مقال/ التكبُّر والتواضع غُرُورُ المُثَقَّفِ،جُذُورُه واَسْبابُه
يبدو أنَّ داء الغرور الذي يصيب بعض المثقَّفين داءٌ مزمنٌ قديم. إذ يمكن تتبُّع جذوره إلى كَهنة سومر وسَحرة بابل الذين كانوا يحتكرون المعرفة ويحجبونها عن الناس. وتُمِدهم اللغة العربية بمصطلحات تعزّز شعورهم بالتفرّد وتغذّي غطرستهم. فهم " الخاصة " أو " الخواص " في مقابل " العامة " أو " العوام "، وهم " النخبة " و " الطليعة " و " زبدة المجتمع"، وما إلى ذلك من المسميات ذات الحمولة الطبقية المغموسة بماء الغرور التي وضعوها وأشاعوا استعمالها. ويسوّغ هؤلاء المثقَّفون استعلاءهم وترفّعهم عن الناس بعدد من الآيات القرآنية أساءوا تفسيرها، مثل (قلْ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) و (يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). فراحوا يرفعون رؤوسهم بشموخ واستعلاء وخيلاء إلى عنان السماء حتى لم يعُد باستطاعتهم رؤية الأرض أو مَن عليها. وحاولوا جاهدين أن يميّزوا أنفسهم عن عباد الله بالأزياء الغريبة، وطريقة الكلام العجيبة، والتصرفات الشاذَّة، التي بزّوا فيها الرسام الإسباني سلفادور دالي.
وقد رشحتْ إشارات عرضية غير مقصودة إلى غرور المثقَّف هذا في بعض الأعمال الأدبية. ومن ذلك ما قاله الشاعر الكبير نزار قباني في قصيدة " إلى نهديْن مغروريْن " في مجموعته الشعرية " قصائد متوحشة " :
عندي المَزيدُ من الغرورِ
فلا تبيعيني غرورا
إنْ كنتُ أرضى أن أُحبَّكِ
فاشكري المولى كثيرا
من حُسنِ حظِّكِ
أنْ غدوتِ حبيبتي
زمناً قصيرا.
ويتجلّى هذا الغرور وتلك العنجهية في ممارستهم لفنِّهم شعراً وسرداً ونقداً ورسماً وموسيقى. فقد أخذ بعضهم يكتب عبارات لا إيقاع لها ولا معنى ويسميها اعتباطاً " قصيدة النثر "، جامعاً بين نقيضين. وبدلا من أن يساعدنا النقدُ على تذوّق النصوص الأدبية وتحسّس مواطن الحُسن فيها، أصبح لدى بعضهم مجرَّد جداول وطلاسم " بنيوية " يستعصي فهمها. وأمسى الرسم، الذي يُفتَرض فيه أن يفتّح عيوننا على جمال الوجود، مجرَّد لطخات " تجريدية " منفلتة من قواعد الخطِّ واللون والمنظور. وتحوَّلت الموسيقى التي ينبغي أن تخاطب الروح وتغذّيها إلى أصوات " تجريبية " تنفر منها الأسماع وتشمئز النفوس. وهكذا أحجم الناس عن الإقبال على هذه الفنون الحداثوية التي لا يتمكِّن من فتح مغاليقها وإدراك رموزها إلا الخاصَّة من خاصَّة " المثقَّفين ". ويفسِّر هؤلاء المثقَّفون الحداثويون إغراقهم في الغموض على أنَّه تعمُّق في الأفكار، وابتكار في الأساليب، وإبحار في التجريب والتحديث.
وإذا سُئلوا لِمَ ينتجون ما لا يفهمه الناس، أجابوا جواب الشاعر البحتري حين قال بكثير من التكبّر والأنفة:
عليَّ نحتُ القوافي من مقاطعها وما عليَّ لهم أنْ تفهم البقرُ.
