفصل الأوَّل، والرجل في الفصل الثاني.

وبعد أن أكلتِ البيض والقديد والبسكويت من نوع (الرجل الجائع)، أدركت أنَّها لا تريد أن تنام مع هوراس مرّات عديدة أكثر من اللازم، حتّى إذا كان يملك قصراً صغيراً. فهو أطول مما ينبغي، وهي لم تتعلق برجل طويل من قبل مطلقاً، كبيراً أو غير ذلك.  " اللعنة، لماذا لا يكون الرجل كما أريده وعنده مكان جميل كذلك؟".  ثم، وفيما كانت تتناول صفار البيض الأخير مع آخر نصف بسكويته، فكّرت في صديقتها كاترينا المرأة التي تخرج معها. كانت كاترينا ستصبح اليوم في الثامنة والعشرين من العمر، وعلى الرغم من أنها كانت ذات يوم مدمنة على الهروين، فإنَّها تخلَّصت منه سنةً كاملة، ولها وجه وجسم لا يدلّان على امرأة عاشت حياة خشنة في الشوارع، بل على امرأة حسناء من فرجينيا تزوّجت سائق شاحنة في السابعة عشرة من عمرها، وأنجبت منه ثلاثة أطفال، ثم التقت رجلاً في مطعم ماكدونالد في فريدرك بورغ، قال إنَّ نساءً مثلها يصرن ملكاتٍ في العاصمة واشنطن دي. سي.

نعم، فكَّرت ألين فيها فيما هي تنحني على الأريكة وتحدِّق في صورة هوراس ولونيز ووزير الدفاع، ـــ فكَّرت في كاترينا التي كانت تقول دائماً إنّها تبحث عن حبٍّ حقيقيٍّ، ولا يهمُّ كيف يبدو الرجل ما دام يُحسن إليها ويحبُّها صبحاً وظهراً وليلاً. كان وزير الدفاع يقف بين الزوجيْن. ولم تكُن تعرف مَن هو، فقط أنها رأته في مكانٍ ما، ربَّما في التلفزيون. وكان هوراس يمسك بالدرع إلى يساره، بعيداً عن الوزير. مدَّت إيلين يدها وأزالت بقعةَ غبارٍ عن الصورة بأطراف أصابعها، وقبل أن تزيلها، نطقت امرأةٌ باسمها، فالتفتْ مذعورة.

ذهبت إلى غرفة النوم للتأكُّد من أن الصوت لم يكن صوت امرأة ميّتة تطلب منها أن تبتعد عن هوراس. وجدته جالساً على الفراش يتثاءب ويمطُّ يديْه. قال لها: " هل نمتِ جيداً، يا عنقودي العسل.". " بالتأكيد، يا كعكي الحلو.". قالت ذلك وعبرت الغرفة لتعانقه. إن فطوراً مثل ذلك الفطور الذي تناولتْه يكلف أربعة دولارات في أي مطعم في دي. سي. أو ميرلاند. قال هوراس: " أوه،  بابا يحب ذلك." وحتى أرخص النُّزل في شارع نيويورك التي تأوي الحثالات والعاهرات، يتقاضى خمسة وعشرين دولاراً لليلة الواحدة، فما قيمة عناق بالمقارنة بذلك؟ وبالإضافة إلى ذلك، فقد أعجبها هو أكثر مما توقَّعت. وقضية كاترينا وانتقالها إلى شقته كان ينبغي أن تُعالَج بعناية. " إذن، دعني أعطيك قبلةً صغيرة."

الشباب هوالشباب، هكذا فكّر هوراس عندما اصطحبت ألين كاترينا معها أوَّل مرَّة، طبعت كاترينا قبلةً على خده، وقالت: " أشعر كما لو أنّي أعرفك بعد كلِّ الذي أخبرتني به ألين عنك.".  كان ذلك في أوائل شهر آذار/ مارس.

وفي أوائل شهر نيسان/ أبريل، التقت ألين رجلاً آخر في نادٍ جديد يقع في شارع  في الشمال الغربي من المدينة، ووقعت في حبِّه، وكذلك فعل هوراس مع كاترينا، مع أن كاترينا، بعد عدة سنوات من الحياة في الشوارع، كانت تعلم أن ما شعرت به تجاه هوراس يقع في جوار الحبّ، ولكنه ليس قريباً من البيت الصحيح. وروت كاترينا وألين لهوراس أشدَّ القصص حزناً عن الرجل الذي التقته ألين في النادي الجديد؛ وقبل نهاية شهر نيسان/ أبريل، كان ذلك الرجل ينام على أرضية غرفة الجلوس في شقة هوراس. ومما ساعد ذلك الرجل، واسمه دارنيل مود، كونه يعرف الطريق إلى قلب أيِّ إنسان، رجلاً كان أو امرأة، وأنه ادعى أن أباه كان بطلاً في الحرب الكورية، وحتى إنه عرف اسم وزير الدفاع في الصورة والمدَّة التي أمضاها في الوزارة.

وفي أواسط شهر مايس/ مايو، كان هناك ما يقرب من خمسة أشخاص آخرين من أصدقاء الشبان الثلاثة، يتواجدون في شقَّة هوراس في أيِّ وقت. لقد كان طائشاً مع كاترينا، ومع المخدَّرات، ومع النساء الأخريات اللواتي كن يتسلَّلن معه إلى غرفة في النُزل الكائن عبر الشارع الثالث عشر، وما حلَّ شهر حزيران/ يونيو حتّى كان أكثر من مئة من اسطواناته الموسيقية قد سُرِقت ورُهِنت. قالت ألين لدارنيل وأصدقائه: " لا تأخذوا أمتعته، إنه يحبُّ اسطواناته.". كانت الساعة الحادية عشرة صباحاً، وكلُّ واحدٍ في الشقة، بمَن فيهم هوراس، يغطُّ في النوم، أجاب دارنيل: " أش ش، إنه يمتلك الكثير من هذه الإسطوانات، ولن يلاحظ." وكان ذلك صحيحاً. فهوراس لم يستمع لأيٍّ من اسطواناته منذ عدة شهور. وكان يمتلك كذلك سيفيْن، كانا في الأصل معلَّقيْن على الحائط المقابل لجهاز تكييف الهواء. وكان كلاهما يعود إلى ضبّاط ألمان قُتلوا في الحرب العالمية الثانية. وعندما يصير هوراس ثملاً، كان يحبَّ أن يرى الشبان يتبارزون بهما. ولكن في اليوم التالي، حينما يكون صاحياً، يقوم بإخفائهما، في أسفل خزانة الملابس، ولا يخرجهما مرَّةً اخرى إلا عندما تبدأ الحفلة حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر.

وشكى جيرانه، خاصَّة أولئك الجيران الذين اعتبروا لونيز هي الطرف الذي قاسى طويلاً في الزواج، إلى إدارة الإقامة من الضجَّة، ولكن رجال الإدارة قرأوا في سجلّه أنه فقدَ زوجته قبل وقت قصير، وأخبروا الجيران بأنه من المحتمل  يتقبّل التعازي، فرجال الإدارة لم يصعدوا إلى أكثر من الطابق الأوَّل في إقامة الغروب. وقالوا للناس الذي جاءوا إلى الإدارة الزجاجية: " إنه من قدماء المحاربين وإنه فقدَ زوجته مؤخّراً.".  " لماذا لا؟". ولكن هوراس حاول أن يضبط الأمور شيئاً ما، بعد أن حذّره أحد عمّال الصيانة، وكان ذلك في الوقت الذي كُسِر فيه أحد السيفيْن، ولم يستطِع طوال حياته أن يتذكّر كيف حدث ذلك. لقد وجدوه ذات مساء بقطعتيْن ملقىً في صينية الثلاجة.

هدأت الأمور قليلاً، ولكن الشابات استمررن في المجئ، وواصل هوراس سروره بصحبتهن وصحبة كاترينا التي كانت تناديه بابا، والتظاهر بالانزعاج عندما تراه يقبّل فتاةً أخرى. "بابا، ما الذي سأفعله مع جميع عاهراتك؟ بابا، عدني بأنك ستحبّني فقط. " " بابا أنا في حاجة لبذلة جديدة، ساعدني رجاء. أرجوك."

وأصبحت ألين حاملاً، بعد وقت قصير من لقائها بدارنيل، الذي شجعها على الاحتفاظ بالجنين، وأخبرها بأنه كان دائماً يريد ابناً يحمل اسمه، وقال: " يمكن أن نسميه دارنيل الثاني" فقالت: " أو دارنيل الصغير". وفيما أخذ حملها يظهر للعيان، ازداد قلق هوراس وكاترينا عليها، فقد تذكر هوراس كم كان قلقاً عندما كانت لونيز حاملاً. لم يكُن قد اتَّخذ أوَّل عشيقةٍ بعد، وحتى إنه لم يفكر بعد بأية واحدة، فيما كان حملها يكبر ويكبر. ونصح أيلين بألا تتعاطى أية مشروبات أو مخدِّرات حتى يولَد الطفل، وحاول أن يحملها على أن تخلد إلى فراشها في ساعة مبكرة، ولم يكُن ذلك سهلاً في الغالب مع حشد صغير في غرفة الجلوس.

