أصدقاء الدكتور علي القاسمي

الساعة قصة قصيرة للدكتور علي القاسمي


نقلا عن موقع صحيفة المثقف

الساعة

علي القاسميالغرابة مجسَّدةٌ في رجل.
التقيتُ به بعد أن التحقتُ أستاذًا بكلِّيَّة الآداب. كانت عيناه تشعّان ذكاءً لا يُفصِح عنه فمُه، فقد كان قليل الكلام، كثير الصمت.
لم أحتَجْ إلى طويلِ وقتٍ، لتلتقط أُذناي ما كان يتهامس به زملاؤه عنه. كانوا يقولون إنّه غريب الأطوار، غريب الأفكار، غريب الذوق والسلوك والهوايات، يصعب على طلابه أن يفهموه بسهولة. كلماته رموزٌ، وعباراته ألغازٌ بعيدةُ المرامي. يجمع المتناقضات في عقله، وتلتقي الأضداد في شخصه. يدرِّس الأدب الإنكليزيّ، ولكنّه خبير في التراث العربيّ القديم. كان مثل طيرٍ متميِّزِ اللون، يحلِّق بعيدًا عن السرب في أعالي السماء.
وصل أحد الطلاب الجُدد إلى قاعة الدرس متأخِّرًا عشر دقائق. ولمّا لم يكُن يعرف الأستاذ ولا الطلاب، فقد طَرقَ الباب وسألَ الأستاذَ:
ـ هل هذا هو قسم الأستاذ سيدي محمد؟
ـ "لا، فدرسه بدأَ الساعة الثامنة."هكذا أجاب الأستاذ بشكل طبيعي.
انصرف الطالب الجديد خائبًا، ولم يُدرك معنى ضحك الطلاب الذي لاحقه، ولكنَّه علم، بعد ذلك، أنَّ الأستاذ سيدي محمد قد لقَّنه درسه الأوَّل بصورةٍ لا ينساها، وفحواه: احترمْ المواعيد، تقيَّد بالوقت، فالوقتُ من ذهب.
فالوقت، بالنسبة للأستاذ سيدي محمد، مقدّس ذو قيمةٍ ساميةٍ، تكاد تعادل قيمة الدرس أو تسمو إلى مرتبة الأستاذ نفسه، وكأنّه يِؤمن بمقولة: " لولا الوقتُ، لما صار الإنسان إنسانًا ". ولهذا لم استغرب حمله ثلاث ساعات في آنٍ واحد: ساعتان يدويَّتان: واحدة على كلِّ معصم من معصمَيه، وثالثةٌ ساعةٌ جيبيّةٌ في جيب قميصه القريب من قلبه. وأحيانًا، يحمل بضع ساعات أُخرى في بقيَّة جيوب بذْلته. ولعلَّ سلوكه هذا هو الذي دعا زملاءَه إلى وصمه بتهمة الغرابة.
توثقتْ علاقتي بالأستاذ سيدي محمد بعد أن تأكَّد له أنّني أحترم الوقت وأنّني أفهم أو أتفهّم النزر اليسير من أفكاره التي باح بها إليّ. وهكذا اطمأنَّ إليَّ وزادت ثقته بي، فدعاني ذات يومٍ إلى منزله لتناول الشاي معه.
داهمتني الدهشة والعجب عندما دخلتُ منزله، وبذلتُ جهدًا كبيرًا لإخفاء مشاعري، فقد خشيتُ أن أُسيء إلى مضيّفي إنْ ظهر الاستغراب على وجهي. كانت باحة المنزل غاصَّةً بحشدٍ غريبٍ عجيبٍ من الساعات القديمة والحديثة التي ينبعث منها خليطٌ من الأصوات والدقّات والأنغام. ففي وسط المنزل كانت ساعةٌ مائيّةٌ تحتلّ مكان النافورة. عرفتُها من أسطوانتها المملوءة بالماء، والآلة المجوفة الطافية على الماء، والكرات الصغيرة التي تسقط واحدةٌ منها كلَّ ساعةٍ في طاس، فتُحدث طنينًا يُعلِن عن انقضاء ساعة.
وفي أعلى الحائط المقابل نُصِبتْ ساعةٌ شمسيّةٌ كبيرةٌ. وهذه الساعة مؤلَّفةٌ من عودٍ خشبيٍّ مغروزٍ في الحائط، تسقط عليه أشعة الشمس، فينتقل ظلُّه على لوحةٍ من الأرقام المخطوطة على الحائط لتحديد الوقت. وعلى جانبَي تلك المزولة، عُلّق على الجدار إسْطُرْلابان كبيران، أحدهما نحاسيّ والآخر فضيّ، لا أدري كيف حصل عليهما، لأنّني لم أَرَ إسْطُرْلاباً قطّ في أسواق هذه المدينة التي أعرفها منذ سنوات عديدة. وبينما كنتُ أفكِّر أنَّ الساعة الشمسيّة والإسْطُرْلاب لا يساعدان على معرفة الوقت إلا في النهار المشمس، لمحتُ على منضدةٍ في زاويةِ باحةِ الدار ساعةً رمليّةً مؤلَّفةً من قارورتَيْن زجاجيتَيْن كبيرتَيْن مُتَّصلتَيْن بعنقٍ صغيرٍ، وقد مُلِئت القارورة العُليا بالرمل، في حين خُطَّتْ على القارورة السفلى خطوطٌ وأرقام، وأخذتْ ذرّات الرمل تتسرَّب من القارورة العليا إلى القارورة السفلى من خلال العنق، ليشير الحدُّ الذي يبلغه الرمل المتجمِّع إلى الوقت.
وكانت بقيّة الجدران مكتظَّةً بالساعاتِ الحائطيّةِ من مختلف الأنواع والأحجام والأشكال: ساعة حائطيّة ببندولٍ طويلٍ يتدلّى منها ويتراقص يمينًا وشمالًا، وساعة حائطيّة رقّاصها على شكل طير يزقزق الدقائق ويُطلق صيحات بعدد الساعة، وساعة حائطيّة تنفتح من وسطها بين ساعة وأُخرى فيخرج منها تمثالُ رجلٍ صغيرِ الحجم ليعلن الوقت بصوتٍ أجشَّ ثُمَّ تنغلق عليه.
شعرتُ أنّني ينبغي أن أقول شيئًا، لأُخفي أمارات الاندهاش التي سيطرت على وجهي، فرسمتُ ابتسامةً على شفتَيَّ وقلت:
ـ هوايةُ جمع الساعات رائعة.
بدتْ لي عبارتي سخيفةً ولا معنى لها في ذلك المقام، فأردفتُ قائلاً:
ـ منزلك أشبه ما يكون بمتحفٍ متخصِّص .
قال دون أن ينظر إليّ:
ـ الساعة أروع ما اخترعه العقل البشريّ. ويعود الفضل لأجدادنا العرب القدماء.
وهنا حاولت أن أقول شيئًا ذكيًّا ينمُّ عن إلمامي بتاريخ الساعات، فلم يحضرني إلا العبارة التالية:
ـ أتقصد بذلك الساعة الدقّاقة التي أهداها الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى شارلمان، ملك الإفرنج، فأفزعتْ حاشيته؟
قال:
ـ لا أقصد بالساعة الآلة أو الأداة، وإنّما الوحدة الزمنيّة. فالعرب البائدة من السومريِّين والبابليِّين والفراعنة هم الذين توصَّلوا إلى تقسيم الزمن إلى سنواتٍ وفصولٍ وشهورٍ وأسابيعَ وأيامٍ وساعات، عن طريق مراقبة الكواكب والنجوم، وتقسيم الزمن الذي تستغرقه في كلِّ دورةٍ من دوراتها.
دخلنا صالة الجلوس فوقع نظري على لوحةٍ خشبيّةٍ كبيرةٍ معلّقةٍ على الجدار، وهي تحمل اثنتي عشرة ساعةً جيبيّة. وكانت بقية الجدران مكسوَّةً بالساعات الحائطيّة المختلفة؛ والطاولات في الغرفة مليئةً بالساعاتِ المنضديّة المتنوِّعة. وكانت دقّاتها تختلط في سمفونيَّةٍ غريبةٍ من الأصوات، والأنغام، والإيقاعات.
لم يكُن خادمه العجوز موجودًا ذلك اليوم، فذهب بنفسه إلى المطبخ لإعداد فنجانَين من القهوة. واغتنمت الفرصة لإلقاء نظرةٍ على لوحةِ الساعات الجيبيّة المعلَّقة على الحائط. كانت تشتمل على اثنتي عشرة ساعة جيبيّة، كما قلت. وكلُّ ساعة كُتب تحتها اسم مدينة من مدن العالم ابتداء من الشرق إلى الغرب، بحيث يكون الفرق ساعةً واحدةً بين كلِّ مدينة وأخرى: طوكيو ، كوالالمبور، بانكوك، إسلام آباد، دلهي، مكة، القاهرة، تونس، الجزائر، الدار البيضاء، إلخ.
عاد الأستاذ يحمل صينيّةً وفيها إبريق القهوة وفنجانان كبيران. ولمّا وضعها على الطاولة، لاحظتُ أنّ أحد الفنجانين يحمل رسمًا لساعةٍ فيها ثلاثة عقارب ملوَّنة.
لم أشأْ أن أسأله عن سرِّ الساعات الاثنتي عشرة وعن فائدتها له وهو مختصٌّ بالأدب الإنكليزيّ وليس بالجغرافية. وحاولتُ أن أصرف المحادثة عن موضوع الساعات التي لا أعرف عنها كثيرًا، إلى موضوعٍ آخر كالقهوة التي أعدُّ نفسي خبيرًا في شربها، فلم أوفّق إلا إلى قولٍ سخيفٍ آخر:
ـ  هذا فنجان لطيف على شكل ساعة.
وإذا به يقول:
ـ إن كلمة "فنجان" كانت تُلفظ " بنكان". واستُعلمت كلمة "بنكان"، في التراث العربيّ، لتدلَّ على نوعٍ من الساعات ذات الآلات الميكانيكيّة. والفنجان الذي ترتشف القهوة منه الآن يقوم بالوظيفتَيْن. فعندما تنتهي من شرب قهوتك تستطيع أن تقرأ فيه الوقت الذي استغرقتَه في الشرب.
لم أدرِ ما أقوله له، ووجدتني أشيح بوجهي عنه، وإذا بعينَيّ تسقطان على طاولةٍ قريبةٍ منا، وعليها سبع ساعات يدويَّة لها الحجم نفسه والشكل نفسه، أو هكذا تبدَّتْ لي تقريبًا. وألفيتني أسأله بشيءٍ من نفادِ صبرٍ:
ـ وما فائدة اقتناء سبع ساعات يدويّة من نوعٍ واحدٍ، كتلك الساعات المرتَّبَة على الطاولة؟
أجاب بهدوء أقرب إلى الرتابة، كأنَّه يلقي درسًا كرَّره مرارًا:
ـ إنّها ليست من نوعٍ واحد. فالأولى تعمل باللولب، والثانية تعمل بالبطارية، والثالثة بحركة اليد، والرابعة بنبض المعصم، والسادسة بالطاقة الشمسية، والسابعة بحركة الهواء. أضف إلى ذلك، أنَّ كلَّ واحدةٍ منها تقوم بتنبيهي إلى أمرٍ مختلفٍ، بنغمةٍ مختلفة.
قلتُ له، كأنني أنتقد بصورةٍ غير مباشرة هوسَه بالوقت:
ـ ظننتُ أنّ أجدادنا العرب القدامى لم يحفلوا بالوقت كما نحفل به اليوم، فبعيرهم في الصحراء لا يعبأ بالوقت، كما تتقيّد به طائراتنا اليوم.
قال مستغرباً قولي:
ـ على العكس تمامًا، كانت معرفتهم الدقيقة بالوقت تعوّض عن ضعف وسائل الاتصال والمواصلات عندهم. وكان من حرصهم على الوقت أنَّهم خصّصوا اسمًا لكلِّ ساعةٍ من ساعات الليل والنهار. فأسماء ساعات النهار الاثنتي عشرة، مثلاً، هي: الذرور، البزوغ، الضحى، الغزالة، الهاجرة، الزوال، الدُّلوك، العصر، الأصيل، الصبوب، الحُدُور، الغروب.
سردَ تلك الأسماء بطلاقةٍ متناهيةٍ، حسدتُه على خفَّةِ لسانه فيها.
كانت الساعات المختلفة الجداريّة والمنضديّة والجيبيّة واليدويّة تقرع، بين آونة وأُخرى، أجراسًا وجلاجل متباينة الأنغام، متنوِّعة الإيقاعات. وبمرور الزمن، اكتشفتُ أنّ حياة الأستاذ سيدي محمد تتحكَّم فيها أجراسُ ساعاته. فجرسٌ يوقظه من نومه في الفجر لأداء صلاة الصبح، وجرسٌ آخر يقرع ليدخلَ المغطس في الحمام ويستلقي في مائه الدافئ المريح، وجرسٌ آخر يُخرجه من الحمام، وخامسٌ يُجلسه على مائدة الفطور، وسابعٌ ينبّهه إلى الخروج في اتّجاه الكُليّة. وجلجلةٌ خفيفةٌ من إحدى ساعتيْه اليدويَّتَين تسترعي انتباهه إلى التوجُّه إلى قاعة الدرس، وجلجلةٌ من الساعة اليدوية الأُخرى تذكّره بانتهاء الحصّة، وهكذا دواليك.
توثَّقتْ صداقتنا حتّى أخذتُ أقترب من تفكيره، وأمسيتُ أقربَ الناس إليه. ولم يُثِرْ استغرابي كونُه يعيش وحيدًا، فليس هنالك امرأةٌ تستطيع أن تعيش مع جميع تلك الساعات الدقّاقة. أمّا خادمه العجوز، فقد اكتشفتُ أنَّه مصاب بالصمم، وأنَّه اعتاد على مُجرياتِ حياةِ الأستاذ المنظَّمة بحيث إنّه لم يَعُدْ في حاجةٍ إلى قراءة شفاهه لمعرفة تعليماته.
وعندما مرض الأستاذ كنتُ كثيرًا ما أعوده، فأُعجبُ لصمت تلك الساعات. لقد توقّفتْ عن قرع أجراسها، كأنّها تحرص على عدم إزعاجه. طال مرضه، ودام صمتُ ساعاته شهورًا.
وذات يومٍ، هاتفني خادمه العجوز يستدعيني إلى منزله على عجل.
أسرعتُ إلى المنزل. ودخلتُ غرفة نومه. كان مسجّى على فراشه، وقد فارق الحياة. وكانت جميع الساعات تقرع أجراسها بشكلٍ متواصلٍ.
***
قصة قصيرة
بقلم: علي القاسمي

