أصدقاء الدكتور علي القاسمي

الرواية الجغرافية في بطن البقرة لخيري شلبي عمل ادبي مستحدث قد يكون الاقل في الادب العربي المعاصر


الرواية الجغرافية في بطن البقرة لخيري شلبي عمل ادبي مستحدث قد يكون الاقل في الادب العربي المعاصر

21 - أبريل - 2007

نقلا عن موقع القدس العربي
الرواية الجغرافية في بطن البقرة لخيري شلبي عمل ادبي مستحدث قد يكون الاقل في الادب العربي المعاصر
الدكتور علي القاسميالرواية الجغرافية في بطن البقرة لخيري شلبي عمل ادبي مستحدث قد يكون الاقل في الادب العربي المعاصرأزعمُ، في هذه المقالة، أنّ كاتباً عربياً استطاع، أخيراً، أن يكتب الرواية الجغرافية الكاملة لأوّل مرّة في الأدب العالمي. فقد أفلح الروائي المصري خيري شلبي في إنجاز رواية جغرافية بديعة في كتابه بطن البقرة ، بعد أن أخفق في تحقيق ذلك الحلمِ الأديبُ الجغرافيُّ الفرنسيُّ الشهير جول فيرن في القرن التاسع عشر، وبعد أن اقترب من ذلك النوع الأدبي، أو كاد، الروائي الشاعر الأمريكي فردريك بروكوش في القرن العشرين.جنس الرواية وأنواعها:قبل كل شيء، ما المقصود بالرواية الجغرافية؟ تستلزم الإجابةُ علي هذا السؤال تعريف ( الرواية ) أولاً. وهذا أمر علي جانب كبير من الصعوبة؛ لأنّ الرواية الحديثة قد تطورت بصورة مذهلة منذ أوّل ظهرها في أوروبا خلال القرون الوسطي، حتّي غدت اليوم عنقاء خرافية هائلة تلتهم جميع الأجناس الأدبيّة والفنيّة الأخري كالسيرة، والشعر، والمذكّرات، والمسرحية، والفنون التشكيلية. وبسطت هذه العنقاء الضخمة جناحيها علي جميع المجالات المَعرفيّة كالتاريخ والفلسفة والسيرة وعلم النفس وعلم الإجرام وعلم الاجتماع، إلخ. ولهذا تعدّدت أنواعها بشكل يعجز عنه الحصر، فهناك الرواية التاريخية، والفلسفية، والنفسية، والبوليسية، والسياسية، والسيرذاتية، إلخ. وقد اطلعتُ مؤخراً في الشابكة (الإنترنت) علي دراسات فرنسية جامعية وأكاديميّة، متعدّدة ومسهبة، حول (الرواية المِثليّة) ونوعيها الرئيسيين: (الرواية اللوطية) و(الرواية السحاقية) والسمات المميزة لكل منهما والفروق القائمة بينهما.بصورة تقريبيّة عامّة، يمكن تعريف الرواية علي أنّها جنس أدبي نثري (علي الرغم من وجود روايات شعرية قليلة) يُعني بسرد حكاية خيالية ذات أحداث كثيرة يقوم ببطولتها شخص أو شخصيات متعدّدة وتجري في فضاء معيّن خلال فترة زمنية معلومة. وقد استخدم الروائيون خطابات متباينة بحسب المقام كالخطاب الشعري والتقني والقضائي وغيرها، كما استثمروا في كتابة الرواية أساليب أدبية متنوعة وتقنيات سردية مختلفة، فأنتجوا الرواية الواقعية، والطبيعية، والرمزية، والملحمية، والسوريالية، والعجائبية، وغيرها. فالرواية جنس حرٌّ مفتوح قابل للتجريب في الأشكال والأساليب والمضامين. وتستجيب الرواية للظروف الاجتماعية والاقتصادية والتطورات العلمية والتقنية في كلّ حقبة تاريخية؛ فتظهر أنواع روائية جديدة تلائم العصر في أشكالها ومضامينها. ففي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلاديين، مثلاً، أدّي