أصدقاء الدكتور علي القاسمي

لقاء مع د. علي القاسمي العناوين الغامقة من صنعنا



لقاء مع د. علي القاسمي العناوين الغامقة من صنعنا
 20 السبت 30 / 1/ Saturday 2010
اللغة العربية تعاني ضعف أهلها
الأديب العراقي الدكتور علي القاسمي: _
[ مجال اشتغالك الأكاديمي هو علم المصطلح وصناعة المعجم والبحث اللّغوي، كيف تقيّم اللغة العربية في خضّم العولمة والتغيّرات في العالم، هل ترى بأنّها لغة  قادرة على الصمود أمام التغيّرات خاصّة وأنّ لغة العلم حاليا هي الانجليزية ونحن في بحث دائم عن المصطلح العلمي باللغة العربية؟
مؤهلات العالمية للغة العربية
اللغة العربية لغة عالمية، وهي أطول لغات العالم عمرا وأقدرها على الوضع والعطاء بفضل نظامها الاشتقاقي، وهي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، والتي يتوق إلى تعلُمها مليار ونصف مليار مسلم في العالم ويؤدون شعائر دينهم بها، ولهذا أثّرت اللغة العربية في لغاتهم كالفارسية والتركية والملاوية والسواحيلية وغيرها. فمعجم اللغة  الفارسية، مثلا، يشتمل على ستين بالمائة من الألفاظ العربية كما تتشكّل الأبجدية الفارسية نفسها من الحرف العربي. وتحتل البلاد العربية موقعا جغرافيا استراتيجيا في وسط العالم، ولها تاريخ حضاري ثري، وتتوفر على
طاقات سكانية واقتصادية وسياحية هائلة.
كل هذه المؤهلات تجعل من العربية لغة عالمية، ولهذا أضافتها الأمم المتحدة، منذ أربعة عقود من السنين تقريبا، إلى لغاتها الرسمية الخمس: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية. وطبقا للعالم اللغوي الكندي أستاذ اللسانيات في جامعة ميغيل، وليم ماكي، الذي وضع مقياسا لعالمية اللغات، فإن ترتيب اللغات العالمية هو: الإنجليزية، العربية، الإسبانية، الفرنسية.
اللغة العربية لا تعاني مشكلة لسانية، ولا تعاني العولمة، وإنما تعاني الضعف المهيمن على أهلها
سياسة الجهل أضرت باللغة:
. وقد أساءت السياسات التعليمية والتربوية والإعلامية والثقافية التي تنتهجها الدول العربية منذ استقلالها في أواسط القرن الماضي حتى اليوم، إساءة بالغة إلى اللغة العربية، لأنها
سياسات جاهلة حقا(... والجهل هنا بمعنييه: عدم المعرفة، والجور والظلم كما ورد على لسان الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلقته: [
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا                فنجهل فوق جهل الجاهلينا] ...)
هذه السياسات العربيّة تصرّ على استعمال لغة المستعمِر القديم (الإنجليزية أو الفرنسية) لغة لتعليم العلوم والتكنولوجيا (الطب، الصيدلة، الهندسة، الزراعة، إلخ.). وهذا ينم عن عدم معرفة بأبسط متطلبات التنمية البشرية في البلاد، ألا وهو نشر المعرفة العلمية والتقنية  بين جميع أفراد الشعب. فتعميم المعرفة يستلزم أداةَ نفاذٍ إلى مصادر المعلومات ونشرها وتنميتها والإبداع فيها.
وأداة النفاذ هذه هي اللغة الوطنية. ولا يمكن للغة أجنبية أن تقوم بهذا الدور، فنحن لا نستطيع محو الأمية بلغة أجنبية. وإذا درّسنا العلوم والتقنيات بلغة أجنبية في الجامعات، فإن العلم يبقى أجنبيا محصورا في فئة محدودة من الذين تلقوا تعليما جامعيا ويصعب نشره وتعميمه. ولهذا فإن ترتيب الدول العربية في سُلّم التنمية البشرية الذي يضعه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة سنويا، يأتي في آخر السلّم. فمثلا تحتل مصر الرتبة ١٢٠ ، والمغرب ١٢٥ ، والجزائر ١٠٨ ، أما إذا أخذنا دولا كانت متخلفة جدا مقارنة بالبلاد العربية في منتصف القرن الماضي، ثم طبقت
بعد ذلك سياسات تنموية رشيدة ومنها استخدام اللغة الوطنية في الإعلام وفي التعليم في جميع مراحله ومختلف تخصصاته، نجد أنها أصبحت من الدول المتقدِّمة ذات التنمية البشرية العالية، مثل فنلندة ١٣ ، وكوريا ٢٨ (لاحظ إيطاليا ٢١ )، وغيرها. زرتُ هذين البلدين، فنلندة وكوريا، ولم أجد في شوارعهما أية لافتة مكتوبة بالإنجليزية أو الفرنسية، وإنما فقط باللغة الوطنية التي تُستعمَل في التعليم والإدارة. كما لم أجد في أي منهما جامعة تدرّس بلغة أجنبية، وإنما باللغة الوطنية.