    تعليقات (35)


    1.  
    قصة رائعة وروعتها تكمن في أنها ليست قصة غرضها إمتاع القارئ وإثارة فضوله في تتبع أحداثها فقط ، بل أنها تقدم دروسا تعليمية في الوقت وأهميته وفي الأدوات والأجهزة المختلفة المستخدمة في تحديده والإنتفاع به قديما وحديثا. كلّ ذلك عرضه لنا بأسلوب ممتع ججذاب القاص المبدع صاحب اللغة الرشيقة المنتقاة الأستاذ د. علي القاسمي
    أنا شخصيا استفدت كثيرا من المعلومات التي تضمنها القصة بخصوص الساعة
    علما أنني أعيش في برلين التي توجد بها ثلاث ساعات كبيرة واحدة من النوع الذي أهداه هرون الرشيد الى ملك فرنسا شارلمان
    دمت بخير وعافية مع الشكر لك على ما دبّجه يراعك الرهيف

    1.  
    بخيط دقيق خفي، يأخذك القاص الدكتور علي القاسمي، لتشاركه متعة الحركة بحذر وترقب، وسط عالم يكتنفه الغموض، ولكن الممتع في آن واحد، حتى تصل الى النهاية، التي لا تتوقعها، هنا المفاجأة تحبس الأنفاس، فتهتف، لم يخطر ببالي ان هذه الاحتفالية بالوقت، ستنتهي بموت من اغرق حياته في ساعاتها، فدقت له أجراس الوداع.

    1.  
    عزيزي الشاعر الأديب المتألق الأستاذ جميل حسين الساعدي،
    أشكرك من القلب على إطلالتك البهية على قصتي القصيرة، وأعبر لك عن امتناني لكلماتك الطيبة عنها، وإعجابي بتواضعك الكريم الذي يدل على غزارة علمك وسعة ثقافتك. فالرجل يظل عالماً ما دام يواظب على التعلم، وإذا حسب أنه علم فقد جهل. وأنا شخصياً أستمتع بقراءة أشعارك الرائقة وأستفيد منها لغة وفناً وقيماً وجمالاً.
    أرجو أن تتقبل مني خالص المودة وأطيب التمنيات لك بموفور الصحة ودوام التألق.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  
    الاديب الكبير
    براعة السرد في لغته المشوقة , تضعنا امام رؤية الفكرية والفلسفية المهمة , متعلقة في حياة الانسان وعلاقته بالوقت والزمن . النص السردي يطرح وجهة نظر الاولى , وهي المتعلقة في المبالغة والمغالاة في التشدد المتعصب , في التقيد في الزمن والوقت بشكل فنتازي وغرائبي , في التصرف والسلوك , ان يكون صريعاً تحت التأثير المغالي بالتشدد في بندول الساعة ودقائقها . ولكنه في عمق هذه الرؤية المتعلقة في المغالاة بالمتشددة بالزمن والوقت , يضعنا امام وجهة النظر الثانية هي العكس تماماً , وحتى لم يشر اليها , لكنه طالما يطرح الموقف المتعصب في جانب واحد , يأخذنا ايضاً الى جزء الثاني من المعادلة الحياتية , في اهمل الزمن بالمغالاة والتشدد في الاهمال , كأن الحياة خارج الزمن وساعاته اليومية , اي ليس لها مكان في ترتيب شؤون الحياة . يعني اننا امام طرح , بين التشدد الصارم في التقيد بالساعة , او العدم في اهمال الوقت كأن الحياة خارج دائرة الزمن والساعة . هذا التناقض بين الطرفين , بين ان يضبط حياته على عقارب الساعة بشكل كلي , وبين اهمال عقارب الساعة بشكل كلي , وبشكل غريب بكلا الطرفين , والغرابة موجودة في الطرفين . بين التشدد والضياع . هذه كنة الرؤية الفكرية والفلسفية في ثنايا النص السردي . رغم الحدث السردي يطرح الوجهة التعصب الاولى , بضبط حياة الانسان على بندول الساعة , لكن عين الحدث السردي تشير الى وجهة النظر الثانية بشكل غير مباشر . ان التعصب في التقيد الصارم , يقود الى التعصب والغرابة في اسلوب الحياة اليومية ( اكتشفتُ أنّ حياة الأستاذ سيدي محمد تتحكَّم فيها أجراسُ ساعاته. فجرسٌ يوقظه من نومه في الفجر لأداء صلاة الصبح، وجرسٌ آخر يقرع ليدخلَ المغطس في الحمام ويستلقي في مائه الدافئ المريح، وجرسٌ آخر يُخرجه من الحمام، وخامسٌ يُجلسه على مائدة الفطور، وسابعٌ ينبّهه إلى الخروج في اتّجاه الكُليّة. وجلجلةٌ خفيفةٌ من إحدى ساعتيْه اليدويَّتَين تسترعي انتباهه إلى التوجُّه إلى قاعة الدرس، وجلجلةٌ من الساعة اليدوية الأُخرى تذكّره بانتهاء الحصّة، وهكذا دواليك.) . يعني في الحالتين , غياب الرؤيا والبصيرة , والتحكم في الزمن لصالح الانسان في تقدمه وتطوره , , وليس الوقوع في قوقعة الزمن , دون ان تقود الى شيء مفيد . او في فخ اهمال الزمن , وبذلك يخسر الحياة والزمن ( وذات يومٍ، هاتفني خادمه العجوز يستدعيني إلى منزله على عجل.

