أصدقاء الدكتور علي القاسمي

حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والإعلان العالمي دراسة مقارنة من خلال كتاب الدكتور علي القاسمي




حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والإعلان العالمي

دراسة مقارنة من خلال كتاب الدكتور علي القاسمي





يعد كتاب الباحث العراقي علي القاسمي والمعنون بـ: "حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والإعلان العالمي" (الصادر عن سلسلة المعرفة للجميع، العدد 22 - الدار البيضاء - المغرب)، من البحوث العلمية التي قاربت إشكالية حقوق الإنسان بين منظورين: القيم الغربية - التي يعتبرها الغرب ومعهم العلمانيون العرب قيمًا كونية عليا - في مقابل القيم والحقوق المنبثقة من الشريعة الإسلامية - التي تعد في نظر هؤلاء قيمًا محلية وثانوية - لكن هذا الكتاب القيم حاول باحترافية عالية وضع مقارنة علمية على ضوء مركزات أساسية: من حيث المصطلح، وطبيعة الحق، والمخاطب، والمرجعية، والالتزام والدوافع، والنطاق والشمولية.

إذًا، منذ أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 10 ديسمبر / كانون الثاني 1948، والدول الغربية تعده جزءًا من تراثها القانوني، ونتاجًا من معطيات حضارتها، وعنوانًا لتقدمها،من هذا المنطلق سلطت كاميراتها على الإسلام، ووصَمَتهْ بأنه يمثل "خرقًا حقيقيًّا لحقوق الإنسان!" بزعم عدم المساواة بين المرأة والرجل في الشريعة الإسلامية، وبدعوى عدم احترام بعض الدول الإسلامية للحريات العامة، أو قيامها بممارسات تتنافى وروح الديمقراطية!

ولمحاولة إزالة الغبش والتشويه، الذي تلحقه المؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية بقيم حقوق الإنسان في الإسلام، قام صاحب الكتاب الدكتور علي القاسمي بتشريح الدراسة إلى خمسة أبواب رئيسة:
 الأول: ركز فيه على تعريف مفهوم حقوق الإنسان في الوقت الحاضر.
• الثاني: حقوق الإنسان في الإعلان العالمي.
 الثالث: حقوق الإنسان في الإسلام.
 الرابع: مقارنة بين حقوق الإنسان في الإعلان العالمي وحقوق الإنسان في الإسلام.
 الخامس: الخلاصة والاستنتاجات.

