الترجمة عربيا.. لا حلول في الأفق بقلم الدكتور خالد الحلِّي
الترجمة عربيا.. لا حلول في الأفق
معاجم ثنائية اللغة استخدمها الآشوريون قبل 3 آلاف سنة
ملبورن (استراليا) : خالد الحلِّي
مع استمرار إشكاليات الترجمة العربية كما ونوعا، يكون من المهم والضروري صدور دراسات أو كتب، تتناول هذه الإشكاليات من منطلقات علمية وموضوعية وواقعية طموحة. وبين أيدينا اليوم كتاب جديد للدكتور علي القاسمي بعنوان «الترجمة الأدبية دراسات في النظرية والتطبيق»، صدر عن مكتبة «لبنان – ناشرون» بـ 205 صفحات من القطع الكبير، وبتسعة فصول في بيروت، ضم مجموعة من الدراسات النظريّة والتطبيقيّة المتعلِّقة بالمُترجِم ومهنته وأدواته، استقاها المؤلف من خبرته الطويلة في تدريس مادّة الترجمة في جامعات عدة، أو من ممارسته ترجمة النصوص الأدبيّة، أو من مراجعته ترجمات بعض التقارير لحساب منظَّمة الأُمم المتّحدة. يتناول المؤلف في الفصل الأول دور الترجمة في التفاعل الثقافي والحوار الحضاري، مؤكدا أن الترجمة هي البوابة التي تعبر منها الذات إلى الآخر أو يقتحم الآخرُ الذات، وأن الحوار الثقافي مع الآخر لا يكون فاعلا ومؤثِّرا ومُنتِجا، دون أن نعرف الذات بالإضافة إلى معرفتنا الآخر. وفي الفصل الثاني يتحدث عن الترجمة في الوطن العربي، مع أخذ تجربة المغرب العربي نموذجا، يتمثل بتجارب تونس والجزائر والمغرب منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن الحادي والعشرين، متناولا بالعرض الوجيز أهداف الترجمة في هذه الأقطار، والعوامل المؤثرة في تنمية الترجمة ومدى توافرها فيها، ونتاج الترجمة من حيث الكم والكيف، ومقدما بعض الاقتراحات التي من شأن الأخذ بها ترقية الترجمة وتفعيلها. وهو يؤكد هنا على ضرورة تحويل الترجمة من مجرّد عمليّة لغويّة شكليّة إلى عملية حضاريّة تتطلَّب عواملَ ووسائل يجب السعي إلى إيجادها بوعي وإدراك مسبقين، لكي تكون هذه الترجمة مؤثِّرة في تأويل المعرفة المنقولة وتأصيلها وتيسير الهجرة الحقيقيّة للأفكار والمناهج والأساليب إلى المجتمع المتلقّي. ويكرس الفصل الثالث لموضوع الترجمة والمعاجم العربيّة المتخصِّصة ومساهمتهما في نقل التكنولوجيا منطلقا من أنَّ الأداة الرئيسة في تيسير الترجمة وضمان صحّتها ودقّتها وسرعتها، هي بلا شكّ المعجم ثنائي اللغة الجيّد الذي يختلف في غرضه وبنيته وجمهور مستعمليه عن المعجم أحادي اللغة. ويقول «من الطريف أنَّ أقدم المعاجم التي تمّ اكتشافها هي معاجم ثنائيّة اللغة أملتها ظروف خاصّة. فقد واجه الآشوريّون الذين قدموا إلى بابل قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، صعوبةً في فهم الرموز السومرية التي كانت تستعمل في التعليم في بابل. فرأى التلاميذ الآشوريّون أنَّ من المفيد إعداد لوائح تشتمل على الكلمات السومريّة ومقابلاتها الآشوريّة. ولقد عرف تاريخ أوروبا في القرون الوسطى حالة مماثلة تقريبا حينما كان المعلِّمون في عدد من الأقطار الأوروبيّة يعدّون قوائم بالكلمات اللاتينيّة وما يقابلها بلغاتِ التلاميذ، لمساعدتهم على فهم الكتب المدرسيّة التي كانت تدوَّن باللاتينيّة». أما الفصل الرابع فيكرسه لنظريّة الترجمة وعلم المصطلح، ويخلص بعد عرض عام ومفصل إلى أنَّ علم المصطلح ونظريّة الترجمة عِلمان مستقلان، ولهما ميدانان مختلفان، مع وجود بعض التداخل بينهما. وعلى الرغم من أنّ إعداد المصطلحي وتدريبه يختلف عن تأهيل المترجم وتكوينه، فإنَّ المصطلحي يحتاج إلى الإلمام بنظريّة الترجمة وأصولها، كما أنّ المترجم بحاجة إلى معرفة قواعد علم المصطلح وطرائقه. وفي الفصل الخامس الذي خصصه للمترجم والمعجم ثنائي اللغة، يقدم لنا مبادئ نظرية تتعلق بالمترجم والترجمة، تعقبها دراسة تطبيقية على معجم «المنهل»، ويشير إلى أن المترجِم العربي الذي يضطلع بالترجمة من لغته وإليها، يحتاج إلى أكثر من معجم واحد، وذلك بحسب نوع الترجمة التي يقوم بها واتّجاهها، وهو بحاجة إلى معجم مزدوج يشتمل على معجمَين: عربي ـ اللغة الأخرى، واللغة الأخرى ـ عربيّ. ويتوقف في الفصل السادس عند مشكلات المترجِم العربي في المنظَّمات الدولية، فيقول إن عامل الوقت هو من أهم العوامل التي تؤدّي إلى وقوع المُترجِم الدولي في الخطأ. لأنه مقيَّد بوقتٍ محدَّد، وهو يشترك عادة في مكتبٍ واحد مع عدد من زملائه وأحيانا مع بعض الكاتبات والراقنات، وعليه أن يتمَّ ترجمةَ مقدار محدود من الصفحات يوميّا. أما زميله (المترجِم الفوريّ) فهو في وضعٍ لا يُحسَد عليه إذ إنّه يجلس في مقصورة لا تربو مساحتها على المترَين المربّعين، وليس في استطاعته أن يعود إلى معجَم أو مرجع. ويتطرق بعد ذلك إلى مشكلات أخرى مثل عدم نجاعة الإعداد والتدريب للمترجم، وحجم العمل الملقى على عاتقه، وقلّة الوسائل الإلكترونيّة الموضوعة تحت تصرُّفه، وسوء المعاجم ثنائيّة اللغة التي يستخدمها، وعدم توفّر الأدلّة المتخصِّصة له. ولا يبدو أن هناك حلولا مطروحة في الأفق. | |||
|