    أسرعتُ إلى المنزل. ودخلتُ غرفة نومه. كان مسجّى على فراشه، وقد فارق الحياة. وكانت جميع الساعات تقرع أجراسها بشكلٍ متواصلٍ.) . لذلك يأتي اهمية القول المأثور ( خير الامور اوسطها )
    ودمت بخير وصحة

    1.  
    عزيزي الشاعر الروائي الأديب المتالق الأستاذ صالح البياتي
    كلماتك الرقيقة الدقيقة تنفذ إلى القلب والعقل بسلاسة كما تنساب نسمة بحرية منعشة في لهيب الصيف.
    وقد استمتعتُ بهذه الرقة الراقية وتلك الدقة المدهشة عندما سعدتُ بقراءة روايتك الجميلة " نزف المسافات" التي تكرّم بنشرها منجمة سادن الأدب العراقي المفكر الأديب الدكتور حسين سرمك حسن في موقعه الرائع " الناقد العراقي".
    أكرر شكري الجزيل لك وخالص مودتي وصادق احترامي وإعجابي.
    محبكم: علي القاسمي
    عليُّ القاسميُّ حكى روايَهْ
    لـ [ سيدي محمد ] وعن الهوايَهْ

    له الساعات قد امستْ حياةً
    واشكالاً تروقُ بها الحكايَهْ

    وحكمتُها بأن العمرَ يجري
    الى أجلٍ فَصُنْهُ من البدايَهْ

    ففي الاهمالِ والتفريطِ عمرًا
    اضعتَ وكان خسرانَ النهايَهْ

    خالص ودّي عاطر بأطيب التحايا وأرقها لك أخي وصديقي واستاذي
    الدكتور علي القاسمي .

    دُمتَ في ألقٍ وعافيةٍ

    الحاج عطا

    1.  
    الأستاذ الدكتور علي القاسمي مفكر لساني وأديب مميز. رعاه الله وحفظه

    1.  
    أستاذي العظيم قصتك رائعة عرفت أشياء كثيرة...استمتعت كثيرا بقرائتها...والأكثر أنها تحمل ما تحمل في طياتها من معاني وحكم...دوام النجاح والإبداع
    الساعة من القصص الجميلة للدكتور علي القاسمي وتذكر بالقص الجميل لعمالقة القصة الامريكية والروسية .

    1.  
    قصة مبدعة في بنائها وصورها ومعلوماتها وعمقها الحضاري وفهمها للحاضر ونظرتها للمستقبل.. قصتك أديبنا وقاصنا وخبيرنا ساعات متعددات متشابكات.. ساعة لغوية معاصرة.. وساعة في فقه اللغة، وساعة أسلوبية.. وساعة وحدة موضوع.. وساعة في سبر الواقع المعاصر، وساعة للتأمل، وساعة لقرع العقول، وساعة لتنبيه الإنسان العربي والدول العربية..
    كدت أنسى، هناك ساعة مترامية في قصتك أو مبثوثة فيها من بدايتها إلى نهايتها المفتوحة، إنها ساعة الحياة في القصة..
    شكرا لك

    1.  
    تباين المواقف من هذه القصة العجيبة والتعليقات عليها يكشف عن عمق معناها واكتناز مبناها بحيث لم يظفر كل من قرأها إلا بزاوية نظر واحدة لا تحيط بمراميها. وقد قادتني مطالعتها إلى مفارقتين رأيت القصة قائمة عليهما. فالمفارقة الأولى مبنية على ضياع الهوية عند العربي المعاصر الذي يمثله الراوي السارد والذي يتفنن في توجيه أسئلة ساذجة تنم على ضعف إدراك ماضيه الحافل وعدم شعوره في الوقت نفسه بقيمة الزمن التي ترمز إلى سر تفوق الغرب اليوم الذي بنوه على أساس تفوق العرب أمس. والمفارقة الأخرى مبنية على كون بطل القصة أستاذا للأدب الإنجليزي لكنه مع ذلك من أحرص الناس على العربية وأعرفهم بأسرارها وأشدهم اعتزازا بماضي أهلها وفخرا بمنجزاتهم الحضارية، فهو لم يضع هويته مع أنه اختار أدب الغرب تخصصا، في حين أن العربي الذي لا صلة له بالغرب ضائع تائه لا يعرف شيئا عن ماضي أسلافه التليد. وكأني بالقاص البارع يشير من طرف خفي إلى وجوب الانفتاح على كل مفيد عند الغرب اليوم كما انفتح الغرب في الماضي على مفيد ما أنجزه العرب فكان ما كان من نهضتهم وتقدمهم. هذه نتف رؤى عنت لي وأنا أقرأ مستمتعا هذه القصة الأخاذة التي لا يكتب مثلها سوى عمالقة القص والسرد، ولا أشك أن في مقدمتهم في عالمنا العربي اليوم الأستاذ الدكتور علي القاسمي.

    1.  
    إلى أخي وعزيزي العلامه الدكتور علي القاسمي مع خالص تحياتي لك..ان اسلوبك الرأئع في هذه القصه والذي يجعل القارئ اسيرأ يأخذه ادبك يميناً وشمألاً لينهل معرفة فكان حقاً على المثقفين والادبأء والشعراء ان ينهلوا من علمك وكأن حقاً لنا أن نفتخر بك وان نسأل من العلي القدير ان يحفظك ذخرا لنا

    1.  
    المفكر الناقد الأستاذ جمعة عبد الله،
    كعادتك، خلصتَ إلى قضية فاتت الكاتب، وهي " خير الأمور أوسطها"، وهي ـ كما تعلم ـ عصارة الخبرة الإنسانية بعد آلاف السنين المؤلَّفة. ولا مزيد لدي على ما تفضلتَ به. فشكراً لك، ودمتَ مفكراً وناقداً فذا.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  
    صديقي الشاعر الأديب الحاج عطا الحاج يوسف منصور،
    من أين تأتي بهذه الأشعار المتنوعة الجميلة ، مثل طيور مغردة في خميلة؟ وكيف تقتنص هذه القوافي الملوّنة الغافية، مثل حمائم نائمة قبيل الفجر؟
    وكيف تستطيع أن تتحفنا بقطعة شعرية بهيرة، كلما قرأتَ قصة صغيرة؟
    أحسب أنها المحبة يا صديقي.
    شكراً لك.