فهو هنا لا يَعُدّ أكثرية الناس إلا من قبيل البهائم التي لا تعقل. وهذا الاحتقار للناس نجده عند كثيرين غيره من الشعراء والأدباء. فمعاصره الشاعر ابن لنكك البصري يقول في الناس:
لا تغرَّنكَ اللِحى والصورُ تسعةُ أعشارِ مَن ترى بقرُ
تراهمُ كالسحاب منتـشراً وليسَ فيهمُ لطالبٍ مطـرُ
فهؤلاء المثقَّفون لا يعتدّون بأي إنسان ليس له حظٌّ وافرٌ من ثقافتهم، ولا يعملون على ترقية معرفته، بل لا يعترفون بوجوده أبداً، كما صرح بذلك الشاعر دعبل الخزاعي:
ما أكثرَ الناس، لا بلْ ما أقلَّهُمُ اللهُ يعلـمُ أنَّي لم أقُـلْ فـندا
إنّي لأغمضُ عيني ثمَّ أفتحُها على كثيرٍ، ولكن لا أرى أحدا
حتّى ليتساءل الإنسان ما إذا كان غرور هذا الشاعر قد أعماه عن الرؤية، ومن الغرور ما يُعمي ويصم.
وينعكس شعورهم باحتقار الناس على تشبيهاتهم واستعاراتهم وكناياتهم. فابن دريد يشبّه الناس بالحذاء في قوله:
النـاسُ مثل زمانـهمْ قُدَّ الحذاءُ على مثالِهْ
ورجالُ دهركَ مثل دهـ ـركَ في تقـلّبهِ وحالِهْ
ومن هذا القبيل إساءة الظن بالناس، كما في قول الشاعر أبي تمّام:
إنْ شئتَ أن يُسْوَدَّ ظنُّكَ كلُّهُ فأَجِلْهُ في هذا السوادِ الأعظمِ
( لاحظ كيف يطلقون كلمة " السواد " على أكثرية الناس، أمّا هم فهم البياض الناصع )
ويبلغُ هذا الغرور قمَّته وتصل الغطرسة أوجها لدى الشاعر المتنبي. ودافعه أنَّ شعره أفضل من شعر الآخرين، حسب تقديره (لأن كثيرين يفضِّلون شعر معاصره أبي فراس الحمداني). فالمتنبي يرى في نفسه ربّ البلاغة، وخالق الفصاحة، ومنبع الشعر، وأنَّ ما ينظمه غيره من شعر، إنّما هو مقتبسٌ من معانيه ومستلٌّ من ألفاظه، وأن العالم كلَّه يتغنّى بشعره ويترنَّم بقصائده هو، كما قال مخاطباً ممدوحَه الأمير سيف الدولة الحمداني:
أجِزني إذا أُنشـِدتَ شـعراً، فإنَّما بشـعري أتاك المادحـون مُردَّدا
ودعْ كلَّ صوتٍ غيرَ صوتي فإنَّني أنا الطائرُ المحكيُّ، والآخرُ الصدى
وما الدهرُ إلا من رواةِ قصـائدي إذا قلتُ شعراً، أصبحَ الدهرُ مُنشِدا
(و " أجزني " تعني أعطني الجائزة والمكافأة، إذا مدحك غيري من الشعراء لأنَّهم يسرقون أفكاري)
ولا يعدّنَّ القارئ الكريم هذه الأبيات من باب مبالغة الشعراء طبقاً للمقولة السائدة عن الشعر : " أعذبُه أكذبُه"، فالمتنبي يؤمن في دخيلة نفسه أنَّه " إنسان كامل" جمع بين قوة الجسد ورجاحة العقل وغزارة العِلم:
الليلُ والخيلُ والبيداءُ تعرفني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
فعلى الرغم من أنَّه كان يتكسَّبُ بشعره ويمتدح في سبيل المال والمنصب حتى مَن يهجوهم بعد ذلك بأقذع الألفاظ، كما فعل مع كافور، فإنَّه يعتقد بأنَّه ذو شرفٍ كامل لا يشوبه نقصٌ ولا عيب:
ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ عن شرفي أنا الثُّريا، وذانِ الشيبُ والهرمُ
وخلاصة القول، إنَّ غرور المتنبي جعله يظنُّ في نفسه الكمال، وأنَّه خير رجل مشى على الأرض قاطبةً، منذ أن وصلها جدنا آدم مطروداً من الجنة عقاباً له على غروره. فالمتنبي يقول مؤكِّداً:
سيعلمُ الجمعُ مِمَّن ضمَّ مجلسُنا بأنَّني خيرُ من تسعى به قَدَمُ
ويمكن تلمُّس أسباب غرور بعض هؤلاء المثقَّفين المعاصرين وعُنجُهيتهم في سطحية ثقافتهم التي لم تمكّنهم من تحويل المعلومات إلى معرفة نافعة تؤثِّر في سلوكهم وتجعلهم يسخّرون علمهم لمنفعة الناس. إنَّهم لم يستوعبوا مقولة " الناس كلَّهم سواء كأسنان المشط "، ولم يتمثّلوا مقولة " الناس إمّا أخ لك في الدِّين أو نظير لك في الخَلق ". ولعلَّ إغراق بعض هؤلاء المثقَّفين في النظرية دون تطبيقاتها، أعماهم عن رؤية الواقع المعيش، وابتعد بهم عن هموم الناس ومشاغلهم، فبادلهم الناس بُعداً ببُعد. ولم تعُد الثقافة تضطلع بدورها في ترقية الناس فكراً ومعيشة، بل ظلّت كشجرة جميلة بلا ثمر. لقد نسى بعض هؤلاء المثقَّفون أنَّ النظرية سيف ذو حدّين، يعيش به الدارسون ولكنَّهم يموتون على نصله كذلك.
" الغرور" ، في معجم اللغة العربية، مفردةٌ في حقلٍ دلاليٍّ واسعٍ تتوالد فيه الألفاظ وتتكاثر، مثل: الكِبْر، والتكبُّر، والكبرياء، والاستكبار، والتجبُّر، والتعاظم، والاستعظام، والعُجب، والزهو، والتباهي، والتيه، والصَّلَف، والتطاول، والتخايل، والاختيال، والخُيلاء، والعُنجُهية، إلخ. وهي جميعاً نقيض التواضع، الذي لا نجد في حقله الدلالي كثيراً من الألفاظ المرادفة أو شبه المرادفة. فألفاظ مثل " التذلُّل" و " التملق"، و " الخشوع للناس" هي ليست من جنس " التواضع للناس"، لأن التواضع ينظَر إليه نظرة إيجابية في حين أن تلك الألفاظ المقاربة يُنظر إليها نظرة سلبية. فالتواضع لا نجد له مرادفات أو شبه مرادفات كثيرة في اللغة العربية. وهذه ظاهرة لسانية تدعو إلى التساؤل في طبيعة المجتمع والعلاقات القائمة بينهم. فتكاثر الألفاظ الدالة على أنواع مفهوم أو شيء معين يدلّ على كثرة ذلك الشيء أو المفهوم في المجتمع، فاللغة تستجيب إلى حاجات الناطقين بها.
وإذا كانت الألفاظ الدالة على التكبّر جميعاً تشير إلى شعور المرء بأهمّيته بسب المال، أو الجمال، أو النسب، أو القوة، أو السلطة، فأنَّ لكل لفظ خصوصية معينة ويكتسي ظلال ألوان خاص. فالألفاظ الأربعة الأولى (الكِبْر، التكبُّر، الكبرياء، الاستكبار) مشتقة من الجذر (ك. ب. ر.)، وفعله (كَبُرَ) بمعنى عظُم وجسُم. وشعور المرء بأهميته في هذه الألفاظ الأربعة يتصاعد من أصغرها لفظاً إلى أكبرها لفظاًن طبقاً لمبدأ الزيادة في الحروف تدلّ على الزيادة في المعنى. وهذا ينطبق كذلك على " التعاظم" و " الاستعظام". ولفظ (التكبُّر)، ومعناه رؤية المرء نفسه أكبر من الآخرين، هو لفظ عام يدل على بقية الألفاظ من جذره وغيره، التي تكتسب إضافة إلى هذا المعنى ظلالاً هامشية، كما قلنا. فـ (الاستكبار)، مثلاً، يدل على الامتناع عن قبول الحق معاندةً وتكبُّراً، كما في حالة إبليس: ﴿ إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾. وجاء في القرآن الكريم كذلك ﴿ إنه لا يحب المستكبرين﴾.
