مقامات الذات والجسد في رواية (مرافئ الحب السبعة) لعلي القاسمي .. الدكتور محمد عز الدين التازي
مقامات الذات والجسد في رواية (مرافئ الحب السبعة) لعلي القاسمي .. الدكتور محمد عز الدين التازي
نقلا عن موقع النور
الدكتور محمد عز الدين التازي
جامعة عبد المالك السعدي ـ تطوان
تحفل رواية "مرافئ الحب السبعة" لعلي القاسمي بكثير من البذخ والتجلي لمقامات الذات والجسد وأشكال حضورهما وأنواع ما يتملكانه من تجارب في الحياة، وذاكرة خصبة تنبض بالذكريات، ورؤى مرآوية لرؤية الذات والجسد في تضاعيفهما الممكنة، ومواقف من العالم الخارجي: بيروت، بغداد، والرباط، وأحاسيس مُتَّقِدَةٍ تجاه مسار حياة يعبره بطل الرواية من أيام الصبا إلى أيام الشيخوخة.
تنويعات حكائية، كلها تصب في مجرى مسار حياة، تُؤَرِّخُ له الذاكرة الخصبة، وهي ترتبط بتاريخ للترحل عبر الأمكنة بتجاربها وأناسها وحرائقها وأبهائها، تاريخ نسميه في هذه القراءة مقامات للذات والجسد، كمدخل قرائي يحاول لملمة ما تبعثر في النص الروائي وما تَشَخَّصَ في صفحاته وثناياه من رصد قوي للذات والجسد وهما يخطران في العوالم والأبهاء ويريان تجلياتهما في تلك العوالم والأبهاء عبر مرايا الكتابة، التي لا نرى أنها تعكس التجارب والواقائع والأحداث كما وقعت، بل إنها مرايا تخييلية تُخَيِّلُ الوقائع والأحداث داخل عالم روائي يحفل بمسيرة بطل روائي يشبه كلكامش، لكنه يصارع الحياة بدل من أن يصارع الآلهة، صراعا من أجل أن يبقى الحب ويبقى الناس وتبقى المدن، فهو يصارع الخراب، خراب القيم الإنسانية وخراب المدن.
تدفع رواية "مرافئ الحب السبعة" بالقراءة إلى إثارة جملة من القضايا النقدية، التي تتعلق بأشكالها ومدلولاتها ومعانيها، ورحلة بطلها في الأزمنة والأمكنة بما انغمست فيه من تجارب وأفكار ومعاناة، والكشف عن أبعادها الجمالية والدلالية، وتفكيك شفراتها، ومحاولة الوصول إلى معنى أدبيتها كنص روائي زاخر وباذخ بالأشكال وأنواع الخطابات. وهي رواية لا تخلو قراءتها من مغامرة، كما هي مغامرة كتابتها من لغة الكتابة وبناء الأشكال ودرجات التخييل.
على سبيل قراءة عنوان الرواية يُطرح سؤال: لماذا هي مرافئ، ولماذا المرافئ سبعة؟ ما يعنيه المرفأ، هو مكان رسو السفين، فهل هناك من سفينة تُبحر في أقانيم الليل والنهار، في بَرٍّ ليس له من ساحل؟ هي مرافئ للحب، وما الحب إلا للحبيب الأول، حنين وذكرى وانتظار وشوق وألم للفراق، فمع فقدان الحب، يصبح أكثر حضورا في الذاكرة، أو هو جرح من جراحها. أما رقم سبعة، فهو الرقم الأكثر شيوعا في تاريخ الفكر البشري، سبع سماوات، وسبع أراض، وأيام الإنسان سبعة، والسندباد رحل سبع رحلات، وكما جاء في الكتاب المقدس فقد خلق الله العالم في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع، إلى آخر الموحيات التي يوحي بها هذا الرقم. في جماع ما يحفل به عنوان الرواية: "مرافئ الحب السبعة"، فثمة أسطورة حب لها صلة كبيرة بمقامات الذات والجسد كما تحضر في الرواية.
تطرح الرواية سؤالا تَجْنِسِيَّا، يتعلق بطبيعتها التجنيسية، فهي من جهة، تحيل على سيرة بطلها، من طفولته إلى كهولته، فمن ذكريات الطفولة إلى تجارب الحياة، والتَرَحُّلٍ بين المدن، والعلاقات بالنساء، والأوضاع إنسانية لا تخلو من التوتر والحيرة والقلق، مما يُؤَسَّسُ لتنامي رؤية البطل بما يعيشه وما يقع حواليه من أحداث، وهو ملمح من الملامح التي تظهر بها السيرة الذاتية، ومن جهة أخرى فإن توسيع العالم، وتوسيع القاعدة الاجتماعية للأحداث، يحيلان على كونها رواية تشتغل على التخييل الذاتي. وهنا تَصْطَدِمُ القراءة بسؤال أَجْنَاسِيِّ يتعلق بِتَجْنِيسِ "مرافئ الحب السبعة"، فهل هي رواية أم سيرة ذاتية؟
ينفتح متخيل الرواية الأدبي على حقول اجتماعية وثقافية وإنتروبولوجية، فمن تلك الخلفيات يتم تطعيم الرواية بما يمنحها أبعادا لها صلة بالتجارب الإنسانية، وحيث تصبح أسطورة التجربة الفردية أسطورة جماعية، ترتبط بالقارئ وبالإنسان أينما وجد، رغم تلك الخصوصيات الذاتية والمحلية التي تتسم بها أسطورة التجربة الفردية.
إن مقامات الذات والجسد في رواية علي القاسمي "مرافئ الحب السبعة"، تدفع بالقارئ إلى الدخول في عالم روائي باذخ باصطياد الرواية للحظات إن كانت تشكل تاريخا للجسد فهي تشكل أيضا، معنى من المعاني الكبرى، الثاوية في عمق وذاكرة وأحاسيس كل إنسان.
إن ما تقدمه الرواية من لحظات إنسانية راسخة في الذاكرة، هو ما يقيم للجسد مقاماته ويمهرها بدفق من العواطف والرؤى والأحاسيس والتجليات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور محمد عز الدين التازي قاص وروائي وناقد له أكثر من أربعين عملاً إبداعياً. والمقالة خلاصة لدراسة مطولة عن الرواية.
التعليقات
|
|
|
|
|
|
|