رغم البون الشاسع بين التشريع الرباني والتشريع البشري/ شتان بين الثرى والثريا،شتان بين المنزلتين، فأنى لنور السهى من شمس الضحى؟! لكن فيهذا المقال ركز الباحث - تجاوزًا - على "البعد المقارناتي" بين حقوق الإنسان في الإسلام وحقوق الإنسان في الإعلان العالمي من خلال القضايا الآنفة الذكر، نعرض لها في هذا الجدول بشكل مبسط للاستيعاب والفهم الدقيق:
المقارنة
الإعلان العالمي
الشريعة الإسلامية
المصطلح
مثلًا المصطلح السياسي المعاصر "الديمقراطية" الوارد في المادة الحادية والعشرين في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل نظام الحكم، وأن الأمة هي مصدر السلطات.
المصطلح الإسلامي: الشورى، التي تعني مشاركة أبناء الأمة في تدبير أمورهم.
الخصائص المشتركة: المساواة بين الأفراد، وحرية التعبير والتفكير، وأن المصطلحين ينتميان إلى منظومة مفهومية واحدة، مدارها "نظام الحكم".
نقاط الخلاف: ينتميان إلى منظومتين مصطلحيتين مختلفتين؛ فالمنظومة المصطلحية الإسلامية تستخدم مصطلحات "ولي الأمر"، الرعية...في حين تستخدم المنظومة المصطلحية الغربية: المسؤولين، رئيس الوزراء، المواطنين...كما يختلفان في الفلسفة والمرجعية؛ فالإعلان يمتح أسسه من الفلسفة الغربية وجذورها التاريخية..بينما النموذج الإسلامي يستقي مرتكزاته من العقيدة الإسلامية وثوابتها الشرعية وفقه الواقع...
لهذا ركزت بعض بلدان العالم الإسلامي في محاولة الجمع بين الشريعة الإسلامية مع الاستفادة من التجارب الغربية في مجال الانتخابات وتدبير الحكم من المنطلق النبوي: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"،وبعضها الآخر التجأ إلى مبدأ الديمقراطية الغربية في محاولة ضرب ثوابت الأمة الإسلامية، كما هو الشأن بالنسبة للمساواة في الإرث..ومبدأ المواطنة للدفاع عن زواج المثليين...
طبيعـــــة الحق
لقد استخدم الإعلان العالمي مصطلح حقوق الإنسان:
• جاء في المادة 27: "لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية"، وهو حق للفرد، له أن يتمتع به، وله أن يتنازل عنه إذا شاء.
لقد استخدم الإعلان العالمي مصطلح حقوق الإنسان:
• جاء في المادة 27: "لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية"، وهو حق للفرد، له أن يتمتع به، وله أن يتنازل عنه إذا شاء.
لقد استخدم الإعلان العالمي مصطلح حقوق الإنسان:
• جاء في المادة 27: "لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية"، وهو حق للفرد، له أن يتمتع به، وله أن يتنازل عنه إذا شاء.
-                   بصيغة أخرى: لصاحب الحق أن يمارس حقه، أو أن يتخلى عنه برضاه.
بصيغة أخرى: لصاحب الحق أن يمارس حقه، أو أن يتخلى عنه برضاه.
بصيغة أخرى: لصاحب الحق أن يمارس حقه، أو أن يتخلى عنه برضاه.
إذا كان مصطلح حقوق الإنسان لم يرد حرفيًّا في القرآن الكريم، فقد وردت كلمة "حق" بنفس المعنى، مثل قوله تعالى: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 19].
لكن الإسلام قدس حقوق الإنسان، وعدها من الضرورات الإنسانية التي تبيح المحظورات الدينية، طبقًا للقاعدة الفقهية: "صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان".
ويعد الحفاظ على الصحة واجبًا دينيًّا؛ كما في حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه: ((إن لربك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لبدنك عليك حقًّا؛ فأعطِ كلَّ ذي حق حقه)).
من مظاهر الاختلاف: تقديس الإسلام للحقوق، مبدأ عدم سقوط عامة الحقوق بالتقادم، كما هو الحال في القوانين الوضعية.
المخاطـــــب
المسؤول عن حماية حقوق الإنسان هو الدول والسلطات الحكومية، كما نص على ذلك الإعلان العالمي في ديباجته: "المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم، حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات".
في الإسلام فإن كل نوع من الحقوق يفرض واجبًا على فرد أو أفراد آخرين معينين، بالإضافة إلى المجتمع وأولي الأمر فيه،ففي نطاق الأسرة مثلًا قرر الإسلام حقوقًا للآباء على الأبناء؛كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، وقرر حقوقًا للزوج على الزوجة نظيرواجبات الزوجة نحو الزوج: "إن لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهن حق".
المرجعيـــــة
• تتمثل مرجعيته القانونية في "الإعلان عن حقوق الإنسان والمواطن": "الذي أقرته الجمعية الوطنية الفرنسية إبان الثورة الفرنسية سنة 1789م".
• كما استفاد من إعلان الاستقلال الأمريكي الذي صدر سنة 1787، الذي تضمن عددًا من حقوق الإنسان الرئيسية؛ كمبدأَيِ الحرية والمساواة بين الناس، والحرية والسعادة.
