رواية الوليمة المتنقلة لهمنغواي ترجمة علي القاسمي
نقلا عن موقع :منبر حر للثقافة و الفكر و الأدب
الخميس ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٠٧
رواية الوليمة المتنقلة لهمنغواي ترجمة علي القاسمي
صدرت عن دار ميريت بالقاهرة طبعة ثالثة لرواية أرنست همنغواي السيرذاتيّة " الوليمة المتنقّلة " التي ترجمها وكتب مقدِّمة لها الكاتب العراقي المقيم في المغرب، الدكتور علي القاسمي. وكانت الطبعة الأولى لهذه الترجمة قد نشرتها دار المدى في دمشق، وصدرت طبعتها الثانية عن منشورات الزمن في الرباط. وتقع الطبعة الجديدة في 252 صفحة من الحجم المتوسط، بطباعة أنيقة وورق صقيل، وتشتمل على مقدّمة للمؤلِّف مع مََسرد لأسماء الأعلام بالحروف العربيّة واللاتينيّة.
وكان الروائيّ الأمريكيّ الشهير أرنست همنغواي، الحائز على جائزة نوبل للآداب، قد كتب هذه الرواية قُبيل انتحاره سنة 1961 وهو في الثانية والستين من عمره، وقد نضج أسلوبه الفريد، واكتملت أدواته الفنية، وأتقن الصنعة السرديّة. وتولّت نشر الرواية زوجته الرابعة بعد وفاته. وتكتسب الرواية عنوانها من رسالة بعث بها هنمنغواي إلى أحد أصدقائه يقول فيها: " إذا وافاك الحظّ بما فيه الكفاية لتعيش في باريس وأنتَ شابّ، فإنّ ذكراها ستبقى معك أينما ذهبتَ طوال حياتِك، لأنّ باريس وليمة متنقّلة."
يتناول همنغواي في هذه الرواية سيرته الذاتية في باريس حيث أقام بين سنتي 1922 و1926، وهو شابّ، ذهب أوّل الأمر مراسلاً صحفيّاً ثم قرّر التفرُّغ للكتابة الإبداعيّة وتعلُّم تقنياتها. وتقع تلك السنوات في الفترة التي يُطلَق عليها اسم " سنوات الجنون " أو " الحقبة الجميلة، إذ كانت باريس تعيش أجمل أيامها بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت تعجّ بالحركات الفنية، والمدارس الأدبية، والمذاهب الفلسفية الجديدة. ولهذا قصدها للإقامة فيها كثير من أدباء إنكلترة وأمريكا مثل الشاعر الأمريكي الكبير عزرا باوند، والشاعر الأمريكي البريطاني تي أس إليوت صاحب قصيدة " الأرض اليباب " التي تعدّ نقلة نوعية كبرى في الشعر الإنكليزي في القرن العشرين، والروائي الإيرلندي جيمس جويس صاحب رواية " يوليسيس" التي توصَف بأنّها أعظم رواية في الأدب العالمي في القرن العشرين، والروائي الأمريكي الشهير سكوت فتزجيرالد، صاحب رواية " غاتسبي العظيم " أفضل رواية أمريكية في القرن العشرين، والناقدة الروائية الأمريكية غيرتيتيود شتاين، والرسام الأمريكي باسين، والكاتب البريطاني فورد مادوكس فورد، وغيرهم كثير.
في " الوليمة المتنقلة " يسرد لنا همنغواي علاقاته مع جميع أولئك الأدباء وأخبارهم وطرائفهم وأسرارهم. فالشاعر العظيم عزرا باوند لا يعرف الفرنسية ولم يقرأ الأدب الفرنسي؛ والكاتبة غيرتيتيود شتاين سحاقية تمارس الجنس مع كاتبتها؛ والشاعر الأمريكي إرنست والش يعيش على ما يكسبه من موائد القمار وليس على ما تدرّه عليه قصائده؛ ومجلة " دايل " الأدبية الأمريكية تعلن عن جائزة أدبية وهمية ويوحي محرّرها إلى كلّ أديب على حدة بأنّه سينالها؛ وعزرا باوند يجمع المال من الأدباء لمساعدة تي أس إليوت على التخلي عن وظيفته البسيطة في مصرف لندني والإقامة في باريس ليتفرّغ لكتابة الشعر، ثم يتولى عزرا باوند إعادة كتابة ثلث قصيدة " الأرض اليباب"؛ والرسام البريطاني الشهير وندهام لويس يأتي بين الفينة والأخرى إلى باريس ليأخذ مقاييس اللوحات الجيدة ويعود إلى لندن ليرسمها ويقلّدها، وزيلدة زوجة الروائي سكوت فيتزجيرالد مجنونة وتتسلّى بتعذيب زوجها، وزوجة همنغواي نفسه يستغلها الأغنياء بعد أن انغمس همنغواي في علاقة جانبية مع فتاة أمريكية تصيّدته. وقد سرد همنغواي كلّ تلك الذكريات بلغة بسيطة، وأسلوب ساحر ساخر تهكّمي، يستخدم الإشارة والإيحاء والتلميح، بدلاً من العبارة المباشرة والتصريح.
