أصدقاء الدكتور علي القاسمي

الرحيل - قصة قصيرة ا بقلم الدكتور علي القاسمي



الرحيل

د. علي القاسمي
نقلا عن صحيفة المثقف

عندما دخلتْ عليه وحدَها، تعوده في المُستَشفى، خلال الأسبوع الأخيرِ، من صراعه الخاسر المريرِ مع الموت، كان يطلُّ بعينَيْهِ المُتعَبتَيْن، عبر نافذةِ غرفته الكائنة في الطابق السابع، ليشاهد بشيء من الأسى والغصَّة، البحرَ الممتد أمامه إلى ما لا نهاية، وقد بدت أمواجه وهي تغادر الشاطئ بلا رجعة إثرَ سفينةٍ راحلةٍ نحو الأُفق، حيث تتبعثر أشلاءُ الشمسِ الغاربةِ الشاحبة ِاللون، التي تقطِّع أوصالَها غيومٌ سوداءُ أخذتْ تُغطّي صفحةَ السماء، وتتحرَّك مثل قطعانِ جاموسٍ مذعورٍ في اتّجاه الغرب بفعلِ الريحِ الشرقيّة، لا يخترق سيطرتَها على الفضاء إلا سربٌ من الطيور المُهاجِرة. وكانت أوراقُ الأشجار المصفرَّة تتساقط من الأغصان بكثرةٍ، لتغطّي حديقة المستشفى بدثار خريفيّ من ألوان شاحبة، ثمَّ سرعان ما تدفعُها الريحُ بقسوةٍ نحو البوابة الغربيّة، وكأنَّها تكنسُها أو تطردُها من الحديقة الرحبة إلى الدروب الخارجيّة الضيقة.
التفتَ، رآها، فسرى بريقٌ خاطفٌ في عينيه وشبحُ ابتسامةٍ على شفتيه، ينمّان عن سرورٍ خفيٍّ مخنوقٍ بحضورها. جلستْ على حافة سريره. أخذتْ يدَه اليمنى بكفيّها، وأدنتها بلُطفٍ من كنزتها الصوفيّة بالقُرب من موضعِ القلب بين الضلوع، وكأنّها تريد أن تهِبهُ شيئاً من دفئها وشبابها ونبض فؤادها. أخذا ينظران إلى أحدهما الآخر بصمتٍ دون أن ينطقا بشيءٍ.
تأمَّلتْ عينَيه المُتعبتين، فبدتْ لها أهدابُهما مثل وريقات زهرتَي عبّاد شمس ذابلتَين، وفي أغوارهما يخبو الضياء الذي عهدتْه. أطال النظر في عينيها، فحيّرته المعاني. غابت منهما تلك الرقَّة وذلك الحنان، وحلَّ مَحلَّهما تصميمٌ وعزمٌ على شيء لم يُدرِك كُنْهه. استفسر بعينَيه عن حالها. لم تُجِب. هربتْ منها الكلمات، تعثَّرتِ العبارات ولم تبلغ شفتَيها. حوّلتْ عينيها بعيداً عنه، ولكنَّها لم تستطِع أن تمنع الدموع من الصعود والتجمُّع في عينيها الواسعتَين دون أن تنهمر عبراتٍ، مثل قطراتِ الغيث المُتجمِّعة على زجاجِ نافذةٍ بعدَ ليلةٍ ممطرةٍ.
تحوَّلت نظراتُه من عينَيها إلى وجهها المليح، وقوامها الأهيف، وهندامها الأنيق، فلمحَ إلى جانبِ حقيبتها الجلديّة ملفّاً ورقيّاً. وبعد تردُّد لم يطُل، أشار بعينَيه إلى الملفِّ، فناولتْه إياه. أخذه بيدَين مرتعشتَين، تصفَّحه بصعوبةٍ. بدا عليه أنَّه أدرك محتواه. ألقاه إلى جانبه على السرير.
نظر إليها. كانت مُطرِقة ً. انتظر برهة. رفعتْ رأسها. التقتْ نظراتهما. هزَّ رأسه أن لا تفعلي. ولكنَّه استشفَّ في عينيها عناداً وتصميماً. أطرقَ برهةً كأنَّه يفكِّر في حِجة لإقناعها، ثمَّ نظر إليها وقال بلهجةٍ آمرةٍ تشوبها نبرةُ رجاء وكأنَّه يلفظ وصيَّته الأخيرة:
ـ لا ترحلي.. ابقِ أنتِ.. لا تغادري البلاد.
جاهدتْ لتتكلَّم، ولكنَّ الدموعَ المُتجمِّعةَ في المآقي خنقتِ الكلمات. بذلتْ مجهوداً كبيراً لتُخفي الدموع عنه، ولكنَّها لم تتمكَّن، فانفلتتْ خارجةً من الغرفة، قبل أن تنهمر الدموع ُعلى خدّيها الأسيلَين.
***
قصة قصيرة
علي القاسمي