• كما استفاد من التراث القانوني الإنجليزي، وخاصة الوثيقة العظمى Magna Carta.
أما بالنسبة للإسلام فالباحث لا يسعه إلا أن يقر بأصالة وتفرد نصوص الشريعة الإسلامية التي عالجت حقوق الإنسان،ولنأخذ ركنًا أساسيًّا من أركان حقوق الإنسان، ألا وهو "المساواة" التي جاء بها الإسلام لا نجدها في القوانين والشرائع التي سبقته:
• البرهمانية: قسمت المجتمع إلى طبقات.
• العبرانيون: يعتقدون بأنهم شعب الله المختار.
• اليونانيون القدامى يعتقدون بأنهم أرقى من بقية الشعوب التي يطلقون عليها اسم البرابر.
الالتزام بالتطبيــــــــق
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يكاد يخلو من تحديد الجهة المكلفة بتنفيذه، أو الإجراءات التي تتخذ بحق من يخرق تلك المبادئ... وكمثال: الإعلان العالمي الذي يقر الحرية ويمنع التمييز العنصري قد صدر في وقت كانت فيه جنوب إفريقيا تمارس التمييز العنصري،وكانت عدد من الدول الأوربية مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا تستعبد شعوبًا كثيرة تحت مسميات مختلفة، مثل: المستعمرات...
• الحدود مقررة بوضوح، وخرقها يستدعي عقوبتين؛ دنيوية ينزلها أولياء الأمور، وأخروية تتمثل في العذاب الذي يحيق بالظالمين يوم الحساب ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].
الدوافــــــــــع
إن من يمعن النظر في الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي صدرت فيها الوثائق القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان، يجد أن صدورها أعقب ثورات داخلية اندلعت نتيجة لظلم اجتماعي فادح، أو بعد حروب عالمية مدمرة اشتعلت نتيجة اختلال ميزان العدالة:
• فوثيقة العهد الأكبر Magna Carta صدرت عام 1215 بعد محاولة الملك "جون" عاهل إنجلترا زيادة الضرائب على أراضي الإقطاعيين الذين قاموا بثورة مسلحة أجبرت الملك على إصدار تلك الوثيقة التي كانت تهدف إلى حماية اللوردات الإقطاعيين في وجه استبداد الملكية آنذاك.
• إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1787م بعد الحرب ضد بريطانيا؛ لفرضها ضرائب على الولايات دون تمثيل لها في البرلمان.
• إعلان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789 إبان الثورة الفرنسية.
• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 بعد الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة حوالي 50 مليون نسَمة.
أما إعلان حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية فلم يعقب ثورة أو حربًا، ولم تصدره سلطة تتوخى منه استتباب الأمن والنظام، وإنما نصَّتِ الشريعة الإسلامية على حقوق الإنسان توخيًا لتحقيق مقاصدها الشريفة، ويتفق الفقهاء على أن مقاصد الشريعة الإسلامية هي خمسة:
1-  حفظ النفس
2- حفظ العقل
3- حفظ الدين
4-  حفظ النسل
5- حفظ المال
كل مقصد من هذه المقاصد يتطلب تحقيقُه تمتيع الإنسان بعدد من الحقوق،فمقصد حفظ النفس، مثلًا، يتطلب المحافظة على حياة الإنسان وأمنه وتوفير متطلبات الحياة الضرورية له؛ كالمأكل والمسكن والملبس وغير ذلك.
النطــــاق والشموليـــة
لقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 بأن هذا الإعلان يشوبه النقص ولم يستوفِ أركان الموضوع كافة، عندما لجأت إلى إصدار عدة وثائق تعد مكملة لهذا الإعلان، من أهمها:
أ‌-  الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية.
ب‌- الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ت‌- إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة.
سعيُ الإسلامِ لتربية أبنائه على حقوق الإنسان: واضحٌ جليٌّ؛ فالإسلام لم يكن مجرد عقيدة سماوية روحية خلاقة فحسب، بل كان وما زال يشكل منهجًا فكريًّا خلَّاقًا يشتمل على منظومة من الأنساق التربوية والفكرية والاجتماعية للوجود الإنساني، إنه منهج عمل، ومنطلق حياة، ورسالة إنسانية تتميز بأسمى عطاءات الخلق والإبداع، وفي نسق هذه العطاءات الربانية تأخذ تربية الإنسان مركزًا جوهريًّا في نسق العقيدة التربوية الإسلامية، ولا يمكن أبدًا الفصل بين الجوانب التربوية والجوانب العقائدية في الإسلام؛ لأن الفكر التربوي ينبثق من صُلب العقيدة، ويبلورها حقيقة إنسانية مسكونة بأسمى التوجهات الروحية الخلاقة.

عمومًا، ومهما قيل عن تردي الوضع الحقوقي في العالَمين العربي والإسلامي، فذلك راجع إلى مشكلة التنزيل على أرض الواقع علمًا وعملًا، وليس القيم الإسلامية الربانية الراسخة.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/97622/#ixzz5CfyhBvl2

مقالات ذات صلة