واتصل حفيد هوراس هاتفياً به في شهر ديسمبر معبِّراً عن رغبته في المجيء، ولكن هوراس أخبره أن من الأفضل أن يلتقيا في مكان ما في وسط المدينة، لأن شقَّته في حالة مزرية من الفوضى، فهو لم يقُم بالتنظيف المطلوب منذ وفاة لونيز. " أنا لا أهتم بذلك" قال ألونزو الصغير. أجاب هوراس: " ولكني أنا أهتم بذلك، فأنت تعرف كم تعني لي هذه الأمور."

وفي اواخر ديسمبر، وضعت ألين طفلاً ذكراً، قبل عدة أسابيع من وقته. واختار له هوراس الاسم الأوسط. قال دارنيل وهو يحمل الطفل في قماطه: " انظر إلى جدك. فأنت لا تمانع من دعوتك بالجدّ، يا سيد بيركنز؟ أنتَ لا تمانع، أليس كذلك؟"

ونبَّه نزيلٌ جديدٌ يأخذ القواعد بجدّية تامة، رجالَ السلطة البلدية في مكتب الإيجار، إلى أن الرجل الكبير في الشقة رقم 230  يأوي طفلاً وأباه وأمَّه في شقَّته، وليس لأحد منهم قرابة تربطه به، وحتى لو كانت ثمّة قرابة، فإن ذلك مخالف للقواعد المسطّرة في كتاب قواعد السكن في الإقامة.

وفي اواخر شباط/فبراير، اشترى شرطيٌّ متخفٍّ علبتَي مخدرات من أحد الأشخاص في تلك الشقة، وأخبر الشرطي رئيسه بأنها امرأة في البداية، وهذا ما كتبه في تقريره، ولكن في تقريرٍ لاحق كتبَ أنه اشترى المخدرات من رجل .  " ابدأ من جديد"،  قال ذلك أحد رؤسائه الذي يتناول طعام العشاء مرَّة كلَّ شهر مع عمدة المدينة الجديد. وفي آذار/ مارس عاد رجل الأمن المتخفّي لشراء المزيد من المخدِّرات.

كان ذلك في وقت متأخِّر من ذات ليلة سبت حارّة، عندما استيقظت ألين على سماع خشخشةِ جهاز شرطة للإرسال والاستقبال خارج باب الشقة. ولم تكُن قد رأت دارنيل لأكثر من شهر، وأشعرها شيءٌ ما بأنها يجب أن تخرج من تلك الشقة، لأنه قد لا تكون ثمّة أوقات جيّدة أخرى. وفكرت في هوراس وكاترينا نائمين في الفراش. وكان هناك رجلان وامرأتان نائمين في أماكن مختلفة في غرفة الجلوس، وكانت صديقة شقيق إحدى المرأتين قبل ثلاث سنوات. وادعى أحد الرجلين النائمين أنه ابن عم دارنيل، ولكي يبرهن على ذلك، عندما طرق باب الشقة في تلك الليلة، أراهما صورة بولارويد فوتغرافية تجمعه بدارنيل، وذراعاهما حول أحدهما الآخر، وعيناهما حمراوان، لأن آلة التصوير كانت رخيصة. فالصورة كلّفت دولاريْن فقط.

نهضت من الأريكة ونظرت في السرير الصغير، وفي الظلام استطاعت أن تدرك أن ابنها  مستيقظ، وساقيْه الصغيرتيْن تركلان، ولا يصدر عنه أيُّ صوتٍ سوى قرقرة سعيدة. وكان صوت جهاز الإرسال والاستقبال خارج باب الشقة، يأتي ويذهب. كان في وسعها أن ترى كلَّ شيء في نشرة أخبار التلفزيون ــ " أمٌّ تروج المخدرات في السجن، ووضع الطفل في مصلحة رعاية الأيتام.". خطَتْ فوق الرجل الذي قال إنه ابن عم دارنيل، وفتحت الباب المفضي إلى غرفة النوم على مصراعيه. كانت كاترينا تنهض من السرير، وهوراس يشخر نائماً. لم يشخر في حياته من قبل، ولكن المخدِّرات والكحول أضرّا بمسالكه التنفسية.

ـ " هل تسمعين شيئاً؟" قالت ألين لكاترينا التي وافتها على رؤوس الأصابع.

قالت كاترينا:  " لقد سمعت شيئاً بالتأكيد." فالنوم في الشوارع كان يتطلب الاحتفاظ بأذنيْن وبعينٍ  مفتوحة، " لا أريد أن أعود إلى السجن ."

قالت ألين: " اللعنة، ولا أنا. ماذا عن الشباك؟"

ـ " الخروج، ونزول طابقيْن مع طفل؟ اللعنة"

قالت ألين: " نستطيع أن نفعل ذلك."  وهي تنظر عبر كتف كاترينا إلى الكومة المظلمة التي هي هوراس وهو يتمتم في نومه.

قالت كاترينا: " نقدر أن نفعلها." وخطت على رؤوس أصابعها إلى الكرسي في آخر الغرفة، وفتشت جيوب سروال هوراس، وهمست بعد رجوعها: " ربما خمسين دولاراً هنا. ولدي ثلثمائة دولار."

قالت ألين: " كنتِ تسرقين منه." وانقلبتِ الكومة في الفراش وأنَّتْ، ثم استقرَّت في مكانها الأول وهي تشخر.

ـ " الرب يساعد الذي يساعدون أنفسهم، يا ألين. لنذهب.". والتحقت كاترينا بألين وهي تحمل ملابسها بيديها. وكانت ألين تراقب الكومة في الفراش وهي تتقلب مرَّة أخرى وتواصل الشخير. وداعاً، هوراس، وداعاً، سأراك قريباً.

وراقب الشرطي في السيّارة الواقفة في الشارع الثالث عشر، ألين وهي تقف على حافة الشرفة ثم تقفز، ومرّت للحظةٍ في الضوء الباهت الساقط على المدخل، واستقرَّت على مدخل موقف السيّارات في الطابق السفلي. لم يبقَ على تقاعد هذا الشرطي سوى خمس سنين، ولم يتحرَّك، لأنه يمكن أن يرى جيداً من حيث يجلس. أما رفيقه الذي بدأ العمل قبل ثلاث سنوات فقط، فقد كان نائماً في المقعد الخلفي للسيّارة. وخمّن الشرطي أنَّ المرأة ألحقت الضرر بنفسها، لأنه لم يرَها تنهض من الأرض لعدَّة دقائق. وفكّر الرجل: لن أفعل ذلك ولا حتى مقابل جميع مالِ رجلٍ غنيّ. وأخيراً نهضتِ المرأة، ولكن قبل أن تنهض، رأى امرأة أخرى تنحني على الشرفة وهي تُدلّي رزمة؛ وفكّر: مخدرات؟ لا، ملابس؟ نعم، تشبه الملابس أكثر. وكانت الرزمة معلَّقة بحبل وسلك ــ كانت بعيدة عن الرجل ليحزرها. انحنت المرأة التي في الشرفة كثيراً، ومدَّت المرأة التي على الأرض يديْها إلى أبعد ما تستطيع، ومع ذلك فقد كانت الرِّزمة تبعد بقدميْن عن يديها.

وفكَّر الشرطي: دعهما يلقيا الملابس فقط، ثم أفلتتْ كاترينا الحزمة وأمسكتْ بها ألين. مسكة جيدة. أتساءل كيف تبدو في الضوء. قفزتْ كاترينا، وشاهدها الشرطي وهي تمرّ للحظة في الضوء، ثم نظر إلى رفيقه. إنه لا يعبأ بملء الاستمارات كثيراً، ولكن رفيقه ينزعج منها، ولهذا دعه ينام. سأكون على البحيرة اصطاد السمك، وأنت ستظل تفعل ذلك. وعندما نظرَ إلى الخلف كانت المرأة الأولى تصعد المنحدر إلى المدخل والرِّزمة بين يديها، والمرأة الأخرى كانت تعرج خلفها. أتساءل كيف تبدو تلك المرأة في الضوء الجيد، وعندما أصبحت المرأتان على الرصيف، تلفتتا يسرةً ثم يمنة، وواصلتا السير في الشارع الثالث عشر. تثاءب الشرطي ونظر في المرآة الجانبية للسيّارة، فيما كانت المرأتان تقطعان الشارع م، تثاءب مرَّةً أخرى. حتى في الساعة الثالثة صباحاً يستمرُّ الناس في قطع الشارع من غير مكان العبور الصحيح.

كان ابن عم دارنيل عائداً من المرحاض عندما اقتحم رجالُ الشرطةِ الشقَّةَ. كان جباناً رعديداً، وعلى الرغم من أنه قد أفرغ مثانته لتوّه، فقد تبوّل مرةً أخرى عندما انفتح الباب وبان ضوء الممرِّ وانقض رجال الشرطة عليه وعلى رفاقه النائمين.

