الأديب و الباحث الأكاديمي العراقي الدكتور علي القاسمي ... لا أرى في نفسي أكثر من طالب علم محب للقراءة والتعلّم...//حاورته :جميلة طلباوي
الأديب و الباحث الأكاديمي العراقي الدكتور علي القاسمي ... لا أرى في نفسي أكثر من طالب علم محب للقراءة والتعلّم...//حاورته :جميلة طلباوي
الأديب و الباحث الأكاديمي العراقي الدكتور علي القاسمي ... لا أرى في نفسي أكثر من طالب علم محب للقراءة والتعلّم...//حاورته :جميلة طلباوي
نقلا عن جريدة أصوات الشمال
عزيزي القارئ جرّب أن تقف أمام البحر و أن تحاول سبر أغواره و إخراج كل الدرر من أعماقه ، هذا بالضّبط ما حدث لي و أنا أقف أمام هامة ثقافية و علمية شامخة، نهل من بحر العلم حتى أخرج اللآلئ دراسات و بحوثاً أكاديمية باللّغتين العربية و الانجليزية ، مجال اشتغاله الأكاديمي هو علم المصطلح و صناعة المعجم و البحث اللّغوي ، كلّ هذا لم يمنعه من الانشغال بالتربية و الفكر و بالإبداع لأدبي في مجال السرد، و للسّرد معه حكاية فهو يكتب بلغة من ضوء و دهشة تؤسّس لنصوص في منتهى الروعة و الجمال ، ليس هذا غريبا إذا ما عرفنا ثراء ثقافته و إلمامه بعدّة لغات و اطّلاعه على الأدب العالمي و ترجمته للعديد من الروايات و القصص الأمريكية الحديثة من الانجليزية إلى العربية.
انّه الباحث و الأديب العراقي المقيم بالمغرب الأقصى الدكتور علي القاسمي الحائز على عدّة أوسمة نذكر : وسام الأسد الوطني الذي منحه له رئيس جمهورية السنغال ليبولد سيدار سنغور عام 1975م بمناسبة مساهمته في تأسيس مدارس عربية إسلامية في داكار، و نال دروع عديد من جامعات حاضر فيها أو عقد مؤتمرات في رحابها مثل جامعة قناة السويس المصرية ، جامعة مراوي سيتي الفلبينية ، جامعة اليرموك الأردنية و جامعة ريو الإندونيسية. و هو الذي حاز أثناء دراسته العالية على منح جامعية عديدة من جامعة بغداد ، جامعة أكسفورد ، و جامعة تكساس. هو أيضا عضو في هيئة تحرير مجلة اللسان العربي –الرباط، و عضو الهيئة الاستشارية لمجلة الطفولة و التنمية بالقاهرة ، عضو سابق في هيئة تحرير مجلة الإسلام اليوم بالرباط و عضو سابق في هيئة تحرير مجلة التربية بالرياض و عضو الهيئة الاستشارية لمجلّة المصطلحية بفاس المغربية.
أمّا عن دراسته العالية فقد تلقى تعليمه العالي في جامعات في العراق (جامعة بغداد) و في لبنان (الجامعة الأمريكية و جامعة بيروت العربية) و جامعة أكسفورد في بريطانيا و جامعة السوربون في فرنسا و في الولايات المتّحدة الأمريكية جامعة تكساس في أوستن)، حصل على بكالوريوس (مرتبة الشرف) في الآداب و ليسانس في الحقوق و ماجستير في التربية و دكتوراه في الفلسفة في اللّغة التطبيقي . مارس التعليم في جامعة بغداد و جامعة تكساس في أوستن و جامعة الرياض و جامعة محمّد الخامس بالرّباط. عمل مديرا لإدارة التربية في المنظّمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة بالرباط، و غيرها من المناصب في المنظمة و مديرا للأمانة العامة لاتّحاد جامعات العالم الإسلامي ، يعمل حاليا مستشارا لمكتب تنسيق التعريب بالرباط ، عضو مراسل عن العراق في مجمع اللغة العربية بالقاهرة و في مجمع اللغة العربية بدمشق، هو أيضا عضو الهيئة الاستشارية للمركز الكوري للغة العربية و الثقافة الإسلامية في سيول .
