أصدقاء الدكتور علي القاسمي

كتاب « مفاهيم الثقافة العربية للدكتور علي القاسمي الدكتورة سناء الشعلان


صدور كتاب

صدور كتاب “مفاهيم الثقافة العربية” للعلامة علي القاسمي* د. سناء الشعلان كتبه: 

فى: فى: المجتمع المدني


صدر هذا الشهر عن نادي حائل الأدبي الثقافي، كتاب للدكتور علي القاسمي عنوانه “مفاهيم الثقافة العربية”، يقع في 318 صفحة من القطع الكبير، ويشتمل على مقدمة بقلم رئيس النادي الأستاذ الدكتور نايف بن مهيلب الشمري، وسبعة عشر فصلاً يتناول أولها مفهوم المفهوم، وتدور الفصول الباقية حول المفاهيم التالية: الحياة، الحرية، العِلم، الوطن، الجوار، التكبّر والتواضع، الصداقة، المرأة، الحبّ، الجمال، المال، الكرم، الغربة والاغتراب، البكاء، الشيخوخة، الموت. ويجمع الكتاب بين الفلسفة والأدب، أو قُل قضايا فلسفية على عروش أدبية يانعة. وكُتِبت فصول الكتاب بأسلوب ميسّر سلس يسهّل القراءة ويدعم الاستيعاب.
يقول الدكتور الشمري في تقديمه للكتاب: ” يأتي هذا المنجَز الثقافي (مفاهيم الثقافة العربية) في نهج جديد وطرح غير مسبوق… حيث استطاع الباحث، من خلال خبرته الطويلة ومؤلفاته المتنوعة، أن يضع لنا مادة ثقافية جمعت بين الأمثال السائرة والأقوال المأثورة، وصولاً إلى تأصيل فلسفي نحو ثقافة المفاهيم؛ مستفيداً من ثروته اللغوية، وإسهاماته في مجامع اللغة العربية، ودربه الطويلة حفراً في أخاديد اللغة العربية وأسرارها…”

وسنعرض فيما يلي لمحة عن بعض المفاهيم التي تناولها الكتاب.
1 ـ مفهوم المفهوم:
في فصله الأول، “مفهوم المفهوم” الذي يُعدُّ مقدمة الكتاب، يعرّف المؤلّف ” المفهوم” بأنه تمثيلٌ فكري أو تصوُّرٌ ذهني لشيء ما أو لصنفٍ من الأشياء التي لها خصائص مشتركة، ويعبَّر عنه بمصطلحٍ أو رمزٍ حرفيّ أو أي رمز آخر، بحيث إذا ذُكِرَ المصطلحُ أو الرمزُ أمام المرء، يتبادر إلى ذهنه صورة ذلك المفهوم فيحصل عندئذٍ فهم الكلام.
وفي هذا الفصل يتطرق المؤلِّف إلى خصائص المفهوم الجوهرية، وهي تلك السمات الرئيسة الذاتية الدائمة الثابتة للشيء، مثل خصائص الشكل ( مسمار لولبي)، والحجم (نُهير)، والمادة (منضدة خشبية)، واللون (الأشعة فوق البنفسجية)، والطعم (حامض النتريك)، والحرارة ( 5 تحت الصفر). ويشرح خصائص المفهوم العرضية وهي السمات الثانوية الخارجة عن ذات المفهوم، مثل خصائص الغرض كالوظيفة (ساعة منبِّهة)، والموضع ( عجلة خلفية) وطريقة الصنع (حرير صناعي)، وبلد المنشأ ( سيف يماني)، والمُنتِج ( سيارة مرسيدس).
ويتطرق المؤلِّف بالشرح إلى بُعدي المفهوم الأساسيين: الكمي والكيفي، وإلى تكوين المفاهيم في ذهن الإنسان، والشبكات المفهومية حيث ترتبط المفاهيم فيما بينها بعلاقات منطقية ووجودية. ويجرّه هذا الموضوع إلى الخوض في العلاقة بين اللغة والفكر، والاعتراضات على هذه المقاربة العقلانية للوجود.

2 ـ مفهوم الحياة:
في فصل (مفهوم الحياة)، يحاول المؤلِّف أن يستخلص سرَّ الحياة من النصوص الدينية والأدبية العربية، فيرى أن الأدباء العرب، منذ العصر الجاهلي حتى يومنا هذا، يعربون عن جهلهم التام بهذا السر ويلخص هذه اللاأدرية إيليا أبو ماضي في قصيدته المشهورة ” لست أدري”:
جئتُ لا أعلمُ من أينَ، ولكنّي أتيتْ
ولقد أبصرتُ قدامي طريقاً فمشيتْ
وسأبقى سائراً إن شئتُ هذا أم أبيتْ
كيف جئتُ؟ كيف ابصرتُ طريقي؟
لستُ أدري.
وتشتمل هذه اللاأدرية على جبرية الحياة، فهي مفروضة علينا وليست باختيارنا؛ إذ إنها في حقيقتها مثل ” ذلكَ القيد الذي يضحكُ منّي عليّا”، كما قال الشاعر المغربي عبد الكريم ثابت (1915 ـ 1961). وبتعبير أحد رواد الشعر الحرّ العراقي عبد الوهاب البياتي ( 1926 ـ 1999):
محكوم بالإعدام أنا
مع وقف التنفيذ
عقوبتي: الحياة.
