أصدقاء الدكتور علي القاسمي

تجليات المشهد الفلسطيني في رواية ( مرافئ الحب السبعة) للكاتب علي القاسمي.. أ . د. صادق عبد الله أبو سليمان د. علي القاسمي

تجليات المشهد الفلسطيني في رواية ( مرافئ الحب السبعة) للكاتب علي القاسمي.. أ . د. صادق عبد الله أبو سليمان
د. علي القاسمي
نقلا عن موقع النور


تجليات المشهد الفلسطيني في" رواية مرافئ الحب السبعة" لعلي القاسمي
 أ . د. صادق عبد الله أبو سليمان
جامعة الأزهرـ غزة ـ فلسطين


علي القاسمي حياةٌ عطاؤها متواصِل:
الدكتور علي القاسمي عراقيٌّ الأصلِ والنشأة من مواليد عام 1942م في محافظة القادسية، وهو عُروبيٌّ أصيلٌ، طافَ في بلادِ اللهِ الواسعةِ متعلِّماً ومعلِّماً، واستقرَّ به مَطافُ الإقامةِ منذ عام 1978م في المملكة المغربية، وكأنَّ القَدرَ ساقهُ ليكون مرابطاً على ثغور العربِ الغربية مَسْكناً له.
تتبدى لك أسفاره في رحلته التعليمية التي بدأها في جامعة بغداد؛ لينطلق منها إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعةِ بيروت العربية التي أنشأها الزعيمُ خالدُ الذكر جمال عبد الناصر( أبو خالد)؛ لتكونَ فرعاً من جامعةِ عروس البحر: جامعةِ الإسكندريةِ في مصر؛ وجامعة أوسلو في النرويج، وجامعة أكسفورد في بريطانيا؛ وجامعة السوربون في فرنسا؛ وجامعة تكساس في أوستن في الولايات المتحدة الأمريكية.
تأتّى لعليِّ القاسميِّ من هذه الرحلةِ التعليميةِ الشائقةِ الحصولُ على ليسانس في الآداب، وآخَرَ في الحقوق، وماجستير في التربية، ودكتوراه الفلسفة في علم اللغة التطبيقي؛ إضافةً إلى ثقافاتٍ وخبراتٍ متنوعةٍ انعكست في كتاباته، ولاسيما الكتابات الإبداعية التي شملت في جانبٍ منها ترجمةَ بعض الروايات.
نَمَتْ هذه الثقافةُ القارّيةُ والخبرةُ الإنسانيةُ برحلتهِ في العمل التدريسيِّ والإداريِّ ومشاركاتِهِ البحثيةِ والفكريةِ في المؤتمراتِ والندوات؛ حيثُ مارسَ التعليمَ في جامعات بغداد والرياض والرباط وتكساس وغيرِها، وأسهم في  تأسيسِ مدارسَ عربيةٍ إسلاميةٍ في داكار عاصمة السنغال؛ الأمرُ الذي جعله ُيحظى بتكريم شاعرِها الرئيس ليبولد سنغور الذي منحه" وسامَ الأسد"، وشارك بدراساته وبحوثه في مؤتمراتٍ وندواتٍ أقيمت في جامعة ريو الإندونيسية، وجامعة الشارقة، وجامعة قناة السويس المصرية، وجامعة مراوي سيتي الفلبينية، وجامعة اليرموك الأردنية، وغيرِها.
مكّنَهُ عملُهُ الإداريُّ والاستشاريُّ من إثراءِ خبراتِهِ وتوسيعِ تجاربهِ، وزيادةِ أسفاره، حيثُ عمِلَ مديراً لإدارتي التربية والثقافة في المنظّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في الرباط، ومديراً للأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، ومستشاراً لمكتب تنسيق التعريب في الرباط، وهو عضو جمعية المعجميين الأوربية منذ التأسيس، وعضوُ الهيئة الاستشارية لمجلّة المصطلحية في بفاس المغربية، وعضوُ الهيئة الاستشارية للمركز الكوري للغةِ العربية والثقافةِ الإسلامية في سيول، واختير عضواً في هيئة تحرير مجلة اللسان العربي -الرباط، وعضوَ الهيئة الاستشارية لمجلة الطفولة والتنمية في القاهرة، وعضوًا في هيئة تحرير مجلة الإسلام اليوم في الرباط، وعضواً في هيئة تحرير مجلة التربية في الرياض، وهو عضوٌ مراسلٌ عن العراقِ في مجمعِ اللغةِ العربية في القاهرة الذي يحرصُ سنويّاً على المشاركةِ في مؤتمراته، وهو أيضاً عضوٌ في مجمع اللغة العربية في دمشق، وعضوٌ فعّالٌ في هيئة المعجمِ التاريخيِّ للغة العربية في اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية.
إنَّ الدكتورَ علي القاسميّ بأسفارهِ المتكررة في أصقاعِ المعمورةِ يذكِّرنا بمشاهير الرحالةِ العربِ الذين عشقوا التطواف والترحال من بلدٍ إلى آخَرَ؛ فسجلوا لنا ما رأَوهُ وتَعَلَّموهُ في مصنفاتهم كشفت عن عقلياتٍ عربيةٍ إنسانيةٍ متحضرةٍ؛ الأمر الذي يدعونا إلى أنْ ندعوَ الدكتورَ علياً أبا حَيْدَر- إنْ لم يكنْ قدْ سبق إلى فِعْلِ ما ندعوه إليه- إلى تسجيلِ تجاربِهِ، ومرئياته في بلادِ العالَم؛ مواصلَةً منه لجهدِ الأسلافِ، ومّدّاً للدارسينَ والمَعنيينَ بمادةٍ تعينهم على البحثِ والمقارنة.
الأستاذ الدكتور علي القاسمي( أبو حَيْدَر) من أعلام العرب في عالمنا المعاصر، فهو متعدِّدُ الملَكات، ومعروفٌ بأنشطتهِ المتعددةِ في مجالات المعرفةِ الإنسانيةِ المتعددة، وقد عايشته عن قربٍ في اجتماعات المؤتمر السنوي لمجمع اللغة العربية في القاهرة ، وكان من حُسْنِ طالِعي أنْ صَدَرَ قرارُ انتخابنا لعضويةِ هذا المجمع العتيد في مرسومٍ وزاريٍّ واحدٍ مع ستةٍ آخَرينَ من أقطار المعمورة في نوفمبر 2003م، وهم: عبد الستار درويش- كازاخستان، والدكتور عوض القوزي- السعودية والدكتور لي قوانغبين- الصين، والدكتور الشيخ محمد يوسف القرضاوي- قطر، والدكتور نعمة الله إبراهيموف- أوزبكستان، والدكتور واسم محمد علييف- أذربيجان.
من خلالِ صحبتي لهذا الرجلِ لمستُ أنهُ أكاديميٌّ متعمِّقٌ، وموسوعيٌّ جامعٌ اطِّلاعاً وإنتاجا، ومُحاوِرٌ مُتميِّز، وروائيٌّ مُبدِع؛ فضلاً عن دماثته، وتميزهِ بخُلِقٍ كريمٍ، وكَرَمٍ عربيٍّ أصيلٍ، وحَلاوةِ لسانٍ؛ فما إنْ يجلس معك، ويأخذ في مسامَرتك تراهُ كتاباً بل كتباً مفتوحةً تصلُ إليكَ مُتونُها بكلامٍ مُرْسَلٍ عَذْبٍ يجعلكَ تأنسُ إليه، ويَشُدُّكَ إلى صاحبِهِ، وكأنَّكَ تعرِفُهُ منذُ زمنٍ؛ فهو إنسانٌ اجتماعِيٌّ، وعالِمٌ مُتَبَحِّرٌ، وروائيٌّ مُفْتَنّ، وَمُثَقَّفٌ فَطِن.
قِوامُ الرواية:
جاءت هذه الروايةُ في ثلاثِمائةٍ وعشرينَ صحيفةً من القطعِ المتوسط( 14 × 21)، ونشرها المركز الثقافي العربي( بيروت- الدار البيضاء) في عام 2012م، وهي تتألفُ من ثلاثةِ أقسامٍ يعبِّرُ عنوانُ كلٍّ منها عن المكانِ الذي تدورُ فيه أحداثه، وقد جاء القسمُ الأول بعنوان:( بغداد- بيروت)، ويمتدُّ التعبيرُ عنه من الصحيفة السابعة إلى الثالثة بعد المائة، وَوُسِمَ عنوان القسمِ الثاني بـ( نيويورك- أوستن- تكساس)، وحلّقَت نصوصُ أحداثه في الصفحات الممتدة من الصحيفة السابعة بعد المائة إلى الثامنة والثلاثين بعد المائتين، أما قسمُ الختام الذي نُقِشَت أحداثُهُ في الصفحات الممتدةِ من الحادية والأربعين بعد المائتين إلى الثامنة عشرة بعد المائةِ الثالثة فعاد بطلُهُ فيه إلى فضاءٍ يرتبط بفضاء قسمِ الرواية الأول، إنه فضاءُ( الرِّباطِ- الرِّياض): الذي يرده إلى جذوره: الفضاء العربيّ الكبير الذي ما تخلّى البطلُ عنه، إنه يعودُ إلى هذين المرفَأين جزءاً من كيانٍ كبيرٍ انتمى إليه، واشتاقَ إليه حنيناً أبدعَ القلمُ شيئاً من أحاسيسه.
تجليات الرواية:
إذا كان المقامُ في هذهِ المقالةِ هو مقامُ الروايةِ في أدبِ علي القاسمي بل إحدى روايته التي وُسمت بعنوان:" مرافئ الحب السبعة" فإنَّ هناكَ مَلْمَحاً عامّاً بل أراهُ مَيْسَماً يتسمُ به فنُّ الروايةِ عند القاسمي، وهو أنَّ قارئهُ يرى فيهِ كاتباً رِوائياً مُفْتَنَّاً يُجيدُ فنَّ السَّرْدِ والتنقُّلِ بهِ بكلِّ يُسْرٍ ولطفٍ يجعلُهُ لا ينصرفُ عنهُ إلا وهو يُفكِّرُ أو يتدبَّرُ أو يُحَلِّلُ ما قرأ، أو يتبين ما الذي استفادهُ من معانٍ وقيم.
وعليه فلا غرابة أن نقول: إن رواية المرافئ في حالةِ قراءتك لها ستجذبك لها، وستشدُّك معها وهي تنتقل بك من مرفأٍ إلى آخَر، تتعدَّدُ في كلٍّ منها المضامينُ والعواطفُ المتلبِّسةُ لهاـ تجد نفسَكَ فيها أمامَ مضامينَ متنوعةٍ، ولكنها متلاحمةٌ في ارتباطها وتواصلِها؛ فأنت تقرأُ فيها مضامينَ التربيةِ العربيةِ الأصيلةِ المتمثلةِ في الكرامة والمروءةِ والنجدةِ وعدمِ قبولِ الضيم، والجود بالنفسِ في سبيلِ تحقيق الحياةِ الكريمة، وهي مضامينُ عبَّر عنها شاعرُ العروبةِ وفارسُها المتنبي، حين قال:( الخفيف)
عِش عَزيزاً أَو مُت وَأَنتَ كَريمٌ
فَرُؤوسُ الرِماحِ أَذهَبُ لِلغَيْـ
بَينَ طَعنِ القَنا وَخَفقِ البُنودِ
ـظِ وَأَشفى لِغِلِّ صَدرِ الحَقودِ