تعليقات الموقع

تعليقات (36)

  1.  
كمتلقي يحاول ان يتفاعل، او يفك شفرة النص الأدبي ، وهنا قصة قصيرة للدكتور القاسمي، اجد انها محملة برمزية عالية ، فالمفردات لها دلالات، والتجاور بين الجمل يخدم الفكرة ويتكامل معها، من حيث الوصول للغاية المطلوبة، الا وهي الرحيل، فكل ما في القصة من البداية حتى ما قبل النهاية بقليل، يوحي بذلك، السماء، أشجار حديقة المستشفى التي تساقطت اوراقها الخريفية، كل ذلك يقودنا للنهاية
.. الرحيل.
مودتي الأخوية دوماً وابداً.
  1.  
وقع خطأ في بداية الجملة، ( كمتلقي، الأصح ( كمتلقٍ ) لذا اقتضى التنبه وشكراً.
  1.  
أستاذنا الجليل الشاعر الأديب صالح البياتي
شكراً جزيلاً لكم على تفضلكم بكتابة تعليق على قصتي أعتز به وأفتخر. ولفت انتباهي إشارتك إلذكية إلى أنَّ القصة "محمَّلة برمزية عالية". فالرموز هي أعمدة جميع الأبنية الفنية، من أشعار ورسوم وتماثيل وغيرها، منذ أقدم الأعمال الفنية في تاريخ الإنسانية الى يومنا هذا. ولهذا نجد اليوم حشداً من معاجم الرموز الفنية باللغات العالمية، لمساعدة الكاتب والناقد والقارئ. وتكاد كل كلمة في الفقرة الأولى من قصتي تكون رمزاً أدبياً.
تماماً كما كان نصُّك الرائع أمس " كأنهم حروف صماء" مدثّر بالرموز التي تغنيه وتزيده جمالاً وتألقاً.
ولم يكُن الرمز هو السمة المشتركة بين نصَّينا فحسب، بل نجد كذلك الحزن الذي يتسربل به النصّان. وهذا مصداق قول الناقد المغربي الكبير الدكتور أحمد بوحسن " ... هي مسحة مشوبة بهذه اللمسة الحزينة التي غلبت على الأدب العربي المعاصر، وربما العراقي في العقود الأخيرة اكثر."
أكرر شكري ومودتي واحترامي.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
قرأت القصة و التعليق.
لا يوجد رموز صعبة كما ارى. هي مشهد قصصي يعبر عن عاطفة خاصة و انسانية تساعدها الطبيعة على التفتح و التعبير.
المشاهد في السرد بالعادة تقوم على تثبيت المكان و الزمان. و لذلك هي تستغرق في النص فترة اطول مما يفترضها الواقع.
اهم ما فيها لغتها السريعة و الرشيقة و التي تختلف عن قصص الكاتب السابقة ذات الحبكة و التي تستعمل تعجيل الاحداث احيانا و احيانا الترادف و التوازي.
  1.  
أديبنا الكبير الناقد المترجم الدكتور صالح الرزوق،
أشكرك من القلب على تكرُّمك بالتعليق على قصتي، وأشكرك شكراً جزيلاً على جميل متابعتك لنصوصي السردية وكريم اهتمامك بتحديد التقنيات التي تستخدمها.
وأتفق معك بأنه لا توجد في هذه القصة أية رموز صعبة بالنسبة لك أو لأي ناقد آخر يقارب مستواك السامق. فالصعوبة مسألة نسبية تختلف من قارئ مبتدئ إلى ناقد متمرس.
وأكرّر شكري وامتناني لتفضلك بالإطلالة على قصتي القصيرة.
محبّكم: علي القاسمي
  1.  
التصوير الفني رائع جدا والسرد المتناوب بين الشخصين رائع أيضا. القصة تنسجم بمعنى واحد وهو الرحيل، أما الإجابة عن السؤالين من ولماذا فهما متروكان لفهم القارئ وخياله.
  1.  
عزيزي الأديب الأستاذ علي حسن،
أشكرك على تعليقك الكريم الذي أسعدني حقاً، وقد جاء كالقصة نفسها موجزاً، ولكنه يفيض بأفكار نقدية أساسية وبأسلوب أدبي بديع، خاصة قضية إطلاق خيال القارئ حيال شخصيتي القصة.
أطيب تمنياتي لك.
علي القاسمي
  1.  
تعقيبا على تعليق الدكتور صالح الرزوق، ارى انه ادق مني في تقييم ونقد قصة الرحيل، للدكتور القاص علي القاسمي، ورأيه في الإختصاص هو المعول عليه، فأنا في اول كلمة في التعليق قلت إنا كمتلق، والمتلقي ليس كالناقد، شكري الجزيل لأخي الدكتور صالح الذي الذي أحاطني علمًا بذلك.
  1.  
يوسف القاسمي

