أصدقاء الدكتور علي القاسمي

ثريا نافع، حوار مع الدكتور علي القاسمي

حوار مع الدكتور علي القاسمي
نقلا عن موقع عتيدة
يسعد جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات (عتيدة) ويشرفها عظيم الشرف أن يحل عليها الأستاذ الجليل الدكتور علي القاسمي ضيفا عزيزاً كريماً.

والدكتور القاسمي غني عن التعريف. فكتبه منتشرة مشهورة، آخرها "علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية" الذي صدر في عام 2008. والأستاذ الجليل عالم موسوعي وأديب ذواقة ومُحاور محنك. وهو -فضلاً عن ذلك- دمث الخلق، طيب المعشر؛ ومن أخلاقه البارزة التواضع والكرم على سبيل المثال لا الحصر. قال عنه الأستاذ الفاضل الدكتور محمد خطابي، ضيفنا العزيز السابق، هو" أحد شيوخ المصطلحية في العالم العربي (...) أطال الله عمره ومتّعه بالصحة والعافية، آمين (...) ولمن لا يعرف الدكتور علي القاسمي من القراء نقول إنه عالم حُلوُ المعشر مترجم للأدب على الخصوص".

ومع أن شهرة الأستاذ الجليل طبقت الآفاق، ارتأينا نشر بيان موجز بسيرته العلمية والمهنية:

  • كاتب وباحث عراقي مقيم في المغرب.
  • تلقى تعليمه العالي في جامعات في العراق ( جامعة بغداد) ، ولبنان (الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعة بيروت العربية التي هي فرع من جامعة الإسكندرية بمصر)، وبريطانيا ( جامعة أكسفورد)، وفرنسا (جامعة السوربون)، والولايات المتحدة الأمريكية (جامعة تكساس في أوستن).
  • حصل على بكلوريوس (مرتبة الشرف) في الآداب، وليسانس في الحقوق، وماجستير في التربية، ودكتوراه الفلسفة في علم اللغة التطبيقي.
  • مارس التعليم في جامعات بغداد والرياض والرباط وتكساس، وحاضر في جامعات أخرى.
  • عمل مديراً لإدارة التربية ثم مديراً لإدارة الثقافة في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ثم مديراً للأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي.
  • عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
  • حائز على وسام الأسد السنغالي من الرئيس الراحل الشاعر ليبولد سنغور.


من مؤلفاته الأخيرة الصادرة هذا العام (2008):

  • الشيخ والبحر، ترجمة من إرنست همنغواي ( الرباط: منشورات الزمن، 2008)
  • علم المصطلح : أسسه النظرية وتطبيقاته العملية (بيروت : مكتبة لبنان ناشرون،2008)
  • معجم الاستشهادات الموسَّع (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2008)
  • حياة سابقة ، قصص (الدار البيضاء: دار الثقافة، 2008)


وللوقوف على المزيد من مؤلفات الأستاذ الجليل التي تجاوزت الثلاثين، في اللغة والترجمة والمعجمية والمصطلحية والأدب، يرجى الضغط على الرابط التالي:
http://atida.org/cv.php?id=35


وفيما يلي نص الحوار:

أنتم كاتب قصة ممتاز، ومترجم قصة مقتدر (مثال ذلك حكاية العجوز والذي بلغ من الكبر عتيا والشيخ: جولة معجمية غنية برهانية)، فأيهما أقرب إلى عقلكم، وأيهما أقرب إلى وجدانكم: التأليف أم الترجمة؟

ج ـ أنا في الحقيقة موزَّع بين اهتمامات متعددة، ولكن ما هو أقرب إلى قلبي وعقلي هو العمل الذي أباشره في تلك اللحظة.