    1.  
    العالم اللساني الدكتور حيدر غضبان
    أشكرك من القلب على كلماتك الطيبة. دمت في صحة وهناء وإبداع.
    محبكم:علي القاسمي

    1.  
    عزيزتي اللسانية المتالقة الأستاذة سارة لعقد،
    أشكرك شكراً وفيراً على كلماتك الطيبة، وأتمنى لك التألق والتميز في شهر أكتوبر المقبل حينما تدافعين عن أطروحتك في علم المصطلح بجامعة الجزائر العتيدة.
    علي القاسمي

    1.  
    صديقي العزيز القاص الروائي الأستاذ فيصل عبد الحسن.
    شكراً لكلماتك الطيب. الإعجاب متبادل، فأنا معجب بمجموعتك القصصية " أعمامي اللصوص " ، فهي من روائع الأدب العربي.
    علي

    1.  
    أخي الكريم الإعلامي الأديب الدكتور عبد الحكيم أحمين،
    قراءتك الكبيرة لقصتي الصغيرة أدهشتني باتساع رؤيتك وعمقها.
    هل درّسك المرحوم الأستاذ سيدي محمد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط؟ فهو الذي ألهمني هذه القصة.
    كان يحتفظ في شقته بأنواع متعددة من الساعات، ومنها مجموعة ساعات جيبية معلّقة على الحائط، وتشير كل واحدة منها إلى الوقت في إحدى عواصم العالم. كان صديقي الحميم، وبكل أسى، حانت ساعته قبل الوقت المناسب.
    أرجو أن تتقبل مني شكري، وإعجابي بمقالاتك القيمة التي أعتز بها.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  
    أخي العزيز المفكر المترجم الأديب الدكتور كيان أحمد حازم،
    شكراً لك على تعليقك الدسم على قصتي الصغيرة.
    وملاحظتك العميقة عن تعدد القراءات لهذه القصة تجعلني أبوح لك بسرّ: ساعدتني التعليقات القيمة التي تفضلّ بها الأصدقاء الكرام، على رؤية قضايا في هذه القصة لم أنتبه إليها أو أقصدها إبان كتابتها.
    وبوصفك ناقداً متميزاً، تعلم أن مقاصد الكاتب قد لا تكون جميعها حاضرة في وعيه عند الكتابة، بل يكون بعضها ماثلاً في عقله اللاواعي. بل أكثر من ذلك، فمقاصد الكتابة ذاتها قد لا تطابق مقاصد الكاتب نفسه، إما لعجز في أدواته، أو لأن النص قد يكتب نفسه أحياناً، أو لأسباب أخرى.
    أكرر شكري ومحبتي واحترامي.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  
    من أجمل النصوص القصصية التي قرأتها قصة الساعة للعلامة المبدع مولاي علي القاسمي حفظه الله ورعاه...فيها كل عناصر الإثارة والتشويق والجذب التي تجعل القارى مشدودا إليها من البداية حتى النهاية...
    أطال الله في عمر مبدعنا المتميز...وأدام عليه نعمة الإبداع والكتابة...ومزيدا من التألق والنجاح والاستمرارية

    1.  
    شقيقي العزيز أبا أسامة،
    أشكرك على تكرمك بالتعليق الجميل على قصتي القصيرة.
    ولكني أرجوك أن لا تدع المحبة بيننا تدفع بك إلى المبالغة في مدح الكاتب.
    شكري ومحبتي وتمنياتي لك وللأهل بالصحة والهناء.
    أخوك علي

    1.  
    لأول وهلة يخيل للقارئ أن عجائبية هذه القصة متأتية من الاتجاه السوريالي في الأدب، فكثرة الساعات في كل مكان من البيت وبأحجام وأشكال متنوعة يخلق نوعا من الدهشة والاستغراب، لكن مع التقدم في السرد يتأكد القارئ من الانتظام المنطقي للمعاني والدلالات، وكذلك من رجاحة الرؤية التي يجترحها القاص بفنية عالية.
    هذا هو السرد الذي أحب.. تحية لمبدعنا الكبير الدكتور علي القاسمي.
    عبد السلام المساوي[b][/b]

    1.  
    صديقي العزيز الناقد العربي المتألق الدكتور عبد المالك أشهبون
    سعدتُ برضاك عن هذه القصة، ولا يحضرني الآن ما إذا كنتَ قد ضمّنتها في كتابك القيم " مختارات قصصية"، والصنف الذي وضعتها فيه. لا شك أنها تنتمي إلى قصص الموت وتداعياته. فـ " الساعة " مشترك لفظي عويص ، كما تعلم، من معانيه : الموت، والآخرة، إلخ. فهو مرتبط أشد الارتباط بالزمكان الذي هو سرّ الحياة والموت.
    أشكرك جزيل الشكر على تكرمك بالتعليق على القصة، وتقبل مني صادق المودة والاحترام.
    علي القاسمي

    1.  
    أخي العزيز الشاعر الناقد المتألق الدكتور عبد السلام المساوي
    أشكرك على إطلالتك البهية الكريمة على القصة.
    عندما كتبتُ القصة لم أضع خطة لها ولم أتوخَ اتجاهاً معيناً تسير فيه، بل كتبتها عن صديق حقيقي مولع بجمع الساعات في منزله، من كل نوع وصنف. ثم وجدتُ القصة تكتب نفسها لتضخم وتبالغ في بعض صفاته، تماماً كما يروم رسّام رسْمَ صورة لشخص " بورتريه"، فيجذب انتباهه الأنف الكبير لدى ذلك الشخص، فيبالغ في ضخامة الأنف، حتى يمسي الأنف هو الشخص ذاته، ويتحول الرسم من بورتريه إلى كاريكاتور.
    أكرر شكري ومودتي واحترامي.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  
    لغة أنيقة تتسرب مع السرد بسلاسة عجيبة لكنها لاتتماهى فيه لتفقد خاصيتها بل تبقى مشعّة تمتعنا بوقفاتها الحوارية , فالساعة رمز تمثل في نسق مضمر , توحي بظهوره في ثنيات النص لتقدم لنا معلومات دقيقة , وهي تجمع بين المتناقضات ( الموت والحياة والتراجع والتطور والصمت والكلام ) . وكل مرة يقدم لنا أستاذنا العلامة الدكتور علي القاسمي قصة جديدة فيها فلسفة عميقة تمتزج مع قمة عمله الإبداعي .

    1.  
    كتبتُ هذه الأبيات بعد قراءتي قصّة(السّاعة) للأديب العربي الكبير المتميّز سعادة الدكتور علي القاسمي حفظه الله.... وفيها أقول: الوَقْتُ كالسّيفِ إِنْ تَقْطَعْهُ ما قَطَعَكْ.... يَسيرُ كالظِّلِّ في دَرْبِ الحياة ِمَعَكْْ 🌺 فانْعَمْ بِدَقّاتِهِ ما عِشْتَ مُمْتَشِقاً... حُبَّ الطُّموحِ لِتَجْني ما تَهَيَّأ لَكْ 🌺 "فَساعَةُ الدَّقِّ" لِلْأَجْدادِ مُخْتَرَعٌ... فما الَّذي أَنْتَ قَدْ أَهْدَيْتَ مُجْتَمَعَكْ ؟ 🌺 أخوكم الشاعر الدكتور أكرم جميل قنبس... والصورة تجمع بين الشاعر وسعادة الدكتور علي في أثناء مؤتمر تربوي عقدته وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر أكتوبر من عام 2018 ... كما قدّم الشاعر ديوانيه تجلّيات عاشق الأبجدية...وأسفار عاشق إهداء لسعادةِ الدّكتور علي القاسمي ، ، ، كما يظهر في الصورة...

    1.  
    عزيزتي الأستاذة بتول الربيعي
    لقد سعدتُ بالاطلاع على تعليقك المركّز الغني بالإفكار والإيحاءات الذكية التي أجدها جلية في دراساتك الاخرى. وهذا يبشرني بأنك ستحصلين على أرقى مرتبة في مناقشة أطروحتك للدكتوراه في شهر تشرين الأول القادم، إن شاء الله.
    تقبلي مني خالص الشكر والمودة والاحترام.
    علي

    1.  
    صديقي الشاعر الأديب المتالق الدكتور أكرم جميل قنبس،
    أتحفتنا بهذه الأبيات الحكمية الجميلة، وهي خصلة من خصال الشعر العربي المجيد ، نجدها بجلاء في إبداع أسلافك شعراء الشام وعلى رأسهم أبو تمام.
    فشكراً ومودة خالصة واحتراماً لك، ولأهلنا في سوريا العزيزة .
    محبكم: علي القاسمي

    1.  
    الحبيب الأنيق ... أستاذنا الدكتور علي القاسميّ
    تحية معطّرة بعبق الوفاء
    كتبتُ نقداً بسيطاً للقصة عسى أن ينال إعجابكم
    المحب دوماً
    د. حسام الجبوري

