علي القاسمي: مدن المغرب العريقة مناسَبة للكتابة الإبداعية إدريس علوش
علي القاسمي: مدن المغرب العريقة مناسَبة للكتابة الإبداعية
إدريس علوش
نقلا عن موقع جريدة العرب
نقلا عن موقع جريدة العرب
الأربعاء 2014/02/19
القنيطرة (المغرب) - علي القاسمي كاتب عراقي مقيم في المغرب. درس في جامعات عديدة في بغداد وبيروت وباريس ولندن وأوستن- تكساس، ومارس التعليم في جامعات بغداد وتكساس والرباط والرياض، وهو متعدّد الاهتمامات له حوالي 50 كتابا في علم المصطلح، وصناعة المعجم، والترجمة، والقصة، والرواية، و. ولعل أهم كتبه هو “معجم الاستشهادات”. في هذا الحوار سنحاول تبيّن بعض ملامح سيرته الإبداعية والفكرية.
يعدّ علي القاسمي من أهمّ المتخصصين في الأدب الأميركي، فقد ترجم منه بضع روايات، منها روايتا إرنست همنغواي، “الوليمة المتنقلة” و”الشيخ والبحر”. والقاسمي نفسه قصاص وروائي، صدرت له “الأعمال القصصية الكاملة” عن مكتبة لبنان ناشرون مؤخرا، كما صدرت روايته “مرافئ الحب السبعة” عن المركز الثقافي العربي قبل بضعة أشهر. وهو عضو في عدد من المجامع العربية والدولية.
كاتب بطيء
كما ضيف: كنتُ قد بدأت في تأليفه قبل عشر سنوات بناء على تكليف من اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية. فقد قرر هذا الاتحاد الذي يضمّ المجامع اللغوية العربية، أن يأخذ على عاتقه تصنيف “المعجم التاريخي للغة العربية” الذي تفتقر إليه المكتبة العربية. والذي قد يستغرق إعداده مئة عام، إذا توفرت له الإمكانات البشرية والمادية اللازمة. وشكّل الاتحاد لجنة من أعضاء المجامع العربية المختلفة، وعُهِد إليّ بوضع الخطة العلمية لهذا المعجم، وقد قدّمتها في مئة وخمسين صفحة. ونوقشت وأبدى أعضاء اللجنة ملاحظات حولها. ورأيتُ أن أطوّر هذه الخطة في كتاب بعنوان “صناعة المعجم العربي” الذي أعكف على استكماله حاليا ليستفيد منه طلاب الدراسات العليا في الجامعات العربية والعاملون في “هيئة المعجم التاريخي للغة العربية” التي أسّسها الاتحاد. وأستفيد في تأليف هذا الكتاب من منهجيات المعاجم التاريخية في اللغات الأنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، ومن نتائج الندوات العلمية التي عُقدت في مختلف المحافل العلمية العربية وفي مقدّمتها مؤتمرات مجمع اللغة العربية في القاهرة وندوتا تونس وفاس حول موضوع المعجم التاريخي.
والكتاب الثاني، رواية تتناول الفساد الإداري في العالم العربي بأسلوب ساخر، تبعا لمقولة “وشرُّ المصائب ما يُضحِك”. وهذه الرواية بدأتُ بكتابتها قبل عشر سنوات كذلك. فكتابة روايتي الأولى “مرافئ الحب السبعة” استغرقت عشر سنوات هي الأخرى؛ فأنا، كما ترى، كاتب بطيء أو كسول، أحتاج إلى وقت طويل لاستكمال ما أكتب، ربما لأنني أعمل على أكثر من كتاب في آن واحد، أو لأنني لا ألتزم بأوقات عمل محددة، بل أكتب حينما يروق لي، مقدّما راحتي الشخصية على العمل الفكري، تيمنا بمقولة “العقل السليم في الجسم السليم”. ولعل صعوبة كتابة هذه الرواية تنبع من اختيار الأسلوب الساخر، فهو أصعب الأساليب».