والعرب جميعاً، علماء وأدباء وشعراء وجميع الناس، يعلمون أن الحياة زائلة، تماماً مثل أحلام نائمٍ، أو مثل ظلٍّ زائل، أو مثل أصداء الخُطى. كما أنهم يُدركون أن الحياة قصيرة مهما طالت، وأنها لا تتسع لآمالنا وطموحاتنا أو كما قال الشاعر العباسي البحتري(ت 284 هـ):
لنا في الدهر آمالٌ طوال نرجّيها، وأعمارٌ قصارُ
والحياة تنطوي في ذاتها على الموت، فسعينا في الحياة يسير بنا إلى الموت، فالحياة تقوّض نفسها بنفسها، أو كما قال الشاعر أبو الفتح البستي (ت 400 هـ):
كذلك دودُ القزِّ ينسجُ دائماً ويهلك غماً وسط ما هو ناسجُهْ
ويستخلص المؤلِّف خصائص الحياة المثالية في الثقافة العربية فيلخّصها في ثلاث: الأمن، والصحة، والمعيشة التي تليق بالكرامة الإنسانية. ولكن كيف ينبغي لنا أن نعيش حياتنا بعد ذلك؟ يستعرض المؤلِّف الأجوبة المختلفة التي تقدّمها الثقافة العربية منذ ملحمة جلجامش إلى أدباء القرن الحادي والعشرين الميلادي، ويلخّصها في جوابيْن:
الأول للشاعر البحريني الجاهلي، طرفة بن العبد في معلقته ( ت 569م):
ألا أيهذا اللائمي أحضُرَ الوغى وأن أشهد اللذاتِ، هل أنتَ مُخلِدي؟
فإن كنتَ لا تسطيعُ دفع منيتي فدعني أُبادرها بما ملكت يدي
والثاني لفقيه أندلسي من القرن الخامس الهجري هو سليمان الباجي الذي قال:
إذا كنتُ أعلم علماً يقيناً بأنَّ جميع حياتي كساعهْ
فَلِمْ لا أكون ضنيناً بها وأجعلها في صلاح وطاعهْ
ويختم المؤلّف فصله هذا في مناقشة قضيتين هما سأم الحياة والخلود في الحياة.
3 ـ مفهوم الحرية:
يبدأ المؤلِّف هذا الفصل بمقولتيْن هما:
” الوعي بقضية الحرية هو منبع الحرية” للدكتور عبد الله العروي في كتابه ” مفهوم الحرية”، و” الأحرار وحدهم يكتبون عن الحرية” لجبران خليل جبران في كتابه ” النبي”.
يعرّف المؤلّف أوّلاً الحرّية بأنها حالة يكون فيها الإنسان قادراً على مزاولة إرادته في الفعل أو عدم الفعل من دون ضغوط خارجية (جسدية) أو داخلية ( نفسية) تحدُّ من تلك الإرادة.
ثم يقدّم دراسة تاريخية فلسفية حول تطور مفهوم الحرية في مراحل متعدِّدة كان أولها التحرُّر من الطبيعة بعد أن كان الإنسان جزءً من الطبيعة، مثل بقية الحيوانات، ثم أخذ يستخدم ثقافته في التحكُّم بالطبيعة واستثمارها لترقية حياته. ثم التحرُّر من السلطة، عندما أصدر الملك أوركاجينا الذي اعتلى العرش في مدينة لجش السومرية حوالي عام 2350 ق.م. وثيقةَ قوانين تحدُّ من تعسف السلطة وتحمي حرية المواطن. ويقول الباحث الروسي الأمريكي صموئيل نوح كريمر ( 1897 ـ 1990) في كتابه ” السومريون” إن تلك الوثيقة استخدمت كلمة ” حريّة” لأول مرة في التاريخ المدون للإنسان.
ثم أصبحت كلمة ” حرية ” مقابلاً للأسر، ثم مقابلاً للسجن، ثم مقابلاً للعبودية التي صارت نظاماً اقتصادياً في العالم لفترات طويلة، ثم مقابلاً للحواجز المادية أو النفسية التي تمنع الإنسان من التصرُّف بكامل إرادته، كما في حالة الشاعر الضرير أبو العلاء المعري ( ت 449 هـ) الذي قال:
أراني في الثلاثةِ من سجوني فلا تســـأل عن الخبر النبيثِ
لفقدي ناظري، ولزوم بيتي وكون النفس في الجسد الخبيثِ
وقد أصبحت الحرية لدى المتصوفة حريّة النفس من الشهوات، فقال الجنيد شيخ الطريقة في عصره ” الحرية هي حرية القلب لا غير.”
وفي العصر الحديث، توسّع مفهوم الحرية، بحيث أصبحت الحرية ضد الاستبداد، وضد الاستعمار، وأقرّت الحكومات ثلاثة أنواع من الحريات هي:
ـ الحريات الطبيعية التي يتمتَّع بها الإنسان بوصفه كائناً حيّاً مثل حرية الحركة والتنقل.
ـ الحريات المدنية التي تكفلها الدولة لجميع القاطنين بها، مثل حرية الزواج وتكوين الأسرة وحرية التعاقد، إلخ.
ـ الحريات السياسية التي يخولها القانون للمواطن للقيام بأعمالٍ لها ارتباط بحقوق الناس مثل حرية المعتقد، وحرية التعبير عن الرأي ، وحرية المشاركة في الانتخابات، وحرية إصدار الصحف.
-وتوسعت الأمم المتحدة مؤخَّراً فأضافت الحريات الاقتصادية التي تضمن للمواطن دخلاً يحقّق له حياة تليق بالكرامة الإنسانية. وأصبح في وسعنا النظر إلى الحرية بأنها مقابل الفقر.