وحالما وضعوهم في السجن، أخذ هوراس يتكلَّم عن كاترينا وألين والطفل. وقد استغرق وقتاً طويلاً ليصحو، ويفهم ما كان يجري له. وضغط بوجهه على قضبان الزنزانة، وأدخل فمه إلى أقصى ما يستطيع بين القضبان وصرخ طالباً أن يخبره أحد ما إذا كانوا يعرفون أن المرأتيْن الشابتيْن والطفل بخير. " اسمعوا، إنهنَّ مجرَّد نساء." وظلَّ يردِّد ذلك لحوالي خمس دقائق. " إنهن لا يؤذين ذبابة. أيها الشرطة، من فضلكم، من فضلكم أيها الشرطة. ما الذي حدث لهما، والطفل.. ذلك الطفل برئ تماماً."

كان الوقت بعد السادسة بقليل، وراح رجالٌ فوق ذلك الممر وتحته يصرخون به أن يخرس وإلا فإنهم سيُدخلون أكبر قضيب شاهده في فمه. دُهش وهدأ، لأنه على الرغم من أنه اعتاد أن يسمع لغةً سوقيَّة من الرجال الذين كانوا يأتون إلى شقته ويذهبون، فإنه لم يسمع بتاتا كلمات بمثل تلك البشاعة توجَّه إليه. كانوا يتكلَّمون بأقذر لغة سمعها في حياته، ولكنهم كانوا دائماً يدعونه إلى مشاركته الحديث عن معرفته بوزير الدفاع والعمدة. كان بعد التدخينة الثانية ينتشي ويطفو معهم في العادة، الآن هدّده أحدهم بأن يفعل به ما يفعله هو والرجال الآخرون بأي امرأة تأتي إليهم.

ثم تحوّل عن القضبان وأخذ يتأمَّل الرجال الثلاثة الذين كان يشاركهم الزنزانة المعدّة لشخصيْن فقط. ففي سجن المدينة، يحبُّ الناس أن يقلِّلوا من عملهم ما أمكن. وملء الزنزانات بأكثر من طاقاتها يعني أنهم يتعاملون مع أقفال أقلّ. كان هناك رجل يتدثَّر ببطانيات على الأرض بجانب السرر الحديدية المرتبة فوق بعضها. وكان الرجل النائم في السرير العلوي يمدُّ ساقه خارج سريره، ولأنه كان رجلاً طويلاً، فإن ساقه وصلت على بعد ست بوصات من وجه الرجل النائم في السرير السفلي. وكان ذلك الرجل مستيقظاً وممدداً على ظهره وينبش أنفه ويحدّق في هوراس؛ ويده الأخرى تحت البطانية داخل فتحة سرواله. وما كان يستخرجه من أنفه يُلقي به إلى الأعلى على مؤخر السرير الذي فوقه. وفيما كان هوراس يراقبه، تذكّر، قبل وقت طويل حتى قبل منزلهم في تشيزبيك، كانت لونيز تغسل مناديله وتكويها وتطويها على شكل مربعات.

قال الرجل: " يا أبي، ألديكَ دخاني؟"

قال هوراس: " ماذا؟". وتذكّر أنه كان قد فعله لكاترينا حوالي الساعة الثانية أو الثالثة صباحاً، وانقلب في فراشه وأخلد إلى النوم. وتذكّر أنه كان في أحلامه ينشّ الذباب، ذباباً بحجم أيادي الشرطة.

يبدو أن للرجل مخزونٌ لا ينتهي من المخاط الصلب في أنفه، وكلما نبش أكثر ازدادت معدة هوراس تقلباً واضطراباً. كان هوراس يرى أن من العيب أن يفتح الرجل منديله، ولهذا كانت المناديل تطوى في مربعات. أجاب الرجل بتنهيدة على سؤال هوراس، وأخرج شيئاً من أنفه ولصقه بإبهام قدم الرَّجل النائم في السرير الذي فوقه.

قلتُ لك: " هل لديك دخاني؟"

ـ " ليس لدي أية سكائر معي."، قال هوراس ذلك وهو يحاول استعمال أفضل لغة ينطق بها رجل أبيض، لأن صديقاً له كان يؤدي خدمته العسكرية معه في ألمانيا، قد أخبره ان التحدّث باللغة الفصيحة لا يعجب البيض فحسب، بل كذلك السود الذين لا سبيل إلى تقدُّمهم في الحياة. " لقد تركتُ سكائري في المنزل." كانت ساقاه تؤلمانه وأراد ان يجلس على الأرض، ولكن المكان المتاح كان في المنطقة المشتركة حيث يقف، وثمّة شيء يلتصق بحذائه في كلِّ مرَّة يرفع قدميْه. " تمنيتُ لو أن سكائري كانت معي، لأعطيتك منها."

ـ " لم أسألك عن سكائرك. لا أريد تدخينها. أسألك عن سكائري. أريد أن أعرف إذا كنتَ قد جلبتَ سكائري."

وصرخَ شخصٌ في نومه على بُعد أربع زنزانات: " إيرين، لماذ فعلتِ ذلك بي؟ ألم يعُد الحبُّ يستحقّ شيئاً؟"

وأمره شخصٌ آخر أن يسكت وإلا فإنه سيضع في فمه قضيباً من الحجم الكبير.

وقال هوراس: " أخبرتكَ أنه ليس معي أية سكائر."

قال الرجل: " أتعلم أنك لا تساوي شيئاً؟ أنت تأخذ الكعكة وتخرِّبها كلّها. لماذا تفعل ذلك حقاً؟ الآن أنت تعلم أنك قادم إلى السجن، إذن لماذا لم تجلب معك سكائري الملعونة؟ أيّ نوع حقير من التفكير لديك؟"

قرَّر هوراس ألا يقول شيئاً. رفع أولاً ساقاً، ثم رفع الأخرى، وهزَّهما، آملاً أن ذلك سيخفِّف الألم. واستدار ببطء ليواجه قضبان الزنزانة. لم يخبره أحد عما سيحدث له. كان يعرف محامياً، ولكنه لا يعلم ما إذا كان هذا المحامي ما يزال يزاول المهنة. وكان له أصدقاء، ولكنه لم يكُن يريد أن يراه أحد منهم في السجن. وتمنّى لو أن ذلك الرجل خلد إلى النوم.

وقال الرجل: " لا تُدِر ظهرك اللعين إليّ بعد كل ما كان يعني أحدنا للآخر. بيننا علاقة طويلة، وأنت تفعل ذلك بي. ما الذي دهاك، يا أبي."

قال هوراس باللهجة الدارجة، وهو يدير وجهه للرجل: " أخبرتك أنه ليس معي سكائر. وليس لدي سكائرك، ولم أجلب سكائري، وليس عندي سكائرُ أيِّ شخص. لماذا لا تستطيع أن تفهم ذلك؟". كان يعلم أنه يبتعد عن إنجليزية الرجل الأبيض، ولكنه يعرف أن من المحتمل أن صديقه من ألمانيا ينام الآن في فراشه بأمان. " لا أستطيع أن أعطيك ما ليس عندي.". هناك رجال يُقتَلون في سجن دي.سي. أو هذا ما نشرته جريدة الواشنطن بوست. " ألا تستطيع أن تفهم ما أقول؟". وأبقى ظهره قريباً من قضبان الزنزانة ما وسعه ذلك. وفكّر : مَن هي إيرين؟ وماذا فعلتْ لتتسلل إلى أحلام ذلك الرجل بتلك الطريقة؟"

ـ " إذن، يا أبتي، سيكون الأمر على هذه الصورة، ها؟" قال الرجل، وهو يرفع ساقَ الرجل الذي على السرير العلوي ويدفعها بعيداً، لكي يتمكن من رؤية هوراس بصورة أفضل. وأخرج يده من مكانها وأشار بها إلى هوراس قائلاً: " ستقسم ببطرس واليسوع، وتنكر معرفتك بي، هاه؟ أهذه هي خطتك، يا أبتي؟" وأراح رأسه على الوسادة المخطَّطة بالأسود والأبيض. " لقد رأيتُ حثالات في زماني، ولكنك الأحط. بعد علاقتنا الطويلة وكلِّ شيء."

ـ " لم ألتقِ بك في حياتي قط." قال هوراس ذلك وهو يقبض على قضبان الزنزانة خلفه بكلتا يديْه، آملاً في أن يخفّف ذلك من ألمه.

ـ " لن أنسى ذلك، وأنت تعرف كم هي قوية ذاكرتي. أولاً لم تجلب سكائري إليّ، كما ينبغي أن تفعل، كما تعلم. ثم تنكر جميع ما كان بيننا. لا تنم هنا، أبي، هذا كل ما سأقوله لك."