تصاعد الشعور القوميّ في أوروبا إلي الاهتمام بالتاريخ، فظهرت الرواية التاريخية التي تستلهم تاريخ الأُمّة وتغذي الاعتزاز بأمجادها لدي القراء، وذلك بتركيزها علي أبطال تاريخيين أو علي أشخاص خياليين يتحركون في ماضٍِ تاريخي كما يفهمه المؤلّف ويتقبّله معاصروه. وتتطلّب كتابة الرواية التاريخية بحثاً معمّقاً في التاريخ(1). وقد اشتهر في كتابة الرواية التاريخية السير والتر سكوت (1771 ـ 1832)، وإبّان النهضة العربية في القرن التاسع عشر الميلادي، أفاد من هذا النوع جورجي زيدان (1861 ـ 1914)، أحد روّاد النهضة العربية صاحب كتاب تاريخ التمدّن الإسلامي ، فألّف سلسلة من الروايات التاريخية المشهورة لتغذية الشعور القومي لدي العرب وتنمية الاعتزاز بتاريخهم المجيد ليستعيدوا استقلالهم ووحدتهم. ومن ناحية أخري، أدّي تطوّر أجهزة الشرطة في أوروبا واستخدامها تقنيات علمية وتقنية أفرزتها الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر في الكشف عن الجرائم وفاعليها، إلي ظهور نوع جديد من الرواية هو (الرواية البوليسية)؛ فاشتهر في بريطانيا، مثلاً، السير آرثر كونان دويل (1859ـ1930) الذي أبدع شخصية المخبر (شارلوك هولمز). (2)ويثار السؤال هنا: إذن، لماذا لم تؤدِ الاكتشافات الجغرافية التي سبقت حركة الاستعمار الأوروبي مصحوبة بالتطور الهائل في وسائط النقل كالباخرة والمنطاد والقطار، إلي ميلاد الرواية الجغرافية، في القرن التاسع عشر كذلك، خاصّة أن هذا القرن يُعرَف بالعصر الذهبي للرواية؟جول فرن يطمح إلي كتابة الرواية الجغرافية:كان من المفترض أن تظهر الرواية الجغرافية علي يد المؤلّف الفرنسي ذي المواهب المتعدّدة والقلم السيّال جول فيرن ( 1828 ـ 1905)، عضو الجمعية الجغرافية بباريس. فقد كان هذا الرجل مغرماً بالجغرافية شغوفاً بأخبار الرحّالة والمكتشفين مولعاً بالإبحار بالقوارب الشراعية. كان جول فيرن يطمح إلي كتابة نوع جديد من الرواية سمّاه بـ (الرواية الجغرافية). وانتهي إلي كتابة رواية عنوانها خمسة أسابيع في بالون نُشرت عام 1863، ظنّ أنها رواية جغرافية، فقد استثمر في كتابتها المعلومات المتوفرة في زمانه عن القارة الأفريقية وتقارير الرحلات الاستكشافية، بيد أن النقّاد المهتمين بتجنيس الأنواع الأدبية عدّوا هذه الرواية في عداد (رواية الرحلات). ثم كتب رواية بعنوان ثلاثة إنكليز وثلاثة روس (1863) وأخري بعنوان حول العالم في ثمانين يوماً (1865). ولكن هاتين الروايتين تنتميان إلي نوع المغامرات والرحلات، وليستا من الروايات الجغرافية (3). لقد كان جول فيرن يتعامل مع جغرافيتين إحداهما حقيقية والأخري غامضة، وكان الانتقال من إحداهما إلي الأخري يثير الخيالي والعجائبي في الرواية، علي حين أن قوام الرواية الجغرافية واقعي موضوعي، كما سنري (4).