أصدقاء الدكتور علي القاسمي

علي القاسمي في مجموعته القصصية الجديدة * لا يا صديقي العزيز لقد تخطيتَ عتبة الهزل وهذا «أوان الرحيل

 


علي القاسمي في مجموعته القصصية الجديدة * لا يا صديقي العزيز لقد تخطيتَ عتبة الهزل وهذا «أوان الرحيل


نقلا عن جريدة الدستور الأردنية

مراكش ـ إبراهيم أولحيان

صدرت مجموعة قصصية جديدة عنوانها "أوان الرحيل" للكاتب العراقي المقيم في المغرب ، علي القاسمي. وتقع هذه المجموعة التي نشرتها دار ميريت بالقاهرة في 131 صفحة من الحجم الصغير ، وتشتمل على أربع عشرة قصة عناوينها: ليلة وفاة جدي ، الوصية ، جزيرة الرشاقة ، الكومة ، الحمامة ، الساعة ، النداء ، النجدة ، القارب ، الغزالة ، الظمأ ، الخوف ، القادم المجهول ، النهاية. واستُهلَّت المجموعة بنص يحمل عنوان:"ما يُشبه المقدّمة ، ما يُشبه القصّة: البحث عن قبر الشاعر البياتي" ، واختتمت بنص عنوانه"ما يُشبه الخاتمة ، ما يُشبه القصّة: هل تداوي الكتابة الطفولة الجريحة؟". وفي هذين النص تتداخل الأنواع الأدبية ، خاصة المقالة والقصة القصيرة. تدور جميع قصص المجموعة حول موضوعة (تيمة) واحدة هي الموت. وإذا كان الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال قد جعل الفكر الفلسفي ينشغل بمسألة الموت وكأنها أهم مسائل الحياة ، فإن القاسمي جعل موضوعة الموت في هذه المجموعة أهم موضوعات الأدب. وانتقل بمعالجة الموت من التحليل العقلاني والفلسفي إلى المقاربة العاطفية النفسية: إذ تتجذّر قصص هذه المجموعة في مناخ وجداني ملتهب تشتعل فيه حرائق القلق من المجهول ، ويتلظّى فيه توتر إبداعي يتغيّا اكتشاف ما وراء الموت

لا يرى القاسمي في الموت مشكلة يجب حلّها ، بل يعدّه واقعة موضوعية كامنة في ذات الكائن الحي ، وفي صلب القوام المادي الذي يتألف منه الكون بمختلف مكوّناته وبنياته. ولهذا فإن قصص المجموعة لا تتناول موت الإنسان فحسب ، بل تدور كذلك حول موت الحيوان ، وموت المدينة ، وموت الحضارة ، وموت القيم وغيرها من الموجودات. وما دام الموت حتمياً ، وجب علينا أن نتعلم ، في حياتنا ، كيف نموت بكرامة ، ونستعدّ لاستقبال الموت بجدّية تتناسب ومكانته ورهبته وصرامته :"لا ، يا صديقي العزيز. لقد تخطيتَ عتبة الهزل ، وحللتَ في فناء الجدّ والحقيقة. الموتُ هو الحقيقة الجادة الوحيدة الثابتة في هذا الوجود التي لا تقبل الهزل. وأنتَ ما زلتَ ترتدي زيّ البهلوان ، وتواصل الضحك والإضحاك. لا ، يا صديقي، ولما كان الموتُ مصيرَ كلّ حي ، فينبغي أن نكون مستعدين له تماماً وأن لا نُفاجأ به ، وأن لا نترك أمر موتنا يتدبره الآخرون نيابة عنا. ينبغي أن نعدّ ما يلزم لموتنا بأنفسنا :"قررت مساء أمس أن أحدد تاريخ وفاتي بنفسي ، وأشيّع نعشي بنفسي ، وأسوّي مراسم دفني بنفسي ، وأدبّج كلمات رثائي الزائفة بنفسي: فقد استجدّ عصر البارحة ما جعلني أعقد العزم على ذلك. قرّرتُ أن يرافق موتي صخبّ لا يقلّ عن الصخب الذي صاحب ولادتي ، ودويّ لا ينقص عن الدويّ الذي أعقبَ مجيئي إلى هذا العالم ، دويّ مثل دويّ طلقة بندقية صيد ، مثلاً. فالموت ، في تقديري ، ليس بأهون من الولادة ، والنهاية ليست أدنى شأناً من البداية." وكما تُخلَق الحياة الإنسانية من لقاء بين النفس والجسد في ثنائية وجودية ، فإن هذه المجموعة القصصية قد تمّ إنجازها من خلال ثنائية نصيّة قوامها مضمون رزين عميق ، ولغة نقية مشرقة ، عريضة التأويل ، موشومة بالرمز والإشارة والتلميح ، تتسع لموهبة الكاتب الأصيلة ، ورؤاه الشاسعة وثقافته الموسوعية ، في محاولة لقهر موت الكلمة وتبدّد المضمون. فالمضمون ، في أعمال القاسمي ، يتبلور باللغة وبواسطتها كما تظهر النفس الإنسانية مع الجسد وتفعل به وبواسطته