وفكّر هوراس برايلي جونسون، وهو رجل اشتغل معه في البنتاغون. كان رايلي يعتبر نفسه مصوراً. فقد أخذ صورة هوراس مع وزير الدفاع. كيف ستكون الكفالة؟ وهل سيكون رايلي في البيت صباح الأحد ليقوم بمهاتفته؟ هل سيعطونه كفالة؟ فالشرطي الذي سحبه من فراشه وصرخ في وجهه:

ــ " تبيع المخدرات وتُفسِد شباناً، هكذا؟"

ــ" لا أعرف شيئاً من ذلك، أيها الضابط، لطفاً."

ــ" رجل كبير مثلك."

ــ " العالم ليس كبيراً بما يكفي لتختفي من غضبي المحقّ، يا أبي. وأنتَ تعلم كم أنا محقّ عندما أبدأ. العالم ليس كبيراً بما فيه الكفاية، وأنتَ تعلم أن هذا السجن ليس كبيراً بما فيه الكفاية."

استدار هوراس إلى القضبان مرَّةً أخرى. هل هنالك شيءٌ مؤلم في ظهره كما في معدته؟ لمس وجهه. نادراً ما كان ينسى حلاقة ذقنه كل صباح خلال الأشهر الضائعة مع كاترينا. فأفعال الرجل البارعة تبدأ بحلاقة الذقن كل صباح، كما أخبره عريفه في معسكر التدريب قبل ألف سنة.

وأخذ الرجل في الزنزانة القريبة بمناجاة إيرين مرَّةً أخرى. وردد هوراس مناداة إيرين في فكره. أيرين هل أنتِ هناك؟ ولم يطلب أحدٌ من الرجل أن يسكت. كانت الساعة السابعة صباحاً وجميع مَن في البناية يستيقظ، ولم يعُد صوت الرجل الذي ينادي إيرين الصوت الأعلى في العالم.

ــ " يا أبي، هل لديك سكائري. فأنا أستطيع أن استعمل سكائري الآن."

لم يعد هوراس قادراً على الوقوف، فهبط ببطء إلى الأرض. وهناك وجدَ بعض الراحة، وكلّما طال جلوسه، ازداد تفكيراً في مسألة اعتقاله. كان لديه بعض المال في جيبه عندما خلع سرواله في الليلة الماضية، ولكن لم يكن هناك أيُّ مالٍ عندما ألقوا القبض عليه. وأين كانت كاترينا وألين حينما دخل الشرطة وساقوه خارج الشقة وأنزلوه إلى سيارة الاعتقال، وكانت حارسة إقامة الغروب وراء مكتبها وقالت: " أوه، نعم، قلتُ لك ذلك."

أنظر، أين كانتا؟ فهو لم يرهما. مدَّ رجليه فمستا قدمي الرجل النائم على الأرض. فزَّ الرجل. وقال الرجل على السرير السفلي: " لم يعُد الحبُّ يعني شيئاً." وكان صوته عالياً بصورة تكفي لإيقاظ الرجل النائم على الأرض، تماماً، فجلس ذلك الرجل وغطّى صدره ببطانيته ونظر إلى هوراس، وطرفت عيناه وطرفتا، وأخذتا صورة أوضح لهوراس كلَّما طرفتا.

لم يأتِ رايلي إليه إلا عصر يوم الاثنين. فتح أحدهم باب الزنزانة، وظنَّ هوراس بادئ الأمر أن الشرطة جاءت لتأخذ أحد زملائه في الزنزانة.

نادى الرجل الذي يحمل المفاتيح: " هومر بيركنز". كان من المفترض أن الأبواب تُفتح كهربائياً، ولكن النظام معطّل منذ وقت طويل.

قال هوراس وهو ينهض على قدميه: " ذلك أنا. وفيما كان يمشي مع الرجل الذي يحمل المفاتيح ماراً بالزنزانات الأخرى، قال أحدهم لهوراس: " ها، أيها الشيخ، أنتَ لست كبيراً جداً لتتعلم مصّ القضيب.". قال الرجل الذي يحمل المفاتيح: " واصل السير." ." أيها الشيخ سأعطيك درساً عندما تعود."

وفيما كانوا يفرّغون أشياءه من ظرف كبير مصنوع من ورق القنب، تهامس الحارسان الجالسان خلف المكتب وضحكا. " نعم". " حسناً جيد." قال الحارس: " أظن أننا سنراك في رحلتك القادمة إلى هنا." " أوه، اترك الرجل الكبير لحاله. هو جدّ أحدهم." قال الرجل الأول: " عندما يبدؤون بهذه السن المتقدِّمة، فإنها تدخل في جسمهم ولا يستطيعون التوقّف. أليس ذلك صحيحاً، أيها الشيخ؟"

لم يتبادل هو ورايلي الكثير من الكلام بعد أن قال رايلي إنه فوجئ باتصال هوراس، وكان يتساءل عما حلّ به بعد أن توفيت لونيز. قال هوراس إنه ممتن لرايلي إلى الأبد لكفالته وإخراجه، وإن ما حدث هو خطأ وله قصَّةٌ طويلة كذلك، سيرويها له قريباً. وعندما وصلا إلى إقامة الغروب، عرض عليه رايلي أن يصطحبه لتناول الطعام، ولكن هوراس قال إن عليه أن يأخذ بطاقة مطرية. قال رايلي مبتسماً: " بطاقة مطرية؟ ظننتُ أنهم لا يقولون ذلك الآن."

وفتح المفتاح باب الشقة بنفس الطريقة التي كان يفتح بها دائماً، ولكن شيئاً ما كان يعرقل الباب، وكان عليه أن يدفعه بشدّة. وفي الداخل وجد دماراً وخراباً في كل مكان. ففوق ملابسه وتذكارات حياته، انتثرت على الطاولة والأريكة والأرض مئات ومئات من الاسطوانات المهشمة. خطا ثلاث خطوات في الغرفة وأخذ يبكي. واستدار واستدار، آملاً أن يرى شيئاً يُنبئُه بأن الأمر ليس بالسوء الذي رأته عيناه. ولكن كان الأمل ضئيلاً ــ قنينتا الملح والفلفل لم يُمسّا، والستائر التي تغطي الباب الزجاجي كانت على وضعها. وليس ثمة شيء كثير غير ذلك يمكن أن يتعلَّق به الأمل.

فكّر حالاً في كاترينا وألين. ما الذي فعله ليستحقَّ ذلك. ألم يعاملهما دائماً بقلبٍ طيب عطوف؟!  غطّا عينيه، ولكن ذلك لم يزدهما إلا بكاء. وليثبّت نفسه، وضع كلتا يديه على الطاولة التي كانت مغطاة بالقهوة والسكر. مسح شظايا الزجاج من على الكرسي الأقرب إليه وجلس عليه. لم يستطِع التخلص من جميع شظايا الزجاج، وشعر بما تبقى منها من خلال سرواله وملابسه الداخلية.

حاول أن ينظر حوله، ولكنه لم يصل إلى أبعد من صورة وزير الدفاع. كان فيها شرخان، أحدهما من الشمال إلى الجنوب، والآخر يسير من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي. والصورة كانت مائلة كذلك، وأحسَّ بأنه إذا استطاع أن يعدّل الصورة، فقد لا يكون الأمر سيئاً جداً. ومدَّ يده، وهو ما زال باكياً، ولكنه لم يستطِع أن يتحرّك من الكرسي.

ظلَّ على تلك الحال طوال عصر ذلك اليوم وإلى وقت متأخِّر من المساء، دون أن يغادر الكرسي مرَّةً واحدة، مع أن الدموع قد انقطعت حوالي الساعة 5.00. وحلّ الظلام وهو ما زال على تلك الحال. وفكّر حين غربت الشمس: اسمي هوراس بيركنز، واشتغلت سنوات طويلة في البنتاغو. وأصبحت الشقّة مظلمة، ولكنه لم يجد في نفسه ما يجعله يفتح الضوء.

كان الطرق على الباب متسمراً منذ أكثر من عشر دقائق، وأخيراً سمعه. نهض، وتعثّر بالحطام، وفتح الباب . كانت ألين واقفة هناك ودارنيل الصغير بين يديها.

ـ " هوراس، هل أنتَ بخير؟ أتيت إلى هنا باستمرار. كنتُ قلقة عليك هوراس."

لم يقُل شيئاً، ولكنه فتح الباب بما يكفي لدخولها والطفل.

ـ " إنها مظلمة، هوراس، ما رأيك ببعض الضوء؟"

مد يده اليمنى إلى المصباح على الطاولة وأناره.

ـ " المسيح في السماء. هوراس! ما الذي حدث؟ سيدي المسيح! لا أصدق هذا." . وفزع الطفل من كلمات أمه وراح يبكي. قالت له: " طيب، طيب. وهدأ الطفل تدريجياً. " أوه، هوراس، أنا آسفة، أنا آسفة حقّاً. هذا أسوء شيءٍ رأيته في حياتي." ولمست كتفه بيدها الفارغة، ولكنه أبعد كتفه. " أوه، يا إلهي العزيز، مَن الذي استطاع أن يفعل هذا؟"

ذهبت إلى الأريكة وأزاحت ما يكفي من الحطام ليجلس الطفل. وأخرجت مصاص من جيب سترتها ووضعتها في فمها لتزيل النسالة منها، ثم وضعتها في فم الطفل. فبدا عليه الارتياح، وأراح ظهره على الأريكة.

