حول مقال (توضيحات لمشاكل لغوية ) للدكتور عدنان الظاهر
أشكر الأخ الفاضل الدكتور عدنان الظاهر على اهتمامه بروايتي " مرافئ الحب السبعة " في هذا المقال الذي كرّر فيه كثيراً مما ذكره في مقال سابق نشره في عدّة مواقع، إضافة إلى نظمه ثلاث قصائد جميلة بوحي من الرواية. وأتفهم رغبته في إفادة الشعراء والأدباء المعاصرين بمعارفه اللغوية وجعلهم يكتبون بلغة عربية " نقية" قريبة من لغة القرآن الكريم؛ كما أتفهم حرصه " على نقاء وبقاء أصول وجذور اللغة العربية راسخة لا يطالها الزمن ولا يتطاول عليها متطاول" كما يقول.
وأود أن أطرح على كريم نظره بعض الحقائق العلمية:
أولاً، كان النحويون العرب القدامى يُقصِرون مفهوم (الفصاحة) على ما استُعمِل في " عصر الاحتجاج/ الاستشهاد" حتى القرن الرابع الهجري بالنسبة لبدو جزيرة العرب وحتى نهاية القرن الثاني بالنسبة لأهل الأمصار، ويتخذون لغة ذلك العصر معياراً للُّغة الصحيحة. ولكن عِلم اللغة الحديث عدَّ الفصيح الصحيح ما استعمله جمهور المثقفين ووافق ثوابت اللغة العربية، لأن اللغة مثل الكائن الحي فهي في نمو مستمر لتلبية حاجات الناطقين بها المستجدة. وانتقلَ الدرس اللساني، في العصر الحديث، من المعيارية إلى الوصفية. وهذا هو موقف المجامع اللغوية العربية ( انظر مثلاً: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، " مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً" وكذلك " في أصول اللغة"). وهذا ما يتبناه اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية في مشروع " المعجم التاريخي للغة العربية"، الذي يؤرِّخ لتطوّر اللغة العربية وتغيُّرها في المبنى والمعنى عبر العصور (انظر كتاب الدكتور محمد حسن عبد العزيز، المعجم التاريخي.)
ثانياً، إن القرآن الكريم قمة البلاغة العربية. والدراسات الإحصائية التي قام بها الدكتور علي حلمي موسى بالحاسوب، لحصر جذور معاجم الصحاح وتاج العروس ولسان العرب، والقرآن الكريم، أثبتت له " أن القرآن الكريم يحوي ثلثَ الجذور الثلاثية في معجم الصحاح" ( انظر كتابه " ألفاظ القرآن الكريم: دراسة علمية تكنولوجية" ص 8). وهذا دليل على الإعجاز في القرآن الكريم، لأنه يعبّر عن معانٍ عظيمة كثيرة بألفاظ قليلة. وقد أيّد تلك الإحصائية مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور علي جمعة في ندوة " لغة الطفل العربي في عصر العولمة " التي نظّمها المجلس العربي للطفولة والتنمية بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في المدة من 17ـــ19/2/2007 (انظر محاضر الندوة). وبالتالي، يمكن الاستشهاد بالقرآن الكريم لإثبات صحة ما هو موجود فيه، ولا يجوز الاستشهاد به لتخطئة ما هو غير موجود فيه.
ثالثاً، طُلِبَ مني أن أكتب المادة المتعلقة بالمرحوم الدكتور إبراهيم السامرائي في " موسوعة أعلام العلماء العرب والمسلمين" التي أصدرتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس، ونُشِرت مقالتي كذلك في مجلة " اللسان العربي" بالرباط (العدد 53، ص 9) وفي كتابي " العراق في القلب: دراسات في حضارة العراق"( بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2010) الطبعة الثانية ص 389. وذكرتُ فيها أن المرحوم ابراهيم السامرائي كان متشدداً في قبول الاستعمالات اللغوية الجديدة، ولكنه ــ رحمه الله ــ غيَّر رأيه عن اقتناع في أواخر عمره المبارك وقال: " ليس لي أن أُبعِد هذه الصيغ من هذه اللغة الجديدة، فشيوعها ودورانها في مختلف السياقات والظروف يعطيانها القوة؛ ومن هنا ليس لي إلّا أن أُثبت مادة الجديد التي باتت كثيرة وتكثر كل يوم." ( من مقال له في مجلة " الفيصل"، العدد 306، ص 27).