    تعكسُ قصة (الساعة) للمبدع الدكتور علي القاسمي ديالكتيكاً من نمط خاصّ جدّاً، يبدو غرائبياً يتجاوز حدود مفاهيم الديالكتيك الفلسفية التقليدية؛ فهو صراع السمعِ، والبصر، صراع تراسل الحواسّ؛ أو فلنقل صراع المعرفة، وطرق المعرفة .
    هذا الصراع لا يعتمد مقاربة النهايات الخلّاقة للحلول الوسطى كما يفهمها الماركسيون القدامى؛ بل هو صراع آخّاذ يحاول في جدليّته سبر غور الإنسان نفسه للمكاشفة بأيّ الوسائل التي تقرّبنا لنيل المعرفة .
    يبدو السرد تراتبياً؛ يبدأ مختصراً (الغرابة مجسَّدةٌ في رجل)،  ثم يزداد إثراءاً، لكنّ الأحجية التي تغلّفت بوثائقية خادعة أصبحت أكثر غموضاً بسبب وضوحها !!
    (الغرابة مجسَّدةٌ في رجل) تمثّل عتبة تُشعر بالقيمة الحقيقية للذة الاكتشاف؛ لا معرفة بلا غموض، ولا معرفة بلا فضول يستدعي الخوض في المجهولات !
    الديالكتيك الخادع، يجعلك تنساب متوهّماً في الأحجية الظاهرة، لتقول : ها هنا الحلّ، لتجدَ نفسكَ في غير ما توقعت ! إذ تبدو فلسفة القصة نابعة من فكرة تعدد طرق المعرفة المنتجة لاختلاف المعرفة، تقنية تلاحق السمع، والبصر تحكم نسج القصّة منذ البداية .
    ولأوّل وهلة نتعرف على القاسميّ، وهو يحاول في تقنية السرد تصفية الشخصيات الواحدة تلوَ الأخرى، فالقاسميّ وهو يتقدّم في خطاه السردية يجعل من شخصيّاته العابرة رموزاً مختصرة للانبهار، أو التعجّب، أو الاستغراب !
    (الأساتذة، الطلبة) يُعلنون ردودَ أفعالهم تجاه هذا الأستاذ (سيدي محمد) ولا يكادون يفقهون سرّه في إشارة رمزية دقيقة لتوهّم الحواس الموصلة للمعرفة الخاطئة، أو الاستنتاجات غير الدقيقة، أما القاصّ الشغوف بالغرابة فإنّه وإنْ وقع في خدعة الحواسّ في البداية إلّا إنّ إصراره على المعرفة أوصله للحقيقة .
    تَشَكُّلُ الرمزِ (الساعة) يبدو طاغياً على مفاصل القصة كلّها حتى الشخصيّات؛ فما أن تظهر شخصية حتى تختفي في إشارة رمزية لتلك الثواني العابرة، فما أن تحلّ حاضرة حتى تذهب مختفيةً، فالقاصّ لا يُعير أهمية لتكرار الشخصيات، هو لا يبحث عن تكرار نمطي في الشخصيّات، كأنه يقول : الغرابة تستدعي الفضول، والفضول يستدعي الرغبة، والرغبة تستدعي جرأة المحاولة .
    ومن ثمّ يتفرّد القاصّ بالشخصية الوحيدة (سيدي محمد) ليخلقَ ثنائياً جدلياً يحاول من خلالهما المرور إلى بوابة المعرفة، تلك المعرفة المعتمدة على ثنائية (السمع، والبصر)، وهنا يحاول القاصّ ببراعة توظيف (الساعة) في محاولة خلق الرؤى، والاكتشاف !
    تبدو (الساعة) بوابةً للولوج إلى فهم عالمنا، ولربما كانت المبالغة في اقتناء (سيدي محمد) غريبة لمن يجهل هذه الحقيقة، إذ يكفي اقتناء ساعة واحدة لمعرفة الوقت، لكنّ القضية ليست في معرفة الوقت، فـ(سيدي محمّد) أصبح لكثرة اعتنائه بالساعات واهتمامه بها ساعة لا تكاد تُخطِئ (فالوقت، بالنسبة للأستاذ سيدي محمد، مقدّس ذو قيمةٍ ساميةٍ، تكاد تعادل قيمة الدرس أو تسمو إلى مرتبة الأستاذ نفسه، وكأنّه يِؤمن بمقولة: " لولا الوقتُ، لما صار الإنسان إنسانًا ". ولهذا لم استغرب حمله ثلاث ساعات في آنٍ واحد: ساعتان يدويَّتان: واحدة على كلِّ معصم من معصمَيه، وثالثةٌ ساعةٌ جيبيّةٌ في جيب قميصه القريب من قلبه. وأحيانًا، يحمل بضع ساعات أُخرى في بقيَّة جيوب بذْلته. ولعلَّ سلوكه هذا هو الذي دعا زملاءَه إلى وصمه بتهمة الغرابة) .
    يُلحّ القاسميّ في جعل (الساعة) رمزاً، أو آيقونة تختزل بتكثيفها الدلالي الحياة بأكملها؛ فالفنجان في أصله اللغوي يدلّ على الساعة، ولا نستغرب إذا ما عرفنا علاقة القهوة بالقاص، ومدى ولعه بصناعتها، وشربها (عاد الأستاذ يحمل صينيّةً وفيها إبريق القهوة وفنجانان كبيران. ولمّا وضعها على الطاولة، لاحظتُ أنّ أحد الفنجانين يحمل رسمًا لساعةٍ فيها ثلاثة عقارب ملوَّنة.
    لم أشأْ أن أسأله عن سرِّ الساعات الاثنتي عشرة وعن فائدتها له وهو مختصٌّ بالأدب الإنكليزيّ وليس بالجغرافية. وحاولتُ أن أصرف المحادثة عن موضوع الساعات التي لا أعرف عنها كثيرًا، إلى موضوعٍ آخر كالقهوة التي أعدُّ نفسي خبيرًا في شربها، فلم أوفّق إلا إلى قولٍ سخيفٍ آخر:
    ـ  هذا فنجان لطيف على شكل ساعة.
    وإذا به يقول:
    ـ إن كلمة "فنجان" كانت تُلفظ " بنكان". واستُعلمت كلمة "بنكان"، في التراث العربيّ، لتدلَّ على نوعٍ من الساعات ذات الآلات الميكانيكيّة. والفنجان الذي ترتشف القهوة منه الآن يقوم بالوظيفتَيْن. فعندما تنتهي من شرب قهوتك تستطيع أن تقرأ فيه الوقت الذي استغرقتَه في الشرب) . القهوة هي الساعة، والساعة هي الحياة بإبداعها، وقدرتها على الاستمرار، القهوة، والساعة خلاصة كلّ شيء .
    (الساعة) تختزلُ الحياة؛ حكمة الإنسان الأقدم، حين تمتزج الساعة بماهيتها الفلسفية بجغرافية المكان، صورة من توأمة المكان، والزمان، وفنائهما في فهم الإنسان لما حوله (ـ ظننتُ أنّ أجدادنا العرب القدامى لم يحفلوا بالوقت كما نحفل به اليوم، فبعيرهم في الصحراء لا يعبأ بالوقت، كما تتقيّد به طائراتنا اليوم.
    قال مستغرباً قولي:
    ـ على العكس تمامًا، كانت معرفتهم الدقيقة بالوقت تعوّض عن ضعف وسائل الاتصال والمواصلات عندهم. وكان من حرصهم على الوقت أنَّهم خصّصوا اسمًا لكلِّ ساعةٍ من ساعات الليل والنهار. فأسماء ساعات النهار الاثنتي عشرة، مثلاً، هي: الذرور، البزوغ، الضحى، الغزالة، الهاجرة، الزوال، الدُّلوك، العصر، الأصيل، الصبوب، الحُدُور، الغروب) . الإنسان هو الإنسان، تعدّدت الساعات لتعدّد الرؤى الحضارية، فالساعة حينئذٍ ليست إلّا انعكاسٌ للحياة، هي الحياة (وما فائدة اقتناء سبع ساعات يدويّة من نوعٍ واحدٍ، كتلك الساعات المرتَّبَة على الطاولة؟
    أجاب بهدوء أقرب إلى الرتابة، كأنَّه يلقي درسًا كرَّره مرارًا:
    ـ إنّها ليست من نوعٍ واحد. فالأولى تعمل باللولب، والثانية تعمل بالبطارية، والثالثة بحركة اليد، والرابعة بنبض المعصم، والسادسة بالطاقة الشمسية، والسابعة بحركة الهواء. أضف إلى ذلك، أنَّ كلَّ واحدةٍ منها تقوم بتنبيهي إلى أمرٍ مختلفٍ، بنغمةٍ مختلفة) .
    يُركّز القاص على خلق مقتربات حوار للولوج في عالم (سيدي محمّد) المليء بالغرائبية؛ غرائبية تبدو من كثرة اقتنائه للساعات، واهتمامه المبالغ بالوقت .
    يجعل القاص التقاءه بـ(سيدي محمّد) نقطة البداية للحدث الأهمّ في القصّة، وكأنه يدخل عالماً مسحوراً يشبه ذلك المألوف في قصص (ألف ليلة وليلة)، فيقول: (داهمتني الدهشة والعجب عندما دخلتُ منزله، وبذلتُ جهدًا كبيرًا لإخفاء مشاعري، فقد خشيتُ أن أُسيء إلى مضيّفي إنْ ظهر الاستغراب على وجهي) .
    تتشكّل نواة الصراع بين الإثنين في وعي حسّيّ يعتمد محورين؛ الأول : بصريّ، والثاني : سمعيّ1   . وتظهر متعة الاكتشاف البصري في البداية، بدايات التعرّف الأكثر غرائبية؛ حين تنحرف بوصلة الكلمات من الشخصية إلى عالمها المحيط ! فالقاصّ لم يُكلّف نفسه عناء البحث عن وصف (سيدي محمّد) جسديّاً، لا تظهر ملامحه أبداً، ولم يعِر القاصّ أهمية لبيان شكله؛ لأنه استعان بمعادل بصري خارجي يمنح من خلاله الشخصيّة أبعاداً أكثر عمقاً، فيرسم ملامحه من ذلك الغموض الذي يلفّ كلّ شيء حوله، يتداخل (سيدي محمّد) مع (زمكانيته) ليكوّنا معاً شخصيته المثيرة للفضول، وجعل جلّ اهتمامه في وصف المكان الذي امتلأ بالساعات ! وكأنه يصف الشخصية بمكانها؛ إذ يصبح المكان هو الذات، المكان الذي يكتنز كمّاً من الساعات تجعله مبهماً غرائبياً .