وتقرأ فيها المشهدَ الفرديَّ متمثلاً في بطلِ الروايةِ وعلاقاته بغيرهِ من بني قومهِ وغيرِهم ممن قابلَ أو عايشَ في بلادِ الغربةِ، والمشهدَ العائليّ المتمثل في عائلتهِ المتمسكة بأرضِها وعروبتها، والمشهد القومي المتمثل في وحدة الوطنِ العربي، وترابطِ أهلهِ، وتماسكهمِ أياً كانت الطائفةُ أو المذهب أو الدين؛ فهم يواجهونَ مخططاتٍ عدوانيةً مشتركةً؛ الأمر الذي يتطلَّب وَحدتهم في مواجهة الصعاب؛ وهذا ما تمثّل في دخول الجيوشِ العربيةِ مناصرةً لأهلِ فلسطين ضد أعدائهم المغتصبين لأرضهم وحقوقهم، وهو دخولٌ التفت فيه الكاتبُ إلى دورِ العائلةِ العربيةِ في هذا السياقِ، وأنها تقدمُ أبناءَها وهي رافعةٌ رأسَها، وراضيةٌ مرضيةٌ؛ لأنها تدافعُ عن العروبة وأرضِها.
إنها مشاهدُ تجلت فيها ريشةُ هذا الروائيِّ المفتن في رسمِ صورها، وسردِ أحداثِها متواصلةً دونَ قطعٍ أو تفككٍ، رغمَ تعددِ المضامينِ والمواقفِ؛ لأنك وأنت تقرأ روايته تعيشُ الحياةَ بكلِّ أبعادها وألوانها، تعيش عاطفة الأبوة، وتماسك الأسرةِ العربية، وحرصَها على أبنائها، وتلوينَ عواطفها بما يتناسب ومقامات متطلَّبات الأفراد دون مساسٍ بالثوابت؛ فهذه عاطفة افتداءِ الوطن تجعلها تقدمُ الأبناءِ دون انتظارِ مكافأة، وهذه عاطفةُ الحرصِ عليهم خوفاً من غدرِ الغادرين، وتشوُّفاً لرغبتهم في سلوكِ سبيل نهلِ العلم تدفعُ إلى دعمِهم في طلب العلم، حاثةً لهم على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم وعروبتهم.
وتعيش فيها أيضاً حياةَ الغربةِ ومتطلباتِها، وعاطفةَ الأبوةِ التي تدفعُ إلى اللحاقِ بالأبناءِ في بلاد الغربةِ؛ حِرْصاً على حياتهم ومستقبلهم؛ أيا كانت التكاليف، وتلمسُ وأنت تتبَّعُ مضامينَ الغربةِ اختلافَ العاداتِ والتقاليد، واختلافَ بيئاتِ أرضِ اللهِ  غرباً وشرقاً، وبالجملةِ فإنك تعيشُ الحياةَ التي تكشفُ لك حقيقتك، وحقيقةَ قومِك، وحقيقةَ الأخَر؛ لتدخل في أدوارِ مشاهدِ المقارنة، ونتائجها السارةِ والمحزِنة.
وإذا كنا قد قلنا بأن المرافِئَ تجعلك تعيشُ الحياةَ في كلِّ أبعادها، فأنت فيها تقرأُ الحبَّ بكلِّ مذاقاته، وعذاباته، ونزواته، وأفراحِه، وتعيشه وقد تنوَّعت مراميه: أهلاً وقوماً؛ وبلداً: موطنَ تراثٍ وَنشأةٍ أو مهجرٍ أو إقامة؛ ومحبوبةً تبادِلُ عواطفَ العشق، وفدائياً مناضلاً يلهِم كيف يكون حبُّ الأهلِ والوطنِ؛ افتداءً بالنفسِ والنفيسِ؛ بغيةَ الحريةِ والكرامة. وتعيشه خلطاتٍ سحريةً تمتزج فيها عواطفُ حبِّ الغربةِ أماناً مِن غادرٍ متربِّصٍ، واكتساباً لعلاقاتٍ ومعارفَ وعلومٍ وفلسفةٍ جديدةٍ بعواطفِ الشوقِ الملتاعةِ فراقاً لترابٍ، وأهلٍ، وخِلّانٍ يلتاعُ القلبُ لفراقهم، وتتقدُ عواطفُ الشوقِ والحنينِ حبّاً دافعاً للقائهم.
صدور الرواية و حاضر المشهد العربي:
إنَّ وقوفنا عند هذه الروايةِ التي امتدَّ زمنُ القاسميِّ في تأليفها ليبلغَ نحو عشر سنوات امتدت-كما يقول مبدِعُها- من عام ألفين إلى ألفين وعشرة للميلاد( 2000م - 2010م)، وقَدَّرَ اللهُ لها أنْ تظهرَ في هذه الأيامِ التي تشهدُ فيها دولٌ عربيةٌ مهمةٌ في وطننا العربيِّ اضطراباتٍ واختلافاتٍ وتناحراتٍ داخليةً، وتدخلاتٍ أجنبيةً تزيدُ الوضعَ تأزماً وتعقيداً وقتامةً، وَتُهدِّدُ ما تَبَقّى مِنْ تَواصُلٍ عربيٍّ مأزومٍ في أحايينَ كثيرة.
إن ظهورَ الروايةِ العربيةِ بما تحملُ من قِيَمٍ عروبيةٍ وإنسانيةٍ في هذهِ الظروفِ المُشارِ إليها لَيأتي في وقتٍ نحتاجُ فيهِ- نحن العربَ- إلى مَنْ يوقِظُ فينا جذوةَ الروحِ العربيةِ الأصيلةِ: نَشَرَ أصحابُها العلومَ والحضارةَ والقيمَ الإنسانيةَ في الوقتِ الذي كان فيهِ الغرب يغطُّ في سباتِ ظلامٍ دامس. وعليه فإنَّ قارئَ هذهِ الروايةِ سيطَّلعُ فيها على مشاهدَ من القيم العراقيةِ والعروبية والإنسانية التي عَبَّرَ عنها القاسميُّ في مرافئ حبهِ السبعة، وقيمِ الغربةِ والحنينِ.
إنها روايةُ الحبِّ المتجدِّدِ، ينمو فإذا ما وصلَ إلى مداهُ جاءَ الفِراقُ هادم اللذاتِ، ومُفرِّق الأحباب، وهي روايةُ الطائرِ يهجرُ مكانَهُ الأولَ إلى مكانٍ شقيقٍ قريبٍ منه( لبنان)؛ فيجدُ ما فَرَّ منهُ يلاحقُهُ في تغييبِ صاحبِهِ اغتيالاً؛ فإذا به يجدُ طريقَهُ يائساً يملَؤُهُ الحنينُ إلى منشئه الأول، ولكنه يولّي وجهَهُ شَطْرَ بلادٍ ليسَ بينَهُ وبينَها أيُّ صلةٍ أو رِباط، بل هي بلادُ مَنْ وَقَعَتْ بينهم وبين قومهِ العربِ والمسلمين حروبٌ وويلاتٌ وخُصوماتٌ، بل جاء سكانُها ليغتصبوا ديارَ أهلِه، ويحرموهم من خيراتِ بلادهم وكنوزِها.
إنه يَفرُّ إلى بلادِهم: بلادِ ما وراءِ البحارِ؛ طالباً الأمْنَ والأَمانَ اللذين حُرِمهما في ديارِ أهله: موطنِ النشأةِ الأولى. ولاحقَهُ فقدانُهما في البلدِ العربيِّ( لبنان) الذي لجأَ إليه أيضا. إنهُ ظُلْمُ ذوي القربى الموصومُ عند طرَفةَ بنِ العَبْدِ بأنه" أشدُّ مضاضةً على المرءِ من وقعِ الحسامِ المهندِ".
إنه التناقضُ المضحك المبكي، يفرُّ من قومِهِ المفترض فيهم أنهم رُعاتُهُ الحريصون عليه، ولكنَّ الرياحَ مع هذا البطلِ: بطلِ الرواية كالسفينةِ تطفو منتشيةً فوق أمواجِ مياهِ البحرِ التي تداعبها، وتمنحها الحياةَ الهانئة؛ فهي مصدر كلِّ شيءٍ حيٍّ كما قال ، ولكن سبحانَ مقلِّبِ القلوب، ومُبَدِّلِ الشؤون؛ تنقضُّ عليها الرياحُ العاتيةُ وتأتيها بما لا تشتهيه؛ فتنقلها إلى أسوأ حال.
يلاقيه الغُرباءُ عنه: أهلُ هذهِ الديارِ بالترحاب، ويجد عندهم الأمنَ والأمانَ، ويجدُ مَنْ يقفُ إلى جانبه في كل خطواته حتى ارتقى؛ ليحصلَ على أعلى مراتبِ التعليم، ويجدَ الحبيبةَ التي وافقته- هي وعائلتها التي رحبت به كأنه واحدٌ منهم- هوىً وفكراً وسلوكاً.
ولكنه الحنينُ إلى الأصلِ يدفعهُ إلى أنْ يعودَ فيجدَ- قبلَ أنْ تستقرَّ قدمهُ في بلادِ المغرب- شيئاً مِمّا دفعه إلى الرحيلِ عن ديارِهِ من قبل، ولكنهُ حبُّ العروبةِ وديارِها وبني جِلدتهِ دفعَهُ إلى المُكوث، فهو ليس أقلَّ من محبوبتِهِ اليهوديةِ سوزان التي تمسكت بترابِ المنشأ الذي ليس لها أو لأهلِها من قبل؛ فسبحان اللهِ! المحبوبةُ الغريبةُ تُضَحّي بحبِّها لأجلِ موطنِها، وهو يتنقلُ من مكانٍ إلى آخَرَ ليعودَ مستقراً في ترابٍ قريبٍ من ترابِهِ.
ومحبوبةٌ أخرى من ديارِ العربِ في المغربِ: هذا الجزءُ العزيزُ على قلبِهِ من الوطنِ العربيِّ الكبيرِ تُرَحِّبُ به أسرتُها، وترتبطُ هيَ بهِ عاطفةَ وفكراً وسَكَناً، وَحَمْلاً أحيا فيها روحَها وخصائِصَها الأنثوية بعد أنْ كانت تظنُّ أنها عاقرٌ عقيم-: هذا ما أوهمَها بهِ زوجُها الأول الذي قُتِلَ في محاولةٍ انقلابية، وتركَها وَحَيْرَتَها على هذا الوهم-، ولكنَّ حُبَّها لترابِ بَلِدها كانَ أقوى من كلِّ حُبِّ آخَرَ، ولو كانَ مرافقةً للمحبوبِ في دارٍ مِن ديارِ العربِ، ما دامت الأسبابُ- من غيرِ أسبابِ هذا الحبِّ- لا تضطرها إلى هذا الانتقال.
إنها عقيدةُ بطلِ الروايةِ أَينما حَلّ، أسقطَها على مَنِ التقاهم في مرافئِه التي حَلَّ بها، ولاسيما مَنْ تواصلَ بهم، وَشُغِفوا به حُبّا؛ وكأنَّ القَدَرَ ساقَهُ إلى الالتقاءِ بمن يُرسِّخونَ فيهِ عقيدةَ حبِّ الوَطنِ الأمّ؛ إذا ما ساورهُ يأسٌ، أو أوهنهُ ضعفُ الغربة، لقد استقرَّ في خَلَدِهِ ووجدانِهِ أنَّ حبَّ الوطنِ لا يُعادلُهُ حُبٌّ، وللهِ دَرُّ القائل:( الطويل)
 بلاديْ وإنْ جارَتْ عَلَيَّ عزيزةٌ     
 وَقَوْميْ وإنْ ضَنّوا عَلَيَّ كِرامُ


والقائلُ أيضاً:( الكامل)
لوْ لَمْ تُعَيَّنْ في الشريعةِ كعبةٌ    
 لَيَمَمْتُ وَجْهيْ داخلَ الأوطانِ

أوَ ليسَ حبُّ الوطنِ عقيدةً إنسانيةَ مترسخةَ الجذور، وعَبَّرَ عنها العربيُّ القديمُ حينَ وقفَ على ديارِ المحبوبةِ التي لم يفضِّلْها على دياره، وإنْ كانت ديارُها من ديارِ العربِ ديارِه، قالَ صاحبُ لُبنى: قيس بن ذُريح:( الوافر)
وَما أَحبَبتُ أَرضَكُم وَلَكِنْ      
 أُقَبِّلُ إِثْرَ مَن وَطِئَ التُرابا