- من الملاحظ أنكم طرقتم مختلف جوانب اللغة، من لسانيات ومعجميات ومصطلحيات وترجميات ... فهل كان ذلك ضمن "استراتيجية" حددتموها سلفا؟

ج ـ بصراحة، لم تكن لي استراتيجية في البداية، ولكن منذ عشر سنوات أو أكثر أخذت أكتب الدراسات أو المقالات التي يمكن أن تُجمع فيما بعد على شكل كتاب يتناول قضية واحدة، كما هو الحال في مقالاتي عن حقوق الإنسان والحرية التي سأصدرها في كتاب بعنوان "النور والعتمة: قضية الحرية في الأدب العربي".

- كيف تنظرون إلى البحث المصطلحي في العالم العربي اليوم مقارنة بما كان في القرن العشرين؟ هل أنتم متفائلون أم تراكم متشائمون؟

ج ـ أنا بطبعي رجل متفائل شعاره "تفاءلوا بالخير تجدوه". ومما يؤيد تفاؤلي كثرة الشباب الذين تخصّصوا في علم اللغة والمصطلحية والمعجمية، وكثرة رسائل الدكتوراه في هذه التخصصات.

ـ بما أننا لا نتصور ترجمة من دون مصطلحات، ولا مصطلحات من دون ترجمة، وبما أن الكثير من المترجمين والمهتمين باللسانيات يشتكي الفقر "المدقع" للمصطلحيات العربية، وتشتت الموجود منها بين قطر عربي وغير عربي وآخر، فهل ترون أن المصطلحيات العربية قادرة على ملازمة ذلك السيل العارم من المصطلحات التي تخرج يوميا في مجالات علمية شتى؟ فإذا كان الأمر غير ذلك، فكيف لنا أن نرسم أولويات تمكننا من الوفاء بما نحتاجه فعلا في هذا الميدان؟ وهل لكم تصور جديد في هذا الشأن، مقارنة بما كنتم عليه في السابق؟

ج ـ فعلا تدفق المصطلحات العلمية يشكّل معضلة  للغات غير المنتجة مصطلحياً، أي اللغات التي لا ينجز أهلها كثيراً من البحث العلمي، فهم لا يولّدون المصطلحات، وإنما يستهلكون ما يوضع منها في البلاد الأخرى. وفي نظري المتواضع إذا استطعنا أن نعرّب التعليم العالي والبحث العلمي ونرفع من مستواهما ونعمم التعليم ونشيع الديمقراطية، سنضرب عصفورين بحجر: الأول إيجاد مجتمع المعرفة القادر على تحقيق التنمية البشرية، والثاني تيسير وضع المصطلحات بالعربية.

- يتحدث البعض عن خيار الإبداع بالتأصيل، ويرى أنه لا مستقبل للترجمة العربية إن هي دأبت على صبغتها التوصيلية، إن لم نقل التحصيلية الراهنة، بمفهوم الدكتور طه عبد الرحمن. فإلى أي حد يمكننا القول إن ما حققته المصطلحيات العربية ارتقى بالفعل إلى مستوى التأصيل وأنه يضاهي ما عند غيرنا ممن نستطيع مقارنة أنفسنا وإياهم؟ وهل ثمة شيء اسمه المصطلحيات العربية؟ وما علاقتها بباقي المصطلحيات الأخرى؟

ج ـ فعلاً الدكتور طه عبد الرحمن  تحدّث في كتابه حول الترجمة عن مستويات ثلاثة: ترجمة تحصيلية، وترجمة توصيلية، وترجمة تأصيلية، وقد ذكر طرائق متعددة لإنجاز النوع الأخير، وأقترح العودة إلى كتابه القيم. نحتاج لترقية الترجمة كماً وكيفاً إلى خطة وطنية في كل بلد عربي بالإضافة إلى خطة قومية. وهذه مسؤولية الدولة التي تريد أن تستفيد من الترجمة بوصفها من أهم وسائل التنمية العلمية.

- هل يمكن أن يكون المترجم مترجما دون أن يلم بالمصطلحية ولو بعض الشيء؟

ج ـ اتفق معك في ضرورة إلمام المترجم بصناعة المعجم وعلم المصطلح، وأظن أن معظم معاهد الترجمة تضمّن هاذين الموضوعين في مناهجها. ولي دراسة بعنوان "العلاقة بين علم المصطلح ونظرية الترجمة" ضمن كتابي: "علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية" الذي صدر هذا العام في بيروت عن مكتبة لبنان ناشرون.