فردريك بروكوش يقتربمن الرواية الجغرافية:أما الروائي الشاعر الأمريكي الشهير فردريك بروكوش (1908 ـ 1989)، فقد كان قاب قوسين أو أدني من كتابة الرواية الجغرافية، حتّي أنّ الروائي الفرنسي العبقري البير كامي قال، بعد أن اطلع علي رواية الآسيويون لبروكوش: إن بروكوش اخترع ما يمكن تسميته بالرواية الجغرافية . (5)فقد استطاع بروكوش أن يجعل من الأمكنة في بعض رواياته بمثابة أشخاص الرواية. ومع ذلك، فإن أركان الرواية الجغرافية لم تتوافر في روايتي بروكش الشهيرتين الآسيويون و السبعة الذين فرّوا اللتين جرت أحداثهما في آسيا، وغلب عليهما الوصف الدقيق للأماكن والأبنية، وذلك لأن بروكوش لم يرَ تلك الأماكن ولم يصل إلي القارة الآسيوية، علي الرغم من كثرة أسفاره وتنقلاته. لقد كانت تلك الأماكن من بنات خياله الصرف. ولهذا فإن روايته الآسيويون ، افتقدت شرطاً هاماً من شروط الرواية الجغرافية، ذلكم هو شرط الموضوعية والواقعية في وصف الأماكن الجغرافية. أركان الرواية الجغرافية:الرواية الجغرافية نوع هجين ينتج من زواج يُعقد بين الأدب (الرواية) والجغرافية (الخطط). ولكي ينجح هذا الزواج وينجب الزوجان مولوداً سليماً رائعاً، لا بُدّ من وفاق وتواؤم في الحياة الزوجية بحيث يتنازل كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية عن بعض طباعه ليلائم الطرف ا لآخر. في الرواية الجغرافية، تتنازل الجغرافية عن أسلوبها العلمي ومصطلحاتها التقنية وتعبيراتها المجرّدة من العواطف الذاتية، لصالح الأسلوب الأدبي الشاعري الفني المزيّن بالمجاز والصور الاستعارية والمضمَّخ بمشاعر الأديب وأحاسيسه الجامحة. ويتنازل الأدب، من جهته، عن الخيال من أجل أن يفسح المجال للموضوعية الجغرافية. وتختلف الرواية الجغرافية، عن بقية أنواع الرواية في أن الشخصية الروائية فيها هي المكان. فإذا كانت الأنواع الروائية الأخري تسرد سيرة شخصية مركزية أو شخصيات متعددة، وما الفضاء فيها إلا مجرد عنصر ثانوي وجِد ليتحرك وتتفاعل فيه شخصيات الرواية، فإن الرواية الجغرافية تسرد سيرة مكان واقعي (بلاد، مدينة، حارة، شارع، إلخ. أو جميع ذلك) والتحوّلات التي طرأت عليه عبر الزمان؛ وما الشخصيات إلا مجرد عناصر ثانوية ذُكرت عرضاً بفضل ارتباطها بذلك المكان. ولهذا فإن كتابة الرواية الجغرافية تتطلّب من المؤلِّف، إحساساً عميقاً بالمكان، بل تعلّقاً وتولّهاً وافتتانا به، وحرصاً علي سلامته وصيانته وازدهاره ودوامه. وكما تتفاعل شخصيات الرواية فيما بينها ويؤثّر بعضها في بعض ويتأثّر به، فإن الأمكنة في الرواية الجغرافية يتأثّر بعضها ببعض علي جميع المستويات، التاريخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. قد يُكثِر الروائي من وصف الأماكن ومعالمها في روايته مع إحساس عميق بتلك الأماكن وخصوصياتها، كما فعل الإنكليزي توماس هاردي في وسيكس ، وكما فعل نجيب محفوظ في ثلاثيته القاهرية، وكما فعل محمد أنقار في روايته المصري التي أوقفها علي مدينته تطوان. ولكن ذلك لا يكفي لجعل الرواية رواية جغرافية. لا بد من أن يكون المكان هو الشخصية الروائية. وبعبارة أخري تؤدّي الأمكنة دور الشخصيات