وإضافة إلى ذلك كلّه، وأهمّ من ذلك كلّه، يكشف لنا همنغواي في هذه الرواية عن تقنياته السردية والأسلوبية، ويبث المعلومات عنها متفرّقة في ثنايا الكتاب بطريقة ذكية لا يحسّ بها القارئ العادي. يخبرنا همنغواي، مثلاً، أين كان يزاول فعل الكتابة، وفي أيّ ساعة من ساعات اليوم، وكيف، وماذا تعلّمه من مدارس الرسم الفرنسية وطبّقه على الكتابة، والطريقة التي يبدأ بها عباراته، وما يحذف من الحكاية الأصلية وما يُبقي منها في القصة، وغير ذلك.
أما المترجم الدكتور علي القاسمي فقد كتب مقدّمة طويلة بعنوان " خفايا الترجمة وفخاخها: متى يرتدي همنغواي الكوفية والعقال؟"، تناول فيها أهمية هذا الكتاب، وصعوبة ترجمته على الرغم من أنّ لغة همنغواي بسيطة جداً لا تعقيد فيها على الإطلاق، ولكن الصعوبة تكمن في نقل أسلوب همنغواي وتقنياته السردية إلى العربية، لأن القاسمي يرى أن مهمة الترجمة ليس نقل مضامين النص والأفكار الواردة فيه فحسب، بل نقل الأساليب والأمزجة والنفسيات كذلك؛ لتكون الترجمة جسراً حقيقياً للتواصل بين الثقافات. ومن الطريف أن القاسمي، أثناء دراسته في باريس، سكن شقة في شارع كاردينال لوموان في الحيّ اللاتيني في نفس الشارع حيث سكن همنغواي، وكان يرى كلّ يوم اللوحة الملصقة على البناية المجاورة والتي توضح أن همنغواي سكن هناك.
لقد حظيت ترجمة القاسمي لهذه الرواية بترحيب المثقفين والنقّاد العرب، فقال عنها الأكاديمي المغربي الدكتور عبد الحي مودن، مدير مركز تواصل الثقافات بالرباط: " عندما طالعتُ كتاب " الوليمة المتنقلة " شعرتُ بأنني كنتُ أقرأه بلغته الأصلية، ولم تعد بي حاجة لإعادة قراءته باللغة الإنكليزية.". وعدّها الروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي " ترجمة أنيقة دقيقة لكتاب غاية في المتعة، لعلّه أمتع ما كتب الروائي العظيم أرنست همنغواي." وأشار الناقد المغربي عبد الرحيم العلام إلى " امتلاك المترحم لمعرفة كبيرة بمختلف عوالم هذا النصّ التي تفترض توفّر معرفة دقيقة بالجغرافية الباريسية وما يرتبط بها من أسماء المواقع والأحياء والشوارع والمتاحف، ومعرفة دقيقة بعوالم الأدب والرسم وأسماء الأدباء وأعمالهم، وأنواع الأكل والشرب واللعب، وغيرها من الأمور الدقيقة التي يغتني بها النصّ مما يجعل منه نصّاً صعباً على مستوى الترجمة.". وقالت جريدة " الزمان " اللندنية: " تعدّ ترجمات القاسمي من الترجمات الأمينة النادرة نظراً لإتقانه اللغتين العربية والإنجليزية." وأوردت وكالة الصحافة العربية بالقاهرة النبأ قائلة: " علي القاسمي مولع بترجمة كبار الكتّاب وعمالقة الأدب العالمي، إيماناً منه بأهمية الترجمة في عمليات التنوير والرقي الحضاري."
والمترجم القاسمي من المتخصصين في الأدب الأمريكي عموماً وفي همنغواي خصوصاً، فقد ترجم عدداً من قصصه في كتابه " مرافئ على الشاطئ الآخر: روائع القصص الأمريكية المعاصرة"، كما أعدّ ترجمة جديدةً لقصة همنغواي " الشيخ والبحر"، وله ترجمات أخرى مثل كتاب " القصة البوليسية"، ومسرحية " الفلاح البائس" لأبي المسرح الإسكندنافي هولبرغ. كما أن القاسمي قصّاص متميّز صدرت له عدّة مجموعات قصصية في بيروت والدار البيضاء والقاهرة، إضافة إلى أنّه من المعجميين والمصطلحيين العرب البارزين، وهو عضو في مجمعَي اللغة العربية بالقاهرة ودمشق.
مراكش ـ إبراهيم أولحيان