لكل فصل كتابته
من خبرتي في الكتابة، وجدتُ أن كل موضوع يحتاج إلى طقس معين وإلى مكان مخصوص. فكتابة قصة رومانسية أحسن ما تكون في فصل الربيع حيث تتفتح الزهور وتنتعش المروج، كما تتفتح العواطف النبيلة والأحاسيس الجميلة في النفس الإنسانية. وإذا كنتُ أكتب في موضوع علمي، فإن فصل الشتاء في مدينة مراكش الرائعة هو الأنسب. وفي الحقيقة، إن جميع مدن المغرب العريقة في الحضارة والتاريخ المزدانة بالطبيعة الخلابة، مناسبةٌ للكتابة الإبداعية. أذكر، في دراستي للأدب الأميركي، أن زعماء أدباء الجيل المتعب الأميركيين الذين سيطروا على المشهد الأدبي بعد الحرب العالمية الأولى، مثل الروائي وليم باروز والشاعر ألن غينزبرغ، والروائي جاك كيرواك، والشاعر أوليفسكي، والكاتب غريغوري كورسو، وجدوا في طنجة المكان المناسب ليلهمهم الإبداع والخيال المجنّح. ولهذا ظلوا يتوافدون على طنجة أفرادا وجماعات». وفي الطبعة الجديدة التي صدرت عن دار رؤية في القاهرة من كتابي “مرافئ على الشاطئ الآخر: روائع القصص الأميركية المعاصرة”، كتبتُ عن طنجة أقول: «بين الفينة والأخرى، عندما يرتجّ عليّ القلم، ألجأ إلى طنجة، أحتمي برمال شواطئها، أستظل بوارف أشجارها، أستنشقُ هواءها المنعش، أرتوي من مائها العذب، أجلسُ في أحد مقاهيها قبالة البحر، ألتفتُ إلى يميني فأرى جبال الريف مثل سيدة مستحمَّة مستلقية على شاطئ طنجة. ألتفتُ إلى يساري فتنعشني نسيمات قادمة من مغارة هرقل. أنظر أمامي فأرى وجوه أهل طنجة المشرقة الطافحة بالبشر والمحبّة والكرم. وعندها ينفعل وجداني وتنثال الكلمات على ستارة قلبي مثل مطر غزير».
نُدرة القراءة
فعندما أنهيتُ كتابي “عصفورة الأمير: قصة عاطفية من طي النسيان، للأذكياء من الفتيات والفتيان”، التي ترمي إلى تعليم الأطفال مفاهيم حقوق الإنسان والتنمية البشرية، طبعتُ عددا محدودا من النسخ ووزعتها على ابنتي علياء وبعض زميلاتها وزملائها، وتلقيتُ ملاحظاتهم، وعدّلتُ القصة على ضوئها. وبعد أن أنهيتُ روايتي “مرافئ الحب السبعة” عرضتها على عدد من أصدقائي المبدعين، الكتاب والنقاد، مثل عبدالرحمن الربيعي، وعبدالملك أشهبون، وإبراهيم أولحيان، والبشير النظيفي. وأفدتُ من ملاحظاتهم وآرائهم.
ومعظم كتبي اللغوية والمعجمية والمصطلحية، مثل “علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته النظرية”، و”المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق”، و”الترجمة وأدواتها”، موجهة لطلبة الدراسات العليا في جامعاتنا العربية، ولهذا فهي تتسم ببعض التبسيط وبشيء من التكرار المفيديْن للطلاب».
تمجيد القيم
وأنا اتفق معه في ذلك. أعلم أن بعض الأدباء ومنهم صديقي الناقد إبراهيم أولحيان، يرون أن الجنس والعنف والقمار والمخدرات، هي جزء من الحياة، والكتابة محاكاة للحياة، فلا يمكن أن تخلو مما يعتبره بعضهم اللاأخلاقيات. «الرضا التامّ عن الإنتاج المادي أو الفكري، يؤدي إلى الجمود وعدم التحسين والتطوير»، هذا هو موقف القاسمي من مسألة الرضا عن كتاباته، ويقول في الغرض نفسه: «الطموح إلى الأفضل والأرفع هو الذي يساعد على التجديد والرقي، وهذا ما قصده النفري حين قال: “العِلم المستقرّ هو الجهل المستقرّ”.