ويدرس المؤلّف الحرية من زاوية علم النفس، ليقرر ما إذا كانت الحرية طبع أم تطبع، وتميل الثقافة العربية إلى أن الإنسان ولد حراً ، فالحرية هي جزء من طبيعته، كما في مقولة الخليفة عمر بن الخطاب (ر): ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟” وكذلك مقولة ألإمام علي كرم الله وجهه: ” لا تكُن عبد غيركَ وقد جعلك الله حراً” ، وهي مقولة نظمها أحدهم شعراً:
حُراً ولِدتَ فلا تكُنْ مستعبدا لا العبدَ كنتَ ولا سواكَ السيدا
ويختم المؤلّف هذا الفصل في مناقشة حدود الحرية، وربط الحرية بالمسؤولية، وجرّه هذا الموضوع إلى مناقشة الجبر والاختيار في الفكر الإسلامي، وهل الإنسان حرّ في اختيارِ أفعاله أم أنه مسيّر في ذلك.
4 ـ مفهوم العلم:
ينصبُّ الفصل الرابع من الكتاب على مفهوم العلم. ويرى المؤلّف أن الانفجار المعرفي لدى العرب المستعربة يعود الفضل فيه إلى بزوغ الإسلام وسطوع شمسه على الإنسانية. ويرى أن النظام المعرفي في الإسلام تحكمه ثلاثة مبادئ:
1ـ مبدأ العلم لله العليم. وتكمن أهمية هذا المبدأ في أنه يلغي احتكار العلم إلغاء شاملاً، ويلغي كلَّ وصاية عليه. فما دام العلم لله، فإن لجميع خلق الله الحق في نيل شيء منه، كل حسب استطاعته؛ تماماً مثل “مبدأ المُلك لله” إذ يحق لجميع عباده التملك، لأن الإنسان خليفة الله على الأرض.
2ـ مبدأ لا محدودية العلم. ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وهو مبدأ يفتح باب البحث العلمي على مصراعيه.
3ـ مبدأ وجوب التعلُّم. ( طلب العلم فريضة على كل مسلمة ومسلمة)، وهذا المبدأ يجعل التعليم واجباً على الدولة، والتعلُّم واجباً على الفرد.
ويتطرَّق هذا الفصل إلى المكانة السامية التي خصَّ بها الأسلام العلماء (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟!). وفي المفاضلة بين العِلم والمال، يبيّن الكاتب أن الثقافة العربية تميل إلى تفضيل العلم على المال، ويستشهد بوصية الإمام علي (ر) لتلميذه كميل: ” يا كميل ! العلم خير من المال: العلم يحرسك، وأنت تحرس المال. العلم حاكم والمال محكوم عليه. والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق…”، كما يستشهد بترسانة غنية من الشواهد الشعرية والنثرية والحِكم والأقوال من اقدم عصور الثقافة الإسلامية حتى أحمد شوقي ( 1868 ـ 1932) الذي قال:
العلمُ يرفع بيتاً لا عمادَ لهُ والجهل يهدم بيتَ العزِّ والشرفِ
ويؤكِّد صفة التواضع التي تلازم العلماء الحقيقيين، مستشهداً بقول الرسول (ص): ” لا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنَّ أنه قد علم، فقد جهل.” وبكثير من الشعر مثل قول الشافعي (ت 204 هـ):
كلما أدبني الدهرُ أراني نقــصَ عـقـلي
وإذا ما ازددتُ علما زادني علماً بجهلي
ويشرح المؤلّف أن الثقافة العربية لا ترى حدوداً زمانية ولا مكانية لتحصيل العِلم. وهذا ما يُطلق عليه في وقتنا الحاضر بـ ” التربية المستديمة ” أو ” التعلُّم مدى الحياة”. فيروى للرسول (ص) توجيهان ” أطلب العلم من المهد إلى اللحد”، و ” اطلبوا العلم ولو في الصين”. ومن هنا جاء مصطلح ” الرحلة في طلب العِلم”.
وتناول المؤلّف خطوات تحصيل العلم، وهي تتفاوت من عالِم إلى آخر ، ولكن المؤرِّخ الأندلسي ابن عبد البر ( ت 463 هـ ) يلخّص هذه الخطوات بقوله: ” أول العلم النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر.” وقد أثبت علم النفس التربوي الحديث صحّة هذا القول.
ويحاول المؤلِّف شرح مصطلح ” زكاة العلم” الذي يُستخلَص من قول الرسول (ص): ” العلم يزكو على الإنفاق”، فيبين أن بعض عبقرية هذا القول تتجلّى في استعمال الفعل ” يزكو” فهو مشترك لفظي له ثلاث دلالات: ينمو ويزداد، يصلُح ويحسُن، يصير طاهراً (كالمال الذي تُدفع عنه الزكاة). ويقول : ” ومن خبرتي المتواضعة في التعليم الجامعي تأكَّد لي أنني استوعب معلوماتي بشكل أفضل حين أقوم بتدريسها لطلابي أو إعدادها في محاضرة عامة .” ومعروف أن مفهوم “التنمية البشرية” يتوقف تحقيقه على قيام مجتمع المعرفة الذي يتبادل المعلومات بيسر وسهولة، ويستوعبها، ويبدع فيها.