قصه مؤثره من عنوانها حتى نهايتها وذلك يااخي وأستاذي لأنك عشت في رحيل دائم من بداية حياتك حتى خريف العمر تاركا اخوه يتمنون رؤيتك
  1.  
شقيقي العزيز أبا أسامة
شكراً جزيلاً لك على متابعتك الكريمة لإنتاجي الأدبي. وفي تعليقك الصائب، وضعتَ إصبعك على الجرح. فالنص الأدبي لا بد أن يحمل معه شيئاً من ذات الكاتب.
أخوك علي
  1.  
قصة رائعة أخرى للمبدع الكبير د. علي القاسمي بالتوفيق الدائم لمبدعنا العزيز ...
  1.  
صديقي العزيز الروائي الأديب الأستاذ فيصل عبد الحسن.
شكراً لك على كلماتك الطيبة. وننتظر جديدك الأدبي قريباً إن شاء الله.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
استاد القاسمي ...لا اعرف لماذا..لكن اجدني كل مرة اقرا لك فيها احاول ان أغوص في بحر مفرداتك...واسبر أغوار لغتك ..أفتش بنهم عن ما وارءها....
فعلا نصك الرحيل جعلني اعيش فكرتين مختلفتي الأبعاد....كعادتك تتوه بنا في مقدمة القصة في دروب معينة لتنعطف بنا بغتة نحو طريق آخر.....هل لهما نفس نقطة النهاية أو نقطة الوصول ...قصة داخل قصة تحكي عن الرحيل ...قد يكون موت ....هجرة ....كلاهما قاسي ....يجمع بينهما الم الفراق ...و غصة الحنين التي تأتي مع الذكريات و التي رسمتها في نصك من خلال الوصف الدقيق ..الدي جعلني أشاهد لقطة مصورة ...و اقرا تعابير أبطالها....
و الاجمل هو النهاية الغير المتوقعة....اختيار الهروب بألم على خوض تجربة رؤية رحيل من نحب ....ويبقى في الاخير ....رحيل