الروائية في الرواية الجغرافية. وفي هذا يقول خيري شلبي في روايته بطن البقرة : العصر كالمشاعل، والرجال هم زيتها الباعث الضوء فيها؛ وهم أيضاً نتاج الأمكنة بقدر ما يؤثِّرون في الأمكنة. والأمكنة كالبشر تخضع للميلاد والموت كما تخضع لعوامل التألق وعوامل الاضمحلال حسبما ينطوي عليه باطنها من مواهب وإمكانات . (6) وخلاصة القول، إن (الرواية الجغرافية) هي نوع من جنس الرواية يكون فيه المكان الواقعي بمثابة الشخصية المركزية، فتُوصَف معالم ذلك المكان وتسرد سيرته عبر فترة زمنية محددة.وينبغي التنبيه هنا إلي أن (الرواية الجغرافية) هي غير (جغرافية الرواية)، وهو مصطلح استعمله الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتس وجعله عنواناً لكتاب له يضم بعض مقالاته ومحاضراته التي تتناول معالم الرواية المكتوبة بالإسبانية وتضاريسها، ومواقع الروائيين عليها (7).خيري شلبي والرواية الجغرافيةفي بطن البقرة : قبل كل شيء، ينبغي أن نعلم أن خيري شلبي تعمّد كتابة رواية جغرافية عن كامل وعي وإدراك وسبق إصرار. ويتضح لنا ذلك من (عتبات النص)التي تتجسد في بطن البقرة في ثلاث هي: العنوان الفرعي، والإهداء، والمقدّمة؛ وإليك بيانها:أولاً، العنوان الفرعي: بطن البقرة: جغروايةمن أول صفحة من الكتاب، بل من العنوان، يعلن المؤلِّف بأن هذا الكتاب هو رواية جغرافية. وهذا الإعلان يشكّل جزءاً أساسياً من ( ميثاق القراءة )، كما يسميه الناقد الفرنسي المعاصر جيرار جينيت في كتابه عتبات (8). فالمؤلِّف يتعهّد في هذا الميثاق من خلال العنوان الفرعي بأنّه سيقدّم للقارئ مسرحية هزلية، مثلاً، والقارئ يقتني الكتاب ويشرع في قراءته علي هذا الأساس. فإذا تبين للقارئ بعد بضعة سطور أو صفحات أن الكتاب هو في الكيمياء، مثلاً، نقول إن الكاتب أخلّ بالتزاماته وخرق (ميثاق القراءة). ويكون مَثَلُ الكاتب في ذلك مَثَلَ صاحب المطعم الذي يكتب في اللافتة التي تحمل اسم مطعمه عبارة متخصّص في الأسماك ، وعندما تدخل المطعم وتستقر في منضدتك، يأتيك النادل ليقول لك: لدينا أرانب مشوية فقط. خيري شلبي مهني متمرّس، يعرف ما لديه ويُفصِح لزبائنه مسبقاً عن نوع الطعام المعرفي الذي يقدّمه لهم. ولهذا فقد حدّد نوعه بدقة في العنوان الفرعي لـ بطن البقرة : رواية جغرافية. ونظراً لأنّه كان يدرك بأنه يبدع هذا النوع الروائي لأول مرّة في الأدب العالمي، فقد ارتأي أن يولّد له كذلك اسماً جديداً باللغة العربية. فقام بنحتِ كلمةٍ مُحدَثةٍ هي (جغرواية) ولم يستعمل المصطلح (رواية جغرافية). بصفتي لسانياً، لا أعترض علي اسم (جغرواية)، لأن اللغوي كالصحافي. فالصحافي ينقل الخبر ولا يخلق الحدث، واللغوي يسجّل الاستعمال ولا يخترعه ولا يحكم عليه. بيد أنني، بصفتي مصطلحيّاً، أود أن أذكّر بأن أبحاث علم المصطلح الحديث أشارت بوضوح إلي أن الذائقة العربية لا تميل إلي النحت، لأنها لغة اشتقاقية وليست لغة لصقية، ولهذا فهو نادر باللغة العربية (9).