ويتناول المؤلّف ظاهرة فقر العلماء والأدباء في مقابل تمتع الجهلة بالثروة والجاه، في فترات تدهور الثقافة العربية، ويورد أبياتاً للعالم اللغوي أبي هلال العسكري (ت 395 هـ) صاحب كتاب ” جمهرة الأمثال” يقول فيها:
جلوسيَ في سوقٍ أبيعُ وأشتري دليلٌ على أن الأنامَ قرودُ
ولا خيرَ في قومٍ يُذَلُّ كرامُهم ويعظُم فيهمْ نذلُهم ويسودُ
ويتطرَّق المؤلّف إلى أخلاقيات العِلم في الثقافة الإسلامية، فيورد ثلاثة ضوابط أخلاقية تقيّد توجهات البحث العلمي:
ـ إن يكون نية الباحث خالصة لله، وليس للتباهي أو لأغراض دنيئة. ” مَن تعلَّم علماً لغير الله وأراد به غير الله، فليتبوأ مقعده من النار.”
ـ أن يكون العلم نافعاً للناس ” اللهم أعوذ بك من علم لا ينفع”
ـ أن يكون مجّانيا لا يتوخى النفع المادي.
ويختم المؤلّف هذا الفصل بالحديث عن أنواع العِلم المتعددة المختلفة.
5 ـ مفهوم الوطن:
ما هو الوطن لدى الإنسان العربي؟ هل هو قطعة الأرض التي يعيش عليها؟ أم هو الأهل والأحباب الذين يحيا بينهم؟ أم هو الأرض والناس معاً؟ أم هو الثقافة والقيم التي تميزه عن غيره من الأوطان؟ أم هو مجرد ذكريات الطفولة والشباب والحنين إليها؟
في الثقافة العربية نجد وجهات النظر هذه جميعاً. فعندما تولّى القائد الإندلس موسى بن أبي الغسان الدفاع عن غرناطة آخر العرب في الأندلس عام 1492م خطب في جنوده قائلاً: ” لم يبقَ لنا سوى الأرض التي نقف عليها، فإذا فقدناها فقدنا الاسم والوطن.” وحينما رأى الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ( 1905 ـ 1941م) أن بعض أراضي فلسطين تُباع لشراذم قادمة من أوربا، نفث آهاته شعراً:
وطنٌ يُباع ويشترى وتصيحُ: فليحيا الوطن!
هنا يُنظَر إلى الوطن بوصفه الأرض. ولكن محمد مهدي الجواهري ( 1899 ـ 1997م) الذي لقّبه طه حسين بـ ” شاعر العرب الأكبر”، نظر إلى الوطن بوصفه الأهل في إحدى قصائده حينما كان معلماً وقام بزيارة إيران فأثنى على جمالها الطبيعي ثم قال :
لي في العراق عصابة لولاهم ما كان محبوباً عراق
وهو يقصد أنه يحب العراق لوجود أهله وأحبابه فيه. ولم يفهم قصده الأستاذ ساطع الحصري المدير العام للتعليم في العراق آنذاك والملقب بفيلسوف القومية العربية، ففصل المعلم الجواهري.
أما الأمير تميم بن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ( ت 374 هـ) فيرى أن الوطن هو الأرض والأهل معاً كما يُستشَف من قوله:
وما بلد الإنسان إلا الذي له به سكن يشتاقه وحبيبُ
أما الروائي العربي الحائز على جائزة نوبل للآداب المصري نجيب محفوظ ( 1911 ـ 2006م) فيرى أن الثقافة المشتركة هي التي تكوّن الوطن الواحد، كما نفهم من قوله في روايته ” الحب تحت المطر” :
” ليس الوطن أرضا وحدوداً جغرافية، ولكن وطن الفكر والروح.”
وهكذا يستمر المؤلّف صفحة بعد صفحة في حشد الاستشهادات التي تدلّ على أن الوطن يختلف من عربي لآخر حسب المعيار الذي يعتمده.
حب الوطن من الأيمان:
العربي معروف بحبّه الشديد للوطن. ويزخر الأدب العربي في جميع عصوره على هذا الحب المتأجج بين الجوانح. فجميع الأطفال في المدارس يحفظون بيتي أمير الشعراء أحمد شوقي، مخاطباً أهله المصريين من منفاه:
هلا بعثتم لنا من ماء نهركم شيئاً نبل به أحشاء صادينا
كلُّ المناهلِ بعدَ النيلِ آسنةٌ ما أبعدَ النيل إلا عن أمانينا
أو بيتَي محمد مهدي الجواهري:
يا دجلةَ الخير يا نبعاً أفارقهُ على الكراهةِ بين الحينِ والحينِ
إني وردتُ عيونَ الماءِ صافيةً نبعاً فنبعاً فما كانت تروّيني
ويجعلنا حبُّ الوطن نتمنى الخير لبلادنا وأهلها، كما ورد في قصيدة أبو العلاء المعري:
ولو أني حبيتُ الخُلدَ فرداً لما أحببتُ في الخُلدِ انفرادا
فلا نزلتْ عليَّ ولا بأرضي سـحائبُ ليسَ تنتظمُ البلادا
الوفاء للوطن:
ويغرس فينا هذا الحبُّ الوفاءَ للوطن، ففي الحبّ تكون اللذة كل اللذة في العطاء والبذل. وفي هذا يقول الأديب الرسام المهجري، جبران خليل جبران (1838 ـ 1931):
” لا تسأل الوطن ماذا قدَّمَ لك، اسأل دائماً ماذا أعطيتَ لهذا الوطن”
ومن أجمل ما قيل في الوفاء للوطن وحب أبنائه قصيدة للشاعر العراقي اليهودي أنور شاؤول ( 1904 ـ 1984) وردت في كتاب ” أعلام الأدب في العراق الحديث” لمؤلِّفه الأديب العراقي اليهودي مير بصري (1911 ـ 2005) يقول فيها:
إن كنتُ من موسى قبستُ عقيدتي فأنا المقيمُ بظلِّ دينِ محمدِ
وسماحةُ الإسلامِ كانت موئلي وبلاغةُ القرآنِ كانت موردي
ما نالَ من حبّي لأمّةِ أحمـــدٍ كوني على دينِ الكليمِ تعبُّدي
سأظلُّ ذيّاكَ السموألُ في الوفا أُسعدتُ في بغدادَ أمْ لمْ أُسعدِ
الفداء للوطن:
العربي يفدي وطنه بدمه. ولم يعرف التاريخ بلداً بذل أهله الملايين من أبنائه من أجل حريته مثلما فعلت الجزائر وفلسطين. فالجزائر قدّمت مليون ونصف المليون شهيد على مذبح الحرية، وشاعرها المجاهد إبراهيم أبو اليقظان (1888 ـ 1973م) يقول:
فثقْ يا أيها الوطنُ المفدّى بأن لك الضمائر لن تُباعا
بذلنا ما لدينا واتخذنا النفو سَ لكَ المعاقلَ والقلاعا
أما الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود (1913 ـ 1948) فيقول:
دعا الوطنُ الذبيح إلى الجهادِ فطارَ لفرطِ فرحتهِ فؤادي
وسابقتُ النسيمَ ولا افتخارَا أليسَ عليَّ أن أفدي بلادي
وعندما أحتلت بريطانيا العراقَ أثناء الحرب العالمية الأولى بحجة تحريره من الهيمنة العثمانية، اندلعت الثورة العراقية الكبرى عام 1920، وكان شاعرها فتى ضريراً اسمه محمد مهدي البصير( 1895 ـ 1974) وقد أسّرته السلطات العسكرية البريطانية وحكمت عليه بالإعدام، وهو صاحب القصيدة:
إن ضاقَ ، يا وطني ، عليَّ فضاكا فلتتســــــــعْ بيَ للأمامِ خُطاكا
بكَ همتُ، أو بالموتِ دونكَ في الوغى روحي فداكَ، متى أكون فداكا؟
6 ـ مفهوم الجوار:
يرى الدكتور القاسمي أن أهمية مفهوم الجوار لا تقتصر على تنظيم العلاقات بين فرديْن أو أسرتيْن يتقارب سكناهما فحسب، بل يمتد كذلك إلى تنظيم العلاقات بين الدول والشعوب المتجاورة على أسس من التفاهم والتسامح والتعاون، لتحقيق العدل والسلام والرفاه للإنسانية جمعاء.
كان للثقافة العربية في العصر الجاهلي أعرافٌ كريمة في حسن الجوار، وإجارة الملهوف، أي جعله في جوارنا وحمايته. وجاء الإسلام فأقرَّ تلك الأعراف الطيبة ونماها، بحيث أصبح مفهوم الجوار يشمل القضايا التالية:
حسن الجوار:
لقد جعل الرسول (ص) حسن الجوار شرطاً من شروط الإسلام فقال: ” أحسِنْ من جوار من جاورك، تكُن مسلماً.” وقال الإمام علي كرم الله : ” ليس حسن الجوار كف الأذى، بل الصبر على الأذى”، وورد هذا المعنى في القول السائر ” عليك بالجار ولو جار.”
حماية الجار:
يفتخر العرب في الجاهلية بالإجارة أي حماية الجار، ومن روائع الشعر الجاهلي قول الشاعر السموأل )ت ( 560م):
تعيّــــــرنا أنا قليلٌ عدادنــــا فقلتُ لها: إن الكـــرام قليلُ
وما ضرنا أنا قليلٌ، وجارنا عزيزٌ، وجار الأكثرين ذليلُ
وجعل الإسلامُ الإجارة واجباً على المسلم حتى وإن كان المستجير مشركاً ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) ـ سورة التوبة:6 ـ.
تفقُّد الجار:
يقول المثل العربي: “مِن حُسن الجوار تفقُّد الجار”. وأوّل مقتضيات تفقُّد الجار التاكُّد من توفره على قوت يومه إن كان فقيراً، ومساعدته عند الحاجة. وفي هذا يقول الشاعر مسكين الدارمي وهو من أجواد العراق في القرن الأول الهجري:
ناري ونار الجارِ واحدةٌ وإليهِ قبليَ تنزل القِدرُ
وقد جعل الإسلام إطعام الجار الجائع شرطاً من شروط الإيمان، فقد جاء في حديث شريف: ” ما آمن بي رجل بات شبعانَ وجاره جائع وهو يعلم.”