القارئة
  1.  
عزيزتي القارئة الأديبة.
شكراً لك على كلماتك الطيبة بحق قصصي.
وذكّرني قولك إن الرحيل قد يكون موتاً، أو هجرة وكلاهما قاسٍ، بما ذكره الشاعر عبد الوهاب البياتي، في نصه حول تجربته الشعرية، من أن الغربة أقسى من الموت، حين قال:
"يا لها من بنتِ كلبةْ،
هذه الدُّنيا التي تُشبِعنا موتاً وغربةْ"
فرتبهما ترتيباً منطقياً من السهل إلى الصعب، كما شرح مترجم أعماله إلى اللغة الإنجليزية الأستاذ فرنجية.
أكرر شكري وإعجابي بمثابرتك الأدبية.
علي القاسمي
  1.  
تحياتي و احترامي استاد القاسمي
  1.  
كلنا راحلون دكتور علي قصة جميلة جدا لكن ما آثار إنتباهي دكتور هنالك من ينتظر بشوق للقاء أخاه لا أحد يعرف متى يحين أوان رحيله لكن على الأقل لا تترك غصة في قلب أخ لم يشبع من رأيتك
  1.  
عزيزتي الأديبة الأستاذة خديجة،
أشكرك على تكرمك بالتعليق على قصتي ، رغم مرضك الوبيل. أسأل الله تعالى أن يشفيك وهو على كل شيء قدير. لم أستغرب أنك وجدت غصّتك في قصّتي، فكثيرٌ من القراء يلفون أنفسهم في بعض الأعمال الأدبية. ونحن نؤمن بالقدر خيره وشره، والله يعلم ما لا نعلم. وهو بعباده رحيم..
مودتي واحترامي وإعجابي بشجاعتك المدهشة، وأطيب متمنياتي لك عزيزتي.
علي
  1.  
كما يقول Iris Murdoch "الفسلسة تصنع شي واحد، تنوير العقل بلغة وبلاغة الكلام، أمّا الأدب فيستطيع أن يفعل أشياء كثيرة"، وفي حضرتكم يجتمع الأدب الرفيع وإسترسال الفلسفة، من يقرأ يغرق بين مداعبة العقل ووراعة الكَلِم بلا منازع.
مع فائق محبتي وتقديري،
  1.  
صديقي العزيز المفكر القانوني الدكتور سامر الناصر،
أشكرك جزيل الشكر على تفضلك بقراءة قصتي والتعليق عليها رغم مشاغلك الفكرية الكثيرة وأنشتطتك الأكاديمية العديدة. وعليّ أن أعترف أن رحيلك إلى إسبانيا ينطوي على غربة أصعب من غربتي، ولكنك دأئم الابتسام والتفاؤل. وهذه من صفات القيادة وعلامات الشجاعة التي أغبطك فيها.
صادق المودة والاحترام.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
مرحبًا عالمنا الكريم.
كلماتكم الرائعة تلامس القلب، وتسري بنحوٍ خفيّ إلى مآقي العين، يقضي الإنسان حياته بانتظار حدوث ما يريد، وعندما يحدث ينتظر من جديد أمرًا آخر يتلهف إليه، الانتظار واللهفة نارٌ تخمدها الآلام، وتخفي ألوان العالم من حولنا، يُصبح بلا ألوان ، والأغرب أن الآلام هي الأخرى تنتظر بلهفة مَن يهدئها، ليس من طريق العلاج والعقاقير هذه المرة؛ فهي لم تعد تنفع، ولكن من طريق الإحساس بحُبِ من نُحب...
دمت بخير وصحة وعافية عالمنا الكريم.
  1.  
مرحبًا عالمنا الكريم.
كلماتكم الرائعة تلامس القلب، وتسري بنحوٍ خفيّ إلى مآقي العين، يقضي الإنسان حياته بانتظار حدوث ما يريد، وعندما يحدث ينتظر من جديد أمرًا آخر يتلهف إليه، الانتظار واللهفة نارٌ تخمدها الآلام، وتخفي ألوان العالم من حولنا، يُصبح بلا ألوان ، والأغرب أن الآلام هي الأخرى تنتظر بلهفة مَن يهدئها، ليس من طريق العلاج والعقاقير هذه المرة؛ فهي لم تعد تنفع، ولكن من طريق الإحساس بحُبِ من نُحب...
دمت بخير وصحة وعافية عالمنا الكريم.
  1.  
عزيزتي الأستاذة سهاد،
أنا سعيد لأن قصتي أعجبتك، وأنك وضعتِ يدك على السر فيها، الا وهو الحب. فبالحب ينفعل الوجود وتندثر الآلام ويتحقق النجاح. وقد لمستُ حبّك الكبير للموضوع الذي تكتبين رسالتك الجامعية حوله. ولهذا أتوقع لك نجاحاً باهراً.
شكري الجزيل وأطيب تمنياتي لك.
علي القاسمي
وصف إنساني رقيق ومؤثر للحظة فراق محملة بكثير من الرموز والدلالات ....
أخي الحبيب الأستاذ اللساني الأديب الدكتور مصطفى غلفان.
أشكرك على كلماتك القليلة التي لخصت القصة أجمل تلخيص. وقليلٌ منك كثير.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
[b][/bمساء الخير عزيزي الدكتور علي القاسمي
شكرا على هذه القصة الفصيرة جدا، مثل الهايكو الياباني. كلمات قليلة، ولكن دلالتها مفتوحة.