ويختلف (الغرور) قليلاً عن (التكبُّر)، في أن شعور المرء بأهميته وعظمته هو شعور خادع خاطئ. وهذا المعنى الثانوي ماثل في مشتقات الجذر (غ.ر.ر.). فـ (الغِرُّ) هو مَن ينخذع بسهولة، و (الغرير) هو مَن لا تجربة له. و(الغرارة) هي حداثة السنّ. ومن معاني (الغرور) الأخرى: الباطل، وهو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب. وأقرب الألفاظ المرادفة إلى الغرور (العجب). ولهذا قال الخليفة عمر بن الخطاب: " آفة اللُّب العُجب". وقال الإمام علي بن أبي طالب: " الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب." وفي ما يُشبه الشرح لهذين القولين قال عبد الحميد بن باديس، رئيس لجنة العلماء الجزائريين: " إذا أُعجِب المرء بنفسه عمي عن نقائصها، فلا يسعى في إزالتها."
وفي العقل العربي تعَدُّ الألفاظ الدالة على (التكبُّر) جميعها من نوع السلوك السلبي السيء، في حين أن (التواضع) يُعَدُّ سلوكاً إيجابياً حسناً. ولهذا كثرت الأقوال السائرة في مدح التواضع وحسناته، وذم التكبُّر ومساوئه. فثمة حديث النبوي " من تواضع لله رفعه الله" ، وقد اقتُبس منه القول السائر " من تواضع سما".
وأكَّدت الأمثال والأقوال السائرة أنن المتواضع يحبُّه الناس بعكس المتكِّبر الذي يكرهونه. فقال ابن المقفع: " التواضع يورث المحبَّة",. وقال أحمد بن محمد الواسطي النحوي:
كم جاهل متواضع ستر التواضعُ جهلَه
ومميَّز في علمـهِ هدمَ التكبُّر فضله.
وقال أحد الشعراء:
ليس التطاولُ رافعاً من جاهلٍ وكذا التواضع لا يضرّ بعاقلِ
ومن فوائد التواضع أنه يخفِّف من حسد الحاسدين. ولهذا قال الشاعر الحماني العلوي:
إذا كنتَ محسوداً، فإنَّكَ مُرمِدٌ عيون الورى، فاكحلهمُ بالتواضعِ
ولكن مَن يتواضع؟ لا شكَّ في أن التواضع الذي نتحدّث عنه هو تواضع الرفيع بعلمه، أو ماله، أو جاهه. أما الذي لا يملك مالاً ولا علماً ولا جاهاً، فهو في وضع وضيع ولا يوصف بالتواضع. ولهذا قال الشاعر:
تواضع إذا ما نِلتَ في الناس رفعةً فإن رفيعَ القوم مَن يتواضعُ
وقال أبو تمام في ممدوحه:
جمُّ التواضع، والدنيا لسؤدده تكادُ تهتزُّ من أطرافها صلفا
وقال البحتري مادحاً:
دَنوْتَ تواضعاً، وبعَدْتَ قَدْرا فشَـأناكَ انحدارٌ وارتفاعُ
كذاك الشمسُ تبْعَذُ إنْ تسامى ويَدنو الضوءُ مها والشعاعُ
ويقد يسأل الإنسان: كيفَ نتواضع؟ هنا، يزودنا الأنبياء والحكماء والعقلاء بنصائح عن كيفية ممارسة فضيلة التواضع. وأول هذه النصائح عدم التفاخر على الآخرين وعدم الاعتداء عليهم، مهما بلغت قوتك من شأو ومهما بلغ ضعفهم من انحدار. فقال الرسول (ص): " إن الله أوحى إليَّأن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد.". بل أكثر من ذلك، ينبغي أن نتسامح مع مَن اعتدى علينا ونعفو عنه. والتسامح والعفو هما من التواضع: فقال السيد المسيح (ع): " من لطمكَ على خدك الأيمن، فحوِّل له الأيسر."