- من وجهة نظركم الخاصة كيف يمكن للمترجم المتعلم (أعني الطلبة الجدد) المساهمة في مسيرة النهضة الثقافية العربية، هذا في الوقت الذي نعلم فيه أن كل الأبواب تظل مغلقة أمامهم بسبب دعوى عدم امتلاكهم خبرة كافية؟

ج ـ صحيح أن الشباب يجدون صعوبات في البداية ولكن الجد والمثابرة يفتحان الأبواب أمامهم. والمترجم الشاب يستطيع أن ينمّي مهاراته بالقراءة والمران ويشارك في المباريات الدولية الكثيرة لاختيار المترجمين.

- قضيتم فترة طويلة في مكتب تنسيق التعريب، فما مدى نجاح المكتب في المهمة الرئيسة التي أنشئ من أجلها؟ وما واقع التعريب في العالم العربي اليوم؟

ج ـ نعم ، عملتُ خبيراً في مكتب تنسيق التعريب مدة أربع سنوات (1978ـ1982) وأعمل حالياً مستشاراً غير متفرغ في المكتب. وأعلم أنه حقّق الأهداف الرئيسة التي رُسمت له: فأصدر أكثر من ثلاثين معجماً موحداً لمصطلحات التعليم الابتدائي والثانوي والتقني والعالي، كما شجع البحث في علم المصطلح والترجمة من خلال مجلته "اللسان العربي"  والآن انتقلَ إلى رصد المصطلحات المستجدة. وله بنك مصطلحات ذو موقع على الشابكة (الإنترنت)، وعنوانه: www.arabiazation.org.ma يمكن الاستعانة به في الترجمة.

- يرى البعض أن من شأن التكنولوجيا أن تقوض في آخر المطاف "السراب الفلسفي" القائل إن الترجمة [هي] الحوار، ويرى آخرون -على العكس من ذلك- أن "الترجمة تتماهى مع الحوار" تماهي الذات مع الصفات، وأن الحوار يلازم الترجمة تلازما بيّناً بالمعنى الأخص ولا ينفك منها، فما موقفكم من ذلك؟

ج ـ هذا سؤال جميل يدخلنا في متاهات الفلسفة وعلم المعرفة. أحسب أن التكنولوجيا هي النتاج المادي للثقافة، والترجمة هي أداة الحوار بين الثقافات.

- نظرا لما لكم من خبرة وباع طويل في مجال المعاجم ووضعها، اسمحوا لي بسؤالكم: لماذا لا يوجد إلى الآن معجم تاريخي للغة العربية رغم أن العرب كانوا الرواد في وضع المعاجم؟

ج ـ أنت على حق. المعاجم التاريخية جاءت متأخرة بعد أن تطور ـ خلال القرن التاسع عشر ـ علم اللغة التاريخي وعلم اللغة المقارن. وكانت هناك محاولات لمجمع القاهرة لتصنيف معجم تاريخي ولكن أوضاعاً طارئة أخّرت المشروع. وقبل خمس سنوات قرر (اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية) تشكيل هيئة المعجم التاريخي للغة العربية التي تتخذ من القاهرة مقراً لها وقد بدأت العمل فعلاً. وإنجاز معجم تاريخي يستغرق أكثر من سبعين سنة مع الاستعانة بمدونة حاسوبية.

- كانت هناك محاولات مؤسساتية عدة منذ بدايات القرن الماضي لتأليف معجم تاريخي عربي، لكنها توقفت جميعا قبل إكمالها. فما أسباب هذا التوقف المتكرر في نظركم؟

ج ـ السبب أن الدول العربية لا تولي الثقافة أهمية كالأمن والاقتصاد، في حين ـ نحن المعلمين ـ نعتقد أن الثقافة أساس الأمن والاقتصاد والتقدم عامة.