ذهبت إلى هوراس، فأمسك حالاً ببلعومها صارخاً: " سأقتلك هذه الليلة! تمنيتُ لو أن العاهرة كاترينا هنا، كيما أقتلها كذلك.". وجاهدت ألين وأخرجت كلمة " رجاء" واحدة قبل أن يضيّق عليها الخناق بصورةٍ أشدّ. ضربت ذراعه، ولكن يبدو أن ذلك أعطاه قوَّة أكبر. وأخذت تبكي.

ــ " سأقتلك الليلة، يا بنت، حتى إذا كان ذلك آخر شيء أفعله."

وبدأ الطفل البكاء، وأدارت رأسها إليه بقدر ما استطاعت لتنظر إليه. وجعله ذلك يصفعها مرتيْن، وأخذت تسقط، وسحبها إلى الأعلى، ليتمكَّن من الإمساك بها بشكلٍ أفضل. وهذا أعطاها ما يكفي من الوقت لتقول : " لا تقتلتني أمام ابني، هوراس." أرخى يديه. " لا تقتلني أمام ابني، يا هوراس."، ونزلت دموعها على وجهها ثم على يديْه. " فهو لا يستحقُّ أن يراني أموت. أنت تعرف ذلك، يا هوراس."

ـ " أين إذن؟"

ـ " في أي مكان، ولكن ليس أمامه. فهو برئ من كل شيء."

تركها تذهب وتراجع.

وهمست: " لم أفعل شيئاً، يا هوراس. أعطيك كلمتي. إنني لم أفعل شيئاً." وصرخ الطفل، فذهبت إليه وأخذته بين ذراعيها.

وجلس هوراس على نفس الكرسي الذي كان جالساٌ عليه.

ـ " أنا لا أفعل ذلك بكَ، يا هوراس."

نظر إليها وإلى الطفل الذي لم يرفع نظره عن هوراس، حتى من خلال دموعه.

ويبدو أن الطفل قد شرقَ بإحدى صرخاته، ولكي يتخلّص منها، رفع قبضته وضرب الهواء، وأخيراً خرج صراخه. وفكّر هوراس: كيف يبدأ رجل من لاشيء. أتت ألين بقربه، والطفل ما زال يراقبه، وقد قلّ صراخه. كيف يبدأ رجل من الصفر؟

انحنى هوراس والتقط بعض الإسطوانات المهشمة من الأرض، وراح يقرأ العناوين. قالت أيلين: " لا أؤذيك لأي شيء في العالم، يا هوراس.". هيئة التسجيل الصوتي، شركة دومينو للإسطوانات. أر سي أي فكتور. وتوقَّف بكاء دارنيل الصغير، ولكنه واصل النظر إلى أعلى رأس هوراس. تسجيلات هيئة كاميو للإسطوانات، نيويورك. " لقد أحسنتَ إليّ ولا أستطيع أن أؤذيك بمثل هذه الطريقة، يا هوراس.". وألقى الاسطوانات الواحدة تلو الأخرى. " يلزم رجلاً إيرلندياً لمطارحة الغرام." " سأعلق وساماً على صدر الفتاة التي هجرتها." " موسيقى لجندي" " لمن هذا القلب الصغير الذي تحطمه الآن؟" " المشية المنغَّمة".

***

.........................

* نُشِرت هذه القصة في كتاب: علي القاسمي. مشاعل على الطريق: أبدع وأروع القصص الأمريكية الحديثة (بيروت: المركز الثقافي العربي، 2018). والكتاب متوافر في موقع " أصدقاء الدكتور علي القاسمي" على الشابكة.

....................

ولِد إدوارد جونز  Edward P. Jones   في واشنطن دي. سي. العاصمة سنة 1950 ونشأ فيها، وهو من الأمريكيّين الأفارقة (أي السود). ودرس في كلّية الصليب المقدَّس وجامعة فرجينيا.

في قصته " رجل غني" التي ترجمناها هنا، يتناول جونز مشكلة الحرّية الجنسية، والخيانة الزوجية، والتفكك الأسري، والإدمان على المخدرات، الناتجة من الإغراق في المادية في المجتمع الأمريكي، بأسلوبٍ ساخر، مع كثيرٍ من التلميحات الذكية، والإيحاءات النقدية.

بين سنة 1992 وسنة 2006، نشر ثلاثة كتب فقط: أولها، مجموعته القصصية " ضائع في المدينة"، وثانيها، روايته " العالم المعروف"، وثالثها، مجموعته القصصية " كلهم أولاد الخالة هاجر". وجميعها تتناول تعاسة الطبقة العاملة من الأمريكيين السود في المدن الأمريكية.

نالت، هذه الكتب الثلاثة، أرفعَ عشر جوائز أمريكية، تربو قيمتها على مليون دولار، ودعته جامعة جورج واشنطن في العاصمة إلى تدريس مادة “الكتابة الإبداعية” فيها، على الرغم من أنه لا يحمل الدكتوراه، ولكنه ذو موهبةٍ أدبيةٍ كبيرة وتقنيات سردية فذة تفوق قيمة الدكتوراه المجرَّدة.

يبلغ تعداد الأمريكيين السود أو من أصل أفريقي 38 مليون نسمة من مجموع السكان البالغ 200 مليون نسمة تقريباً، أي بنسبة 12% تقريبياً. وغالبيتهم من أحفاد البشر الذين جُلِبوا بالقوة من إفريقيا ( خاصة الغربية والوسطى) بين سنتي 1555 و1865 من قِبَل شركاتٍ متخصّصة في اقتناص الشبان الأفارقة وأَسْرهم، وإذلالهم، وتعذيبهم، وسجنهم في جزر على سواحل إفريقيا الغربية إلى حين وصول سفن مخصَّصة لنقلهم إلى أمريكا، حيث  يفصل فيها النساء عن الأطفال عن الرجال، وتمارس عليهم أصناف التعذيب والقهر والاغتصاب والجَلد، حتّى يصلوا إلى الأراضي الأمريكية حيث يباعون في أسواق النخاسة، وبعدها توكل إليهم الأعمال المرهقة الشاقة. ومنذ سنة 1641 كانت المستوطنات البريطانية في أمريكا تسنُّ القوانين التي تشرّع العبودية وانتقالها إلى الأبناء، وحقَّ الأسياد في استرداد العبيد المارقين وتعذيبهم. وحتى عندما ألغى الكونغرس تجارة العبيد الدولية سنة 1802 فإنه لم يُلغِ الاستعباد في أمريكا. وحتّى بعد أن أعلن الرئيس إبراهام لنكولن سنة 1863 تحرير العبيد وأدّى ذلك إلى الحرب الأهلية الأمريكية، وانتصار الشمال المؤيّد لإلغاء العبودية، وصدور قانون الحقوق المدنية سنة 1866، فإن المنظَّمات الأرهابية العنصرية، مثل كو كلوس كلان وغيرها، واصلت تعذيب السود وقتلهم. ورغم هذا القانون فقد كان الفصل العنصري بين البيض والسود، في السكن والمواصلات، والوظائف، والمدارس، يمارس قانونياً، خاصَّة في معظم الولايات الجنوبية. وفي الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945)، كان يقاتل مليون ونصف مليون أمريكي أسود، ولكن في وحداتٍ منفصلة عن البيض.

وحتّى بعد أن اضطر الرئيس الأمريكي جونسن إلى توقيع قانون الحقوق المدنية سنة 1964 الذي يلغي التمييز العنصري، فإنَّ التمييز ضدَّ السود ظلَّ سارياً على مستويات كثيرة. فنحن نسمع من وسائل الإعلام الأمريكية هذه الأيام أخباراً متواترة عن قيام بعض رجال الشرطة بإطلاق الرصاص على مواطنين سود وقتلهم لأسباب واهية أو بلا سبب، ما يؤدّي إلى قيام مظاهراتٍ احتجاجية ينظّمها الأمريكان السود في كثير من المدن الأمريكية.

ولعل رواية الكاتب الأمريكي الأسود،ألكس هيلي، " جذور" 1976 تروي بالتفصيل كيف اختُطِف جده الأعلى في إفريقيا الغربية وجلب إلى أمريكا ليُستعبَد فيها ويُفرَض عليه دِين أسياده، وتصف العذاب الذي قاساه وأحفاده نزولاً إلى المؤلّف نفسه.

والأديب إدوارد جونز هو احد الأدباء السود الذين وقفوا أدبهم على التعبير عن آلام السود وآمالهم في المساواة الإنسانية، علماً بأن قصّته التي نترجمها هنا لا تتناول السود، بل مشكلة أمريكية أخرى، هي تفسُّخ الأسرة الأمريكية وتفككها بسبب الإغراق في الماديات. 