ويرى الناقد الدكتور صلاح فضل أن هيمنة موضوعة الموت على هذه المجموعة القصصية الأخيرة للقاسمي هي انعكاس لما يعتمل في أعماقه من أصداء الموت الذي يتربص بالعراقيين في كلّ درب ومنعطف في هذه الأيام ، ويحاصر العراقَ نفسه :"أما الرجل الأول الموثَق اليدين فقد كان يتلفّتُ يمنة ويسرة كما لو كان يبحث عن شخص أو شيء ما. وهكذا بانت لي أسارير وجهه: جبهة ناصعة ، وعينان تشعّان نوراً ، وملامح لم ينل من طلاوتها العَنَت ، ولم يحجب روعتها المصاب. وجه مشرق محبوب. وقلتُ في نفسي: هذا وجه أعرفه ، هذا وجه ألًفتُهُ منذ طفولتي ، ولكني في تلك اللحظة لم أستطع أن أتذكّر اسمه. كنتُ ألقاه في القرية حيثُ نشأتُ ، وأصادفه في المدرسة حيث تعلَّمتُ ، وأشاهده في المدينة حيث أشتغلتُ ، ولكني لم أعد أتذكر اسمه... اسعفيني يا ذاكرتي المرهقة، انجديني باسم الرجل الأسير، ولكن ، بعد أن أخفقتُ في تذكُّر اسمه ، قلتُ في نفسي: ليس المهم هو الاسم بل المسمى ، وليس الأصل هو اللفظ بل الذات. ليكُن اسمه ما يكون فالرجل ذاته في محنة اليوم..." وكان القاسمي قد أصدر عدّة مجموعات قصصية تدور كلُّ مجموعة منها حول موضوعة واحدة: فـمجموعة"رسالة إلى حبيبتي" موضوعتها الطفولة ، و" صمت البحر" تتناول موضوعة الحب بوجوهه المتنوعة ، و"دوائر الأحزان"عن ألوان الأسى الغامقة. وهو مؤلّف"عصفورة الأمير: قصة عاطفية من طي النسيان للأذكياء من الفتيات والفتيان". كما أنجز القاسمي ترجمات من الأدب العالمي منها رواية همنغواي السيرذاتية"الوليمة المتنقلة"، و"مرافئ على الشاطئ الآخر: روائع القصص الأمريكية المعاصرة". كما يُعدّ القاسمي مرجعاً في صناعة المعجم وعلم المصطلح في اللغتين العربية والإنجليزية ، فهو منسّق"المعجم العربي الأساسي" ، ومؤلّف"معجم الاستشهادات"و"علم اللغة وصناعة المعجم"و"المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق"و"علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية" ، ومسؤول حالياً عن وضع"الخطة العلمية للمعجم التاريخي للغة العربية"الذي يتولى اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية إعداده. والقاسمي عضو عن العراق في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ومجمع اللغة العربية بدمشق..»

مقالات ذات صلة