مسحة الحزن تكسو القصة من البداية الى النهاية، وكأن القاص كان ينتقي معجما وعبارات وحقولا دلالية لتأثيث لحظة حزن هادئ ظاهر يا، ولكن بغصة مخنوقة، لجمتها صنعة الكاتب والرواي في نفس الوقت.
على مستوى البناء السردي، تبنت القصة فضاء ماديا ضيقا، استتبع فضاء نفسيا مخنوقا: البيت في المستشفى التي لا نعرف منها الا المريض وملامح وجهه المعبرة عن معاناته، وعائدته، زوجته، ووجهها وعيونها وعبراتها التي تغالبها، وهندامها واناقتها، مما يؤجج شعور الرجل... والملف المنذر بالنهاية.
والزمان بدوره يشي بالحزن بدوره؛ وقت الزيارة مساء، والزمن لحظة الغروب و زمن الخريف، والفعل هو فعل الرحيل الى الغرب، القطعان والطيور واوراق الشجر المصفر. يؤطر هذا الزمكان، الكونوتوب. والاطلالة على العالم من أعلى من الطابق السابع! من الفضاء الضيق الى الفضاء الواسع في الخارج.
كل شيء في القصة يضيق. على مستوى السرد نجده يتسع في البداية، ثم يبدا يضيق حتى يصل الى نقطة أضيق، وكأن القصة بنيت على شكل مخروط مقلوب قاعدته السردية في الأعلى واسعة ورأسه الى الأسفل ضيق جدا يعلن النهاية. نهاية الحياة ورحيل الأشياء والناس. رحيل اليوم والسفينة والقطعان والطيور والاوراق، ورحيل المريض، ورحيل السيدة عن البلد بدون شك.
هل هي قصة متشائمة تعبر عن النظرة السوداوية للمؤلف، وتدخل في باب الأدب الاسود والعنيف نفسيا و لغويا؟
قد تشي القصة بالمسحة السوداوية الحزينة المغطاة بقوة اللغة والصورة التي تخفف من ذلك، مثل ضحكة المؤلف او تليق اخيه، او ربما مساره نفسه في الحياة والبلدان. هي مسحة مشوبة بهذه اللمسة الحزينة التي غلبت على الأدب العربي المعاصر، وربما العراقي في العقود الأخيرة اكثر. جل الكتابات الأدبية العراقية الحالية تعبر بصدق عن ذلك. وكتابات عربية أخرى تسير غي ركابها، وإن بصور متباينة.
قصة الصديق علي قصة مكثفة للفضاء وللزمن وللنفس وللمشاعر، ولكنها، مع ذلك، لا تريد ان تخضع لضيق الحياة والمكان والزمان، فرحلت وفكت عنها كل ما ومن يثبط عزيمتها حتى لا تبقى أسيرة الوضع المحزن، فعلا. اختارت ان تتحرر حتى من مشاعرها المثبطة، فعلا، لترتاد الأفق الواسع الحر...
تحياتي
  1.  
صديقي العزيز الناقد الكبير الدكتور أحمد بوحسن.
أشكرك على هذه القطعة الفنية من النقد الأدبي الرفيع. ولحظتُ أنك تناولتَ فيها المكان (المستشفى ) والزمان (ساعة الوداع والرحيل)، ولم تتناول الشخصيتين ( المريض والفتاة التي عادته). وتساءلت في نفسي ما إذا كنتَ قد أردتَ بذلك تركهما لخيال القارئ، أم لأن شخوص القصة في نظرك لا تقتصر عليهما بل على جميع ما كان يرحل كذلك: النهار، والشمس الغاربة، والغيوم المتحركة، وأوراق الشجر، وأمواج البحر، والسفينة المغادرة، والطيور المهاجرة، وكل شيء آخر؟!
مع مودتي واحترامي.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
كم هو موفق اختيار د. علي القاسمي هذه القصة القصيرة في وقتنا هذا الذي ينضح بصور الموت والفراق والبكاء والعويل والرحيل في بقاع كثيرة من معمورتنا ولا سيما التي ابتليت أكثر من غيرها بأسباب تلك الصور الحزينة، كالقتال والتهجير والأوبئة ولا سيما وباء كورونا الذي أخذ يجتاح عالمنا منذ مدة اجتياحا مثيرا للفزع والرعب. ففي ظل هذه الأجواء القاتمة تطل علينا قصة القاسمي القصيرة فترسم بكلماتها المرتعشة وعباراتها المؤلمة لوحات تحاكي واقعنا المر وحياتنا القاسية.
  1.  
صديقي العزيز المفكر المترجم الأديب الدكتور كيان حازم،
أتفق معك أن الكاتب شاهد على عصره. ولكي أخفف بعض الشيء من قتامة أيامنا هذه، يطيب لي أن أنهي إليك خبراً وصل إليّ بالواتساب مفاده أن الأطباء الفرنسيين أعلنوا أن زملاءَهم الصينيين قد اكتشفوا علاجاً ناجعاً لفيروس الكورونا، وهو في منتهى البساطة. ولعل هذا الوباء الذي اضطر الحكومة الصينية إلى فرض الحجر والحصار على مدينة يوهان الكبيرة، تذكير لتلك الحكومة بضرورة رفع الظلم والحصار عن المسلمين الصينيين. فالبشر جميعاً من سلالة واحدة وهم إخوة في الإنسانية، ولا يجوز ظلم الناس بسبب جنسهم أو لونهم أو عقيدتهم أو انتماءاتهم الأخرى.