وجاء عن مجنون ليلى قولُه:( الوافر)
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفْنَ قَلبي      
أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا
وَلَكِنْ حُبُّ مَن سَكَنَ الدِّيارا

وجاء عن الشاعر الفلسطيني أبي الطيب عبد الرحيم محمود، شهيد معركة الشجرة:( الرَّمَل)
تِلكَ أَوطانيْ، وَهذا رَسمُها       
...هِيَ في دُنيايَ سِرٌّ مِثلَما
يا بِلاديْ، يا مُنى قَلبيَ إِنْ
لا أَرى الجَنَّةَ إِنْ أُدْخِلُتُها
 فيْ سُوَيداءِ فُؤاديْ مُحتَفَرْ
قَد غَدا اِسمُ اللَهِ سِرّاً في السُوَرْ
تَسلَميْ لي أَنتِ فَالدُّنيا هَدَرْ
وَهِيَ خُلْوٌ مِنْكِ إِلّا كَسَقَرْ

وما لنا نذهب في الاستشهادِ بأبياتٍ من هنا وهناك، والقضيةُ متركزةٌ في هذا الشاعر العربي الأولِ الذي استهلَّ غناءهُ الشعريَّ بالمقدمةِ الطَّلليةِ التي وقفَ فيها على الديارِ يتذكرُ ما كان له فيها من ذكريات.
وما لنا في هذا السياقِ أيضاً ألا نعرِّجَ على سيرةِ المصطفى محمدٍ  الذي اصطفاهُ ربُّ البشريةِ؛ ليكون هادياً ومبشراً ونذيراً للعالَمينَ كافةً؛ لنقتطفَ منها غريزةَ الإنسانِ في حُبِّ الوطن؛ فها هو صلواتُ اللهِ عليه وتسليمُهُ مُعبِّراً عن حبِّ بلدهِ الأولِ يخاطبُ بلدَهُ مكةَ لحظةَ وداعِها بعد أنْ صَدَرَ الأمرُ الإلهيُّ له بالهجرةِ إلى ديارِ أخواله: المدينة، قائلاً فيما رواهُ عنه عبد الله بنُ عباسٍ رضي الله عنهما:" ما أطيبَكِ من بلدٍ، وَأَحَبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قوميَ أخرجونيْ منكِ ما سكنتُ غيرَكِ".
واقرأ ما رُوِيَ عنهُ  أنه كان يحبُّ التوجهَ في صلاتهِ إلى الكعبةِ أوّل بيتٍ وُضِعَ للناس: قبلةِ أبيه إبراهيمَ  وهو أَوْلى الناسِ به بدلاً من بيتِ المقدسِ، وأنه- كما رَوى ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما- كان يصلي وهو في مكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، قال :( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)( ).
وأياً يكن موقعُ الحبِّ والاغترابِ والحِرمانِ والحنينِ للوطنِ، فإن القاسميَّ اليوم يُطِلُّ علينا بروايتهِ الجديدةِ لِيُعبِّرَ عنوانُها( مرافئ الحبِّ السبعة)عن حالِهِ في التنقلِ بين بلادِ الدنيا: طافَ فيها، والتقى بِأهلِها بمختلِفِ أجناسِهم وألوانِهِم ودياناتِهم ومذاهبِهم ولغاتِهم وطبائعِهم، وتعاملَ دون تفريقٍ معهم معاملةَ الإنسانِ لأخيهِ الإنسانِ أَيّاً كانَ جِنسُهُ أو لَوْنُهُ أو دينُهُ أو هواهُ، ولا ريب أنه تأثرَ بغيرهِ ثقافةً وهوىً وفكراً، ولكنه- كما يكشفُ قلم روايتهِ- بَقِيَ العربيَّ الحريصَ على وَحدةِ ترابه، يَحِنُّ إلى مرابعِهِ، وَيَئِنُّ شوقاً وحنيناً حينَ يغتربُ عنها، والمتمسكُ بهويتهِ العربيةِ، الساكنةُ في عقلِهِ ووجدانهِ أرضُهُ وأهلُهُ وهمومُهُ وقضاياه.
هذا هو محورُ الروايةِ عبَّرَ عنها قلمُ الفنانِ القاسميِّ روايةً عربيةً في مشاهدَ متنوعةٍ تَصبُّ في رسمِ في سطورِ لوحاتِ مضامينِ مشاهِدها النابضةِ بحركةِ صورِها، وقوةِ بيانِها، وموسوعيةِ ما حوتهُ من فكرٍ وثقافةٍ، وقد آثرنا في هذه المقالةِ تسليطَ الأضواءِ على مشهدٍ من المشاهدِ التي يجتمع حولها أبناء الوطن العربي، وهو مشهد القضية الفلسطينية.
المشهد الفلسطيني في الرواية:
تكشف الرواية عن تعلّقِ صاحبها القاسميِّ وعائلتِهِ وقومهِ بفلسطينَ وحرصهم على حريتها، ومشاركتهم في الدفاعِ عنها؛ الأمر الذي تجلّى في أكثرِ صفحاتِ الرواية، ولعلَّ الدراسةَ الإحصائيةَ لمضامينِ الروايةِ تكشِفُ كيفَ أن المشهدَ الفلسطينيَّ جاء حاضراً بكلِّ قوةٍ فيها في بدايتها وقلبِها وختامها.
وكذلك تكشفُ كيفَ أن العملَ العربيَّ المشترَكَ المبنيَّ على التخطيطِ المشتركِ هو السبيلُ لتحقيقِ العدالةِ في امتلاكِ أرضِ فلسطين، وردِّ الحقوقِ السليبةِ فيها إلى أهلها الشرعيين؛ فالوحدةُ قوةٌ والتفرقُ ضعف، وهذا أمرٌ بدَهيٌّ عبَّرً عنه القرآنُ الكريم، والحكماءُ والأدباءُ وغيرُهم من أبناءِ الأرضِ العربيةِ، كانوا متعلمين أم أميين.
ورحم الله الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود حين هشَّ وبشَّ لقيام الجامعة العربية؛ فقد رأى فيها صورةً من صورِ وَحدة العرب التي يتوق لها بنو العروبة؛ فكان مما قال:( بحر الكامل)
عيد بأحناء الصدور يقام
حلم لقد لابَتْ عليه نفوسنا
جمع الشتيت فكل قطر درة
فإذا نجوم السعد في آفاقنا
وتيقظ الحب الكمين فكلنا
فإذا تشكّى النيل من آلامه
وإذا تنادى المغرب الأقصى لدى
ذهبت خرافات الحدود فكلها
كيف الحياة لأرؤس إن لم تصل
فرحٌ رجوت الله حسن تمامه
 من وحيه الأشعار والأنغام
أَجْمِلْ بأن تتحقق الأحلام
في عقدنا والوحدة النظّام
تبدو وجرح قلوبنا يلتام
في كلنا ذو صبوةٍ هيام
شقت مرائر دجلة الآلام
جلى استجابت للنداء الشام
وطنٌ لنا.. لو صحت الأفهام
أيد وإن لم تسعف الأقدام
يا ليت أفراحاً لهن تمام؟!

الوحدةُ العربية هي السبيلُ الفعّالُ لحلِّ مشكلاتِ العرب، والرجوعِ بهم إلى أيامهم السابقةِ في العطاءِ والحضارة، إنها القيمةُ الثمينةُ التي تريدُ الروايةُ- وهي ترى الحال العربي المعاصرَ الذي لا يسر، تفرقٌ وتناحرٌ وتلاسُنٌ وتشاحن-  تعزيزَها في أبناءِ العروبة، وأنَّ قضية فلسطين كانت وما تزال أهمَّ عنصرٍ تجميعيٍّ لأبناء الشعوبِ العربيةِ أيا كانت اختلافاتهم أو توجهاتهم. وكأني به أيضاً وهو يشيرُ إلى أهمية الوحدةِ يغمزُ بانقسامِ الفلسطينيين، وأنه من أخطرِ ما يمكن أن يصيبَ شعباً يرزح تحت نير الاحتلال.
وإنها القناعةُ الفلسطينيةُ أيضاً؛ فقد آمن أهلُ فلسطينَ وما يزالون بأثرِ الوحدةِ العربيةِ في استعادة الحقوقِ والكرامة، وأنَّ تحريرَ فلسطينَ سبيلُهُ الوَحدة العربية، وإنْ آمنوا أيضاً- وهم يعيشون مآسيَ نتائجِ فرقةِ العربِ وتشرذمِهم- أنّ عليهم الدورَ الأكبرَ في هذا السياق، وهو ما ألمح إليه عبد الرحيم محمود أيضاً في احتفائه بقيامِ الجامعةِ العربيةِ حين قال( رحمه الله):
والخطب فرقنا قبائل جمة
يا قادةً، إلا الذين أجلهم
يا ساهرين على الكلام وصوغه
نحن الضحايا لا نريد مثوبة
ماذا نويتم؟ ماذا فعلتم؟ ما الذي
أنشاص وبلودان ماذا أنتجا؟
... ما حك جلدك مثل ظفرك يا فتى
اِصهرْ بنارك غل عنقك ينصهر
 والخطب عند عداتنا لمام
عما يذمُّ وقد عداهم ذام
يا قاعدين عن الفعال نيام
وأقلها التعريف والإعلام
تبغون؟ أم أن السؤال حرام
لا، لا تسل، إنَّ السؤال حرام
يا حرُّ لا تتصبك الأوهام
وعلى الجماجم تركز الأعلام