صيانة عرض الجار:
فالعربي يفتخر بأنه عفيف لا ينظر إلى جارته، ولا يفتّش أو يتكلم عن أسرارها، وفي هذا يقول بشار بن برد ( ت 168 هـ):
وإني لعـــفٌّ عن زيارة جارتي وإني لمشنـــوءٌ إليَّ اغتيابها
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها زؤوراً ولم تأنس إليّ كلابها
إكرام الجار:
وأخيراً فإن حسن الجوار يقتضي إكرام الجار، ومعاملته وعياله باللطف والاحترام. فقال الرسول (ص): ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره.” وقال الشاعر:
ونكرم جارنا ما دام فينا ونتبعه الكرامةَ حيثُ مالا
7 ـ مفهوم التكبُّر والتواضع:
في هذا الفصل، يشن المؤلّف هجوماً على بعض المثقفين الذين يصيبهم شيءٌ من الغرور والاستعلاء، فيستعملون تعابير لغوية تعزز شعورهم ذاك، مثل ” الخاصة” أو “الخواص”، في مقابل ” العامة” أو ” العوام” أو “السواد”؛ ويطلقون على أنفسهم ” النخبة ” و” الطليعة”. وقد رشحت إشارات عرضية غير مقصودة إلى غرور المثقف في بعض الأعمال الأدبية. ومن ذلك ما قاله الشاعر الكبير نزار قباني (1923 ـ 1998) في قصيدته ” إلى نهدين مغرورين” :
عندي المزيد من الغرورِ
فلا تبيعيني غرورا
إن كنتُ أرضى أن أحبّكِ
فاشكري المولى كثيرا
من حُسنِ حظِّك
أن غدوتِ حبيبتي
زمناً قصيراً.
ويميل بعض هؤلاء المثقفين إلى الإغراق في الغموض ويعدّونه تعمّقاً في الأفكار، وابتكاراً في الأساليب، وإبحاراً في التجريب والتحديث. وإذا سُئلوا لم ينتجون ما لا يفهمه الناس ، أجابوا جواب البحتري ( ت 284 هـ) الذي قال بكثير من التكبُّر والأنفة:
عليَّ نحتُ القوافي من مقاطعها وما عليَّ لهم أن تفهم البقرُ.
فالشاعر هنا لا يَعدُّ أكثرية الناس إلا من قبيل البهائم التي لا تعقل. ويشترك معه في هذا معاصره الشاعر ابن لنكك البصري ( ت حوالي 261 هـ) في قوله:
لا تغرَّنكَ اللحى والصورُ تسعةُ أعشارِ مَن ترى بقرُ
تراهمُ كالسحابِ منتشراً وليسَ فيهمُ لطالبٍ مطرُ
ولعل أبا الطيب المتنبي أكثر الشعراء العرب غروراً وتكبّراً ، وديوانه يزخر بالشواهد على ذلك. فهو يؤمن في دخيلة نفسه أنه ” إنسان كامل” جمعَ بين قوة الجسد، ورجاحة العقل، وغزراة العلم:
الليلُ والخيلُ والبيداء تعرفني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
فغرور المتنبي جعله يعتقد أنه خير رجل مشى على الأرض قاطبة، منذ أن حلّ فيها جّدنا آدم (ع) مطرودا من الجنة عقاباً له على غروره وعدم طاعته لخالقة. والمتنبي يؤكد ذلك بقوله:
سيعلمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مجلسُنا بأنَّني خيرُ مَن تسعى به قدمُ
ويستطرد الكاتب في دراسة لغوية في حقل ” الغرور” الدلالي فيناقش كثيراً من الألفاظ ذات الدلالات المتقاربة مثل : الكِبْر والتكبُّر والكبرياء والاستكبار والتجبُّر والتعاظم والاستعظام والعُجب والزهو والتباهي والتيه والصَّلف والتطاول والتخايل والاختيال والخيلاء والعنجهية إلخ. وهي جميعاً نقيض ” التواضع ” الذي لا نجد له في حقله الدلالي كثيراً من الألفاظ المرادفة أو شبه المرادفة. وهذا له دلالاته الاجتماعية.
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى مفهوم التواضع فيتناوله من حيث أنواعه، وفوائده، وما ورد فيه من أقوال في القرآن الكريم، والشعر العربي، والحكم والأمثال. ويختم المقال بنصيحة يسديها أحد الشعراء:
تواضعْ تكُنْ كالبدرِ لاحَ لناظرٍ على صفحاتِ الماء، وهو رفيعُ
ولا تكُ كالدُّخّان يعلو بذاتـــهِ إلى طبقاتِ الجوِّ، وهو وضيعُ
8 ـ مفهوم الصداقة:
يعرّف القاسمي الصداقة بأنها علاقة متبادلة من العواطف الإيجابية بين كائنين، بحيث يكِنُّ أحدهما للآخر المودةَ والاحترام والتفضيل ويتمنّى له الخير دون أن يتوقع النفع في المقابل. وقد تنشأ الصداقة بين إنسان وإنسان، أو بين إنسان وحيوان، أوبين حيوان وحيوان، أو بين شخصين اعتباريين. ويرى أنه إذا تعززت مشاعر الصداقة بين أفراد المجتمع أو شرائحه المختلفة، تنتشر الطمأنينة، ويسود الوئام الاجتماعي، ويتعبَّد طريق التقدم والتنمية والازدهار.
اختيار الصديق:
بحث التحليل النفسي في كيفية اختيار الفرد لصديقه بصورة لاواعية وهل يكمن السر في التشابه أو الاختلاف بين الفردين. ويرى المؤلف أن الثقافة العربية تميل إلى اعتبار التشاكل والتشابه بين الأفراد في الذوق والميول والآراء هو السبب. ومن هنا جاء المثل السائر ” إن الطيور على أشكالها تقع”. ويصوغ الشاعر أبو تمام ( ت 231هـ) هذا الرأي في حوار طريف:
فقلتُ: أخي، قالوا: أخٌ من قرابة؟ فقلتُ لهم: إن الشـــكــول أقاربُ
نسيبي في رأيي وعزمي وهمَّتي وإن فرّقتنا في الأصول المناسبُ
منزلة الصديق في الثقافة العربية:
يرى المؤلِّف أن الثقافة العربية بَوّأت الصديق منزلة سامقة، ويستدل على ذلك بظاهرتيْن لغويتين:
الأولى، كثرة المفردات التي تعبّر عن الصحبة ودرجاتها المتفاوتة مثل: الزميل والرفيق والجليس، والنديم، والخلّ، والخليل، والصديق، والعشيق، والخدين، والحبيب، إلخ.