    تعليقات (26)

    الاستاذ الاديب والروائي والمترجم القدير د علي القاسمي… احلى واطيب تحية وامنيات بعيد سعيد ومبارك…ماكان سهلاً تتبع الاحداث في هذه القصة التي كُتِبَت على طريقة قصص الف ليلة وليلة من حيث تداخل الاحداث الفرعية ووصف الشخوص العابرين في القصة وتعدد الاسماء والشوارع والمدن والتواريخ والارقام بالرغم من اني قرأتها باللغة العربية… لا ادري مدى صعوبة ترجمتها للدكتور القاسمي الذي قدم في هذه القصة نمطاً من الترجمة جعلنا نرى ابطالها حقاً ونتخيل اشكالهم رغم انه لم يصف اشكالهم ولكن النجاح الكبير في وصف الحالة الانسانية ووصف اللحظة والشعور جعلنا نرسم لهم وجوهاً وهيئات… استطيع التعرف على السيد هوراس من النظرة الاولى لو التقيته صدفةً…. المرحلة الزمنية التي تتحدث عنها القصة مرحلة غنية بكل التفاصيل التي شكلت فيما بعد الهوية المميزة للمجتمع الامريكي .. تلك المرحلة التي اتسمت بالرفض والتمرد لكل عُرفٍ ومبدأ… ان مخرجات الكساد الاقتصادي والبطالة وصعوبة الحصول والاحتفاظ بالوظيفة افرزت قاعدة مادية قاسية ساهمت كثيراً في نفكك الاُسَر ونخر العلاقات من الداخل…. موضوع مهم وترجمة ملفتة ومتميزة وصعبة…. هذا بحد ذاته ابداع كبير استاذنا القاسمي… لك الحب والاعجاب الدائم.

    الأخ الكريم الطبيب الأديب الشاعر المتألق الدكتور أحمد فاضل فرهود حفظه الله ورعاه ، وأدام نعمته عليه.
    أشكرك جزيل الشكر على تفضلك بقراءة قصتي المترجمة، وأشكرك كذلك على تكرمك بالتعليق عليها.

    أتفق معك على أن هذه القصة لا تتناول حدثاً واحداً ولا شخصية واحداة ، بل تعددت فيها الأحداث المتناسلة والشخوص والشوارع والبنايات والأغاني والأكلات وغيرها كثير، وكل واحد منها يحمل اسماً باللغة الأجنبية، بحيث يصعب على المترجم، بله القارئ، غير المطلع على الثقافة الأمريكية ولم يعش هناك مدة كافية ، ضبط الأمور وتتبعها.

    وقد لجأ بعض المترجمين إلى تعريب تلك الأسماء، أي خلع أسماء عربية على الشخصيات والمعالم، فبدلا من هوراس يستعمل اسم عبد الغني، وبدلاً من لونيز يضع اسم جميلة.
    بيد أن هذه الطريقة تبدو مصطنعة ولا تخدم أهداف الترجمة جميعها، فمن أهداف الترجمة اطلاع القارئ على الثقافة الأجنبية كذلك، فيعرف أن كثيراً من الشوارع هناك يحمل أرقاماً، وليس أسماء، كالشارع 12 .

    وكتابي " مشاعل على الطريق" يضم أروع القصص الأمريكية منذ بداية القرن العشرين إلى يومنا هذا، اخترتها طبقاً لمعايير أهمها أن تكون القصة لأحد كبار الأدباء الذين تركوا بصماتهم على مسيرة الأدب الأمريكي، وأن تمثل مدرسة سردية، وان تعالج مشكلة اجتماعية أمريكية كالحروب، والأوبئة، والفقر والتفاوت الطبقي الصارخ، والعنف والعصابات، والشعور بالغربة لدى المهاجرين، والتمييز العنصري، وإبادة السكان الأصليين، وتفكك الأسرة، والمخدرات، وغيرها.
    وكان لا بُدّ أن أضمّن قصة للكاتب الكبير المعاصر إدوارد جونز، وهذه أفضل قصصه بإجماع النقّاد الأمريكيين.

    أكرر جزيل شكري لك ـ أخي العزيز ـ وتمنياتي بموفور الصحة والهناء، وموصول الإبداع والعطاء.
    معزّكم: علي القاسمي

    بوركت مبدعا تنحني أمامك معايير الإبداع والجمال واللغة المناسبة لموضوع القصة المؤثرة والثرية

    صديقي العزيز الشاعر الكبير الدكتور أكرم جميل قُنبس حفظه الله ورعاه،
    أشكرك على جميل تواصلك، وكريم اهتمامك الذي تعبّر عنه شعراً أو نثراً يعبق بعطر الشعر ويزدهي بصوره الفنية.
    محبّكم: علي القاسمي

    شكرا للكاتب الفاضل والمترجم الحاذق علي القاسمي على ما ترجمه هنا من جميل القصص الأميركية.. هذا إن كان يصّح لي أن أجنّس السرد هنا بالقصة القصيرة وليس بالرواية القصيرة أو النوفيلا…على ما أحتوته من مواقف وصور ورؤى وشخصيات ومشاهدات مما يعطي القاريء الأنطباع عن القصة الأميركية وأهتماماتها بالنقد الأجتماعي…وهنا أذكر كتابا للكاتب الكبير عباس محمود العقاد والذي ترجم في القصة الأميركية فاذا به يقول في المقدمة لكتابه.."وبهذا تتفق قصة الموقف ورسالة الفن العصري من الوجهة العامة، فيصبح تصوير الموقف غرضاً شاملاً يغني عن اعتساف الحوادث والبحث عن -غير المعتاد- للتنبيه والأستيلاء على الشعور"…. تحية لجهدك المتميز عزيزي الصديق القاسمي.

    أستاذنا الطبيب الأديب الدكتور عامر هشام الصفار حفظه الله ورعاه،
    أشكرك من القلب على تكرمك بإطلالتك البهية على القصة، وإثارتك موضوع التجنيس الأدبي.
    فعلآً كانت القصة القصيرة تركز على حدث واحد، وشخص واحد، وتُقرأ في جلسة واحدة، للمحافظة على وحدة الأثر.
    وفي الأربعينينات من القرن العشرين، أخذ كثير من الأدباء، لا سيّما في أمريكا، لا يتقيدون بذلك، فبلغت قصصهم خمسين صفحة، واختلط الحابل بالنابل. وهكذا أصنّف أنا كتاب " الشيخ والبحر " لهمنغواي الذي ترجمتُه إلى العربية بأنه قصة في مقدمتي، ويكتب الناشر على غلافه " رواية".
    تمنياتي الحارة لك بالصحة التامة والهناء الدائم والإبداع المتواصل في الطب والأدب.
    محبكم: علي القاسمي

    توالت المنظومات الإيديولوجية تاريخيا، واستمر العمل مصدر الغنى وتراكم الثروات والنماء في المجتمعات، لكن التفسخ المجتمعي ترعرع بشكل متزايد في مفاصل الثقافات السائدة.
    الإنسانية اليوم أمام حاجة ملحة للبحث عن منظومة ثقافية تتعاطى مع شؤون المجتمعات والدول بقيم ترسخ ديمومة التضامن والرقي والتماسك الأسري والاجتماعي. فالثقافتان المنبثقتان عن إيديولوجيتي الملكية العامة لوسائل الإنتاج والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، لم تحققا نموذجا مجتمع دائم التماسك والتضامن وقوة المردودية والنماء.
    قصة رائعة أوصلها إلينا ببراعة المترجم، والنجم في صناعة المعجم التاريخي العربي، الأستاذ الدكتور الموسوعي علي القاسمي.
    حفظكم الله ورعاكم سيدي علي
    معزكم الحسين بوخرطة

    أخي العزيز الكاتب السياسي القاص الناقد الأستاذ الحسين بوخرطة حفظه الله ورعاه،
    تدهشني بقراءاتك الفذة لكثير من النصوص الأدبية، فأنت دائماً ترى "سياسةً" في النصوص الأدبية، فهي في نظرك نتاج مجتمع يعاني ـ أغلب أفراده ـ الظلم والحيف بسبب تسلط القوي على الضعيف.

    كان شيخي المرحوم الدكتور عبد الهادي بوطالب يقول لي: كل شيء سياسة، فإذا سألت عن سعر البصل في السوق، فأنت دخلتَ في السياسة، لأن هذا السعر تقرره السياسة الزراعية في الدولة، وسياسة الاستيراد والتصدير، وسياسة البنية التحتية والطرق، والسياسة الصحية، والسياسة التعليمية، وغيرها من السياسات.