تسكن القضية الفلسطينية قلبَ كلِّ عربيٍّ غيورٍ على عروبتهِ، ومسلمٍ تمكّنَ حبُّ الإسلامِ ومقدساتهِ في قلبه؛ إنها فلسطينُ أرضُ الرسالاتِ السماويةِ، مسرى النبيِّ محمدٍ ، ومهدُ سيدِنا المسيح عليهِ السلام، فيها بيتُ المقدسِ الذي جاء فيهِ- في مسند أحمد، وسنن ابن ماجه- عن رسول الإسلامِ محمدٍ  أنه" أرضُ المنشرِ والمحشر ائتوه فَصَلّوا فيه"، وهي موطنُ المسجدِ الأقصى المباركِ حولَهُ قرآناً، وأحدُ المساجدِ الثلاثةِ التي لا يجوزُ شَدُّ الرِّحالِ إلا إليها، ففي الصحيحين عن النبي  أنه قال:" لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى": أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين.
إن وقوفَ القاسميِّ في جانبٍ من روايتهِ الموسوعيةِ عند القضية الفلسطينية في هذا الظرفِ العربيِّ المضطربِ في هذهِ الأيامِ لَيُعززُ حقيقةً مؤداها أنَّ العملَ الوحدويَّ العربيَّ المشترَكَ المتواصلَ مع الدول الإسلامية هو الطريقُ الأنجعُ إلى تحرير فلسطين.
ولعل ما يَدْعَمُ هذا الاتجاهَ عنايةُ أكثرِ مستنيري الأمةِ العربيةِ في كتاباتِهم بقضيةِ الشعبِ الفلسطينيِّ ومآسيهِ المتكررة، وكذلك تَوَجُّهُ الكُتّابِ الفلسطينيّين إلى كلِّ مَنْ يقفُ في صَفِّ قضيتهم؛ الأمرُ الذي جعلهم ينضمون إلى كلِّ مَنْ يُساندُهم، ويعكسونَ هذهِ الاتجاهاتِ العربيةَ القوميةَ والإسلاميةَ في فكْرِهم وكتاباتهم. ونذكر في هذا السياق منهم: إبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود( أبا الطيب)، وعبدَ الكريم الكَرْمي( أبا سلمى)، وإميل حبيبي( أبا سلام)، ومعين بسيسو، وغسان كنفاني، وسحر خليفة، وجبرا خليل جبرا، ومحمود دسوقي، وعبد الله تايه، وعبد الحق شحادة، ورأفت حمدونة وغيرَهم.
وبهذا العمل الروائي للقاسمي يتأكد أن فلسطين ما تزال في عقل كلِّ عربيٍّ غيورٍ على ترابه العربيِّ، وأنَّ الهمَّ الفلسطينيَّ هو همُّ الأمة العربيةِ جمعاء، ومعها ملايين المسلمين من غير أبنائها أيّاً كانَ تقوقع الأقطار العربية في معالجة أوضاعها الخاصة بكلٍّ منها؛ وأيّاً كان ما نشهدُهُ اليومَ في أكثرِها من صراعاتٍ مُفَتِّتَةٍ، وتناحراتٍ داميةٍ، ومؤامراتٍ خبيثةٍ، وتحالفاتٍ بعضٍ مشبوهةٍ مع أعداءِ الأمة، اختلطت بآمالِ أبناءِ العربِ وأحلامِهم في العيشِ بحريةٍ وكرامةٍ وعدالةٍ ومساواةٍ وتنميةٍ نهضويةٍ شاملةٍ تعيدُ القوةَ والعزةَ والأمجادَ.
وأياً يكن أمرُ هذا الحالِ المضطرِبِ وتشرذم أهلِهِ، وَما يُلَبِّدُهُ من قَتامةٍ وضبابيةٍ وظلمةٍ حالكةٍ في زَمنِنا المعاصِرِ، وما يدفعُ إليهِ من خوفٍ على مستقبلِ العروبةِ وترابِها فالعربُ عربٌ، والشعورُ القوميُّ- بإذنه تعالى- ما يزالُ مُتَجَذِّراً، وسيعودُ أُوارُهُ عندما يقفُ كلُّ عربيٍّ مع نفسهِ مُراجِعاً لها أو مُحاسِبا، وستبقى القضية الفلسطينية: قضية العرب الأولى، وينبغي ألّا نَقنطَ من رحمةِ اللهِ؛ فالخيرُ فِيَّ وفي أمتي إلى يومِ الدّين: هذا ما قالهُ رسولُنا الكريمُ  أفضلُ الصلاةِ والتسليم، وقال :( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)( )، وقال عزَّ من قائلٍ أيضاً:( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)( )، وقال:( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا(6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا(7)( ).
وها هو علي القاسمي وهو يطوفُ في البلادِ العربية والإسلامية وغيرها من غربيةٍ وشرقية مُسَجِّلاً خطواتِ تسيارهِ في بلادِ اللهِ الواسعة، ومدارجَ فكره، ودقاتِ وجدانِ قلبه لا ينسى فلسطين، ويقفُ ليذكرَها ويتذكرَها أينما حَلّ؛ الأمرُ الذي يفسرُ لنا ذكرَها في صدرِ هذه الرواية، ومصاحبتِهِ لها في مواضعَ أخرى ، وهذا ما ستقفُ عنده سطورُنا التاليةُ تحليلاً.
فلسطينُ في مشهدِ الرواية الأولِ:
جاءت فلسطينُ- كما أشرنا- في أثناءِ اغترابهِ عن مرفئهِ الأول: العراق، وكأنَّ همَّ أهلِها في التهجيرِ والتغريبِ عنها يجيءُ عندهُ معادلاً لهمِّهِ في الرحيلِ عن بلدِهِ الذي وُلِدَ فيه ونما وترعرعَ كما هو حالُ أسلافِه؛ ففلسطينُ عنده- كما أيِّ عربيٍّ غيورٍ على وطنهِ العربيِّ الكبيرِ- هي العراقُ وبلادُ العربِ في حوضِ النيل والشامِ والمغربِ العربيِّ وشبهِ الجزيرةِ العربيةِ. يقول الشاعرُ السوريُّ فخري البارودي(1889-1966):( الهزَج)
بلادُ العُرْبِ أوطانيْ
وَمِنْ نَجْدٍ إلى يَمَنٍ
فلا حَدٌّ يُباعِدُنا
لسانُ الضّادِ يَجْمَعُنا
لنا مَدَنِيَّةٌ سَلَفَتْ
وَلَوْ فيْ وَجْهِها وَقَفَتْ
فَهُبّوا يا بَنيْ قَوْميْ
وَغَنّوا يا بَنيْ أُمّيْ
 مِنَ الشامِ لِبَغْدانِ
إلى مصرٍ فَتَطْوانِ
ولا دينٌ يُفَرِّقُنا
بِغَسّانٍ وَعَدْنانِ
سَنُحْييها، وَإِنْ دُثِرَتْ
دُهاةُ الإِنْسِ وَالجانِ
إلى العَلْياءِ بِالْعِلْمِ
بلادَ العُرْبِ أَوْطانيْ

ترى القاسميَّ وهو في الحافلةِ في طريقِ اغترابهِ عن بلدهِ العراق لم ينم كما نام غيرُهُ من رُكّابها، وكيف ينامُ وهو سليل السادةِ الأشرافِ؛ لا بدَّ أنَّ فِكرَهُ يجولُ مع خيالهِ؛ وهو ِيُحَلِّقُ في فضاءاتِ فلسطين، ونكبةِ العربِ والمسلمينَ فيها، ومآسي أهلِها؛ ليستشرفَ أن ما حلَّ بأبنائها من تشريدٍ وتعذيبٍ سيعيشه في أيامه القادمةِ بعيداً عن بلده الأم.
لعلَّ حَدْسَهُ ألهمَهُ أنَّ في الحافلةِ رفيقَ سَفَرٍ مَرَّ          بتجربةِ الرحيلِ القسْريِّ قبله، أو أنه استشعرَ رائحةَ فلسطينَ منه؛ فكانت النظراتُ دافعتَهُ إلى أن يُجْرِي حواراً مع رفيقِ سَفَرٍ كان فلسطينياً أو جعلهُ فلسطينياً: أرغمه الأغرابُ على الرحيل عن أرضه؛ ليُسقِطَ تجربتَه عليه، وليكونَ مدخلَهُ للحديثِ عن فلَسطين، وليَسْرِدَ على لسانِ حوارِهما بعضاً من وقائعِ مآسي الفلسطينيينَ ونكباتهم.
تقول الرواية:" نام معظم الركّاب في مقاعدهم....على حين ظلَّ سليم ذاهلاً صامتاً، ولم يحطَّ على عينيه طائر النوم. إلى جانب سليم في الحافلة، جلس رجلٌ فلسطينيٌّ في الثلاثينيّات من عمره. بقي هذا الرجل يتطلَّع، مثل سليم، من النافذة إلى السماء والصحراء. التفتَ إلى جهة سليم فالتقت نظراتهما. قرأ سليم في عينيْه رغبةً في الكلام. كان يريد أن يتحدّث إليه أو إلى أيّ إنسان، أو يحدّث نفسه بصوت مسموع. قال له سليم: -هل هيجتْ قريحتكَ الصحراء؟. - ليست الصحراء، بل الاقتراب من الديار. سأله سليم: - من أيِّ بلدةٍ أنت؟. -  دير ياسين، دير ياسين. كان اسمها كافياً لفتح الجرح فاغراً في القلب. لم يقُل سليم شيئاً ولكنَّ عينيه تضرَّعتا إلى الرجل أن يتحدَّث إليه، أن يزيد الحزن اشتعالاً، والجرح إيلاماً".
كان هذا التعليقُ القاسميُّ كافياً لفتحِ البابِ أمامَ مشاهدَ أخرى منها: مشهد مآسي القتل والتنكيل في دير ياسين، ومشهد التعايش العربي فيها من خلال تحليلهِ لاسمِ هذه البلدة الفلسطينيةِ المنكوب أهلُها.
مشهد التعايش والتآخي في فلسطينَ العربية:
بعيداً عن العنصريةِ والتمييزِ والتفريقِ بين أبناء الديانات؛ فها هو القاسميُّ يقفُ عند اسمِ( دَيْر ياسين) التي تُنطَق في اللهجةِ الفلسطينيةِ وغيرِها من اللهجاتِ العربيةِ التي سمعتُها( دِيْر ياسين) بكسْرِ الياء، وإمالةِ يائها على نحوِ نُطْقِ اسمِ الاستفهام( أين) في العاميةِ( فين) و( ويِن)، كما في الأغنية الوطنية المشهورة: وين الملايين، الشعب العربي، وين؟).
يقفُ القاسميُّ؛ ليشرحَ لقارئهِ مِمَّ يتركّبُ هذا التركيبُ الإضافيُّ المَصوغُ صياغةً عربيةً أصيلة، ولِيُبيِّنَ لهُ قِيَماً عربيةً تجلّت في أبناءِ الشعبِ الفلسطينيَ، ومنها التعايشُ المتآخي المُتَحابُّ بين المسيحيين والمسلمين في بلدةِ دير ياسين.
إنها دلالاتُ الرسائل القوية التي تعبر عن التعايش المتآلفِ في فلسطين قبل مجيء الأغراب المغتصبين، ويريد القاسميُّ إيصالَها إلى العالَمِ ولاسيما المجتمعِ الدَّولي، ومنها:
*** أنَّ هذا التعايشَ في أرضِ العربِ مَصدرُهُ أنها مهبِطُ الدياناتِ السماويةِ؛ الأمر الذي انعكس على أصحابِ هذهِ الأرضِ التي حافظتِ على بكارةِ فِطْرةِ خَلْقِها الأول، وهذه إشارةٌ ذكيةً منهُ إلى سلامةِ فِطْرةِ هؤلاءِ العربِ: أصحابِ الأرضِ، وسكانِها الأصليينَ يهوداً كانوا أم مسيحيينَ أم مسلمينَ، وأنَّ هؤلاءِ المعتدين المغتصبينَ ليسوا إلا أغراباً عن هذهِ الأرض، وأنَّ حججَهم في علاقتهم بها واهيةٌ تتعارضُ وهذه الفطرةَ النقية؛ فأفعالُهم المجرمةُ غريبةٌ عن فطرةِ أهل هذه الأرض.
تقول الرواية:" كانت الحافلة التي أقلت( سليم وزكي) من بغداد إلى بيروت تطوي الصحراء المترامية الأطراف طيّاًّ، والطريق تمتدُّ تحت أشعة القمر الفضيَّة امتدادَ البصر. لا شيءَ يحجب البصر أو يصدُّه في الصحراء، لا شيء سوى الرمال، رمال بِكْر لم يطرقها طارق، ولم ينبت فيها نبت. تصرف عينَيْكَ عنها إلى السماء لترى القمرَ مضيئاً ومحاطاً بالنجوم اللاهثة، فتشعر بعظمة الكون واتّساعه. وتعجب من امتداد الصحراء وشسوعها. ينطلق العقل من عقاله مبهوراً بين رمال الصحراء الذهبيَّة والنجوم الفضيّة اللامعة، وتقول في نفسكَ لا غرو أنَّ جميع الأديان السماويَّة الكبرى وُلدت في هذه البيداء، لأنّ أفكار السماء لا يتسع لها مكان إلا إذا كان باتساع  هذه الصحراء".
وهي إشارةٌ بليغةٌ سيؤكدُها القاسميُّ على لسانِ الأستاذ اليهودي روبنشتاين الذي قال في محاضرةٍ عامةٍ له حضرها بطلُ الروايةِ سليم الهاشمي بل علي القاسمي نفسه:" ومما يؤلمني أنَّ اليهود الذين عانَوا الظلم صاروا يمارسونه على أناسٍ أبرياءَ لم يقترفوا جرماً، ولم يعادوهم يوماً. لقد تعلَّم اليهود الاضطهاد من جلاديهم في أوربا، وأخذوا يمارسونه على الأبرياء؛ فضحايا الحقد احترفوا زراعة الحقد في أرض فلسطين التي كانت رمزاً للتسامح والتآخي قبل ذلك. إنَّ اليهود يستخدمون حُجَجَ جَلاديهم في اضطهاد الأبرياء. كان النازيون يطاردون اليهود ويطردونهم من بلادهم بحجة أن ألمانيا أرض الأجداد فهي للألمان وليس لليهود، واليوم يقوم اليهود بتهجير الفلسطينيّين بحجة أن أرض فلسطين هي لليهود الذين وعدهم الربُّ بها. أيُّ ربِّ هذا الذي يرضى بالظلم وسلب الأرض والديار من أهلها وقتلهم؟؟ أهو الربُّ الذي قال: لا تقتل، لا تسرق؟؟. إن تلك القوى التي تمدّ الإسرائيليين بالمال والسلاح، وتمنحهم الدعم في المحافل الدوليَّة، إنّما تستخدمهم كمرتزقةٍ يحاربون ضدَّ أمل الشعوب في وضع نهاية للاستغلال، يحاربون ضد أحلام الفقراء".
إنها دلالاتُ الرسائل القوية التي يريد القاسميُّ إيصالَها، وهي أن العدوَّ الغاصبَ لا يفْرِقُ بين فلسطينيٍّ وآخَرَ، أو بينَ مسيحيٍّ ومسلمٍ ويهوديٍّ ينتصرُ لفلسطينيته، فالقضيةُ ليست فلسطينيةً محضةً، ولكنها قضيةُ العربِ الأولى، مسلمينَ كانوا أم مسيحيينَ أم يهوداً منصِفين. وكأني بالقاسمي يريد أن يقولَ بأنَّ هذا التعايشَ والتسامحَ القائم بين الفلسطينيين على مختلفِ دياناتهم عكّره هؤلاء المجرمون بعنصريتهم.


