جمعة عبد الله : الحب في رواية ( مرافئ الحب السبعة ) علي القاسمي
الحب في رواية ( مرافئ ال
الحب في رواية ( مرافئ الحب السبعة ) علي القاسمي
احتلت ثمية الحب المقام الاول في المتن الروائي , واستلهم المنظور الروائي , في اتساع افاق دائرة الصراع الناشب , دون هوادة بين مطامح الذات وحلمه , ورايات الواقع بكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة , التي تقف عقبة وحجرة عثرة , امام الحلم والرغبة في الذات والوجدان لتقوده الى الانكسار , مما يجعل تيارات المعاناة تعصف بشدة اكثر وتيرة , دون هوادة , وعثرات الواقع وهي تتحكم بزمام ناصية الامور , لتخرج منها شراراتها المريرة , في الحزن والالم , كمرادفات تتحكم بعنق زجاجة الحياة وتجاربها , في الاصطدام بشجون الازمة , مما تزيد من حالة الاختناق في الذات في الغربة والاغتراب , لتتحول الى حالات تراجيدية ملموسة , بأنها تشكو غياب المرافئ الذي يرسو عليه الحب والحلم , عوضاً من تفتت الرغبات الحلمية بأن تمضي كومضة البراق في الانكسار الروحي , هذه مضاجع آليات الحب في رواية ( مرافئ الحب السبعة ) . ولاشك ان الاديب الروائي الكبير , ادار دفة الصراع , في ابداع متألق في جمالية احداثيات المنظور الروائي , بما يملك من خبرة كبيرة متعددة المجالات والجوانب , في الادب والمعارف الاخرى , وكذلك جهده المثابر والكبير , في اخراج عمل روائي متألق في تقنياته المتطورة والمتنوعة في حداثة الفن الروائي , التي تصور الواقع ومنصات الحب , من كل الجوانب والزوايا , حتى تعطي الصورة السينمائية الكاملة للجهد الروائي , عن واقعية الحب الذاتية , التي تلعب دوراً بارزاً في الحياة والوجود . في جوانبها الواقعية والحسية والصوفية , لكنها لا تملك مفاتيح سر الحب ووجوده وماهيته وكنه ( أنا اغوص في اعماق ذاتي , أغرز رايات انكساري , وابحث عن كنه الحب . لو أني اعرف سر الحب , لأدركت سر وجودي وسر رحيلي , واسرار العيون التي تجبرني ألغازلها , ولكن عقلي عاجز عن ادراك اي شيء ) ص48 . هي أزمة الحب الذي يعاني منها بطل الرواية ( سليم ) . في فضاءاتها الواسعة , التي تطيح به في الانهزام في تحقيق حلم الحب , مما تؤدي الى اشتداد وتيرة معاناته , في التمزق في الغربة . كأنه يخوض مغامرات مرافئ الحب في مركب مثقوب بالف ثقب وثقب , ليس بمقدوره ان يرسو على مرفئ مستقر , اضافة الى معاناته في الرحيل الاجباري عن الوطن والافتراق عنه قسراً , بتسلط خارج عن ارادته ورغباته الطموحة , مما يغوص في مواجع الحنين الى الوطن البعيد , هذه اشكاليات المتن الروائي .
في تصوراته , في افق العمر الذي يخوض غمار الغربة والاغتراب , مما تجعله صريع الالم والحزن المرير , كأنه يبحث عن اغنية الحب التاهة في المتاهات الضياع , وهو يحاول جاهداً , ان يرمم رغباته وطموحاته وحلمه , لكن دون جدوى , لقد اخفق قلبه بشدة في ثلاث نسوة , ويمكن رصدها في حلقاتها الثلاث :
1- أمرأة ارادتني وأردتها , لكن القدر لم يردنا معاً :
× وداد : زميلته في الكلية عندما كان طالباً على مقاعد الدراسة سوية , وصارت بينهما علاقة صداقة وحب جارف بكل شفافيته , وهي من عائلة ثرية . يأتي بها السائق بسيارة العائلة , وينفردا وحدهما في الجلوس في حديقة الكلية , تحت شجرة الصفصاف , يرتشفان من احاديث الحب والشوق والاشتياق , ومرة وجدها في حالة متشنجة غريبة في ملامحها , في الشحوب والقلق , وحين استفسر بما يؤلمها . أجابت ( – لاشيء يا سليم , مجرد وجع في احشائي ) ص57 . ثم تتبعها بضحكة بريئة ( لعلي حامل ) يرد عليها بأنشراح ( ستكوني ثاني عذراء في التايخ تلد , بعد السيدة مريم ) ص57 , ويتواعدا على مواصلة الحب بالاقتران الشرعي , الزواج بأن تكون رفيقة حياته , وتقول له ( وأنا لك يا سليم . لن اتركك ابداً , سأضل أحبك دائماً . أسمعت ؟ ) فيرد عليها بتوجس مضطرب ( أنني أخشى ان يفرقنا الموت يا وداد ) ترد عليه بضجر ( آوه . لا تكن متشائماً , ولا تقطب جبينك هكذا ) ص61 . لكن وقع المحظور بما كان يخشى منه , في حادثة مؤلمة صادمة في مفاجأتها , وتؤدي بها الى الموت , في حالة انفجار مخزن الوقود في حمام البيت , وبعدها يسافر الى خارج الوطن . ليواصل تعليمه العالي , ويرجع استاذاً في كلية العلوم , قسم الكيمياء , في كليته القديمة , حينما كان طالباً سوية مع حبيبته المغدور ( وداد ) , وفي اول حصة تدريسية , اصطدم في مشهد غر يب , كانت مفاجأة غير متوقعة له , كانت طالبة صغيرة تبحلق به بأستغراب , وكانت تشبه في قوام ملامحها بالضبط , حبيبته المتوفية ( وداد ) لكن الطالبة تقدمت منه , وبددت الدهشة والاستغراب ( متأسفة يا أستاذ , أنا أختها الصغرى )ص65 .