أرجو أن تتقبل شكري ومودتي واحترامي.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
قصتك قصتنا اديبنا المبدع الدكتور علي القاسمي هي تكثيف لمسار وجودي تراجيدي لعبورناالفاني من وفي هذه الحياة السراب قصة اذابت الحدود بين اجناس الكتابة فعانقت اللغة الشعرية الخطاب الفلسفي وامتزجت صور الطبيعة بزمانيتها بلحظة عبور الانسان الى حيث لاقرار قصة رائعة لايمكن الا ان استسلم اما اعجازها شكرا اخي العالم المبدع على امتاعك لنا تحياتي من الخلص بنشارف الرحماني
  1.  
أستاذنا الجليل الناقد الأديب الدكتور محمد بنشارف الرحماني
لقد حلّقتَ في أعالي الفكر وحملتَ قصتي المسكينة معك، وخشيتُ أن تحرقها الشمس او تذروها الرياح.
وهي ليست بالعنقاء ليتجمّع رمادها وتُرَّد إليها الروح، فتحلق مرة أخرى.
أشكرك على تحويل قصتي التي أردتُ بها تصوير لحظة وداعِ صديقٍ محتضر، إلى تراجيدا الفناء الإنساني برمته بعد مروره العابر بهذه الدنيا. وكأني بك تستعيد فكر أبي العلاء المعري، في قصيدته التي رثى بها الإنسانية، ومطلعها:
ليس مُجدٍ في ملّتي واعتقادي نوحُ باكٍ ولا ترنُّمُ شادِ
أو تستعيد معضلة الفلسفة الوجودية التي بقيت بلا حلٍ يشفي الغليل.
وعلى كل، أشكرك أخي الحبيب مع تمنياتي لك بالصحة والهناء.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
العلامة الاديب
هذه القصة القصيرة المركز بالتركيز الشديد , مدهشة في بناء السرد وتقنياته على الخلفية في الرؤية الفكرية والفلسفية , لعموم الحياة والواقع والوجود . هذه الفكرة الناضجة في المتخيل الفني , تمدد على على منصات الواقع في هذا الحدث السردي في حبكته الفنية والتعبيرية , اعتبرها ضربة معلم . في الصياغة الاحترافية الملهمة في عالم السرد , الذي يعتمد بقوة ومتانة على الرؤية الفكرية والفنية , في اساليب النطق في التعبير ودلالاته العميقة , التي شكلها او عجنها في قالب مدهش من صياغة الحدث وخلفيته , بصياغة الرؤية . في صناعة الابداع المتكون والمتولد في الخلق والابتكار في المتن السردي . هذه المنهجية الاسلوبية في منصات عالم السرد . يتفرد بها العلامة بشكل مرموق , في ان يخفق في اعالي الفضاء الابداعي . في هذه الاقصوصة التي مزجت السرد بالشعر أو بالعكس . لابد ان نسلط الجانب الفني في الصياغة , والجانب التعبيري ودلالاته البليغة والعميقة . التي حرثت في حثيثات العالم وما يحتضنه من الحياة والواقع والوجود .
×× الجانب الفني في الصياغة . وضعنا في ذائقة الادهاش والابهار .
1 - اللغة : في براعتها مزجت في وعاء واحد . السرد / الشعر بتركيز شديد ومحكم في الجوهر والمضمون . دون الانغمار في السرد , رغم التألق البلاغي في لغة السرد بحلاوتها , ولكننا نطالب ان يزيد وزن الحلاوة ( شوية ) .
2 - المكان : المكان صغير في غرفة المستشفى لمريض يصارع انفاسه الاخيرة . لكن نافذة الغرفة تطل على العالم الخارجي في اتساع افقه وحجمه الشاسع والممتد . كأن العالم حضره وجلبه الى الغرفة . يعني وضع العالم الممتد شرقاً وغرباً في راحة الغرفة من خلال النافذة . وكذلك اشعر بحنين يخفق بجوانحه في وجدان العلامة الى البحر , فهو ينجرف بهوى في الشعور او اللاشعور الى البحر , محطته المفضلة في ابداعاته السردية . ويمكن لاي ناقد بارع يتصدى لهذه العلاقة البحرية . لانه يتخذ من البحر عالم متكامل في الرؤية الفكرية والفلسفية .
3 - السرد : حلاوة السرد اختطلت بحلاوة اللغة الشعرية , في هذا الابهار البلاغي المركز . لان العلامة يوزن حروفه في ميزان الذهب .