    وقد توافرت لك المؤهلات جميعاً لتكون الناقد الأدبي السياسي اللامع، فثمة نقّاد أدب نفسانيون، ولم أسمع بنقاد أدب سياسيين.
    تمنياتي لك بالصحة التامة والإبداع المتواصل.
    أخوك: علي القاسمي

    الاديب العلامة
    براعة متناهية في الاختيار بقصة حدثها السردي المشوق والسلس برشاقة ممتعة , كأنها بانوراما سينمائية للمجتمع من خلال تسليط الضوء داخل الاسرة . والمهارة الاحترافية واسلوبها المهذب بالترجمة وعدم الانجراف الى العبارات الشهوانية الجنسية المبتذلة , بطرحها بتنسيق بشكل مهذب ( لمسني ) أو استخدام العبارات الجنسية الشائعةفي عموميات الجنس , عاهرات , بائعات الهوى بالمال , بطرحها بشكل رصين . حدث القصة يعطينا صورة المجتمع أو مرآة المجتمع من خلال احداث العائلة في الممارسة والعلاقة , تسلط الضوء على حقيقة المجتمع الامريكي وعومل تفسخه يبدأ بتفسخ العائلة في علاقاتها المتفككة , وهي صورة للمجتمع بصورة عامة , في الممارسات غير الشرعية وغير الاخلاقية . وصورة المجتمع المتفكك بالجريمة والمخدرات وابتذال الجنس وبيعها في في سوق العهر او بالجرائم المنظمة , كذلك توضح صورة العائلة في التعامل بينها داخل الاسرة . وما يتسرب من حالات مراهقة وصبيانية في السلوك والتصرف , وتبادل العلاقات , ان نزوع هذه الممارسات الى الانحرف, تصبح العائلة في مهب الريح . كما يسلط السرد القصصي العقلية الثقافية في المجتمع المتفكك , يبدأ بتفسخ العائلة لانها صورة مصغرة من صورة المجتمع الكبيرة . وكشفت الضوء على هذا المجتمع الغربي في انحرافات السلوكية الواضحة للعيان . اعتقد بان الاديب العلامة اختار قصة من اروع القصص الاجتماعية الامريكية وكاتبها المشهور , بهدف الدعوة الى تماسك كيان العائلة وعدم انفراطها أو انجرافها الى المغريات اللاشرعية واللاخلاقية , بأنها تحرث الى نسف كيان الاسرة والعائلة . وهي تؤكد بأن اصلاح المجتمع يبدأ باصلاح العائلة أو الاسرة في داخلها قبل اصلاح خارجها . براعة في اختيار قصة تسلط الضوء الكامل على الممارسات داخل العائلة لانها صورة المجتمع العام وممارساته المتفككة .
    تحياتي بالخير والصحة ايها العزيز والكبير

    أخي الحبيب المفكر الناقد الأديب الأستاذ جمعة عبد الله حفظه الله ورعاه،

    أصبتَ في نظرتك الفكرية، وأحسنتَ في طرحك، وأصبتَ ما رمى إليه الكاتب إدوارد جونز وما قصدتُه أنا من عنوان كتابي " مشاعل على الطريق" الذي ضمَّ هذه القصة وأخواتها. فهذه القصص هي مؤشرات على طريق الانحطاط. ويُطلَق على المفكرين الأمريكان الذين يرون أن أمريكا سائرة في طريق الانحطاط، اسم " الانحطاطيين" من طرف مناؤيهم.

    وكما تفضلتَ، فإن الكاتب يتفق معك على أنَّ مؤَسَّسة العائلة هي أساس المجتمع، ويؤدي تفككها وفسادها إلى فساد بقية المؤسسات.
    ولكي يدلل الكاتب على ذلك، تطرق َّ إلى بعض اختلالات مؤسسة الشرطة التي يفترض فيها المحافظة على النظام والقانون وحمايتهما. فأشار بتلميحات ذكية سريعة إلى سيارة الشرطة التي تراقب شقة هوراس، ففيها شرطيان، أحدهما نائم والآخر لا يعبأ بما يجري أمام عينيه، لأنه سيتقاعد بعد خمس سنوات ( وليس خمسة أيام). وتلميحه الثاني كان إلى أفراد شرطة السجن الذي يقللون من عملهم في فتح الزنزانات وغلقها، بزيادة عدد الموقوفين في كل زنزانة، خلافاً للانظمة. بالاضافة الى تلميحات ذكية عديدة.

    يكمن الفرق بين الناقد والقاص في أن الناقد يطرح الظاهرة بصورة تقريرية مباشرة، أما القاص فيطرحها تلميحاً بطريقة سردية ممتعة، وعلى الناقد إدراكها وجلاؤها، لترقية فهم القارئ للنص وزيادة متعته به.

    أزجي جزيل شكري إليك مقروناً بتمنياتي الطيبة لك بتمام الصحة، و كمال الهناء، وموصول الإبداع.
    محبكم: علي القاسمي

    الدكتور علي القاسمي المحترم
    تحياتي

    إختيار بارع نبيه لسردية قصصية ممتعة
    مبحرة في ديناميكية السلوك ومآلاته

    تَنوَرْنا بإبداعِكَ المضيئ !!

    خالص الود

    أستاذنا الجليل الطبيب العالم الأديب الدكتور صادق السامرائي حفظه الله ورعاه،
    أشكرك من القلب ـ سيدي ـ على تلطفك بكتابة تعليق كريم على قصتي المترجمة.
    إنني أفتخر بكلماتك الطيبة، وأعتز بها، فهي صادرة من عالم يعرف قيمة الكلمة.
    أزكى التحيات وأطيب التمنيات.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  

    القاصّ المبدع والمترجم البارع الدكتور علي القاسمي
    تحية وودّاً
    تعجبني القصص التي يكتبها ويترجمها الدكتور علي القاسمي وذلك لسلاسة أسلوبه وانسيابه والعناصر المشوّقة في القصص التي تجعل قارئها يتابعها إلى النهاية دون ملل. هذه القصة المترجمة جميلة ذكّرتني بفلم ألماني اسمه ( الملاك الأزرق Der blaue Engel ) تمثيل مارلين ديتريتش شاهدته في برلين أوائل الستينات من القرن العشرين تدور حوادثه حول بروفيسور محترم متقدّم في العمر وقع في حبّ غانية شابّة فترك مقعده الأكاديمي وصار تابعاً لها أو مرافقاً لها تقوده أنّى تشاء إلى أن انتهى الأمر به أن يصير مهرّجاً في كابريه يُكسر البيض على قبّعته المُزخرفة، فتنطلق ضحكات المشاهدينّ! فهي مأساة . وكذلك الحال مع السبعيني (هوراس) في هذه القصّة، فبينا هو شخص عسكري متقاعد محترم يأخذ صورة مع وزير الدفاع، إذا به شخص مبتذل يُلقى به في السجن! فعقدة القصّة التي قرأتها سريعاً وربّما سأعود إليها أو مغزاها أو ما أريد بها في رأيي هي أنّ الحياة مراحل وأنَّ لكل (عمر) دوره ومهمّته في الحياة ، فالحياة التي يقضيها الشاب هي ليست ذاتها التي يقضيها الشيخ الوقور أو الذي يجب أن يكون وقوراً. فالركض وراء (مغريات الجنس) في العمر المتأخر، وخصوصاً وراء الصبايا الحسان والفتيات اللعوبات لا يجلب غير المهانة والاحتقار والمطبّات، ويُستثنى من ذلك أصحاب الملايين والكروش، فلهم حساب خاص! فما تمتّع به المرء في شبابه لا يستمرّ، وإنْ أصرّ على الاستمرار فسيكون له نهاية لا تُحمد. وما فات من متعة في شبابه لا تُعوّض في شيخوخته، فلها دور آخر في الحياة. ولذا قال لآمارتين في (البحيرة)
    فلنغْـتَـنمْ فرصةً عنّتْ على عجلٍ
    مَنْ لمْ يبادرْ إليها ليس يَجنيهـــا

    ولْنُـتْـرعِ الكأسَ أفراحاً مشعشعةً
    فإنَّ جذوتَـنا الأقدارُ تُطفـــيـهــا

    فليس للمرءمـرفا يستجيرُ به
    وليس للنفس شُطـآنٌ فتحميهـا
    (ترجمة المعلّق)
    وأيّده الشيخ محمد سعيد الحبّوبي بقوله:
    واغتنمْ صفْـوَك قبل الرّنـقِ

    هل أخذ كاتب القصة فكرة القصّة من قصة / فلم الملاك الأزرق؟
    باقة ورد.

    عزيزي الشاعر المتألق المترجم الفذ الأديب المتميز الأستاذ بهجت عباس حفظه الله ورعاه.
    من جميل المصادفات أنني كنتُ قد قرأت، في مطلع الستينيات، رواية " الملاك الأزرق " للكاتب الألماني هاينريش مان (وهو أخو الأديب الألماني الكبير توماس مان، كما تعلم)، وتفاقمت متعتي عندما شاهدت الفيلم ، وحزنتُ كثيراً للذل الذي عاناه المعلم المحترم بسبب العشق الذي هو كالقدر لا راد له.