    عجائبية أن يتماهى المكان والزمان في جوهر واحدٍ، حين امتزج المكان الأليف بالوقت، فلنقل بجرأة : لقد تغلّف المكان بصبغ من نوع فريد، اللون لم يعد مألوفاً، فالمألوف تلك الساعات المختلفة التي منحت المكان بعداً جديداً (كانت باحة المنزل غاصَّةً بحشدٍ غريبٍ عجيبٍ من الساعات القديمة والحديثة التي ينبعث منها خليطٌ من الأصوات والدقّات والأنغام. ففي وسط المنزل كانت ساعةٌ مائيّةٌ تحتلّ مكان النافورة. عرفتُها من أسطوانتها المملوءة بالماء، والآلة المجوفة الطافية على الماء، والكرات الصغيرة التي تسقط واحدةٌ منها كلَّ ساعةٍ في طاس، فتُحدث طنينًا يُعلِن عن انقضاء ساعة) . إنها جرأة اللعبة التي استبدل بها القاصّ المكان بالزمان، لم يتبادلا الأدوار؛ بل أزاح الزمان المكان، وحلّ محلّه !
    يتكِئ القاص على المحدّد البصريّ في رسم المكان – أو فلنقل الزمان – الذي تماهى فيه (سيدي محمّد) حدّ الإغراق، فنلاحظ اهتمام القاص بوصف الساعات، وأشكالها، وأحجامها، وتفصيلاتها (وفي أعلى الحائط المقابل نُصِبتْ ساعةٌ شمسيّةٌ كبيرةٌ. وهذه الساعة مؤلَّفةٌ من عودٍ خشبيٍّ مغروزٍ في الحائط، تسقط عليه أشعة الشمس، فينتقل ظلُّه على لوحةٍ من الأرقام المخطوطة على الحائط لتحديد الوقت. وعلى جانبَي تلك المزولة، عُلّق على الجدار إسْطُرْلابان كبيران، أحدهما نحاسيّ والآخر فضيّ، لا أدري كيف حصل عليهما، لأنّني لم أَرَ إسْطُرْلاباً قطّ في أسواق هذه المدينة التي أعرفها منذ سنوات عديدة. وبينما كنتُ أفكِّر أنَّ الساعة الشمسيّة والإسْطُرْلاب لا يساعدان على معرفة الوقت إلا في النهار المشمس، لمحتُ على منضدةٍ في زاويةِ باحةِ الدار ساعةً رمليّةً مؤلَّفةً من قارورتَيْن زجاجيتَيْن كبيرتَيْن مُتَّصلتَيْن بعنقٍ صغيرٍ، وقد مُلِئت القارورة العُليا بالرمل، في حين خُطَّتْ على القارورة السفلى خطوطٌ وأرقام، وأخذتْ ذرّات الرمل تتسرَّب من القارورة العليا إلى القارورة السفلى من خلال العنق، ليشير الحدُّ الذي يبلغه الرمل المتجمِّع إلى الوقت) .
    الساعات المتكدّسة ليست إلّا أشكال حياتنا، وأفعالنا المتنوعة، رسوم ما تمليه جوارحنا في كوننا الواسع، أو الضيق، نحن الساعات التي تختصرُ حتى بيئتنا التي نحيا بها، و(سيدي محمّد) الإنسان المثالي الذي يحيطه الكون، أو يحيط هو بكونه !
    يُشعرنا الدكتور القاسمي؛ وهو يحاول استكناه ما في نفسه حين لجأ لحوارية خجولة، تعكس حرجَ أن نسألَ بسذاجة عن قيمة هذا الكون المتراكب المتراكم، يمنحنا وهو يصنع حواره فرصةَ أن نقول : بالفعل، ما هذه الغرابة التي نحيا بها ؟ ما قيمة أن يحيا الإنسان في الكون المتقنِ الصنع، من دون أن يتعايش مع اتقانه ؟
    حوار يخترق عقولنا السطحية للبحث عما هو جوهريّ بقيمة عالية، فالساعات ليست أداة لمعرفة الوقت، ليست كبقية الاختراعات الإنسانية التي يوجهها في منفعة محدّدة، الساعات فلسفة الإنسان، ونظرته نحو كونه الذي يحيا به .
    أسئلة تتناوب بين السذاجة في الطرح، والفلسفة في الردّ، فالحوار الذي يشوبه القلق، والتأزم منبعه الخوف من المعرفة، خوفٌ وعشقٌ تلازما منذ فتح الإنسان الأول عيناه وأدرك تلك المحسوسات التي كانت جسره نحو المعقولات .
    يُدركُ القاسميّ المولع بالاكتشاف لذة الغرابة فنراه يركّز على إبراز مشاعره، ليخلق صورة متناصفة؛ نصفها الأول مليء بالاستغراب والدهشة والانفعالات، ليكملها بنصفها الآخر الجامد المتفلسف (شعرتُ أنّني ينبغي أن أقول شيئًا، لأُخفي أمارات الاندهاش التي سيطرت على وجهي، فرسمتُ ابتسامةً على شفتَيَّ وقلت:
    ـ هوايةُ جمع الساعات رائعة)، وهو إذ يبدأ في محاولة اكتشافه لهذا العالَم الغرائبي، يرسم ما يشعر به من اختلاجات، يختصِرُ بها رحلة الآف السنين من سير الإنسان نحو معرفته، وفهمه لمحيطه (بدتْ لي عبارتي سخيفةً ولا معنى لها في ذلك المقام، فأردفتُ قائلاً:
    ـ منزلك أشبه ما يكون بمتحفٍ متخصِّص) .
    في مقابل هذا المتسائل المستغرِب يبدو (سيدي محمد) جافّاً بعيداً عن المشاعر، أو اختلاجات الذات، وانعكاساتها، هو فيلسوف مخض الدنيا بتجربته، يختزل بساعاته حضارات معتّقة لآلاف السنين (قال دون أن ينظر إليّ:
    ـ الساعة أروع ما اخترعه العقل البشريّ. ويعود الفضل لأجدادنا العرب القدماء.
    وهنا حاولت أن أقول شيئًا ذكيًّا ينمُّ عن إلمامي بتاريخ الساعات، فلم يحضرني إلا العبارة التالية:
    ـ أتقصد بذلك الساعة الدقّاقة التي أهداها الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى شارلمان، ملك الإفرنج، فأفزعتْ حاشيته؟
    قال:
    ـ لا أقصد بالساعة الآلة أو الأداة، وإنّما الوحدة الزمنيّة. فالعرب البائدة من السومريِّين والبابليِّين والفراعنة هم الذين توصَّلوا إلى تقسيم الزمن إلى سنواتٍ وفصولٍ وشهورٍ وأسابيعَ وأيامٍ وساعات، عن طريق مراقبة الكواكب والنجوم، وتقسيم الزمن الذي تستغرقه في كلِّ دورةٍ من دوراتها) .
    يُغرِق القاسميّ نفسه في متاهات الحيرة، والشعور بالغربة، ولكنها غربة من يحاول استكناه الرموز، وحلحلة الأحجيات، فضول الإنسان الأوّل الذي سار على أرضٍ ألفها، وحاول أن يعرف سرّ العلاقة التي تربطه بها (لم أدرِ ما أقوله له، ووجدتني أشيح بوجهي عنه)، (قلتُ له، كأنني أنتقد بصورةٍ غير مباشرة هوسَه بالوقت) .
    يحاول القاسميّ في غفلة من السرد المتسارع أن يلقي الحجر في البركة الراكدة، يضعنا أمام زمن الصفر الذي يبدأ متسارعاً بانتباهة مفاجئة هي أقرب إلى الصدمة، وكأنه يصحو من غفوة سحرية، تبدو تلك اللحظة العجيبة مشتركة بيننا جميعا، وهنا يستبدل القاصّ محدده البصريّ بتقنية أخرى للإيقاظ، وهو المحدّد السمعي، ينتقل من الاستكشاف البصري إلى القرع السمعي، وهنا تبدأ المكاشفة الحقيقية!
    (كانت الساعات المختلفة الجداريّة والمنضديّة والجيبيّة واليدويّة تقرع، بين آونة وأُخرى، أجراسًا وجلاجل متباينة الأنغام، متنوِّعة الإيقاعات. وبمرور الزمن، اكتشفتُ أنّ حياة الأستاذ سيدي محمد تتحكَّم فيها أجراسُ ساعاته. فجرسٌ يوقظه من نومه في الفجر لأداء صلاة الصبح، وجرسٌ آخر يقرع ليدخلَ المغطس في الحمام ويستلقي في مائه الدافئ المريح، وجرسٌ آخر يُخرجه من الحمام، وخامسٌ يُجلسه على مائدة الفطور، وسابعٌ ينبّهه إلى الخروج في اتّجاه الكُليّة. وجلجلةٌ خفيفةٌ من إحدى ساعتيْه اليدويَّتَين تسترعي انتباهه إلى التوجُّه إلى قاعة الدرس، وجلجلةٌ من الساعة اليدوية الأُخرى تذكّره بانتهاء الحصّة، وهكذا دواليك) .
    استطاع القاسميّ بفضوله الوصول إلى مكاشفته، لحظة إنصاتٍ، لحظة استماعٍ تعني كثيراً؛ (حياة الأستاذ سيدي محمد تتحكَّم فيها أجراسُ ساعاته)، وهنا يضعنا القاسميّ أمام صدمة أخرى؛ فقد انتهت اللعبة؛ وقديماً قالوا : إذا عُرفَ السبب بطل العجب؛ حينها لن يجدَ القاسمي بدّاً من التفرّد، موت (سيدي محمّد) أصبح ضرورة، أصبحا واحداً، سيكملُ القاص ما بدأه (سيدي محمّد)؛ لأنه عرف الحقيقة، واكتشف السرّ، (توثَّقتْ صداقتنا حتّى أخذتُ أقترب من تفكيره، وأمسيتُ أقربَ الناس إليه)، وهنا أصبحت المقاربة بديالكتيكها معدومة؛ أصبح الصمتُ سيّد الحقيقة (أمّا خادمه العجوز، فقد اكتشفتُ أنَّه مصاب بالصمم، وأنَّه اعتاد على مُجرياتِ حياةِ الأستاذ المنظَّمة بحيث إنّه لم يَعُدْ في حاجةٍ إلى قراءة شفاهه لمعرفة تعليماته)، لقد أصبح القاص على حدود المعرفة؛ لذا فهو يؤمن أن السمع لم يعد وسيلته للوصول والاقتراب، لقد استبدله بنقيضه الصمت، ديالكتيك فريد من نوعه (وعندما مرض الأستاذ كنتُ كثيرًا ما أعوده، فأُعجبُ لصمت تلك الساعات. لقد توقّفتْ عن قرع أجراسها، كأنّها تحرص على عدم إزعاجه. طال مرضه، ودام صمتُ ساعاته شهورًا) .
    هل انتهى كلّ شيء ؟ كلا ... الصمتُ المزهوّ بانتصاره عاد خاسراً خائباً؛ فلعبة الديالكتيك، والأحجيات الغامضة لا تُرضي الساعة كثيراً (أسرعتُ إلى المنزل. ودخلتُ غرفة نومه. كان مسجّى على فراشه، وقد فارق الحياة. وكانت جميع الساعات تقرع أجراسها بشكلٍ متواصل)؛ لذا عاد الصوت من جديد، لعبة أخرى، ومقاربة أخرى تبدأ بالموت، ثم الحياة، أقصد الساعة