والنصيحة الرابعة المتعلقة بكيفية التواضع تتناول طريقة المشي. فالحكماء ينصحوننا بعدم الاختيال أو التبختر أو التيه في المشي. والفرق بين هذه الألفاظ هو أن الاختيال والتبختر يشيران إلى التمايل في المشي زهواً، أما التيه فهو عدم رؤية الناس وتجاوزهم عند المشي زهواً. وقد وردت هذه النصيحة مرتين في القرآن الكريم: ﴿ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنّكَ لن تخرق الأرض﴾ و ﴿ولا تصعِّر خدَّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً﴾.
ولا شكَّ في أننا سنمشي بتواضع فوق الأرض إذا ما تذكّرنا أن أناساً أرفع منا قدْراً موسّدون تحتها، أو كما قال الشاعر:
ولا تمشِ فوق الأرض إلا تواضعاً فكم تحتها قومٌ همُ منكَ أرفعُ
وهذا ما ينصحنا به أبو العلاء بطريقة درامية حزينة:
خفِّف الوطءَ، ما أظـنُ أديمَ الأ رضِ إلا من هذه الأجسادِ
سِرْ إن اسطعتَ في الهواء رويداً لا اختيالاً على رفاتِ العبادِ
ويبدو أن الثقافة الإسلامية وضعت رادعاً روحياً وحددت عقاباً لكل من يتكبّر ولا يتواضع. فقد ورد في القرآن الكريم :﴿إن الله لا يحبُّ كلَّ مختال فخور.﴾. وجاء في حديثٍ قدسيٍّ: " قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً مهما، أدخلته جهنم."
ومما يؤيِّد هذا الحديث القدسي أن لفظ " المتكبِّر" هو من أسماء الله الحسنى، ويعني العظيم: ﴿السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبِّر﴾.
ولا يميل الأدب العربي إلى وصف النساء بالتكبّر وإنما بالتيه. فنجد كثيراً من الشعراء يشكون من تيه محبوباتهم عليهم. بل نجد أن بعض الشواعر تتفاخرن بتيههن وتطاولهن. فالولادة بنت المستكفي تقول:
أنا والله أصلـح للمعـالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكِّن صاحبي من صحن خدّي وأعطي قبلتي مَن يشتهيها
فيجيبها عاشقها ابن زيدون بقوله:
تِهْ أحتملْ، واستطِلْ أصبرْ، وعزَّ أهُنْ
ودِلَّ أقبلْ، وقُلْ أسـمعْ، ومُرْ أطـعِ
ولكن الشاعر محمد بن حازم ليست له دبلوماسية الوزير ابن زيدون ولا مرونته في التعامل مع النساء، ولهذا فقد ردّ الصاع صاعين لمحبوبته:
وأظهرَ التيـه، فتايهته تيه امرئٍ لم يَشقَ بالناسِ
أعرتُهٌ إعراض مستكبرٍِ في موكـبٍ مرَّ بكنّاسِ
وختاماً، نحن بحاجة إلى شيء من التواضع، والنزول من البرج العاجي إلى الأرض، والاقتراب من الناس، تأسياً بقول الشاعر:
تواضعْ، تكن كالبَدرِ لاحَ لناظرٍ على صفحاتِ الماء، وهو رفيعُ
ولا تكُ كالدُّخّانِ يعلو بـذاتـهِ إلى طبقاتِ الجوِّ ، وهو وضيعُ