والسياسات العربية سياسات جاهلة بمعنى الظلم والجور لأنها تظلم اللغة وتظلم المواطن، فاستعمال العربية في دروس الدين والإنسانيات فقط وعدم استعمالها في دروس العلوم والتقنيات يؤدي إلى نمو اللغة في جانب وجمودها في جانب آخر، فتصبح مثل بطة عرجاء. كما أن الإدارة التي تخاطب المواطن باللغة الفرنسية أو الإنجليزية التي لا يجيدها تظلمه، وأكثر من ذلك فإن هذه الإدارة تهدد السلم الاجتماعي، لأن استخدام الإدارة لغة المستعمر القديم (الإنجليزية أو الفرنسية) في خطاباتها الموجهة للمواطنين إساءة لهم واستعلاء عليهم ما يزرع بذور التمرُّد في نفوسهم. أما المسؤول الذي يلقي خطابا على شعبه العربي المسلم بلغة المستعمر القديم، فإن منطوق ذلك الخطاب هو الفرنسية أو إنجليزية. أما مفهومه فهو: إنني احتقركم أيها الشعب، ولا أتكلم لغتكم الوطنية، العربية، وإنما أتكلم لغة الأسياد الراقية. إضافة إلى أنه يخرق دستور بلاده، لأن دساتير الدول العربية جميعا تنصَّ على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية. وعلى أية حال، فدولنا العربية تمتلك دساتير وقوانين جيدة ولكن السلطات لا تحترمها. وهذا من خصائص الدول المتخلفة.
تصوّري، يا جميلة، أن اللغة العربية لغة رسمية في منظمة الأمم المتحدة، ولكن معظم ممثلي الدول العربية في هذه المنظمة يلقون كلماتهم بالفرنسية أو الإنجليزية.
فلماذا تحتفظ هذه المنظمة الأممية بجهاز للترجمة بين العربية إلى اللغات الرسمية الخمس الأخرى؟ ولهذا فإن النية هناك متجهة لإلغاء اللغة العربية من قائمة اللغات الرسمية في هذه المنظمة.
إن أول درس نلقّنه لأبنائنا في جامعاتنا هو احتقار الذات واحتقار الأهل ونكوّن لديهم عقدة الخواجة (أي الشعور بأن الأجنبي أفضل منهم)، وذلك عندما نلقي عليهم الدروس باللغة الفرنسية أو الإنجليزية وليس بالعربية.
إننا نقول لهم من اليوم الأول إن لغة والديكم ليست لغة محترمة وليست قادرة على تعليم العلم والتكنولوجيا  (وهذه أكذوبة صدقها أصحاب القرار في الدول العربية، لأن علماء اللغة في الغرب علّمونا أن جميع اللغات قادرة على التعبير عن حاجات الناطقين بها، واللغة الفارسية تُستعمَل في إيران في تدريس الطب والعلوم والتقنيات، فاستطاع الطالب الإيراني استيعاب المعرفة والإبداع فيها،
واستطاعت إيران استخدام المفاعلات الذرية لإنتاج الطاقة وإطلاق الصواريخ). الأتراك يدرسون باللغة التركية، والبلغاريون يدرسون باللغة البلغارية، والهنغاريون بالهنغارية، والإسرائيليون بالعبرية، وهي لغة ميتة أحيوها منذ أقل من قرن، والإندونيسيون بالملاوية لغتهم الوطنية، إلا العرب والأفارقة فإنهم يتعلّمون بلغة المستعمِر القديم، الإنجليزية أو الفرنسية، وهذا سرّ تخلفهم.
أما السياسات الإعلامية في الدول العربية فهي عجيبة غريبة؛ تشجّع اللهجات العاميّة في الإعلام، لذا نجد الدول العربية تتسابق مؤخرا في إنشاء إذاعات جهوية/محلية باللهجات العربية العامية، وتمتلئ فضائياتها باللغة الأجنبية، وذريعة المسؤولين أنهم يريدون عامة الشعب أن يفهم الإعلام بلهجته العامية، مع أن معظم أطفال هؤلاء المسؤولين لا يعرفون العامية مطلقا، لأن لغة التحدُّث في منازلهم هي لغة المستعمر القديم الفرنسية أو الإنجليزية.
وبدلا من أن يعزّز الإعلامَ اللغة الفصيحة المشتركة أداةَ اكتساب المعرفة لدى أطفالنا، يقوم الإعلام بتدميرها. وهكذا تُهدَر حقوق الطفل اللغوية في بلادنا العربية دون أن يُعاقب الفاعل. فالإحصاءات تشير إلى أن معدل القراءة في الدول الأوروبية ٢١ كتابا باللغة الوطنية للفرد الواحد في السنة، وفي إسرائيل ٢٥ كتابا بالعبرية للفرد الواحد في السنة، وفي السنغال ٥ كتب بالفرنسية للفرد الواحد في السنة، وفي البلاد العربية كتابا واحدا فقط لكل ٨٠ عربي في السنة، فهنيئا لأمّة "إقرأ

مقالات ذات صلة