- أبدعتم، ولا تزالون، في اللسانيات والمصطلحيات والمعجميات والترجمة وتأليف القصص، فأيها أقرب إلى نفسكم؟ ولماذا؟

ج ـ لا خيار لي. أجدني مرة أكتب ومرة أترجم ولا أعرف السبب حقيقة. بيد أني أحسب لو أني منحتُ جميع وقتي مثلاً للسرد لأنجزت روايات وقصصاً أفضل.

- نعلم أنكم تساهمون في التحاور بين الشعوب والثقافات، فهل يمكنكم الإشارة إلى بعض تلك الحوارات من فضلكم؟ وما هي أهم النتائج التي خلصتم إليها؟

ج ـ قبل بضعة أشهر شاركتُ في الحوار الثقافي العربي الكوري في سيول، وكان هذا الحوار قد نظمته كوريا لتطوير تجارتها مع البلاد العربية، فهي تستخدم الثقافة وسيلة للتجارة، ومن نتائجه مثلاً، تطوير معهد تعليم اللغة العربية في كوريا، كما أن الدكتور جابر عصفور رئيس المركز القومي للترجمة في مصر اتفق مع نظيره الكوري على تشكيل لجنة مشتركة لترجمة عدد متساوٍ من الكتب العربية والكتب الكورية سنوياً إلى اللغة الأخرى تعميقاً للتواصل.

- هل تعتقدون أن نقل العلوم الغربية إلى اللغة العربية يظل السبيل الوحيد لتحقيق التقدم العلمي والنهضة في مجالات أخرى. وكيف كانت تجربتكم في مكتب تنسيق التعريب؟

ج ـ نقل العلوم الغربية وتوطينها وتأصيلها في البلاد العربية وسيلة من وسائل النهضة. تجربتي في المكتب أفادتني فيما أكتب عن المعجمية والمصطلحية.

- كلما تحدث المتحدثون عن "حوار الثقافات" قصروه في الغالب الأعم على الحوار بين "الغرب" و"الإسلام" أو "المسيحية" و"الإسلام" .. أليس يحسن بنا توسيع نطاق هذا الحوار ليشمل شعوب العالم بأسره بمختلف دياناتهم وثقافاتهم؟

ج ـ اتفق معك تماماً.

- منذ متى بدأتم كتابة القصص للأطفال؟... وهل لديكم قصص أخرى غير "عصفورة الأمير"؟

ج ـ  قبل خمس سنوات. ولم أكتب للأطفال سوى "عصفورة الأمير".

- ما الذي حدا بكم إلى التوجه إلى تأليف القصص للأطفال؟

ج ـ كتبتُ "عصفورة الأمير" لإشاعة مفاهيم حقوق الإنسان والتنمية بين الفتيان والفتيات. وكنتُ في تلك الفترة مهتماً بهاذين الموضوعين، ونشرتُ آنذاك كتابي "حقوق الإنسان بين الإعلان العالمي والشريعة الإسلامية" وكتابي "الجامعة والتنمية".

- ما تقييمكم لقصص الأطفال المنتشرة بشكل عام الآن في الأسواق؟

ج ـ لا بأس بها، وهي في تطور مستمر.

- ما أهم النتائج التي استنتجتموها من تجربتكم في الترجمة؟ ولماذا ركزتم أساسا على ترجمة الأدب؟

ج ـ لأن الأدب أقرب إلى نفسي. ولم أحقق نتائج يعتدّ بها، فترجماتي لم تكن ضمن خطة وطنية شاملة، بل محاولات فردية بسيطة.

- انتهى إلى علمنا أن المادة الخام لكتابة سيرتكم الذاتية روائيا متوافرة. فهل سنقرؤها قريباً؟ ومتى؟

ج ـ أنا في طور تصحيح رواية سيرذاتية كتبتُها بعنوان "مرافئ الأحزان"، ونُشِرت بعض فقراتها في الصحف.

أجرى الحوار: ثريا نافع

مقالات ذات صلة