الثانية، تحوُّل كلمة (الأخ) إلى مشترك لفظي بحيث تدلُّ على الشقيق وعلى الصديق.
أهمية الصديق:
إذا كان للمرء صديق مخلص، فإنه يشعر بالطمأنينة. وقد تردد هذا المعنى في الشعر العربي، فقال مسكين الدارمي:
أخاكَ أخاكَ، إنَّ مَن لا أخاً لهُ كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
أو كما قال العبقري أحمد الفراهيدي ( ت 175 هـ): ” الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال”.
خصال الصديق وواجباته:
يرى بعضهم أن لفظ الصديق مشتقٌّ من الصدق، فقالوا ” إنما سمّي الصديق صديقاً لصدقه، والعدو عدواً لعدوه عليك.” وقالوا : ” صديقُك مَن صَدَقك لا من صدَّقك”. وقال الإمام الشافعي (رض) ( ت 204 هـ):
سلامٌ على الدنيا إذا لمْ يكُن بها صديق صدوقٌ صادقُ الوعدِ مُنصِفا
ومن آيات صدق الصديق أنه يفعل ما يقول، ويفي بما يعِد، أو كما قال شاعر الرسول حسّان بن ثابت :
وكلُّ أخٍ يقول أنا وفيٌّ ولكن ليس يفعل ما يقولُ
وقال الإمام علي كرم الله وجهه : ” لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته، ووفاته.”
حقوق الصديق وكيفية معاملته :
وكما تترتَّب على الصديق واجبات، فإن له حقوقاً ينبغي مراعاتها لتتوثَّق المودة وتدوم العِشرة. فالجاحظ ينصحنا بقوله ” القَ أخاك بوجه منبسط”. ويقول الشاعر كشاجم (ت 360 هـ)، وهو من أهل الرملة في فلسطين:
أقِل ذا الودِّ عثرتَه وقفْه على سُننِ الطريق المستقيمةْ
ولا تُسرعْ بمعتبةٍ إليهِ فقد يهفو ونيّتهُ ســـــليمـــــهْ
ندرة الصديق المثالي:
ولأن الإنسان الكامل غير موجود في هذه الدنيا، فإنك لا تجد الصديق المثالي أو كما قال الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني ( ت 18 ق. هـ ./ 605 م):
ولستَ بمستبقٍ أخا لا تلمُّهُ على شعثِ، أيُّ الرجالِ المهذَّبُ؟
أنواع خطيرة من الصحبة:
تحفل الثقافة العربية بتحذير كثير من صداقة الجاهل، وصداقة الأحمق، وصداقة العدو اضطراراً. فقال أبو العتاهية ( ت 213 هـ)”
ولا تصحب أخا الجهلِ وإيــاكَ وإيــاهُ
فكم من جاهل أودى حليماً حين آخاهُ
وقال المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحُرِّ أن يرى عدوّاً له ما مِن صداقتهِ بُدُّ
9 ـ مفهوم المرأة:
مفهوم المرأة من تلك المفاهيم التي تثير في النفس مشاعر متباينة، بسبب اختلاف مكانة المرأة من بيئة حضارية إلى أخرى ومن وسط اجتماعي إلى آخر، وبسبب الأدوار المتعدّدة التي تضطلع بها المرأة في الحياة، فهي أم وأخت وحبيبة وزوجة وابنة.
المرأة في الإسلام:
ويقول القاسمي: لم يُنصِف المرأة معتقدٌ من المعتقدات البشرية مثلما أنصفها الإسلام. وكانت بعض المعتقدات السابقة على الإسلام قد ألصقت بالمرأة الخطيئة الأولى، وأنها خلقت من بعض أعضاء الرجل، فجاء القرآن بسورة النساء التي أقرت المساواة المطلقة في الخلق بين المرأة والرجل : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء…) سورة النساء 1. ونبه الكاتب إلى أن كلمة (الزوج) الواردة في الآية تعني الرجل كما تعني المرأة. وأكد الرسول (ص) هذه المساواة في أحاديث عديدة مثل ” النساء شقائق الرجال” و ” إن لكم عليهن حقاً ولهن عليكم حقاً” وغيرهما.