ثانياً، الإهداء: أهدي خيري شلبي كتابه إلي ابن عمه الذي عثر في مكتبته، وهو طفل، علي كتاب المقريزي. ولكنه، في حقيقة الأمر، يريد أن يبعث برسالة إلي القارئ مفادها أن هذا النوع الروائي الذي ابتكره، جغراوية، هو شجرة مصرية عربية خالصة، غرس بذرتها علي ضفاف النيل الخالد، مؤرِّخٌ جغرافي عبقريٌّ مصري اسمه أحمد بن علي المقريزي (769؟ ـ 845 هـ /1367 ـ 1441م)، وعندما أينعت أغصانها، رقّدها كاتب مصري ذكيّ اسمه خيري شلبي عكاشة. والمقريزي هذا أصله من حارة المقارزة في بعلبك وولد في مصر من أم مصرية، وعاش وتوفي في القاهرة. وكان مولعاً بالمعرفة فقد بلغ عدد شيوخه 600 شخص منهم العلامة ابن خلدون. وأكثرَ المقريزي من التأليف حتي تجاوزت مؤلّفاته 200 مجلَّد. ويعود الفضل إليه في ابتكار منهجية جديدة في الجغرافية التاريخية تُسمي بـ (الخطط). ويقول عن كتابه الموسوم بـ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار : يشتمل علي أخبار القاهرة وخلائقها وما كان لهم من الآثار… ويشتمل علي ذكر ما أدركتُ عليه القاهرة وظواهرها من الأحوال.. . (10) وهذا بالضبط ما يشتمل عليه كتاب بطن البقرة ، مع فارق واحد هو أنه رواية وليس كتاباً في التاريخ والخطط، كما هو الحال في كتاب المقريزي. وسنبيّن الفرق بعد قليل. ثالثاً، المقدّمة: فزلكة مقدمة رواية بطن البقرة تحمل اسم ( فزلكة). وأحسب أنّه وقع خطأ مطبعي في هذه الكلمة فاستعملت الزاي بدلاً من الذال، وأنّ المؤلِّف الفاضل لم يستعمل اللهجة العاميّة المصرية في هذه الكلمة. فكلمة ( فذلكة )، المشتقَّة من الفعل (فَذْلَكَ) هي كلمة عربية فصيحة تعني مجمل ما فُصِّل وخلاصته ، وقد ذكرها المعجم الوسيط (11) ومعجمنا المعجم العربي الأساسي (12).ما هي وظيفة المقدّمة في أيّ كتاب كان؟يخبرنا المقريزي في مقدمة كتابه الخطط المقريزية أنّ وظيفة المقدِّمة هي تبيان الرؤوس الثمانية (الأمور الرئيسة الثمانية) عن الكتاب، وهي: 1) العنوان، 2) المؤلِّف، 3) عدد الأجزاء والمحتويات، 4) الدافع، 5) الغرض والمنفعة، 6) من أي صناعة هو (أي المجال المعرفي للكتاب)، 7) المرتبة (أي: المستوي المطلوب توافره في القارئ ليستفيد من الكتاب)، 8) أيُّ أنحاء التعاليم المستعملة فيه؟ (أي: مصادر الكتاب). وهذا ما اشتملت عليه مقدمة كتاب بطن البقرة . ونتناولها هنا بالترتيب:1) عنوان بطن البقرة :تشرح لنا مقدمة خيري شلبي معني عنوان الرواية بطن البقرة ، إذ يرد فيها: وقد وجدتُ أن (بطن البقرة) هو العنوان الأمثل لهذا العمل الخططي الروائي، فلقد سُميّت به منطقة وسط القاهرة في العصور الوسطي.. . (13)2) المؤلّف:ذُكِر اسم المؤلّف في آخر المقدمة.3) محتويات الكتاب وأجزاؤه: ويخبرنا المؤلِّف في مقدمته أن هذا العمل يتناول قصة ثلاثة أحياء عريقة في القاهرة هي: حي قايتباي، وحي الباطلية، وحي الأزبكية، ولهذا فإن الرواية تقع في ثلاثة فصول يختصّ كلّ واحد منها بحيٍّ من هذه الأحياء. كما يخبرنا أن رواية بطن البقرة تشكّل الأولي في رواية ثلاثية، ستتناول حلقتاها