2 – أمرأة ارادتني ولم اردها , فكسرت قلبها , وظل ضميري مصلوباً على خيبة أملها :
( – أما شبعت من كتبك ؟ أدعوك لتناول فنجان قهوة في المقصف ) ص95 .
× انها ( سوزان ) الامريكية , الديانة اليهودية . أحدى زميلاته في الكلية . الحسناء , الجميلة . تملك فيضاً من الحيوية والشباب , كأنها تتربع على عرش الجمال والذكاء , في مملكة الشباب , بنت بينهما علاقة صداقة وطيدة . وقد اعجب ( سليم ) في ديماثة سلوكها المهذب والرصين , بما تملك سمات انسانية رائعة في بساطتها وقيمتها الغنية , مما دخلت وأثرت في مشاعر وجدانه بكل امتياز . وتطورت الى علاقة حب ,وصلت الى مرحلة الحسم في القرار , أما الاقتران الابدي , او الافتراق الابدي , طالما هذا الحب تحرك في اعماق الوجدان , ويرى ( سليم ) ان الصداقة بين الفتى والفتاة , متعة جميلة في الحياة النابضة بالحب ( شيء جميل , غير انه لابد ان ينتهي الحب بالزواج , فطالما حسبَ أن الحب والزواج والجنس , هي وجوه ثلاثة لكيان واحد , ولم يستطع أن يفصل بينهما )ص107 ., رغم ان وشائج علاقة الحب متوفرة في الطرفين , لكنها تشكو غياب مرفئ ترسو عليه بشكل مستقر دائم , رغم ان ( سوزان ) تملك المؤهلات بالاقتران والزواج , وطالما الحب يلعب في وجدانهما , لكن هناك عقبات وحواجز , تقف في وجه الزواج , ولا يمكن الطفر عليها , هذه الاختلافات غير ملائمة وغير مناسبة للاقتران بالزواج , من حيث العقلية والثقافة بين ثقافتين , وكذلك لا يمكن اغفال دور العادات والتقاليد في السلوك الحياتي , رغم طابع الحب مشترك بين الطرفين , ثم تقف عقبة الديانة و ( سوزان ) يهودية , وان شقيق ( سليم ) الضابط النقيب , استشهد في معارك فلسطين في معركة جنين , ولا يمكن سد العيوب الوحشية لأبناء جلدتها ( اليهود ) , وهم يمارسون المذابح الوحشية , ضد الشعب الفلسطيني واغتصبوا ارضه دون وجه حق شرعي . رغم ان ( سوزان ) وعائلتها , تعطي كل الحق للشعب الفلسطيني , وتناصر قضيته العادلة , وتدين بشدة المذابح الاسرائيلية الوحشية , بهدف ابادة الشعب الفلسطيني . هذه العيوب والثغرات , تقف حائلاً في مواصلة الاقتران بالزواج , لذا اختار الانفصال الكلي , والهجرة من امريكا , ليستقر في الرباط / المغرب , كأستاذ جامعي .
3 – أمرة أردتها لكنها لفظتني , ولم أستطع نسيانها . وانتِ المرأة الاخيرة . يا أثيرة .