مفهوم المرأة في الثقافة العربية:
ويقول الكاتب إن الثقافة العربية تتضمن مفاهيم مغلوطة عن المرأة ورثتها من عصور سحيقة قبل الإسلام ، تخالف التصوّر البهي الوضاء الذي جاء به الإسلام عنها، وضرب أمثلة لذلك:
ـ مزاج المرأة:
يشيع في الثقافة العربية أن المرأة عاطفية أكثر من الرجل، فهي تفكِّر بقلبها لا بعقلها، وأنها متقلبة المزاج، فهي لا تفي بوعودها ولا تلتزم بمواعيدها، وقد أسهم الشعراء العرب في إشاعة هذه الصورة عن المرأة، فقال كعب بن زهير (ت 26 هـ) في لاميته المشهورة:
فما تدوم على حال تكونُ بها كما تلوَّن في أثوابها الغولُ
وما تمسّكتُ بالوعد الذي وعدتْ إلا كما تُمسِكُ الماءَ الغرابيلُ
وقال أبو الطيب المتنبي (ت 354 هـ):
إذا غدرتْ حسناءُ وفّتْ بعهدها فمنْ وعدها أن لا يدومَ لها وعدُ
ـ عدم الثقة بالمرأة:
ونظراً للمزاج المتقلب الذي يزعمون، فإنهم دعوا إلى نزع الثقة بالمرأة، فقال الشاعر الأعمى المتشائم أبو العلاء المعري ( ت 449هـ):
إذا بلغ الوليد لديك عشراً فلا يدخل على الحرم الوليدُ…
ألا إن النساءُ حبال غيٍّ بهنَّ يُضيَّعُ الشرفُ التليدُ
وحتى أمير الشعراء في العصر الحديث أحمد شوقي يقول:
ثقْ بالنساء فإن وثقتَ فلا تثق فحبالهن على الزمان هباءُ
فعيونهنَّ إذا أخذن تواركٌ وقلوبهنَّ إذا هوينَ هواءُ
كيد النساء:
يتمسك كثير من العرب اليوم بآية ” إن كيدكن عظيم”، على الرغم من أنها كانت تخص حادثة معينة والكلام موجه لامرأة بعينها، ولا تشكل حكماً عاماً، طبقاً لأصول الفقه، وعلى الرغم من أن القرآن الكريم زاخر بآيات عن ” المؤمنات … والقانتات”. وهناك كلام سخيف عن كيد النساء مثل مقولة الدكاترة زكي مبارك (1892 ـ 1952) : ” الدموع في عيني المرأة كالسم في ناب الثعبان، فالمراة تخدر عشيقها بالدمع، والثعبان يخدّر فريسته بالسم.”
وحتى عندما تتزين المرأة وتتجمل لرَجلها، وتلبس الفستان الحريري والجورب الرقيق، فإن بعضهم يعدّ هذه الملابس الرقيقة أسلحة ثقيلة للدمار الشامل. فشيخ القصة العربية محمود تيمور ( 1894 ـ 1971) يطلق صفارة الإنذار بقوله: ” أخطر سلاح تستعمله المرأة هو الجورب الرقيق النسج، الجميل اللون، المحكم الوضع.”
الغيرة والحسد لدى المرأة:
الغيرة والحسد من الغرائز البشرية المتوارثة، ولكن بعضهم وصم المرأة بهما. ويمتلئ التراث العربي بالإشارات الكثيرة لذلك. ففي قصيدة عمر بن أبي ربيعة ( 23 ـ 93 هـ) التي مطلعها ” ليتَ هنداً أنجزتنا ما تعد” يقول:
حسداً حملنه من حسنها وقديماً كان في الناس الحسد
المرأة وحب المال:
على الرغم من حب المرأة لوالدها ، وحبها لأطفالها، وتفانيها في حب زوجها، فإن التراث العربي يشير إلى حبها للمال. فالشاعر الجاهلي علقمة الفحل ( ت نحو 20 ق.هـ .) يقول:
فإن تسألوني بالنساء فإنني بصيرٌ بأدواء النساء طبيبُ
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له من ودهن نصيبٌ
حرية المرأة:
في عصر انحطاط الثقافة العربية الإسلامية بعد سقوط بغداد على يد المغول سنة 656هـ
تم حبس المرأة في المنزل وهي مبرقعة طبقاً لمبدا عجيب ” الخير للمرأة أن لا ترى ولا تُرى “. وكان على المثقفين العرب في عصر النهضة في القرن التاسع عشر أن يناضلوا طويلاً من أجل حرية المرأة ومشاركتها في الحياة العامة بوصفها شقيقة الرجل. تقول مي زيادة (1886 ـ 1941) عن المرأة: ” لقد جعلتها الهمجية حيواناً بيتي, وحسبها الجهل متاعاً ممتلكاً للرجل يستعمله كيفما يشاء، ويهجره إذا أراد ويحطمه إذا خطر له في تحطيمه خاطر.”
ونادى هؤلاء المثقفون بتعليم المرأة، وفي هذا يقول الإمام ابن باديس (1889 ـ 1940) الذي وضع الأسس للثورة الجزائرية للخلص من الاستعمار الفرنسي، عن طريق نشر المدارس في جميع أنحاء الجزائر:
” إذا علمت ولداً فقد علمتَ فرداً، ولإذا علمت بنتاً فقد علمت أمّة.”
وفي العراق صرخ محمد مهدي الجواهري في اوائل القرن العشرين:
علموها فقد كفاكم شنارا وكفاها أن تحسبَ العلم عارا
وكفانا من التقـهقـر أنّا لم نعالج حتى الأمور الصغارا
الخاتمة:
نكتفي بهذه النماذج من الكتاب، ونختم مقالنا بما ورد في مقدمة الناشر الدكتور الشمري:
” وكلما قلبت ناظريك على شاطئ هذا المنجز الثقافي، ألفيته حدائق يانعة ونخيلاً باسقة تستحق الوقوف والاغتراف من كل لون وطيف، حيث يقرع المؤلّف جرس الحب وإيقاع الجمال…إنه بلا شك كنز من كنوز المعرفة، ونتشرف بطباعته في نادي حائل الأدبي ، وسيكون بمثابة واسطة العقد في إصدارات النادي.”

مقالات ذات صلة