القادمتان الأحياء العريقة الأخري من القاهرة.4) الدافع: ويفصح المؤلِّف في مقدمته عن دافعه. فدافعه هو افتتانه بمدينة القاهرة غرامه وهيامه بها. فالحبّ هو الدافع للإبداع، وهذا ما حاولنا شرحه في كتاب كامل (14). وفي حقيقة الأمر، إن كلّ مَن يري القاهرة يقع في غرامها ويفتن ويتولّه بها. فالقاهرة مدينة عجيبة فريدة، لا يوجد في مدن الدنيا كلّها نظير لها. فهي فريدة بنيلها الخالد وأهراماتها الشامخة، عجيبة بتاريخها الغابر ونبضها الحاضر، عظيمة بعراقة تاريخها الحضاري، سامية بكرم أهلها وشهامتهم. وجمال القاهرة لا يضاهيه جمال، وروعتها لا تضارعها روعة، ففي قلب القاهرة تتعانق الطرز المعمارية المنتمية إلي حقب تاريخية متعاقبة، فتبدو القاهرة مثل فتاة بديعة الخلقة خرافية الحُسن، جمعت في وجهها وقدّها كلّ مفاتن النساء وملاحتهن. ولا يقتصر هذا التمازج علي العمارة فحسب، بل يستغرق الناس كذلك؛ فأهلها ينتمون إلي أعراق عديدة، وكثير منهم (بمن فيهم مؤلِّّف الرواية) يقيمون بين الأموات وينجبون أطفالهم علي سطوح المقابر وتحت المقابر وبين المقابر، فيختلط الموت بالحياة، وتتداخل الحركة مع العدم، فيتحوّل بعض الأحياء أمواتاً، ويُبعث كثير من الأموات إلي الحياة، يدبّون بين الناس بأساطيرهم المذهلة وكراماتهم الخارقة وحكاياتهم وعلاقاتهم وتفاصيل أعمالهم. كما أن كثيراً من سكان القاهرة يعيشون علي سطوح العمارات الشاهقة فيتصلون بالماء والهواء والضياء والسماء مباشرة دون وسيط ويستقبلون الوحي بأقصر طريق، فتلتقي في مخيلتهم الأرض والسماء، والواقع والخيال، والممكن والمستحيل. ولهذا فالمدينة باعثة علي التأمل، ملهمة للفكر والإبداع.. 5) غرض الرواية:أمّا غرض المؤلّف من رواية بطن البقرة فهو إبراز جماليات المكان والتنبيه إلي الإهمال الذي يعانيه وضرورة العناية بآثار القاهرة القديمة وصيانتها. ونجده يثير هذا الأمر في ثنايا الرواية عدة مرات بصورة تخرج أحيانا عن إطار الجغرافية وإطار الرواية وتدخل في إطار المقالة الصحافية والنقد السياسي. 6) المجال المعرفي للكتاب: أما المجال المعرفي الذي ينتمي إليه كتاب بطن البقرة فهو جغراوية أو رواية جغرافية. ونظراً لأن هذا الشكل الفني مستحدث في الرواية فإن المؤلّف يشرحه في المقدمة بصورة واضحة فيقول: وهذا العمل الذي بين أيدينا، هو مزيج من الجغرافيا والرواية، إنّه رواية للجغرافيا، رواية مكان بعينه.. . (15) والفرق بين الوثيقة الجغرافية والرواية الجغرافية هو أن أسلوب الوثيقة الجغرافية يتسم بالموضوعية والاسلوب العلمي، كما ذكرنا، أما الرواية الجغرافية، فهي تحافظ علي تلك الموضوعية ولكن تتولي صياغتها بشكل أدبي جمالي يستخدم ـ من أجل الإثارة والتشويق ـ تقنيات سردية يجيدها الروائي ولا يستخدمها الجغرافي، مثل الحوار والاسترجاع والكولاج وغيرها.7) مصادر رواية بطن البقرة : أما مصادر خيري شلبي في روايته هذه فهي مطابقة تماماً لمصادر المقريزي في خططه. فمصادر المقريزي ثلاثة، إذ يقول: فإني سلكتُ فيه ثلاثة أنحاء، وهي: النقل من الكتب المصنَّفة في العلوم، والرواية عمّن أدركتُ من مشيخة العِلم وجلّة الناس، والمشاهدة لما عاينتُه ورأيتُه .