مشاهدُ الغدرِ والجبن والإجرام الإسرائيلي اليهودي في فلسطين:
وفي سياقِ المآسي التي مرت بالشعب الفلسطيني الصابر يقفُ عندَ مذبحةِ دير ياسين وغيرها التي اقترفها المُجرِمونَ المغتصِبونَ من اليهودِ في حقِّ هذهِ البلداتِ الفلسطينيةِ الآمنةِ، حيثُ قاموا فيها بقتْلِ الناسِ وذبحِهم أطفالاً وشيوخاً ونساءً، وبَقَروا بطونَ الحواملِ في مجزرةٍ ومَحْرَقةٍ طالت كلَّ مَن وصلت إليهم يد الإرهابِ؛ ترهيباً لكلِّ مَن يسمع أو يرى؛ فيرحل، وتخلو الأرضَ للمغتصِب.
يقول القاسميُّ على لسانِ زيدان واصفاً:" كنت نائماً مع أُمّي وأخي الكبير وأختي الصغيرة. أفقنا بعد منتصف الليل على صوت المدافع، ولعلعة الرصاص، من جميع الجهات. كان عمري تسعة أعوام. لن أنسى ذلك اليوم. خرج أخي الكبير ليستطلع الأمر. عاد بعد قليل بسرعة : اليهود يهاجمون القرية. كانت دير ياسين بلدةً صغيرةً جميلةً على ربوةٍ عالية. وكانت بيوتها المبنيَّة من الحجر الأبيض تنتشر على السفوح بشكل متناسق جميل، وقد أحاطت بها أشجار الصنوبر والأشجار المثمرة. لم يكُن أبي معنا تلك الليلة، كان يقوم بالحراسة مع عمّي وخالي. عمّي كان مسؤولاً عن المدفع الرشاش المنصوب على أحد مدخلي القرية. أخذَنا أخي الكبير إلى طريق عين كارم، وأعطاني أُختي الصغيرة أحملها على ظهري، لأواصل السير مع عدد من الأطفال الآخرين وبعض النساء، ودّعنا على عجل وعاد. مررنا على مدرستي الصغيرة. كان الرصاص يمرّ فوق رؤوسنا مثل المطر. كانت دير ياسين مثالاً للتسامح والتآخي. حتّى اسمها مركّب من دير بناه راهب مسيحي منذ قرون واسم مسجد القرية الذي بناه الشيخ ياسين. عند انبلاج الفجر كنا منهكين مذعورين. توقّفنا على ربوة في الطريق تطلُّ على سفح القرية. رأينا من بعيد اليهود يقتحمون بيوت القرية، يجمعون النساء والأطفال والشيوخ، يجعلونهم يقفون أمام  جدار، ويطلقون النار عليهم. كان بيتنا في منطقة الجلجال ليس بعيداً عن الجملونة أو الخربة. كان أهالي القرية لا يتجرأون على دخولها ظنّاً منهم أنَّ القبور بداخلها مسكونة. لم أرَ والدي ولا أخي ولا أُمّي بعد ذلك اليوم. أُمّي بقيت تساعد الجرحى. قتل اليهود أكثر من 250 شخصاً في يومٍ واحد. إنّها مجزرة.  مجزرة..."
لنقرأ القاسميَّ- في الرواية- وهو يُذَكِّرُ بإجرام الإسرائيليين ضد الفلسطينيين على لسانِ روبنشتاين هذا الأستاذ الجامعي اليهودي، يقول: "هل يتوجَّب عليّ أن أذكّر الإسرائيليين بالمذابح العديدة التي اقترفها جيشهم بتعليماتٍ واضحة من حكوماتهم؟ مذبحة دير ياسين عام 1948 التي أزهقت فيها أرواح أكثر من 350 إنساناً، ومذبحة قبية عام 1953 التي أُبيد فيها جميع سكان القرية من نساء وأطفال وشيوخ، ومذبحة كفر قاسم عام 1956؛ ففي هذه القرية كان الفلاحون عائدين من حقولهم بعد يومِ عملٍ ولم يسمعوا عن حظر التجول فأوقفهم الجنود الإسرائيليّون أمام  جدار، وأطلقوا عليهم النار ببرودة دم، وقتلوا منهم 56 إنساناً".
إنه الإجرام الذي يذكره القاسمي على لسانه أيضاً في مدرسة بحر البقر المشتركة، حيث ارتكب الإسرائيليون في الثامن من أبريل في سنة 1970م مجزرةً بشعةً بحقِّ أطفال مدرسة قرية بحر البقر في محافظة الشرقية في مصر، حيث قُتل فيها ثلاثون طفلاً، وأصيب خمسون، وارتكبوه بحق الأسرى المصريين الذين أجبروهم على خلع نعالهم، وتركوهم يسيرون حفاةً على رمال الصحراء صيفاً؛ فهلك منهم من هلك .
وإنه بعضُ الإجرام الذي تمثل في اقتحام الطبيب الإسرائيلي باروخ جولدشتاين للحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية في أثناء صلاة فجر يوم الحادي والعشرين من رمضان المبارك لسنة 1414هـ  الموافق 25 فبراير 1994م، وإطلاقه النارَ على المصلين الذين- كما تقول الإحصاءات- قتل منهم تسعةً وعشرين مصلياً، وأصاب مائةً وخمسين آخرين( ).
وإذا كان الأمر كذلك في إجرام المغتصبين اليهود فإن القاسميَّ- وهو الأستاذ الجامعي المرموق- نراه يقف وَقفةَ العالم الأكاديمي حين أشار إلى الدور الإنسانيِّ الذي قام به روبنشتاين اليهودي، مُلَمِّحاً بذلك إلى أنه لا يتهم اليهودَ جميعَهم، فهناك منهم- وإنْ كانوا قلة- يقفون مع المظلومين.
مشهد الشهيد العربي في فلسطين:
يذهب مع جيشهِ العربيِّ ليحاربَ معَ أهلِ فلسطينَ دفاعاً عن الأرضِ والعِرْضِ؛ وهي رسالةٌ لا يريد أنْ يشيرَ إلى أن أهلَه العراقيينَ ضحَّوا لأجلِ فلسطين، أو أنِّ أخاهُ النقيبَ أحمد اُسْتُشْهِدَ          في فلسطين، وإنما ليقول: إن قضيةَ فلسطينَ قضيةٌ عربيةٌ، بغضِّ النظرِ عن الديانة، أو المذهب، أو الطائفة، أو الطبقة؛ قال شاعر العروبةِ علي الجارم(1881-1949م):( البسيط)
وَهَلْ يُناْجيْ الهَوىْ إلا فِلَسْطيْناْ
نَهْباً يُزاْحِمُ فيهِ الذِّئْبُ تِنّيْناْ
كُنّا لها وَلأَشْقاهاْ طَواعيْناْ
خُضْنا لَها جُثَثَ الْقَتْلىْ مَجاْنيناْ
كاْنَتْ لِمَجْدِ بَنيْ الفُصْحىْ عَناْويناْ
 نَفْسيْ فِداْءُ فِلَسطْينٍ وماْ لَقِيَتْ
نَفْسيْ فِداْءٌ لأُولىْ الْقِبْلَتَيْنِ غَدَتْ
قَلْبُ العُروبةِ إِنْ تَطْعَنْهُ زِعْنِفَةٌ
وَقَلْعَةُ الشَّرْقِ إنْ مُسَّتْ جَوانِبُها
وَأَسْطُرٌ مِنْ تَواْريخٍ مُخَلَّدَةٍ

إنها القضيةُ التي تغنّى بها ولها كلُّ عربيٍّ حُرٍّ غيورٍ على عروبتهِ، وترابِ وطنهِ العربيِّ من شرقهِ إلى غربِهِ، ومِنْ شِمالهِ إلى جنوبهِ؛ إنه الغناءُ الشعريُّ المنظوم، والمموسَقُ الحاثُّ على العروبةِ وقيمها، والنَّثرُ المنطوقُ من حناجرَ وشفاهٍ: خَطابةً حَماسيةً مُلْهِبةً، والمنقوشُ حروفاً: نثراً فنياً متغنياً، وقصةً وروايةً تحكي الحالَ والمَآل، وتسعى إلى الإنهاضِ.
تأتي روايةُ القاسميِّ التي بينَ أيدينا لتحكيَ وتصفَ، وتذكّرَ بالحِسِّ العربيِّ، وعقلِه الجَمْعيِّ المتمسكِ بوحدةِ بني العروبةِ، وترابِ أرضِها.
أخي، جاوز الظالمون الــمـدى
أنتركهُمْ يغصبونَ العُــــروبــَــ
وليسوا بِغَيْرِ صليلِ الســيـوف
فجــرِّدْ حـــسامَكَ من غـــمــدِهِ
أخي، أيهـــا العربيُّ الأبيُّ
أخي، أقبل الشرقُ في أمــــــةٍ
أخي، إنّ في القدسِ أختًا لنـا
... أَخي قُم إلى قِبلَةِ المشرِقَينِ
 يسوع الشهيد على أرضها
 أخي، قُمْ إليها نشقُّ الغــمـارَ
... وقبِّل شهـــيدًا على أرضهـــا
فلسطينُ يَفْديْ حِماكِ الشبابُ
فلسطينُ تَحميكِ مِنّا الصُّـدورُ
          
               
(م)

 فحــــقَّ الجهـــادُ، وحقَّ الفـِدا
ــةَ مجـــد الأبــــوَّةِ والـســـــؤددا؟
يُجيـــبونَ صوتًا لنا أو صـدىِ
فليس لهُ، بـــعـــدُ، أن يُغـــمـدا
أرى اليوم موعـــدنا لا الـــــــغــــــدا
تردُّ الـــضلال وتُحيي الــــهُـدى
أعــــدَّ لها الذابحون الـــمُــــدى
لنَحمِي الكنيسةَ والمسجِدا
يعانق في جيشه أحمَدا
دمًا قانيًا ولــظىً مُـــــرْعِـــــدا
دعا باسمِها اللهَ وَاسْتُــشْهِــدا
وَجَلَّ الفِــــدائِــيُّ والمُــفْتَــدىْ
فـَــــإمّا الحياةُ وإمّــا الـــرَّدىْ
               



