أصدقاء الدكتور علي القاسمي

مجمعُ اللّغةِ العربيّة ولغةُ الطِّفل للأستاذ الدكتور علي القاسمي



مجمعُ اللّغةِ العربيّة ولغةُ الطِّفل
للأستاذ الدكتور علي القاسمي
القاسمي يتسلم شهادة الدكتوراه من رئيس جامعة تكساس ، 
1972
عضو المجمع المراسل من العراق

نحتفل ـ نحن العرب ـ اليوم بالعيد الماسي لمجمعنا العتيد، مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، الذي يحتضنه شعب كريم عريق في الثقافة والعروبة والسؤدد. لقد ظلّ هذا المجمع، طَوال خمسة وسبعين عامًا واحة وارفةً تضمّ صفوة المفكّرين، ونخبة العلماء، وطليعة اللغويّين من الأقطار العربيّة كافة، يتعاضدون فيه على صيانة لغتنا وتنميتها؛ لتستجيب لمتطلبات العصر المتجدّدة، وتعبِّر عن مفاهيمه المتزايدة، لتبقى نبراسًا لأمل العرب في الوحدة والتنمية وترقية الحياة.
وإذا كانت البلاد العربيّة اليوم قد دبّت بينها وفي داخلها الخلافات السياسيّة والاقتصاديّة والصراعات الحزبيّة والطائفيّة والعرقيّة، بسبب تخلُّفنا الثقافيّ وعجزنا عن ترسيخ ديمقراطيّة تُصان فيها حقوق الإنسان، وبسبب مخطَّطات الطامعين في ثرواتنا؛ فإنّ أملنا المشروع في الوحدة يبقى معقودًا على اللّغة العربيّة الفصيحة المشتركة بوصفها عاملاً موحِّدًا للمشاعر والفكر، ومنبرًا معبِّرًا عن قيمنا ومثلنا، ووسيلة لصيانة تراثنا المجيد وتطويره ونقله من جليل إلى جيل.
ونظرًا لهذه الأهميّة التي تمتاز بها العربيّة الفصيحة في مصير هذه الأمّة، فإنّها تُجابه اليوم هجمة شرسة من أعداء العروبة، تتجسّد في إشاعة اللّهجات العاميّة في وسائل الإعلام السَّمعيّة والبصريّة، بحيث أمست معظم برامج المؤسّسات الرّسميّة باللهجات العاميّة، وأُطلِقت فضائيات عديدة تقتصر على استعمال اللهجات في جميع برامجها، وأُصدِرت صحف باللهجات تلقى الدعم السّخيّ. كما تتجسّد هذه الهجمة في التراجع عن التعريب، وإعادة لغة المستعمِر القديم الجديد وسيلةً للتّعليم في جميع مراحله، وفتح الباب مشرعًا أمام المدارس الأجنبيّة، والمدارس الأهليّة الخاصّة التي لا تستعمل سوى اللغة الأجنبيّة، بحيث ينشأ أطفالنا، وقد غُرِس في نفوسهم احترام الأجنبيّ ولغته وثقافته وقيمه، واحتقار أهلهم وأبناء شعبهم الذين لا يجيدون تلك اللغة الأجنبية.
في هذه الوضعيّة المؤلمة لابدّ لمجامعنا العربيّة، وفي طليعتها مجمعنا العتيد، أن تلج فضاءً جديدًا من النشاط، وتضيف مهمةً أخرى إلى مهماتها الجليلة، تلكم هي العناية بلغة الطفل.
لقد ظلّت مجامعنا اللغويّة في دمشق والقاهرة وبغداد وعمان والرباط والخرطوم والجزائر والقدس وطرابلس الغرب، التي يضمّها اتّحاد المجامع اللغويّة والعلميّة العربيّة، بعيدة عن العمل في مجال لغة الطّفل. وعلى الرغم من أنّ كلّ مجمع منها يضمّ عددًا من اللجان العلميّة المختصّة في تنمية اللّغة في  مختلف المجالات، فإنّنا لا نجد بينها لجنة واحدة تُعنى بلغة الطِّفل.