4 - المشهد والتصوير : حرث في التصوير المادي ( للاشياء ) والتصوير الشعوري في احاسيس الوجدان الداخلي . اننا امام تصوير متكامل ( زوم ) ليس محصوراً في الغرفة وسرير المريض . وانما النافذ التي صورت العالم الخارجي بكل تبعياته بالحس الوجداني . لذلك استطيع ان اطلق على هذه الاقصوصة . قصة سينمائية أو سينمائية القصة في ذائقة عالم السميائية ( علم الدلالة او الاشارة ) بالفن التصويري .
5 - الانارة : اعتمد على انارة العيون في لغة العيون ,التي تثير زوابع شعورية وحسية في نظراتها المتطلعة بتنوع المشاعر وتلوينها بالصبغات الخاصة في التلوين بين الاحساس الداخلي والخارجي . ويمكن حصرها بهذه النقاط :
1 - لشاهد البحر بشيء من الاسى والغصة . البحر الممتد امامع ما لا نهاية .
2 - حيث تتبعثر أشلاءُ الشمسِ الغاربةِ الشاحبة ِاللون،
3 - تقطِّع أوصالَها غيومٌ سوداءُ أخذتْ تُغطّي صفحةَ السماء .
4 - رآها، فسرى بريقٌ خاطفٌ في عينيه وشبحُ ابتسامةٍ على شفتيه، ينمّان عن سرورٍ خفيٍّ مخنوقٍ بحضورها .
5 - تأمَّلتْ عينَيه المُتعبتين، فبدتْ لها أهدابُهما مثل وريقات زهرتَي عبّاد شمس ذابلتَين، وفي أغوارهما يخبو الضياء الذي عهدتْه. أطال النظر في عينيها، فحيّرته المعاني. غابت منهما تلك الرقَّة وذلك الحنان، .
6 - تحوَّلت نظراتُه من عينَيها إلى وجهها المليح، وقوامها الأهيف، وهندامها الأنيق .
7 - نظر إليها. كانت مُطرِقة ً. انتظر برهة. رفعتْ رأسها. التقتْ نظراتهما .
8 - ولكنَّه استشفَّ في عينيها عناداً وتصميماً. .
9 - فانفلتتْ خارجةً من الغرفة، قبل أن تنهمر الدموع ُعلى خدّيها الأسيلَين.
×× الجانب التعبيري ودلالاته :
الحبكة الفنية تغرقنا في حالة الحزن والاسى, بالوجدان المتعاطف بشكل مرهف لحالة هذا المريض قبل لحظات من توديع العالم . رغم اننا لا نملك خلفية لهذا المريض الحزين قبل ان يودع العالم الصاخب , وهو لا يحمل منه شيئاً , سوى الاحتجاج الصامت بالحسرة والالم والقهر . كأنه في حالة احتجاج بالدموع الحزن قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة , قبل ان يلفظ وصيته الاخيرة . في هذا الحوار الوحيد في القصة :
ـ لا ترحلي.. ابقِ أنتِ.. لا تغادري البلاد.
هذا الحوار الوحيد هو اصل وجوهر مضمون الحدث السردي . بعميق دلالاته المتشعبة في دلالة المعنى والتأويل . لاشك ان العلامة تركنا في غصة الالم الحزين الموجع والمؤلم , وكذلك في غصة الحيرة والتأويل والسؤال والتساؤل . لذلك اطرح تساؤلات دون الانغمار فيها : لان الرؤية التعبيرية , قابلة ومفتوح على عدد لا حصر له من التأويلات
× رغم احزانه بأنه يطلب البقاء في البلاد افضل من الرحيل , حسب وصيته الاخيرة . هذا يضعنا امام عتبات عديدة , بين كفة البلاد وكفة الرحيل . لذلك لم نملك الخلفية للحدث . حتى نميل الى اي من الجانبين . في حجة الاقناع بين الرحيل والبقاء . واعتقد بأن العلامة تقصد ذلك . ان يشغل ذهن القارئ . ويدع له القرار في التمعن والتأويل الى اية جهة يميل : البقاء في البلاد أم الرحيل والهجرة ؟ ؟
× حيرة السؤال والتساؤل . هل تصر على عنادها واصرارها على الرحيل . وترحل والحزن والدموع في عينيها بالحزن والاسى . أم تستجيب للوصية الاخيرة التي تركها المريض وهو يفارق العالم ؟
ـ لا ترحلي.. ابقِ أنتِ.. لا تغادري البلاد.
بأن تمزق اصرارها بالرحيل عن البلاد . وحزن البلاد أفضل من الرحيل والهجرة . النهايات تبقى مفتوحة على واقعنا الوجودي . في الخيارات والقرارات الصعبة , اننا امام قصة او الحدث السردي يمثل قمة التراجيدية الماساوية للواقع والحياة والوجود
ودمت بخير وعافية
  1.  
صديقي الحبيب المفكر الناقد الأديب الأستاذ جمعة عبد الله،
تحية محبة وشوق،
أسعدتَني كعادتك بهذا النقد البارع للسرد وتقنياته. ودائماً أضع نصوصي مع التعليقات في موقع " أصدقاء الدكتور علي القاسمي"، ليستفيد منها الطلاب الجامعيون الذين يُطلَب منهم كتابة بحوث التخرج عن أعمالي.علما بأني لا أمارس التدريس الجامعي منذ أكثر من أربعين عاماً.
وتصلني أصداء طيبة عن استفادة هؤلاء الطلاب من التعليقات النقدية.