مشهد نمو المقاومة وازديادها:
لنتدبّر اختيارَ اسمِ( زيدان) الفلسطيني بكسرِ الزاي، وإمالة الياءِ نطقاً عاميا، و( زَيْدان) بفتح الزاي، وسكون الياءِ ليناً نطقاً فصيحاً، إنه الاسمُ المتألِّفُ من مجموعِ اسمَينِ في واحد، هو اسمُ( زَيْدٍ)، جاء اسمُ هذا البطلِ بصيغةِ المثنى العربيةِ التي تخلو منها لغاتُ الفرنجة، والحاملةُ أحرفُهُ لمعنى الزيادةِ والنماء المتزايدِ، والتحدّي المتزايد، والإصرار المتزايد، والغضب المتزايد، وكل شيءٍ متزايد، أياً كان التقتيلُ والترحيل، وهو المنتصرُ مفردُهُ بتكرارِهِ في شواهدَ مَنْ هبّوا غَيْرةً على اللسانِ العربيِّ؛ فوضعوا له القواعدَ التي تعصمُ اللسانَ من الانحرافِ عن صوابِ اللغة.
إنها الدلالةُ على أن المقاومةَ ستنمو، وستكبرُ، وستتسعُ، وسيزدادُ الانخراطُ في صفوفِ المقاومين؛ لتحقيق الغرضِ الأسمى، وهو تحريرُ الأرضِ، وإعادةُ الحقوقِ السليبةِ، وعودةُ أصحابِ الديارِ إلى ديارهم. وها هو البطلُ( زيدان) ابنُ دير ياسين الذين عاينَ المَحرقةَ طفلاً، وشرَّده بطشُ المغتصب يعودُ" من بغداد في طريقه إلى لبنان؛ ليلتحقَ بالفدائيينَ الفلسطينيِّين. "وكان وجهه موسوماً بالشهادة والموت"؛ ليعيدَ الحقَّ إلى نصابه.
كأني بالقاسميِّ وهو يلتفت إلى معاناة الفلسطينيين يريد أن يقول بأنها معاناةُ العرب جميعاً: مشاركةً وجدانيةً وواقعية، فها هو مرتحلٌ عن بلده، وفي قمة صراعه النفسي عمّا ألَمَّ به وبأهله، وهم أبناء الهاشميين الأشرافِ يتذكَّرُ نكبةَ بني جلدتهِ الفلسطينيين في التهجير والاغتراب والحنين، وكأني به يقول: إن المأساةَ متكررة أينما حلَّ ظلامُ الهيمنة.
إنه الموقف المقارن يقفه سليم الهاشميُّ بل علي القاسميُّ الذي يغادر- الآن- بلده الأثير لديه باحثاً عن ملجأٍ يلتجئ إليه؛ ليحميَهُ من بطش الانقلابيين، وهذا الفلسطينيُّ( زيدان) العائدُ إلى لبنان: هذا البلد المجاورِ لديارهِ ليلتحق بالفدائيين، ويحاربَ الأعداءَ الذين طردوه وأهلَهُ من موطنهم(ص 48).
كَأنّي بالشريفِ الهاشِمِيِّ وهو يقارن بين حاله وحالِ شقيقه ورفيقه الفلسطيني يُمَنّي نفسَهُ بهذا اليوم الذي يعودُ فيهِ؛ لِيعيدَ للوطنِ ما كانَ عليهِ من استقرارٍ ومحبةٍ وخيرٍ ناتج؛ فهو لم يخرجْ منه إلا ليعودَ إليهِ ثائراً حراً كريماً يطوي صفحةً سوداءَ سَبَّبَها الانقلابيون له.
إنها المقارنةُ التي يرجو منها الهاشميُّ ثورةً شعبيةً عارمةً تعيدُ الأمورَ المستقرةَ إلى حالِها، وكأني به في هذا السياقِ الثوريِّ يريد أنْ يقولَ ما قاله الأديب التونسيُّ الذي ترددَ شعره على ألسنةِ أبناءِ شعوبٍ عربيةٍ ثائرةٍ في هذه الأيام في ثوراتِ ما أُطلِقَ عليها اسمُ( الربيع العربي)، هبت هائجةً غضبى على ظلمٍ وقهْرٍ ونهبٍ أحلَّهُ بهم حكّامُهم المستبدونَ:( المتقارب)

إذا الشعب يوما أراد الحياةَ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجليْ
ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحيا
فويلٌ لمَنْ لم تَشُقْهُ الحيا
كذلك قالتْ ليَ الكائناتُ
ودَمْدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجاجِ
إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ                                     
 فلا بدَّ أنْ يستجيبَ القَدَرْ
ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
ةِ، تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ
ةُ، من صَفْعَةِ العَدَمِ المنتصرْ
وحدَّثَني روحُها المُستَتِرْ
وفوقَ الجبالِ وتحتَ الشَّجرْ
رَكِبتُ المُنى ونَسيتُ الحَذرْ