    1.  
    دقات ساعتك ترجع القارئ إلى زمن القصة القصيرة. أسلوب سهل ومتمنع عن المحاكاة. حبكة تأخذ بتلابيب المتلقي لمعرفة ما ستؤول إليه عقارب الساعات العالمية.
    حقا استمتعتُ واستفدتُ وساعتك أستاذي الكريم تذكرني برواد القصة القصيرة أمثال أنطون تشيخوف وإدغار ألان بو وغيرهما.
    دمت متألقا

    1.  
    وبعد: أشكر أستاذي الجليل الدكتور علي القاسمي على هذه التّحفة الفنيّة الفريدة والتي تعدّ من روائع سيره الحقيقيّة، تجسد لنا ولع بطل القصة الأستاذ (سيدي محمد) بالوقت فقد عبرت القصة عن ثنائيّات متضادة: ساعة اللقاء/وساعة الفناء) يقول: (التقيتُ به بعد أن التحقتُ أستاذًا بكلِّيَّة الآداب. كانت عيناه تشعّان ذكاءً لا يُفصِح عنه فمُه....../أسرعتُ إلى المنزل. ودخلتُ غرفة نومه. كان مسجّى على فراشه، وقد فارق الحياة. ). فقد لخصت هاته العبارة مدار القصة المتمثلة في صورة اللقاء وصورة الموت وعبر هذه الفترة يتجسد الزمن، وقد استطاع الدكتور علي القاسمي أن يختار لقصته العنوان المناسب "الساعة" ، فالساعة يمكن أن تدل على الجزء القليل من الليل والنهار كما يمكن أن تدلّ على الأمر وقت وقوعه وتدل أيضا على الوقت التي تقوم فيه القيامة، وهنا يتجسد دهاء وفراسة أستاذنا الدكتور علي القاسمي المتخصّص في الصناعة المعجمية والمصطلحيّة. فاختيار المفردات في قصصه يمرّ عبر قاموسه المعجمي الفكري الثري والدقيق....فرمز الساعة في هذه القصة دلّ فعلا على هذه المفاهيم المتعدة بأسلوب قصّ متميّز.
    فهذه قصة القصيرة تلخص لنا لغز الحياة وسعي الإنسان فيها، فساعة اللّحظات الجميلة مع أقراننا في هذه الحياة الدنياوية يمكن أن تكون (ساعة حب، وساعة الدرس، وساعة اختراع، وساعة الشباب، وساعة الكبر، وساعة الحرب/ وساعة الفناء=الموت...). فغرابة الأستاذ (سيدي محمد) بطل القصة بحمله لعدّة ساعات (المعصم والجيب) يدّل بشكل قاطع على أن الإنسان هو ساعة وقت كتب له العيش في كنفها ولا ندري متى تتوقف هذه الساعة، وهي ساعة القلب يقول: "وثالثةٌ ساعةٌ جيبيّةٌ في جيب قميصه القريب من قلبه. وأحيانًا، يحمل بضع ساعات أُخرى في بقيَّة جيوب بذْلته"، فالإنسان هو لحظة زمنية زائلة أو مقدر له الفناء فدقات القلب أيضا تعدّ رمز "ساعة الإنسان" فخفقان القلب للقاء شخص حميم يعدّ أسعد توهجات الإنسان في هذه الحياة لكن يمكن لساعة القلب أن تمرض بمرض كمرض القلب المزمن الذي يمكن علاجه غير أن هناك بعض الأمراض المستعصية تعطل عمل هذه الساعة "القلب" مما يؤدي للفناء وقطع عنصر الزمن وأيضا ساعات الحروب تفتك بالإنسان والمجتمعات، إذن فساعة الزمن الآلية وساعة قلب الإنسان كلاهما في حركة دائمة، فالجامع بينهما هو عنصر الزمن الذي لا يمكن له أن يتوقف فهناك دول فَنت وزالت وقامت محلّها دول أخرى في خضم الزمن، الذي لا يمكن للإنسان أن يوقفه، وهنا تتجلى عظمة الخالق، فالقصة هنا تحمل في طياتها معاني ميتافيزقيّة متعلقة بالحياة الأخرى ومعاني دنياوية تتجسّد في استغال هذا الوقت القصير الذي يمرّ به الإنسان وخير مثال: تقديس بطلها للوقت حتى وُصف بالغرابة من طرف أقرانه ومعارفه. ويدل مصطلح "إسْطُرْلاباً" على طابع القصّة ومغزاها المتمثل في الثنائية المتضادة: (الموت والحياة) والعنصر الفارق بينهما الزمن، فمصطلح إسْطُرْلاباً" الذي يدل على النموذج الثنائي البعد للقبة الساموية والذي يستعمل في قياسات حركات الأجرام الساموية. لذلك فدلالة المصطلح هنا يذكرنا بعبقرية العرب في الاختراع إذ ذكر ابن النديم أنَّ الفزاري (ت نحو 180هـ) (هو أول من عمل في الإسلام إسطرلابًا). ونستنتج من هذا المعرض المنزلي للساعات تطوّر علم صناعة الساعة من القديم إلى الحديث وكذلك كيف تنبه العرب قديما لأهمية الوقت وتقسيمه يقول :" فالعرب البائدة من السومريِّين والبابليِّين والفراعنة هم الذين توصَّلوا إلى تقسيم الزمن إلى سنواتٍ وفصولٍ وشهورٍ وأسابيعَ وأيامٍ وساعات، عن طريق مراقبة الكواكب والنجوم ". وبطل القصة هنا يذكر لنا تقسيم أوقات دول العالم والفروق الزمنيّة بينهما ليثبت لنا جغرافيا الزمن:(طوكيو ، كوالالمبور، بانكوك، إسلام آباد، دلهي، مكة، القاهرة، تونس، الجزائر، الدار البيضاء، إلخ.). ليحدد في الأخير التشابه في صناعة آلة الساعة ظاهريا لكن هناك فروق جوهرية في كيفية عملها يقول: " إنّها ليست من نوعٍ واحد. فالأولى تعمل باللولب، والثانية تعمل بالبطارية، والثالثة بحركة اليد، والرابعة بنبض المعصم، والسادسة بالطاقة الشمسية، والسابعة بحركة الهواء. أضف إلى ذلك، أنَّ كلَّ واحدةٍ منها تقوم بتنبيهي إلى أمرٍ مختلفٍ، بنغمةٍ مختلفة." وهذا دليل على التطور الحاصل في عالمنا من اليدوي إلى الطاقة الشمسية وحركات الهواء، فنحن معشر الإنس نتشابه لكننا نختلف في بعض الأمور: فهناك العالم وهناك الأستاذ، وهناك الفلاح وهناك المجرم .... والزمن كفيل بتطور الإنسان حسب ميله...فنحن في حركة تعلم مستمرة وفق ما تسخره لنا ساعة القدر من وقت.
    أشكر أستاذي الدكتور علي القاسمي على هذه القصة الجميلة المرصعة بالرموز المتشابكة، فدمتم ذخرا لأمتنا العربية في إبداعاتكم المتواصلة.