أنت تريدني أن أدلى بمعلومات أخرى عن أحداث القصة. وهذا يعني أنك انفعلتَ بالقصة، كديدن النقاد الكبار الذي يتماهون مع النصوص وينفعلون بها.
أستطيع أن أخبرك ما يلي: أن القصة واقعية. وأن الفتاة الجميلة هي التي روت لي ما حدث لها مع أعز صديق عندي أصيب بالسرطان وغادرنا. ولكني عندما ترجمتُ كتاب " الوليمة المتنقلة " لهمنغواي، الذي صدرت طبعته العاشرة عن دار المدى في بغداد العام الماضي، وجدتُ أن همنغواي، عندما أقام في باريس، كان يقوم بتجارب في التقنيات السردية. ولخّص إحدى تجاربه بقوله: إذا كان الكاتب ملماً بنهاية القصة، يستطيع حذفها. ولا شك أنه يوصي بنهاية مفتوحة تشحذ خيال القارئ وتأويلاته، لتتجدد حياة النصوص السردية.

وأخيراً ، إذا لبّيتَ دعوتي وشرّفتني بزيارة في المغرب العزيز، سأروي لك الحكاية كاملة.
مع المودة والاحترام.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
كما عودنا الأستاذ الأديب القاص المبدع علي القاسمي
يرفدنا دوما بالجديد من إبداعاته فيذكرنا بأنّ فن القصة ما زال بخير
براعة في التصوير والسرد
مع مهارة عالية في انتقاء المفردات
إنه صائغ ماهر
أحييه وأشدّ على يديه
مع ودي واحترامي
  1.  
عزيزي الشاعر الروائي المتألق الأستاذ جميل حسين الساعدي،
أشكرك جزيل الشكر على كلماتك الطيبة بحقي، الصادرة من نفس تفيض بالخير والحق والجمال والشعر، وقلبٍ ينبض بحب الآخرين وكل ما في الوجود.
يزيدني اعتزازاً بثنائك أنك أنتَ الذي حوّل المفردات إلى للآلئ منظومة تبهر العيون.
أرجو أن تتقبل مني خالص المودة والاحترام.
محبكم: علي القاسمي
  1.  
القاسميُّ أتى بقصّتِهِ [ الرحيلُ ]
فيها اللطافة والسلاسةُ والجزيلُ

هو ما تعودّنا عليه طبيعةٌ
فيما يقصُّ وليتَهُ فيها يُطيلُ

خالص ودّي عاطر بأطيب التحايا لك اخي واستاذي علي القاسمي .

دمت في الق

الحاج عطا
صديقي العزيز الشاعر الأديب الحاج عطا الحاج يوسف منصور،
أشكرك من صميم الفؤاد على عاطفتك الأخوية النبيلة التي تجلَّت شعراً ينبع من رقتّك ومحبتك ووفائك وموهبتك الأصيلة المتوقدة.
ولا يسعني مجاراتك شعراً، ولهذا أكرر شكري وأعلن إعجابي بك شاعراً فذاً تأتيك القوافي والأوزان ملبّية مطيعة متى ما أشرت إليها بعينيك الكريمتين.
محبكم: علي القاسمي

مقالات ذات صلة