مشهد المقارنة بين تعذيب اليهود للفلسطينيين والعرب:
وفي سياق مشهد المقارنة أيضا ننتقل إلى مشهدٍ آخرَ يتصل بالصراع العربي الإسرائيلي الذي كاد مصطلحه في هذه الأيام ينحسر في حدودِ مصطلح الصراع الفلسطيني العربي؛ حيث نرى القاسمي يوظف قراءاته في التراث توظيفاً مقارناً؛ ليعضدَ القضية الفلسطينية، ويكشفَ جرائمَ اليهودِ المغتصبين، وادعاءاتِهم في أنهم أصحاب الأرض، ويريدون التعايش فيها بسلام.
لقد رأيناه- من قبل- يوظف الدين، وأن فلسطينَ أرضُ الديانات في بيان التزامِ أهلها الأصليين بأصول التعايش ومحبةِ الإنسان أيا كان مذهبه أو دينه، ورأيناه هنا أيضاً يوظف قراءاته في التراث الصهيوني؛ لبيان كيف أن هؤلاءِ المغتصبينَ لا يرغبون في سلامٍ أو تعايش، يقول على لسانِ رفيقِ سفره زيدان:"  أطرق زيدان قليلاً، ورفع رأسه وأضاف: إنَّ الصهاينة يستلهمون تراثهم الحربيّ كما ورد في الأسفار التي كتبها أحبارهم، وهي مليئة بالحقد والكراهية. ففي سِفر يشوع 16:22: "وحرِّموا كلَّ ما في المدينة من رجلٍ وامرأة، من طفل و شيخ حتّى البقر و الغنم والحمير بحدِّ السيف." وفي سِفر صموئيل15:3:" فالآن اذهب واضرب عماليق وحرِّموا كلَّ ما له، ولا تعفُ عنهم، بل اقتلْ رجلاً وامرأةً وطفلاً ورضيعاً وبقراً وغنماً وجملاً و حماراً". فتراثهم لا يشتمل بالمقابل على وصيةٍ مثل وصية الخليفة أبي بكر الصديق إلى يزيد بن أبي سفيان، قائد أحد الجيوش المتوجِّهة إلى الشام لتحرير أهلها من قبضة الرومان: " إنّي موصيكم بعشر كلمات فاحفظوهن: لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً صغيراً، ولا امرأةً، ولا تهدموا بيتاً أو بيعةً، ولا تقطعوا شجراً مثمراً، ولا تعقروا بهيمةً إلا لأكل، ولا تحرقوا نخلاً ولا تغرقوه..."، وهي وصية نعلّمها لأبنائنا في المدارس، وقد سبقت مفهوم الغرب لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بأكثر من ألف وأربعمائة سنة".
وكذلك يتجلى المشهدُ الفلسطينيُّ في هذه الرواية من خلالِ هذه المهارةِ الفائقة، والسردِ المتميزِ الذي يعرضُ القاسميُّ من خلاله لأمورٍ تختصُّ باليهودِ وما يقترفونهُ من تعذيبٍ وانتهاكاتٍ صارخةٍ بحقِّ الفلسطينيين والعرب، وذلك على لسان إيليا روبنشتاين: هذا الأستاذ الجامعيّ: اليهوديّ الديانة، والألمانيّ الجنسية الذي تعرض أهلُهُ للمحرقة؛ فأبى ما يقترفه أبناءُ ديانتِه من جرائمَ بحق الفلسطينيين. 
يقول في محاضرةٍ له:" كان اليهود يَشْتَكونَ من أنَّ النازيين لم يطبِّقوا القوانين الدوليّة في الحرب. هم أنفسهم لم يطبقوا تلك القوانين في حرب الأيام الستة عام 1967". ويواصل روبنشتاين في محاضرته قائلاً:" لقد زرتُ السجون لدراسة أحوال السجناء النفسيَّة. كان بعضهم قد حُكِمَ عليه بالسجن لجريمةِ قتلٍ اقترفها بدافعٍ من الغَيْرَةِ أو الثأرِ في ساعةٍ فقدَ اتزانه النفسيَّ. لم يقتل الواحد منهم سوى مرّةٍ واحدةٍ، فأُلصق به اسم قاتل. نحن الأساتذة نعرف ماذا تعني الكلمات، وَنُصِرُّ على دقَّةِ المصطلحاتِ ومطابقتِها للمفاهيم. فماذا ينبغي أنْ نُسمّيَ رجالاً اقترفوا جريمة القتل عدَّة مرّات، وفي كلِّ مرِّةٍ كانوا يقتلون عشرات الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ. ماذا ينبغي أنْ نسمِّيَ أولئك القادة الإسرائيليين من أمثال بيغن وشامير وشارون وإيتان وباوم وموشي ديّان. إننا نظلمهم إذا أطلقنا عليهم اسمَ قاتل. إنّهم يستحقونَ بجدارةٍ لقبَ سفّاح...".
يعي القاسمي وهو يَعرِضُ لمعارضة روبنشتاين لسياسات التنكيل الإسرائيلية الحجةَ التي يعتمد الإسرائيليون عليها في تعذيب الفلسطينيين وغيرهم؛ لذا فإنه يوجه ريشةَ روايتِهِ لدحضِها، وبيانِ زيفها، وذلك على لسان شاهدٍ منهم، هو هذا المحاضرُ اليهوديُّ نفسُهُ الذي رأى فيما تَعَرَّضَ له اليهودُ من تعذيبٍ على أيدي النازيين في ألمانيا دافعاً للدفاعِ عن المظلومين، وليس اتخاذه ذريعةً لتعذيب الآخرين؛ الأمر الذي اعترضَ عليه أحد الطلبةِ متهماً إياه بمعاداةِ السامية والخيانة، وهي التهمة التي يوجهها الإسرائيليون لكل من خالفهم أو اعترض عليهم.
ولنتأمل ما دار من سجال بين المحاضر ومعترضه؛ فما إنْ يعرِّفُ روبنشتاين نفسَهُ بأنه" أستاذ الفلسفة في جامعة تكساس الأهلية بأوستن، أمريكيٌّ من أصلٍ ألمانيٍّ، يهوديُّ الديانة" يقاطعُهُ أحدُ الشبابِ الغربيِّ مستغرباً موقفَهُ الإنسانيَّ المنصِفَ صارخاً:" يهوديٌّ ومُعادٍ للسامية"؛ فيرد الأستاذ" بل يهوديٌّ لا يعادي أحداً من أبناء الإنسانية، ويأمل في العدل للجميع"، وتتكررُ صرخةُ المقاطعِ:" يهوديٌّ خائنٌ ذويه".
 وينبري المحاضر لبيان رأيه، قائلاً:" إنّني أوجّه خطابي من خلال حديثي هذا إلى اليهود عامَّة وإلى الإسرائيليين خاصَّة، فأقول لهم إنَّني لا أحمل كراهية لهم ولا حقداً عليهم، فأنا واحد منهم، عانيت ما عانوا على يد النازيِّين، وتعرَّض أهلي إلى ما تعرَّض له أهلهم وأحباؤهم من مضايقاتٍ، ومطارداتٍ، وسجنٍ، وتعذيبٍ، وموت. فقد هلك أبي أثناء التعذيب في سراديب سجون البوليس السري الغستابو في ميونخ. وكان عمري سبعة عشر عاماً. وبأعجوبةٍ تمكَّنتُ من الهرب إلى إنكلترة. وهناك اشتغلتُ في أعمالٍ شاقةٍ؛ لأوفِّر ثمن تأشيرات سفرٍ أبعث بها إلى أُمِّي وأُختي وإلى عددٍ من اليهود الذين كانوا معرَّضين للاضطهاد.
" ومنذ ذلك اليوم وأنا أناضل ضدَّ جميع القوى التي تمارس الظلم وتضطهد بني الإنسان. ومنها تلك القوى التي لا تؤمن بالعدل، وتمتلئ نفوسها بالتمييز العنصري والتعصُّب، وهي القوى التي ساعدت هتلر في الوصول إلى السلطة. إنَّ هذه القوى الشريرة لم تختفِ من عالمنا. فهي التي تساعد إسرائيل اليوم على قتل العرب، وطردهم من أراضيهم، واغتصاب ممتلكاتهم، وتشريدهم". و" إن تلك القوى التي تمدّ الإسرائيليين بالمال والسلاح، وتمنحهم الدعم في المحافل الدوليَّة، إنّما تستخدمهم كمرتزقةٍ يحاربون ضدَّ أمل الشعوب في وضع نهاية للاستغلال، يحاربون ضد أحلام الفقراء".
ودلالةً على موسوعيةِ القاسمي، وعمقِ ثقافتهِ في الأدب العالمي نراه يذكر أن آراء الأستاذ روبنشتاين مماثلة لآراء الشاعر النمساوي اليهودي أريخ فريد الذي هرب من النمسا أيام النازيين إلى بريطانيا، ولكنَّه لم يستطع تحمّل ما اقترفته إسرائيل من جرائم ضدَّ الإنسانيَّة في فلسطين، فكتب قصائده التي تحمل تلك الأفكار، وضمّنها ديوانه:" اسمعي يا إسرائيل!". وكأني بالقاسميِّ في هذا السياق يريد أن يقول: إن روبنشتاين ليس اليهودي الوحيد بل ليس الإنسان الوحيد الذي يقف إلى جانب الحق الإنساني بل الحق الفلسطيني في العيش بأمان في الوطن.
وبعد هذا تراه تعود به الذكريات إلى طفولته لينتقلَ من خلالها ببراعةِ الأكاديمي الروائي إلى مقارنةٍ هادفةٍ يُبْرِزُ من خلالِها كيف أن اليهودَ عاشوا مع العرب في الوطن العربي بأمنٍ وأمان، وذلكَ من خلالِ حديثِهِ عن صديقِهِ( سمير) اليهودي الذي يعيش مع أسرته وبني طائفته في العراق، وغيرها من البلدان العربية، بينما عاث جماعة من بني  ديانتهم في فلسطينَ وأهلها فساداً وإفسادا. وليبرزَ أيضاً من خلالِ تدخلهِ في المشهدِ الروائيِّ أنه استشفَّ أن بعض الحضور"على جهل بما جرى ويجري في وطنه العربي وفي فلسطين خاصَّة، وأنَّ بعضهم على علم خاطئ بتلك المجريات".
يقول راويتنا القاسمي:" وبدون إرادة مني وجدت ذهني يعود إلى أيام طفولتي، أيام المدرسة الابتدائيَّة في القرية. كان معي طفلٌ في السنة الثالثة الابتدائيَّة اسمه سمير. كان أبوه مديراً لمحطة القطار الصغيرة التي تقع في الضفة اليسرى من النهر، ويقطن في منزل بالقرب من محطة القطار نفسها. أمّا منازل أهل القرية كلِّهم فتقع على الضفة اليمنى من النهر. تذكَّرت كيف أن وشائج المودّة ربطت بيني وبين سمير. فدعاني يوماً لأمضي نهار الجمعة، عطلة نهاية الأسبوع، معه في منزله. أخبرتُ والدي بذلك. لم يعترض والدي ولكنّه ذكرني بصورة عابرة أن سمير وأهله من اليهود. كانت أوّل مرّة أسمع فيها تلك الكلمة. لم يكن في القرية يهود مطلقاً. فسألتُ أبي: ما معنى يهود؟. فكان الجواب ببساطة: إنَّهم ليسوا مسلمين، إنَّهم يتَّبعون تعاليم النبي موسى عليه السلام. ربَّما، ولكنَّني شعرتُ آنذاك أن سمير يتكلَّم اللغة نفسها، واللعب معه ممتعٌ، والحلوى التي قدَّمها لي لذيذةٌ جدا".
خاتمة المطاف:
يتأكد بهذا العمل الروائي للقاسمي أن فلسطين ما تزال في عقل كلِّ عربيٍّ غيورٍ على ترابه العربيِّ، وأنَّ الهمَّ الفلسطينيَّ هو همُّ الأمة العربيةِ جمعاء، ومعها ملايين المسلمين من غير أبنائها أيّاً كانَ تقوقع الأقطار العربية في معالجة أوضاعها الخاصة بكلٍّ منها؛ وأيّاً كان ما نشهدُهُ اليومَ في أكثرِها من صراعاتٍ مُفَتِّتَةٍ، وتناحراتٍ داميةٍ، ومؤامراتٍ خبيثةٍ، وتحالفاتٍ بعضٍ مشبوهةٍ مع أعداءِ الأمة، اختلطت بآمالِ أبناءِ العربِ وأحلامِهم في العيشِ بحريةٍ وكرامةٍ وعدالةٍ ومساواةٍ وتنميةٍ نهضويةٍ شاملةٍ تعيدُ القوةَ والعزةَ والأمجادَ.
وأياً يكن أمرُ هذا الحالِ المضطرِبِ وشرذمتِهِ، وَما يُلَبِّدُهُ من قَتامةٍ وضبابيةٍ وظلمةٍ حالكةٍ في زَمنِنا المعاصِرِ، وما يدفعُ إليهِ من خوفٍ على مستقبلِ العروبةِ وترابِها فالعربُ عربٌ، والشعورُ القوميُّ- بإذنه تعالى- ما يزالُ مُتَجَذِّراً، وسيعودُ أُوارُهُ عندما يقفُ كلُّ عربيٍّ مع نفسهِ مُراجِعاً لها أو مُحاسِبا، وستبقى القضية الفلسطينية: قضية العرب الأولى، وينبغي ألّا نَقنطَ من رحمةِ اللهِ؛ فالخيرُ فِيَّ وفي أمتي إلى يومِ الدّين: هذا ما قالهُ رسولُنا الكريمُ  أفضلُ الصلاةِ والتسليم، وقال :( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)( )، وقال عزَّ من قائلٍ أيضاً:( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)( )، وقال:( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا(6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا(7)( ).
وها هو علي القاسمي وهو يطوفُ في البلادِ العربية والإسلامية وغيرها من غربيةٍ وشرقية مُسَجِّلاً خطواتِ تسيارهِ في بلادِ اللهِ الواسعة، ومدارجَ فكره، ودقاتِ وجدانِ قلبه متمسكٌ بعروبته، وعراقيته، ولا ينسى فلسطينَ جرحَ العربِ النازف، ويقفُ ليذكرَها ويتذكرَها أينما حَلّ؛ الأمرُ الذي يفسرُ لنا ذكرَها في صدرِ هذه الرواية، ومصاحبتِهِ لها في مواضعَ أخرى ، وهذا ما ستقفُ عنده سطورُنا التاليةُ تحليلاً.
إن ما جاء في مرافئ القاسمي عن فلسطينَ يشعِرُكَ بالروحِ الفلسطينيةِ التي تلبست بابن حضارةِ الرافدين، وهو شعورٌ يلابسكَ إذا ما تعاملتَ معه بوصفك فلسطينياً؛ فهو يعرفُ عن فلسطينَ: تاريخها وقراها ومدنها ونجوعها وسهولها وجبالها ومقدساتها وتراثها وأدبَ أبنائها الكثيرَ الكثيرَ، وإذا ما قرأته- كما في هذه الرواية- تدركُ أنه على معرفةٍ عميقةٍ بجغرافيةِ فلسطين؛ فهو يذكر أسماءَ بلداتها ومواقع المجازر الصهيونية فيها؛ الأمر الذي يجعلك تشعرُ أنه وإذا كان عراقياً بامتيازٍ، فإنه العراقيُّ القوميُّ المسلمُ الذي ينبضُ قلبُهُ بحبِّ فلسطين، بل إنه الفلسطيني بامتياز، وليس هذا غريباً فمنذ خرج من العراقِ شاباً وهو يعيش الغربةَ القهريةَ، وهو حال الفلسطيني الذي أرغمة المغتصبُ على الرحيلِ عن بلده.
رأينا القاسميَّ يتلبَّسُ بفلسطينَ وتتلبس به سلوكياتُ أهلها وقد أُكرهوا على الرحيلِ عنها؛ فإذا كان أهلُ فلسطين قد حرصوا على أخذِ ما يدلل على تمسكهم بديارهم وممتلكاتهم، ويذكّرهم ويذكِّرُ أبناءَهم وأحفادَهم ببلدهم، فإن علياً القاسميَّ أخذ معه أيضا ما يذكّره ببلده، ويزيد من ارتباطه وذريته به. وإذا كان الفلسطيني قد حرصَ على أن يأخذ معه مفتاحَ بيته، وشهادات تسجيل أرضه، وحفناتٍ من ترابِ حقلهِ أو بيارته فهذا ما فعله القاسميُّ.
لقد رأيناه قبل أنْ يرتحلَ عن أثيرِهِ العِراقِ؛ طلباً للعلمِ والحريةِ لا يحملُ إلا رموزاً تُذكِّرُهُ به يقول:"  لم أحمل معي شيئاً يذكر من قريتي يوم غادرتها هارباً متخفّياً، مجرَّد أشياءَ صغيرةٍ ليست ذات شأن ولكنّها كانت تعني لي الكثير الكثير. وضعتُ في حقيبتي حَفْنَةَ تُرابٍ من بستاننا، وخوصةً خضراء انتزعتها من إحدى سَعَفاتِ نخلتنا برفق، بيدٍ مرتعشة وشفتَين واجفتين كأنَّني أعتذر لها عمّا أفعل أو كما لو كنتُ أتلو عليها بكائيات الوداع، وريشةً من ريشات بطَّتي الأثيرة كانت ملقاةً على حافة حوض السباحة في حديقة المنزل، وشالاً أسودَ لأمّي أخذته من صندوق ملابسها دون أن أخبرها، طويتُ فيه نايي وخبّأته وسط ملابسي في الحقيبة. ولكنَّ قصدي الحقيقيَّ منه أن ألفَّ به رأسي إذا ما داهمتني الحمّى يوماً ما أو ألمَّ بي الصداع،  لعلَّ رائحة أُمّي العالقة به تَشفيني مثل تميمةٍ أو بلسمٍ سِحْرِي".
ورأيناه ببراعةِ الراوي المُفْتَنِّ كيف يكررُ الإشارةَ والحديثَ عن هذهِ الرُّموزِ في كثيرٍ من مشاهدِ روايتهِ؛ فقد قرأناهُ يُكررُ الحديثَ عن منديلِ أمهِ الذي جعلهُ تميمةً يربطُ بها رأسَهُ على عادةِ أجدادنا تراثاً عربِيّاً أصيلاً تناقلتْهُ الأجيالُ، وتباركت بهِ في العراقِ وبلادِ الشامِ وغيرِها تَيَمُّناً بالأثرِ الشافي لهذا المنديلِ البلسم.
وكذلك كررَ التغنيَ بترابِ بلدِهِ الذي حَمَلَ منْهُ حَفَناتٍ تَنَقَّلَ بها أينما تَنَقَّل: إلى بيروتَ وإلى نيويوركَ وأوستنَ والمغربِ والجزيرةِ العربيةِ وغيرِها من مرافئِهِ التي حَلَّ بِها، وأطالَ النَّظَرَ إليها. وكرر حديثَه عن نهرِ الفراتِ متغنياً في صورٍ فنيةٍ بجمالهِ وعذوبةِ مائهِ والسباحةِ والغوصِ فيه، يتراءى لهُ جَمالُهُ أينما رأى مياهَ الأنهار أو البحار، وفاقَ جمالُهُ جمالَها حين المقارنة.
وأخلص في خاتمة المطاف مما مضى أيضاً إلى أنَّ ما كتبه القاسميُّ عن المشهد الفلسطيني في روايته الجامعة لمشاهدَ متنوعةٍ في مجالاتِ الحيواتِ العربيةِ والغربيةِ، فرديةً كانت أم جماعيةً- أراه- يهدفُ إلى أنْ يُرسِّخَ في الذاكرةِ العربيةِ، وذاكرةِ أجيالها المتلاحقةِ صورةَ فلسطين، وكيف أن الأجدادَ والآباءَ من أبناءِ العروبةِ قد تعلقت أفئدتُهم بحبِّ فلسطين، والتشبثِ بها؛ فهبوا لنجدتها ونصرةِ أهلها.
وأرى أن أدب القاسمي في هذا السياقِ يصبُّ في خانة الأدب الفلسطينيِّ الذي كتبه أدباءٌ من غير أبناءِ فلسطينَ الذين ولدوا وترعرعوا فيها، أو إنْ شئت فقل: إنه يدخلُ في مجال الروايةِ المتخصصةِ بالقضية الفلسطينية؛ فالروايةُ الفلسطينيةُ بل الأدب الفلسطيني- كما أفهم- تخطى حدودَ الأديبِ الفلسطيني، وإنَّ مصطلحَ الأدبِ الفلسطيني- قد أراه- يتسعُ ليشملَ كل ما كتبه الأدباءُ العربُ وغيرُهم من أنصارِ الحقِّ والحريةِ عن قضيةِ فلسطينَ؛ فقد تمكنت قضيةُ فلسطينَ المعاصرةِ من أنْ تدخلَ من أبوابٍ واسعةٍ؛ لتحققَ حضوراً واقعياً قوياً لا في المشهدين الروائيِّ الفلسطينيِّ والعربيِّ فحسب، وإنما اجتازتهما لتحققَ حضوراً عالمياً واقعياً- لا رومانسياً-في أدبِ لغاتٍ أخرى؛ فقد تَحَدَّثَ كُتّابُ الروايةِ الفلسطينيةِ في مختلِفِ أماكنِهم أو فضاءاتِهم عما حاقَ بفلسطينَ وأهلِها في العصرِ الحديث من تدميرِ وويلاتٍ مآسٍ ونكبات على أيدي المغتصبين من اليهود.
وعلى هذا فنحن معَ مَنْ يرى عدمَ حَصْرِ الأدبِ الفلسطينيِّ في حدودِ فضاءِ فلسطينَ وكتّابه، ونرى أنَّ كلَّ ما كُتِبَ باللغةِ العربيةِ عن القضيةِ الفلسطينيةِ ويخدمُها، ويصبُّ في خاناتِ تحقيقِ نصرةِ أهلِها المُبْتلينَ باغتصابِ أرضهم وحقوقهم يدخلُ في مجالِ هذا الأدب، وذلك بغضِّ النظرِ عن جنسيةِ كاتبها.