رابعاً، أعدّ الأخ الفاضل الدكتور عدنان الظاهر قائمة بـ "الأخطاء" التي وجدها في الرواية وتفضل بـ "تصويبها"، ولكن جميع تصويباته لم تكن صائبة، ما عدا اثنين من الأخطاء المطبعية. ولكي يقتنع الأخ الفاضل، سأعطيه مصدريْن فقط ، اخترتُهما لأنهما موجودان في مكتبة جامعة ميونيخ بالقرب منه، وهما:
أ ــ مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط ( القاهرة : مجمع اللغة العربية، 1972) الطبعة الثانية.
ب. علي القاسمي (المنسِّق) وآخرون، المعجم العربي الأساسي ( تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1989).
والآخرون المشاركون في تأليف المعجم الأخير ومراجعته وتصحيح طباعته هم من كبار اللغويين العرب المعاصرين مثل الأساتذة الدكاترة أحمد مختار عمر، وتمام حسان، وحسين نصار، وصالح جواد الطعمة، ونديم المرعشلي، وغيرهم. وهناك اتفاق بين المُعجميْن في الأمور التي سأذكرها هنا:
1) يقول الأخ الفاضل الدكتور عدنان الظاهر: " لم أجد في المصادر المتوفرة لدي أي ذكر للفعل السداسي (استساغ) إنما كلها ذكرت الفعل الثلاثي ساغ، فعلام يدل ذلك؟"
الجواب على سؤاله: في المعجم الوسيط، ص 463: " ( استساغه) : ساغه. و ـــــــــ عدّه سائغاً. يقال: لا أستسيغ الطعامَ أو الكلامَ: لا أقبله.
وفي المعجم العربي الأساسي، ص 654: " استساغَ يستسيغُ استساغةً: ـــــــــــ الطعامَ أو الشرابَ أو غيرهما: عدَّه أو وجده سائغاً " لا أستسيغُ هذا الطعام ولا هذا الكلام"."
2) يقول الأخ الفاضل إن الاستعمال ( هل ما زال ...؟) خطأ، على حين أنه صحيح.
في المعجم العربي الأساسي، ص 40ـــ 41: حروف المعاني ثلاثة أقسام: حروف مختصة بالأسماء، وحروف مختصة بالأفعال، وحروف مشتركة منها حرفا الاستفهام: هل، الهمزة؛ ويمكن استبدال أحدهما بالآخر. وإذا نظر المرء في الشابكة (الإنترنت)، سيجد مئات العبارات التي تشتمل على ( هل ما زال ...) بأقلام أدباء وشعراء ولغويين متخصّصين، مثل " هل ما زال الخضر حياً" و " هل ما زالت الأميرة نائمة؟" إلخ.
3) يقول الأخ الفاضل: إن استعمال ( تعرَّف إليه ) خطأ ، على حين أنه صحيح.
في المعجم الوسيط، ص 595: "( تعرَّفَ): يقال تَعرّفتُ إلى فلان: جعلته يعرفني.
في المعجم العربي الأساسي ، ص 834: " تعَرَّفَ يتعرَّفُ تَعَرُّفاً: ــــــــــــــ إليه: عرَفَه."
4) يقول الأخ الفاضل: إن استعمال ( خطف زوجة أستاذه) خطأً، ويرى أن الصحيح هو (خطف زوج أستاذه). ولكن كلمة (زوجة) صحيحة كذلك:
في المعجم الوسيط، ص 406: "(الزوجة): امرأة الرجل."
وفي المعجم العربي الأساسي، ص 591: " زوجة ج زوجات: امرأة الرجل " زوجة صالحة" ويقال: قرينة وحرم وعقيلة."
5) يقول الأخ الفاضل: إن عبارة (وصفَ بعضُ مَن رافقوك) خطأ لأن " البعض تعني واحداً فقط" كما يقول.
في المعجم الوسيط، ص 63: " (بعض الشيء): طائفة منه قلّت أو كثرت."
وفي المعجم العربي الأساسي، ص 166: " بعضٌ ج أبعاضٌ: ...2 الواحد من الأشياء أو الأحياء وقد يستعمل لأكثر من واحد ولغير المعدود " قال بعض العلماء" أي عددٌ منهم أو واحد من العلماء..."
6) يقول الأخ الفاضل: إن عبارة ( ثمن المشتريات) خطأ، والصحيح (ثمن المشتروات)، كما يرى.