( انفرج الباب ببطء , واطلت تلك الطالبة ذات الوجه , الذي جذب انتباهه ورسخ في ذاكرته . كان اسمها أثيرة )205 . واخذت ( أثيرة ) تترد على مكتبه في الكلية , بعدما اصبح أستاذاً جامعياً , في كلية الاداب والعلوم الانسانية . في جامعة الرباط / المغرب . ثم اخذ يتلاشى الخجل والتردد , حينما تلتقي به في مكتبه , وتطورت العلاقة الى حب وعشق , الى حد الهيام , فقد احتلت كيانه وجوانح وجدانه في حرارة العشق والتواصل ( عليَ ان اعترف , الآن بأنني وقعت في غرامكِ , ولم ينفع أحتراسي , ولم يجد أرتيابي بزيارتكِ , وانك أستعبدتِ قلبي في مملكة فصرتِ مليكة بتواتر , وقلبي يخفق بشدة , وعيناي تدمعان لمجرد أن تخطري ببالي . عليُ ان اعترف بأنني عاشق , عليٌ ان ادرك أني مريض بالعشق ) ص217 . , وتصل الحالة العشقية الى اتباط الروحي , وعسل كلام العشق , ينضح من الشفتين , ويتعرف على حياتها بشكل مفصل , ويعرف بأنها كانت متزوجة , في عمر ثمانية عشر عاماً , بعدما تخرج زوجها من الكلية الطبية . ولكنها لم ترزق بمولود خلال حياتها الزوجية , خلال سنتين من زواجها , والسبب كما صرح لها زوجها من نتيجة التحليل الطبي , يثبت بأنها عاقر , لا تستطيع الحمل , وعوضها زوجها بهذا النقص , بالهدايا الثمينة الكثيرة , ولكن زوجها قتل خلال الانقلاب العسكري , لتصبح أرملة في بدايات شبابها الاولى , وهي تفيض بالجاذبية والجمال والرشاقة , انيقة الهندام , جذابة الملامح . وتزداد وتيرة علاقة الحب, باكثر الارتباط بالوعد بالزواج , بعد زيارة عائلتها وتعرفه عليهم , كأنه ضوء اخضر بالموافقة على الزواج . وفي احد الايام , تأتي ببشاشة مرحة غريبة , لتعلن له المفاجأة , بأنها حامل , وتقول له في بهجة وانشراح , بأنه انقذها من هاجس مشؤوم , رافقها ثلاث اعوام , وانه انقذها من الورطة التي كانت تقلقها وتأكل همومها بالاسى والتوجع والالم ( أنك انقذتني من اكذوبة كنت اسيرتها ثلاث سنوات , واليوم تحررت منها , واشعر أنني في طريقي لأصبح طبيعية
– لا أفهم ارجوكِ ساعديني على الفهم قليلاً ) لتطلق مفاجأتها :
– أنا حامل
رغم المفاجأة التي اجتاحتني , قلت لكِ :
– أنا سعيد بهذا الخبر . اذن سأكون أباً مع زوجة جميلة ) ص247 .
وبعدها يقرر السفرالى الرياض / السعودية , ليلتحق استاذاً في احدى جامعاتها , بعدما تعطلت الدراسة في جامعة الرباط / المغرب , بسبب الاضرابات الطلابية المتواصلة , وحين يستقر في الرياض , ستلتحق به , ويكون موعد الزواج جاهزاً , ليبدأ الاقتران بالرفقة الحياتية بالزواج , وتقرير مصير الحمل ( الوقت غير مناسباً , سنلغي هذه الولادة , لانك بعد شهرين ستسافر الى الرياض , لتعمل أستاذاً جامعياً , وعندما تستقر هناك , سألتحق بك , وسننجب اطفالاً , بالعدد الذي تريد , لم اعد استطيع العيش بدونك , انت وهبتني حياة جديدة ) ص247 . وبعد استقر ( سليم ) في العمل والمسكن , كان ينتظر وصول ( أثيرة ) بصبر نافذ , يتطلع كل يوم الى رسائلها , حتى يعلن موعد الزواج . لكن الصدمة والمفاجأة غير المتوقعة , في رسالتها الموجهة اليه تقول فيها ( أحبك . أحبك . لكن لا استطيع أن أفارق بلدي ) ص253 . هكذا يضيع الحلم اسراب الرياح ( جئت كالحلم , وكالحلم مضيت , حلم لن ينسى , وبقيت اغوص في اعماق . اغرز رايات انكساري ) ص48 .
جمعة عبدالله
أشكرك من القلب على دراستك النقدية القيمة، التي أبدعتَ فيها طريقة مبتكرة لتلخيص أحد جوانب الرواية. وقد امتاز عرضك بعذوبة اللغة وجمال الصور البلاغية وعمق التحليل وشموليته، كما لو كنتَ تُبدع نصاً جديداً .
إن حالات الحب التي اخترتها أنت ، تضع أناملك الخبيرة الماهرة على جوهر الحب في واقعه المؤلم، وليس الحب المثالي الذي نتصوره انطلاقاً من بيت ذلك الشاعر البدوي:
وأحبُّها وتحبُّني ويحبُّ ناقتَها بعيري.
فأنت اخترت حالات الحب الإنسانية الفعلية التي يرسمها لنا الشاعر العربي:
عُلقتها عرضاً، وعلقت رجلاً غيري وعُلّق أخرى ذلك الرجلُ.
أكرر شكري ومودتي واحترامي.
محبكم: علي القاسمي
اشكرك على هذا الثناء , وهو يعود الى ابداعكم الكبير في رواية . مرافئ الحب السبعة . التي اعتبرها تقف في مصاف الروايات العربية البارزة .
ودمتم للابداع الاصيل