([1]) من الآية 144 من سورة البقرة، واقرأ هذا الأمر الربانيَّ في الآيتين التاليتين من السورةِ ذاتِها:( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )(150)   
([2]) من سورة الأنفال.
([3]) من الآية(17) من سورة الأنفال.
([4]) من سورة المعارِج.
([5]) وكان مما قلت في شأن هذا الغدر القاتل، بعنوان:" نداء التحرير":
حِقْداً فيْ القلبِ وَما نَزَعواْ

([6]) من سورة الأنفال.
([7]) من الآية(17) من سورة الأنفال.
([8]) من سورة المعارِج.

التعليقات
الاسم:صادق عبد الله أبو سليمان
التاريخ:11/08/2013 10:36:22
تحياتي وشكري لكل من قرأ مقالتي عن مشهد من مشاهد رواية مرافئ الحب السبعة، وأحب أن أنوه في هذا السياق إلى أن الشعر الموجود في المقالة لم يظهر بصورته الأصل في المقالة؛ لذا فإني حرصاً على اكتمال النص والمضمون فإني أرفق هذا الرابط؛ للاطلاع من خلاله على النصوص الشعرية الواردة في المقالة.
مرفق لكم ملف بي دي أف
لأصل مقالتي المشهد الفلسطيني في المرافئ
https://www.mediafire.com/view/5yyo380cu2q1czb
ولكم ولمركز النور كل شكر ومحبة.
أ.د. صادق عبد الله أبو سليمان
الاسم:صادق عبد الله أبو سليمان
التاريخ:10/08/2013 20:02:34
بداية اسمحوا لي أن أشكر مركز النور على تكرمه بنشر مقالتي المتواضعةعن روايةاللساني والروائي الكبيرالأستاذ الدكتور/ على القاسمي رعاه الله وأطال عمره بالصحة والعافية.
وإنني أشكر كل من تفضلوا بقراءة مقالتي، أو كتبوا عنها في هذا الموقع المستنير أو غيره.
وإنني أتفق تماماً مع أشار إليه الأستاذ الفاضل عمر الزياني، وأقول: إذا كان بعض الكتّاب أو العلماء قالوا: إن الناقد أديب فاشل فإنني أقول إن الأديب المبدع لا يفهمه إلا ناقد مبدعٌ مثله، أو إن شئت فقل: إن معادل الأديب الموضوعي هو ناقد مبدعٌ مثله؛ وهذا ما حدث في القراءات المتعددة لراوية( مرافئ الحب السبعة) التي أراها استثارت كثيرا من النقاد والأكاديميين فكتبوا عنها المقالات والدراسات العميقة المتتالية.
وكذلك أوافق الأستاذ البشير النظيفي فيما تفضّل به عن الرواية ومقالتي، ولكنني أقول: إن الرواية وإن خيمت عليها أجواء اليأس والإحباط والحزن والألم فإن قارئها يقرأ فيها مشاهد تدفع إلى الأمل واستشراف المستقبل الأفضل، وتحث على عدم اليأس؛ فالحياة وجهان:
سعادةوأحزان، أو أفراح وأتراح؛ فالمهم أن يستمر الإنسان فيحيا الحياة بكلِّ أبعادها؛ ليخرج منهابما يثبت ذاته فيها، وأنه أضاف إليها قيماً مفيدة، وهذا ما حدث مع الهاشمي بل القاسمي بطل الرواية؛ انتهى به المطاف والتجوال؛ نجاةً بالنفس وتحصيلاً للعلم إلى تطوافٍ وتجوالٍ آخرين عاش فيهما حياة العطاء، ونشر فيهما علومه التي ثقفها ليُحيي أجيالاً حياة علميةً وقيميةً تسهم في اعتدال مسيرة الحياة الإنسانية، وليُحيِيَ من أُوهِمَتْ أنها عاقر؛ فإذا بها- في الرواية- تكتشف أنها ليست كذلك فتدب فيها الحياة الأنثوية من جديد، وإن انتهى اللقاء بينهما فراقاً فهذا- كما أظن- يجيء من أوليات أهداف الكاتب في بيان حب الوطن، وأن حب الوطن يفوق أيَّ حب.
هذه قيمُ تغلبِ العقل على العاطفة، قيمُ فريضة حب الوطن أساس منبت أهله.
وكذلك أوافق الأديبة نجاة الزباير في أن هذه الرواية استقطبت عددا من نقاد الوطن العربي، ولم لا وهي روايةٌ اتخذت من المرافئ عنوانا لها، فالعنوان مفتاح الدلالة؛ إنها بما تخاطب من وجدان الشعب العربي وضمائر أبنائها الحية تستحق اهتمام علمائه ونقاده، ويستحق كاتبها بما يريده هن التذكير بقيم عراقيةٍ وعروبيةٍ وإنسانية أن يكون اسماً كبيرا يؤثث وينشر في هذه الفضاءات المتعددة قيماً جماليةٍ تروق لأصحاب هذه الفضاءات.
تحياتي ومحبتي للجميع
محبكم
صادق
الاسم:عمر الزياني
التاريخ:10/08/2013 01:27:57
الابداع الجيد يثمر نقدا جيدا،هذا ما يصدق على الدكتور علي القاسمي في روايته الرائعة و على صادق عبد الله
أبو سليمان في مقاله النقدي المتميز.
عيد مبارك سعيد أستاذي القدير الدكتور علي القاسمي
و كل عام و أنت موفق ان شاء الله.
الاسم:البشير النظيفي
التاريخ:09/08/2013 17:45:41
بعدالتحيةوالتقدير،بدءا،أشيرإلى أن الأعمال الإبداعية التي تفرض نفسها،تدفع بالقارئ إلى أن تكون رؤيته لها منبثقة من وجهة نظرة خاصة تعكسها،نفسيته،شخصيته،ثقافته وهذامالمسته في القراءة الممتعة التي أتحفنابهاالدكتور صادق عبدالله عن رواية"المرافئ.."للكاتب المبدع الدكتور علي القاسمي،الذي قال عنه أثناء حديثه عن سيرته العلميةوالتعليمية،والمهام التي تقلدها،إضافة إلى الأوسمة التي أتت تجرأذيالهانحوه..بأنه[إنسان اجتماعي، وعالم متبحر،وروائي مفتن، ومثقف فطن]
فالروايةفي علاقتهابالمشهدالفلسطيني أوغيره تقربالإحباط السياسي الذي نعيش وقائعه في تاريخناالعربي الذي يواجه عدوا محدداأسفرعنه المبدع الدكتورالقاسمي،الحامل لهموم قضاياناالعربية والإسلامية،سواْء في إبداعه الأدبي،أو دراساته النقدية والفكرية التي منهاكتابه الصادرحديثا الحامل لعنوان [السياسة الثقافية في العالم العربي ]
مماسبق وغيره،فإن رواية"المرافئ.."تعتبرـ في نظري ـ ملحمةللإحباط السياسي،والضياع العسكري،والغربة عن الأهل والوطن..وهي أمورواقعيةنثرهاالفنان المبدع أبوحيدرفي أسلوب شعري بديع،استغل عبره قوة الإيحاء الكامنة في مفرداته..
شكراللدكتورصادق الذي أمتعنا،وتحياتي القلبية لأستاذي الأعزسيدي علي،مشفوعةبالتقديروالاحترام للمشرفين على هذا الموقع الثقافي الحر
الاسم:علي القاسمي
التاريخ:07/08/2013 12:27:25
عزيزتي الشاعرة الأديبة المتألقة نجاة الزباير
عيد مبارك سعيد ، وشكراً لأطلالتك البهية على مقال اللساني الأديب الأستاذ الدكتور صادق أبو سليمان، وكلماتك الحلوة عن الرواية. دام لك الإبداع والتألق.

الاسم:نجاة الزباير
التاريخ:07/08/2013 00:57:59
دراسة قيمة لرواية استطاعت استقطاب العديد من النقاد في الوطن العربي.
أبارك لك عيد الفطر الدكتور الروائي والمترجم الأديب واللغوي علي القاسمي، وهنيئا لك هذاالنجاح.. فأنت اسم كبير يؤثث فضاءنا بكل هذا الجمال.
تحياتي

مقالات ذات صلة