أصدقاء الدكتور علي القاسمي

مقال حول رواية " الشيخ والبحر"


الحسين أيت باها، مقال حول رواية " الشيخ والبحر"

 

إن ما يميز رواية " الشيخ والبحر" للروائي الأمريكي ارنست ميلر همينغواي،  هو الاختزال الشديد، الذي يطغى على أحداثها، بفعل إعادة الكتابة، وحري بالناقد الأدبي أن يسائل النص من الناحية الأدبية والفنية والجمالية للتعرف على مكامن القوة فيه. غير أن المترجم  الدكتور علي القاسمي عمل على تدليل الصعوبات من خلال تقريب المتلقي العربي من الترجمة الأصلية، لقصور الطبعة الأولى عن إبراز مكامن الجمالية في الرواية،والتي رغم أنها لقيت نجاحا كبيرا، إلا أنه مازال يكتنفها الغموض بالنسبة للقارئ العربي،ويمكن القول إن الثقافة الأمريكية أصبحت مألوفة لدى القارئ العربي، لأن العولمة الحديثة قربت الثقافات بعضها من بعض، فما عدنا نسمع عن الأدب الغرائبي أو الأدب الغربي، بل اجتمع كل ذلك في بوثقة واحدة اسمه الأدب العالمي. 

إن مقاربة هذه التجربة الروائية التي كتب عنها مرات، ونعود إليها مرة أخرى، يجب أن تكون من منظور جديد، إن القراءة هي عملية اكتشاف وتأويل جديدة،فما مظاهر هذا المنظور الجديد؟ 

و القراءة الواعية هي القادرة على استكناه جماليات النص الروائي من خلال موضوعة واحدة، هي مدار الحكي، واللعبة السردية المكشوفة منذ البداية.في الفقرة الأولى حيث عرف الكاتب بشخصيته الفريدة، العجوز الهرم الذي نكأته جراح السنين. 


 إن رواية الشيخ والبحر تخلق عالما خاصا بها، حافلا بالأحداث والوقائع الخاصة بفضاء خاص وبطل لم تخنه التجربة، ويأبى الاستسلام، أو الركون إلى الهزيمة، بل نراه يواجه الأخطار و يركب أمواج المغامرة، متسلحا بأمل حلم ينبعث من موت وعجز لا سبيل للخلاص منه؛ وتكشف وحدة الرواية عن موضوعة الأمل التي سنحاول التركيز عليها في هذا التحليل: 

تيمة الأمل: 

يحيا الانسان على الأمل في أن يعيش حياة جديدة، مناسبة لتطلعاته وأحلامه، و لأجل ذلك يسعى كل واحد لتحقيق أحلامه بطريقة أو أخرى،وقد تحقق ذلك في الرواية من خلال  الأحلام التي كانت تراود الشيخ وتدفع لمجابهة البحر وعدم الاستسلام أو الاعتراف بالهزيمة، رغم قلة الصيد، و مصارعته للقروش والانتصار عليها رغم ضعفه وعجزه. و تلقينه للغلام الصبي مبادئ الصيد و رهانه عليه.


إن هذه الرغبة المشتعلة والمتولدة للعجوز في اقتحام البحر ومخاطره رغم كبر سنه، و ذهابه كل يوم وجد فيها الكثير من الكتاب بارقة الأمل في الرواية تلخص المتن الذي راهن عليه الروائي وهو يكتب روايته، ولا بد أنه كان قريبا من عالم البحر وأمواجه، وكان يعيش في أخر سنوات عمره حياة هادئة، عندما  كتب هذه الرواية، غير أن هذا الهدوء البارز كان يحمل في طياته صراعا داخليا، يتضمن شيئا من الحكمة التي ملأ بها قلبه، و التي انعكست مظاهرها على شخصية العجوز بطل الرواية، المؤمن دوما بإيجابية الحياة و إقباله عليها. 

تطغى لغة الجمل القصيرة على أجواء القصة، وتحركها بحوافز وأفعال الكلام، وهذه قوة الكاتب، في السرد والحبكة وأن يصطنع من الهدوء والتعقل صراعا و حوارا مثيرا بين الشيخ والغلام أو بين الشيخ ونفسه، وهذه المناجاة الداخلية قادرة على استبطان النفس البشرية، وهي تغوص في عالم يجمع بين الماضي والحاضر، بين الشباب والشيخوخة، بين العجز والقوة. بين الخير والشر. بين الصراع والتٱلف والمحبة، بين الصمت والصراخ وهيجان البحر. 

إن هذه الرواية تعلمنا قيمة نضال الإنسان من أجل التحكم في الطبيعة ولتسخيرها لترقية حياته، دون أن يفقد إيمانه وثقته بنفسه جراء الانتكاسات التي يتعرض لها.


الحسين أيت باها





مقالات ذات صلة