في المعجم العربي الأساسي، ص 685: " مشتريات مف مُشتَرى: ما يشتريه الشخص من السلع المعروضة في الأسواق."
7) يقول الأخ الفاضل: إن الكلمات (ظمئي) و ( أن تقرئي) و ( تقرئينها) خطأ، على حين أنها صحيحة.
أعلمُ أن هناك اختلافات بين الأقطار العربية في كتابة بعض الكلمات مثل (الهيأة ) في العراق، و (الهيئة) في مصر وغيرها. ولكن كتابة الهمزة أخذ يستقر طبقاً للقاعدة التالية المذكورة في المعجم العربي الأساسي ص 53: " كتابة الهمزة المتوسطة: ننظر في حركتها وحركة الحرف الذي قبلها، ونكتبها على ما يناسب أقوى الحركتين (قاعدة قوى الحركات). أقوى الحركات هي الكسرة ويناسبها الياء أو النبرة، فالضمة ويناسبها الواو، ثم الفتحة ويناسبها الألف." مع وجود بعض الشواذ القليلة. وحركة الهمزة المتوسطة في الكلمات الثلاث المذكورة هي الكسرة، ولهذا ينبغي أن تُكتَب على الياء أو النبرة.
8) يقول الأخ الفاضل : " (أركب إحداها) خطأ والصحيح أركب أحدها (الكلام عن خيول)" ، على حين أن التعبير ( أركب إحداها) صحيح:
في المعجم الوسيط، ص 681: " (الفرس) واحد الخيل [ الدكر والأنثى في ذلك سواء]"
وفي المعجم العربي الأساسي، ص 926: " فرس ج أفراس (مذكر ومؤنث): واحد الخيل. ويقال للذكر حصان."
9) يقول الأخ الفاضل: " إن التعبير (فأَلّا تُسبغُ عليَّ) خطأ والصحيح (أفلا تُسبغُ عليّ)". والتعبير، كما ورد في الرواية صحيح [ فـ + ألّا]، والخطأ وقع في قراءة الأخ الفاضل وفهمه للنص. فلفظ (أَلّا) هو حرف تحضيض أو طلب، ويختلف عن لفظ (ألا) المركَّب من همزة الاستفهام ولا النافية. فلفظ (ألّا) تماماً مثل (هلّا) فهما من حروف التحضيض، ويمكن استبدال أحدهما بالآخر، فنقول: (...فهلّا تسبغ عليّ شيئاً من الرضا) أو (... فَأَلّا تسبغ علي شيئاً من الرضا).
في المعجم العربي الأساسي، ص 100: " ألّا: ... حرف تحضيض مثل (هلّا) " ألّا/ هلّا تكرم والديك."
10) وقع خطأ مطبعي في ( مطأطئ الرأس) و ( تُضئ) التي تكررت فيها الياء. ونعرف أنه خطأ مطبعي، لأن الكلمة نفسها وردت صحيحة في صفحة أخرى، مثلا: عبارة " وأنا مطأطئ الرأس" صحيحة في ص 33 من الرواية. وأحسب أن الرواية التي تشتمل على 320 صفحة قد وقعت فيها أخطاء مطبعية أخرى، على الرغم من أن الناشر ومساعديه بذلوا جهوداً مشكورة في التصحيح. وأنا لا أنزّه نفسي عن السهو والخطأ.
11) يقول الأخ الفاضل إن البدويات في العراق لا يلبسن (الشال) بل ( الشيلة). والشال غير الشيلة، فالشال يُلبَس على المنكبين، والشيلة تُلبس على الرأس، كما ذكرنا للأخ الفاضل في موضع آخر.
12) يقول الأخ الفاضل " إن عمر علي ما كان إلا زعيماً أو لواءَ ركن". والرواية لم تكُن تحفل برُتب العسكريين بقدر ما كانت ترمي إلى تعرية الانقلابات العسكرية التي وقعت في البلدان العربية نتيجة تنافس الدول الاستعمارية على خيرات شعوبنا، والتي أخَّرت تنمية هذه البلدان وسرقت ثروات شعوبها.
وهناك فرق بين (السيرة الذاتية) التي هي نوع من التاريخ الذي يتوخى الدقّة وبين (رواية السيرة الذاتية) التي هي نوع من الأدب الذي يزخر بالخيال.
أقول قولي هذا والله أعلم، واللغة العربية بحر شاسع، وما أوتيتُ من العلم إلا قليلا.