(16) وأنواع مصادر خيري شلبي هي ذات الأنواع: ما قرأهُ في كتب التاريخ والجغرافية، مثل كتاب الخطط المقريزية ذاته، وما سمعه من الناس، وما شاهده بعينه. ويضيف خيري شلبي مصدراً هاماً من النوع الأول، وهو برنامجه الإذاعي عن تاريخ أرض مصر المحروسة الذي كان أساس روايته التاريخية رحلات الطرشجي الحلوجي . وينبغي ملاحظة أن الرواية العامة الخيالية قد لا تحتاج إلي مصادر، أما الرواية الجغرافية فلا بد لها، كأي دراسة موضوعية، من مصادر ومراجع ومشاهدات ميدانية.8) رتبة القارئ: وأخيراً، نتناول رتبة (مستوي) القارئ الذي يمكن أن يستفيد من هذا العمل. ومقدمة خيري شلبي تشير بصورة غير مباشرة إلي أن بطن البقرة الجغرواية موجّهة إلي القارئ المصري واسع الأفق (الذي) يستوعب كافة الأشكال الفنية المستحدَثة مهما كانت معقّدة أو مركبة .(17) وأود أن أضيف أن أسلوب خيري شلبي في رواية بطن البقرة ، كما هو في بقية أعماله، أسلوب مشرق شعري سهل ممتنع، سلس يتدفق هادئاً جذاباً آسراً مثل ماء نهر النيل حينما يعانق القاهرة بشوق وقت الأصيل. ويستطيع القارئ العام وجميع محبّي القاهرة، مصريين وغير مصريين، أن يبحروا فيه بأمان وسلامة، ويصلوا مرافئه محمّلين بفرائد المعرفة والفِكْر، ومذاق متعة يبقي علي الشفاه وفي الأفئدة مدي العمر. ہ كاتب من العراقالهوامش:(1) Historical Novel in: www.en.wikipedia.org/wiki/Historical_novel(2) جوليان سيمونز، القصة البوليسية، ترجمة علي القاسمي (بغداد: الموسوعة الصغيرة، 1984) (3) Ian B. Thompson، Jules Verne، Geography and Ninteenth Century Scotland ، in: www. Jv.gilead.org.il/ithompson.html(4) Lionel Dupuy، Jules Verne، L’homme et la terre in: www.clefargent.free.fr/jvlhelt.php(5) Frederic Prokosch in: www.en.wikipedia.org/wiki/Frederic_Prokosch(6) خيري شلبي، بطن البقرة (القاهرة: دار ميريت للنشر، 2006) ص 183.(7) Carlos Fuentes. Geografia de la novella (Mexico: Fondo de Cultra Economica، 1993)(8) Gژrard Genee. Seuils (Paris: Editions du Seuil، 1987)(9) علي القاسمي، علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، يصدر أواخر 2007).(10) أحمد بن علي المقريزي، كتاب الخطط المقريزية (بيروت: مكتبة إحياء العلوم، ب ت) ج1 ص 6.(11) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط (القاهرة: مجمع اللغة العربية، ط2، 1975) ج 2 ص 678(12) علي القاسمي (المنسِّق) وآخرون. المعجم العربي الأساسي (باريس: الألكسو/لاروس، 1989) ص 922.(13) بطن البقرة، ص 48(14) علي القاسمي، الحب والإبداع والجنون: دراسات في طبيعة الكتابة الأدبية (الدار البيضاء: دار الثقافة، 2006)(15) بطن البقرة، ص 9.(16) الخطط المقريزية، ص 6.(17) بطن البقرة، ص 8.QMKّ0

مقالات ذات صلة