أصدقاء الدكتور علي القاسمي

بسمة عبد العزيز، مشاعر مرسومة.. مشاعر كسولة



الدكتورة بسمة عبد العزيز



مشاعر مرسومة.. مشاعر كسولة

                        الجمعة 9 ديسمبر 2016 - 10:20 م
نقلا عن موقع الشروق TV
ربما لا يوجد مِن الأشخاص المتواصلين على الفيس بوك مَن لم يستخدم فى تعليق كتبه أو منشور أحبه، صورة ما. الصور التى يوفرها الموقعُ كثيرة؛ منها البالونات والمخبوزات والحيوانات الطريفة والكرتون، إلى جانب الوجوه المعتادة، المُعَدَّة سلفا لتعَبِّر عن شعور ما بدلا مِن وصفه بالكلمات؛ بعضنا يختار الوجه المبتسم ابتسامة مُتحفِّظة رسميّة، أو الضاحك بسخرية، أو الوجه الذى يبدو مقهقها حتى سيلان الدموع وغيرها الكثير.

منذ فترة قصيرة، حدَّثَت إدارة الفيس بوك علامة الإعجاب بمنشور، ليصبح فى إمكان المتواصلين اختيار إحدى العلامات الجديدة إعرابا عن إحساسهم تجاه ما قرأوا، بحيث لا يتقيدون بعلامة التأييد التى يرتفع فيها الإبهام لأعلى، والتى قد لا تكون ملائمة لبعض المواقف والحالات؛ فهناك من ينشر عن حادث أصابه أو مرض ألم به أو وفاة قريب أو صديق. يمكن للمتواصل الآن أن يؤيد المنشور وصاحبه؛ نابض القلبِ مُحِبّا بلا شروط، فاغرا فاه من الدهشة، مُستشيطا مِن الغضب أحمر الوجنتين، أو باكيا مِن الأسى والحسرة.

التعبير بالعلامات أسهل ولا شكَّ مِن الكتابة، وانتقاء وجهٍ أو إشارةِ يد أو قلب، لأقرب وأهون وأسرع مِن البحث عن كلمات مُناسبة وتكوين جملة مُفيدة، لكن اختصار المشاعر واختزال وقت التفكير فيها يحدان على الجانب المقابل مِن الأثر الذى تتركه؛ على مُنتِجها وعلى مُستَقبِلها أيضا، إذ تفقد جزءا ثمينا مِن قيمتها، فملايين بل ومليارات المتواصلين يغدو لهم الوجه نفسه والابتسامة نفسها كما تتناسخ الملامح. هكذا تتجرد المشاعر والأفكار مِن أدوات خصوصيتها؛ تلك التى توفرها كلمات يبذل صاحبُها جهدا فى انتقائها وجعلها مُتناغِمة كما يُحب، ومُعبِّرة كما يرى.

***

مثلما تراجعت قدرة البشر بوجه عام على استخدام أجسادهم وأطرافهم فى الأعمال التقليدية البسيطة ــ أو التى كانت فيما مضى تُعَدُّ بسيطة ــ لصالح قيام الأجهزة الكهربائية بها، ومثلما أشارت الدراسات الحديثة إلى تراجُع قدرة تلاميذ المدارس على استخدام أصابعهم فى أعمال يدوية تتطلب قدرا مِن الشدة والتحكُّم، بسبب اعتيادهم على اللمس الخفيف لأجهزة المحمول الذكية والتابلت وغيرها، فإن قدرتنا على استخدام الكلمات ونسج التعبيرات ربما هى أيضا فى طريقها إلى التراجع والاندثار، مادام هناك ما يحلُّ مَحَلّها ومَن يفكر فى تنحيتها ويغنينا عن التفكير والتعب.

***

فى مقالته الصادرة بنشرة «مجمعيات»؛ وهى نشرة دورية يُعدّها مَجمَع اللغة العربية المصرىّ، تطرَّق الدكتور على القاسميّ؛ مراسل المجمع من العراق، إلى استخدام الإشارات التواصلية المعبرة عن إحساس أو انفعال ما. المقالة بعنوان «لغة الإعلام العربى وعرقلة التنمية البشرية»، أما سبب الحديث عن هذه الإشارات فإعطاء أمثلة تعكس تدهور مهارات مستخدمى اللغة العربية وضعف أدائهم اللافت للانتباه، وقد أورد القاسميّ هذا المثال ثالثا مِن بين عدة نقاط، عدها مِن مظاهر الانحراف اللغويّ على الإنترنت، أما النقطتان الأوليان فهما: كتابة العربية بحروف ورموز لاتينية وعلى سبيل المثال استخدام الرقم سبعة بدلا مِن حرف الحاء، ثم الاستخدام المتكرر لعلامات الترقيم كما فى وضع عددٍ كبيرٍ مِن علامات التعجُّب بنهاية عبارة ما، كناية عن شدة الاندهاش والتأثر.

مِن بين عوامل انحدار المستوى العام البلاغيّ واللغويّ التى أوردها الدكتور القاسمى فى مقالته والتى أنقلها عنه هنا نصا: «هيمنة الأنظمة الشمولية فى البلدان العربية على الحياة الاجتماعية، واحتكار الإعلام لدعم سلطتها وترسيخها وتوسيعها ومصادرة حقّ حرية التعبير المنصوص عليه فى دساتيرها». أنقل عنه أيضا دور الإعلام العربيّ؛ الذى قَصَر وظيفته منذ زمن بعيد على بثّ الأخبار التى تُمَجِّد النظام وتُحَبِّب توجهاته وتبرِّر إجراءاته، وكثف مِن مواد الترفيه، مُستبعِدا من برامجه المواد الثقافية الجادة، طبقا لتخطيط واعٍ.

***

حقا نحن جميعا فى الهمّ عربٌ، وفى سوء الحال سواء. أنا سعيدة، أنا غاضبة، أنا موافقة، أنا بائسة؛ أيا كانت المشاعر والأحاسيس، فى الكتابة عزاءٌ وسلوى وشفاء.
الدكتورة بسمة عبد العزيز 
طبيبة و كاتبة. 


مقالات ذات صلة