    1.  
    وبعد: أشكر أستاذي الجليل الدكتور علي القاسمي على هذه التّحفة الفنيّة الفريدة والتي تعدّ من روائع سيره الحقيقيّة، تجسد لنا ولع بطل القصة الأستاذ (سيدي محمد) بالوقت فقد عبرت القصة عن ثنائيّات متضادة: ساعة اللقاء/وساعة الفناء) يقول: (التقيتُ به بعد أن التحقتُ أستاذًا بكلِّيَّة الآداب. كانت عيناه تشعّان ذكاءً لا يُفصِح عنه فمُه....../أسرعتُ إلى المنزل. ودخلتُ غرفة نومه. كان مسجّى على فراشه، وقد فارق الحياة. ). فقد لخصت هاته العبارة مدار القصة المتمثلة في صورة اللقاء وصورة الموت وعبر هذه الفترة يتجسد الزمن، وقد استطاع الدكتور علي القاسمي أن يختار لقصته العنوان المناسب "الساعة" ، فالساعة يمكن أن تدل على الجزء القليل من الليل والنهار كما يمكن أن تدلّ على الأمر وقت وقوعه وتدل أيضا على الوقت التي تقوم فيه القيامة، وهنا يتجسد دهاء وفراسة أستاذنا الدكتور علي القاسمي المتخصّص في الصناعة المعجمية والمصطلحيّة. فاختيار المفردات في قصصه يمرّ عبر قاموسه المعجمي الفكري الثري والدقيق....فرمز الساعة في هذه القصة دلّ فعلا على هذه المفاهيم المتعدة بأسلوب قصّ متميّز.
    فهذه قصة القصيرة تلخص لنا لغز الحياة وسعي الإنسان فيها، فساعة اللّحظات الجميلة مع أقراننا في هذه الحياة الدنياوية يمكن أن تكون (ساعة حب، وساعة الدرس، وساعة اختراع، وساعة الشباب، وساعة الكبر، وساعة الحرب/ وساعة الفناء=الموت...). فغرابة الأستاذ (سيدي محمد) بطل القصة بحمله لعدّة ساعات (المعصم والجيب) يدّل بشكل قاطع على أن الإنسان هو ساعة وقت كتب له العيش في كنفها ولا ندري متى تتوقف هذه الساعة، وهي ساعة القلب يقول: "وثالثةٌ ساعةٌ جيبيّةٌ في جيب قميصه القريب من قلبه. وأحيانًا، يحمل بضع ساعات أُخرى في بقيَّة جيوب بذْلته"، فالإنسان هو لحظة زمنية زائلة أو مقدر له الفناء فدقات القلب أيضا تعدّ رمز "ساعة الإنسان" فخفقان القلب للقاء شخص حميم يعدّ أسعد توهجات الإنسان في هذه الحياة لكن يمكن لساعة القلب أن تمرض بمرض كمرض القلب المزمن الذي يمكن علاجه غير أن هناك بعض الأمراض المستعصية تعطل عمل هذه الساعة "القلب" مما يؤدي للفناء وقطع عنصر الزمن وأيضا ساعات الحروب تفتك بالإنسان والمجتمعات، إذن فساعة الزمن الآلية وساعة قلب الإنسان كلاهما في حركة دائمة، فالجامع بينهما هو عنصر الزمن الذي لا يمكن له أن يتوقف فهناك دول فَنت وزالت وقامت محلّها دول أخرى في خضم الزمن، الذي لا يمكن للإنسان أن يوقفه، وهنا تتجلى عظمة الخالق، فالقصة هنا تحمل في طياتها معاني ميتافيزقيّة متعلقة بالحياة الأخرى ومعاني دنياوية تتجسّد في استغال هذا الوقت القصير الذي يمرّ به الإنسان وخير مثال: تقديس بطلها للوقت حتى وُصف بالغرابة من طرف أقرانه ومعارفه. ويدل مصطلح "إسْطُرْلاباً" على طابع القصّة ومغزاها المتمثل في الثنائية المتضادة: (الموت والحياة) والعنصر الفارق بينهما الزمن، فمصطلح إسْطُرْلاباً" الذي يدل على النموذج الثنائي البعد للقبة الساموية والذي يستعمل في قياسات حركات الأجرام الساموية. لذلك فدلالة المصطلح هنا يذكرنا بعبقرية العرب في الاختراع إذ ذكر ابن النديم أنَّ الفزاري (ت نحو 180هـ) (هو أول من عمل في الإسلام إسطرلابًا). ونستنتج من هذا المعرض المنزلي للساعات تطوّر علم صناعة الساعة من القديم إلى الحديث وكذلك كيف تنبه العرب قديما لأهمية الوقت وتقسيمه يقول :" فالعرب البائدة من السومريِّين والبابليِّين والفراعنة هم الذين توصَّلوا إلى تقسيم الزمن إلى سنواتٍ وفصولٍ وشهورٍ وأسابيعَ وأيامٍ وساعات، عن طريق مراقبة الكواكب والنجوم ". وبطل القصة هنا يذكر لنا تقسيم أوقات دول العالم والفروق الزمنيّة بينهما ليثبت لنا جغرافيا الزمن:(طوكيو ، كوالالمبور، بانكوك، إسلام آباد، دلهي، مكة، القاهرة، تونس، الجزائر، الدار البيضاء، إلخ.). ليحدد في الأخير التشابه في صناعة آلة الساعة ظاهريا لكن هناك فروق جوهرية في كيفية عملها يقول: " إنّها ليست من نوعٍ واحد. فالأولى تعمل باللولب، والثانية تعمل بالبطارية، والثالثة بحركة اليد، والرابعة بنبض المعصم، والسادسة بالطاقة الشمسية، والسابعة بحركة الهواء. أضف إلى ذلك، أنَّ كلَّ واحدةٍ منها تقوم بتنبيهي إلى أمرٍ مختلفٍ، بنغمةٍ مختلفة." وهذا دليل على التطور الحاصل في عالمنا من اليدوي إلى الطاقة الشمسية وحركات الهواء، فنحن معشر الإنس نتشابه لكننا نختلف في بعض الأمور: فهناك العالم وهناك الأستاذ، وهناك الفلاح وهناك المجرم .... والزمن كفيل بتطور الإنسان حسب ميله...فنحن في حركة تعلم مستمرة وفق ما تسخره لنا ساعة القدر من وقت.
    أشكر أستاذي الدكتور علي القاسمي على هذه القصة الجميلة المرصعة بالرموز المتشابكة، فدمتم ذخرا لأمتنا العربية في إبداعاتكم المتواصلة.

    1.  
    أستاذنا اللساني الأديب الدكتور حسام الجبوري
    أشكرك من القلب على كلماتك الكريمة التي أبلغتني فيها بأنك كتبتَ نقداً للقصة.

    ولكنني ـ مع الأسف ـ لم أعثر على النقد في خانة التعليقات. ولعل الإخوة الأدباء محرري صحيفة المثقف الغراء قد وضعوه في مكان آخر من الصحيفة. أرجوهم التكرم بإرشادي إليه وربطه بالقصة. مع جزيل شكري .
    علي القاسمي

    1.  
    الأديب الأريب الأستاذ إبراهيم اللوك،
    أشكرك جزيل الشكر على إطلالتك البهية على قصتي، وأشكرك على كلماتك البعيدة الغور الدالة على إطلاعكم العميق على تاريخ القصة القصيرة وتطورها، وإشارتك الذكية إلى روادها مثل الروسي أنطون تشيخوف والأمريكي أدغار ألن بو وهما من الكتّاب الذين درستُهما بعناية، ولعلّي تأثرتُ بهما.
    تمنياتي لك بموفور الصحة والهناء وموصول الإبداع والعطاء.
    محبكم: علي القاسمي

    1.  
    ابننا العزيز اللساني الأديب الدكتور كمال لعناني ، مجمع اللغة العربية الجزائري

    شكراً لتعليقك الشامل الذي أحاط بأبعاد القصة ورموزها ومراميها. وهذه الإحاطة صفة ملازمة لك في أبحاثك العلمية وإطروحاتك الأكايمية.

    وأثار إعجابي إشارتك إلى الساعة الجيبية التي كان يحملها سيدي محمد بالقرب من قلبه، وهي تذكرنا ببيتي أمير الشعراء في عصره أحمد شوقي:

    دَقَّاتُ قلــــبِ المــرءِ قائلة ٌ له: إنَّ الحياة َ دقائــقٌ وثواني
    فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذِكرَها فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني

    أتمنى لك مستقبلاً أكاديمياً زاهراً تصنعه بجدك ومثابرتك في البحث العلمي.
    محبكم: علي القاسمي

    مقالات ذات صلة