لقد أغفلت مجامعنا قضية تنمية لغة الطِّفل لأنّها تحسِب أنّ هذه القضيّة هي من اختصاصات وزارات التربية والتعليم، ومراكز البحوث التربويّة في الجامعات خاصّة تلك المراكز التابعة لكلّيّات التربية. بَيْدَ أنّ للغة الطّفل أهمّيّة بالغة في ترقية المجتمع برمته. فقد أثبتت البحوث العلميّة الرصينة أن الطفولة هي المرحلة الأمثل لتنمية قدرات الفرد اللغويّة. وعندما يتقن الأطفال لغتهم يسهل عليهم اكتساب المعارف المختلفة، فاللّغة هي وسيلة التعلُّم والتّواصل والتّفكير. وإيجاد مجتمع المعرفة اللازم لإنجاز التّنمية البشريّة الشاملة، يتوقَّف على درجة فاعليّة اللّغة وامتلاك أبناء المجتمع لها.
ولهذا كلّه فإنّ تنمية لغة الطِّفل هي من مهام جميع مؤسسات المجتمع وفي طليعتها المجامع اللّغويّة. وتتطلّب تنمية لغة الطِّفل جملة من الأعمال في عدد من الميادين أهمّها ما يأتي:
1) بحوث تربويّة نفسيّة في مجال اكتساب اللّغة الأمّ وتعلُّم اللّغة الثانية.
2) بحوث في طرق تعليم الأطفال المهارات اللغويّة وتطويرها.
3) بحوث في الرّصيد اللغويّ الوظيفيّ للطِّفل العربيّ.
4) بحوث في شيوع المفردات والتراكيب العربيّة اللازمة لإعداد المواد التّعليميّة.
5) دراسات في صناعة المعجم العربيّ للأطفال.
6) تصنيف معاجم متنوِّعة لفائدة الأطفال من مختلف الشرائح العمريّة.
7) إعداد كتب الأطفال المتدرّجة في مفرداتها وتراكيبها وتنمية أدب الأطفال بوجه عامّ.
وإذا كان الميدانان الأوّل والثاني هما من اختصاصات وزارات التربية والتعليم ومراكز البحوث النفسيّة التربويّة، فإنّ بقيّة الميادين هي ذات طبيعة لسانيّة صِرفة ومن مهمّات المجامع اللغويّة، ولها علاقة مباشرة بمتطلَّبات التنمية اللّغويّة التي هي عماد أهداف المجامع.
وفي هذه المناسبة الغالية علينا جميعًا، أعني الاحتفال بالعيد الماسيّ لمجمع القاهرة، نأمل أن يولي مجمعنا العتيد لغة الطِّفل بعض اهتمامه وشيئًا من وقته ونشّاطه وعمله المبارك. ونقترح ما يأتي:
1) إنشاء لجنة جديدة في رحاب المجمع الموقّر تحمل اسم لجنة تنمية لغة الطِّفل.
2) تشجيع البحوث والدراسات المتعلّقة بلغة الطِّفل، خاصّة ما يتناول منها الرصيد الوظيفيّ للأطفال في الوطن العربيّ، والشيوع في المفردات ّوالتراكيّب والاستعمالات العربيّة.
3) تصنيف عدد من المعجمات المصوّرة والمبسّطة التي تلبّي الاحتياجات المتنوّعة للأطفال في مختلف المراحل العُمريّة والمدرسيّة. ونغتنم هذه المناسبة للإشادة بـ "المعجم الوجيز" الذي صنّفه المجمع لفائدة تلاميذ المدارس بإشراف أستاذنا الجليل الأستاذ مصطفى حجازي.
4) إقامة موقع للمجمع في الشابكة (الإنترنت) توضع فيه معاجم الأطفال وبقيّة أعمال المجمع التي تستجيب لاحتياجات الأطفال وتجيب على أسئلتهم.
5) تخصيص جوائز أدبيّة سنويّة لأحسن كُتّاب قصص الأطفال ما يشجع كبار الأدباء العرب على الكتابة للأطفال.
وختامًا، يشرّفني ويسعدني في آنٍ واحدٍ أن أكرّر التهنئة القلبيّة لمجمع الخالدين بمناسبة عيده الماسيّ الميمون متمنّيًا له ولأسرته الجليلة مزيدَ التألّق والبهاء، وموصول الإبداع والعطاء. 

مقالات ذات صلة