    ولا أشك مطلفاً في إمكان اطلاع الأديب الأمريكي إدوارد جونز على رواية "الملاك الأزرق" وقراءتها، فهو يضطلع بتدريس التقنيات السردية في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية. ولكني أحتمل أنه استقى موضوعة قصته " رجل غني" من الواقع الأمريكي.

    وأغتنم هذه المناسبة، لأرجوك أن تتكرم بتزويدي بترجمتك لقصيدة لامارتين "البحيرة "، لأنني استعملت بيتين منها بترجمة شاعر آخر، في روايتي " مرافئ الحب السبعة" ، وأجد الأبيات التي ذكرتَها هنا من ترجمتك، جميلة الأيقاع بديعة القافية. ولعلك تسمح باقتباس بيتين منها في الطبعة القادمة لروايتي، مع ذكر اسمك. وعنوان بريدي الإلكتروني هو: alkaisimi@gmail.com
    أرجو أن تتقبل مني جزيل الشكر، وخالص المودة، وصادق الاحترام.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  

    رائع في أعمالك الأدبية ورائع في اختياراتك الأدبية من الآداب الأجنبية لقد نعمت بوقت جميل مع هذه القصة
    مع تحيتي وشوقي
    قصي عسكر

    أخي الكريم الشاعر المتألق الروائي الأديب الكبير الدكتور قصي عسكر حفظه الله ورعاه،
    أنا سعيد بقراءة كلماتك الطيبة المتعلقة بارتياحك في قراءة القصة، فهذا أجمل تشجيع يحظى به كاتب أو مترجم.
    آمل أن تشرفني بزيارة في المغرب العزيز قريباً.
    أحر التحيات وأطيب التمنيات.
    علي القاسمي

    عزيزي الأستاذ الأديب والمترجم الماهر د. علي القاسمي
    أطيب تحايا منتصف الليل !
    كثيراً ما يقال دلالة على الإعجاب بالترجمة بأن القارىء يحس أنه إنما يقرأ نصاً مكتوباً باللغة الأصلية للكاتب صاحب النص وهذا التعبير ينطبق حقاً وصدقاً على ترجمتك المتوهجة في عربيتها وأما مسألة التمييز والفصل العنصري فهذه جرح ظل غائراً في جسد الإنسان المخدوع عبر تأريخه ولكن إرادة الخير هي التي تنتصر في النهاية مع أن ضريبة الإنتصار ظلت مهولة ،،،،،،
    ا
    الكاتب ذكي ويمتلك أدواته ببراعة وسيطرة على الموضوعات التي تداخلت فيها السخرية والجد ..
    تقبل تقديري ومودتي

    صديقي العزيز الشاعر المتميز الأستاذ سامي العامري حفظه الله ورعاه،
    أنت على حق في حكمك على قدرات الكاتب في السرد، فأدوارد جونز يدرّس تقنيات القصة والرواية في الجامعة، وكتبه القليلة في عددها الكبيرة في جودتها، نالت أغلى الجوائز في امريكا.
    أرجو أن تتقبل مني أحر تحياتي وأطيب تمنياتي.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  

    الأديب المبدع الدكتور علي القاسمي
    تحية وودّاً
    أرسلت إليك الترجمة الشعرية كاملة مع النصّ الأصلي الفرنسي والترجمة الإنكليزية له قبل ساعتين تقريباً. أرجو أن تكون وصلتك. أعتقد أن عنوان (إيميلك) احتوى على حرف i زائد بعد حرف الـ a الثانية أظنّه كان خطأ طباعيّاً.
    محبّتي
    بهجت

    عزيزي الشاعر المتألق المترجم المتعدّد الأديب الأستاذ بهجت عباس حفظه الله ورعاه،
    أشكرك على رسالتك الكريمة التي وصلتني بفضل نباهتك وكرمك، مرفقة بترجمتك الشعرية الجميلة للبحيرة.
    تمنياتي الطيبة لك بالصحة والخير والهناء.
    معزّكم: علي القاسمي

    الدكتور المبدع الاستاذ علي القاسمي المحترم
    حيّاكم الله وكل عام وانتم بالف خير

    تشترك الترجمة كخطوة أولى في إظهار العمل المُترجَم للقارىء
    كقيمة فنية .. فيما سيتابع (القارىء) بقية العوامل الداخلة في نجاح
    النص.
    الأستاذ القاسمي له الفضل الأكبر بأن يأخذ المتلقي من كلتا يديه
    لمتابعة نصوصه المترجمة لما يمتلك من لغة رشيقة تستأنس لها
    النفس و المشاعر.. وهذا ليس بجديد لكاتب و قاص قضى من حياته ردحا من الزمن في تعامله مع غريمته اللغة،
    تأليفا و دراسة و بحوثا أكاديمية فيها و لها.
    ثم يلي كل هذا : النظر الى ما هيّة النص و بواطنه و الآلية التي كتبتْ على منواله .. الحوادث، الإنفعالات، الشخصيات و العواطف
    نجد قد أفلح الكاتب في فضح (خلية واحدة) من جسد المجتمع الأمريكي الذي ساد فيه و عم التفسخ و الإنحلال الخلقي بكل مظاهره.
    شكرا على هذه التحفة ترجمة و اختيارا.

    أدام الله ظلالك الوارفة و انعم عليك بالصحة و العمر المديد
    استاذنا علي القاسمي.

    عزيزي الشاعر الأديب المتألق الأستاذ زياد كامل السامرائي حفظه الله ورعاه،
    أشكرك جزيل الشكر على ثنائك الكريم على ترجمتي. ولكنني كلما أراجع نصي المترجم أجد أنه ما يزال ناقصأً، ولهذا تخضع نصوصي لعدة مراجعات وتدقيقات. ومع ذلك، فأنا لا أعدّ اللغة العربية ولا الأجنبية غريمة، بل أحسبها حبيبة.

    تفضلت فأشرت إلى أن الكاتب إدوارد جونز قد أفلح في فضح خلية من المجتمع الأمريكي. ولكنك لو اطلعت على كتابي " مشاعل على الطريق" لوجدت أن جميع الكتاب الأمريكان قد أفلحوا في تعرية الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية في مجتمعهم.
    ويعود السر في ذلك إلى أنني اخترت كبار الأدباء الأعلام، وهؤلاء أصحاب رسالة في فنّهم، ولا يخشون فضج الممارسات السلبية. أما صغار الكتّاب، فهمّهم أن يكتبوا قصة تمتع القارئ.

    أكرر شكري الجزيل لك ـ أخي العزيز ـ وتمنياتي الطيبة بالصحة والخير والهناء.
    معزّكم علي القاسمي

    1.  

    الأديب الكبير المبدع الدكتور علي القاسمي
    إن شاء الله إذا سنحت لي فرصة أزورك فلي الشرف أن التقي أديبا فذا مثلك ذا خلق عال وقلم مقتدر
    أخوك قصي

    أخي الأديب الكبير الدكتور قصي،
    مرحباً بك في منزل أخيك حينما تشرفني.
    أخوك علي

    أستاذنا علي القاسمي،
    أنت لست غريبا علي في إبداعاتك و في ترجماتك التي هي إبداع في الصميم،فأنا تعرفت عليك منذ زمان و على ما أتذكر في الملحق الثقافي لجريدة العلم المغربية،و كنت أتابع كتاباتك بشغف لأنني كنت أرى فيها الإضافة النوعية و الجدية اللازمة لكل كاتب يريد أن تكون له مصداقية لدى المتلقي,(كنت أنا أيضا أنشر في هذا الملحق أيام كان يشرف صديقي العزيز الشاعر نجيب خداري)
    في هذه القصة كنت مبدعا ،و كنت حريصا على التشبث بأسس الترجمة التي منها الحفاظ على روح النص المترجم ما أمكن.
    سعدت بلقائي بك هنا
    و دمت مبدعا رائعا

    أخي العزيز الشاعر المتألق والناقد الأديب الأستاذ مصطفى معروفي حفظه الله ورعاه،
    شكراً جزيلاً أخي الكريم، وكما تفضلتَ فإننا وإن لم نلتقِ بشخصنا، فإننا كنا نلتقي على صفحات الملحق الأدبي لجريدة العلم عندما كان يرأس تحريرها المرحوم عبد الجبار السحيمي ومن بعده الصديق المشترك الشاعر نجيب خداري.

    وكنتُ أستفيد من دراساتك النقدية القيمة، وأحلتُ عليها في عدد من دراساتي ، وهذا شرف أعتز به. فنقد الشعر لا يجيده إلا شاعر مبدع نضجت أدواته النقدية، وازدهرت خبراته الشعرية، مثل سعادتك.

    أكرر شكري الجزيل لكلماتك الطيبة وأفتخر بها لأنها صادرة من شاعر كبير وناقد خبير.
    أرجو أن تتقبل مني أطيب التمنيات لك بموفور الصحة والهناء وموصول الإبداع والعطاء.
    محبكم: علي القاسمي

    مقالات ذات صلة