مجالات اهتمامه متعدّدة تشمل التربية، تعليم اللّغة العربية ومناهجها، علم المصطلح، صناعة المعجم ، الترجمة و نظرياتها ، حقوق الإنسان، التنمية البشرية ، كتابة القصة القصيرة و الرواية ، النّقد الأدبي المعاصر، التاريخ الفكري ، التعليم العالي. يجيد الانجليزية و الفرنسية و يلمّ بالاسبانية و الألمانية. له العشرات من المؤلّفات بالعربية و الانجليزية في التربية و الفكر و علم المصطلح و النقد. ترجم روايات لأرنست همنغواي و عدّة قصص أمريكية معاصرة ، كما أصدر مجموعات قصصية : "رسالة إلى حبيبتي"، " صمت البحر"، " دوائر الأحزان" ، "أوان الرحيل "، "حياة سابقة"، وقصة طويلة للأطفال عنوانها " عصفورة الأمير: قصة عاطفية من طي النسيان للأذكياء من الفتيات والفتيان " تعلّم حقوق الإنسان بطريقة سردية شيّقة. كما ألّف معاجم في طليعتها " المعجم العربي الأساسي" (المنسِّق)، و"معجم الاستشهادات الموسع" .
كل ّ هذه المقدّمة لا تفي هذه الهامة الشامخة حقّها إذا ما رجعنا إلى السيرة العلمية للدكتور علي القاسمي الزاخرة بعطائه الجيّد و القيّم، نتشرّف اليوم باستضافته و هو الذي يفضّل الابتعاد عن الأضواء لكنّة لبّى طلبنا بكل تواضع لنجري معه هذا الحوار.
أصوات الشمال : سيدي الفاضل ها أنا أقف حائرة أمام زخمك المعرفي و مسيرتك الزاخرة بالعطاء الأدبي و العلمي و الإنساني، لا أدري من أين أبدأ فهل تسمح لي أن يكون سؤالي في البداية ، هذا الثراء و التنوع هل هو نتاج عبقريتك الواضحة أم إرادة في البحث عن الذات فكانت الرحلة حافلة؟
القاسمي : أولا، أشكرك على تفضلك بإجراء حوار معي، وأود أن أوجّه عن طريقك تحيةً طيبة حارة إلى جميع القراء الكرام. واسمحي لي أن أقول إنك بلطفك وكرمك وأدبك الجم قد أضفيتِ عليَّ في المقدمة صفات لا أستحقها، فأنا لستُ البحر على الرغم من أنني أعيش على شاطئ البحر منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وأنا لا أرى في نفسي أكثر من طالب علم محب للقراءة والتعلّم.
يصعب عليّ الإجابة على سؤالك الأول، وهو سؤال تختلف نظريات علم النفس في الإجابة عليه. ما الذي يجعل من الفرد شاعراً أو تقنياً أو متعدد المواهب؟ كلُّ ما أعرفه عن نفسي أن والدي رحمه الله شجعني منذ طفولتي المبكرة على القراءة المتنوعة، وحفّز حبّ الاستطلاع لدي، فصار اكتساب المعرفة من الكتب والرجال والجامعات يمنحني متعةً كبيرة. القراءة كالصلاة تعوّد ومحبة. حتى في عطلي الصيفية كنتُ أبحث عن جامعة تنظِّم دراسات صيفية. فذهبتُ ذات صيف وأنا في مطلع العشرينيات من عمري إلى جامعة أوسلو في النرويج لدراسة الأدب والتربية، والتحقتُ في صيف آخر في معهد غوته في مدينة " روتنبرغ أب در تاوبر" في المانيا لتعلّم اللغة الألمانية، ودرست في صيف آخر في جامعة مشيغان في آن آربر في الولايات المتحدة الأمريكية للوقوف على التقنيات التربوية خاصة مختبر اللغة.
وعندما حصلتُ على الدكتوراه من جامعة تكساس في أوستن ، وهي إحدى الجامعات الأمريكية العشر الكبرى آنذاك، ألقى رئيس الجامعة خطاباً في حفل التخرج قال فيه إن هذه الورقة التي نسلمها إليكم اليوم ( شهادة الدكتوراه) هي مجرد إشعار بأنكم تستطيعون القراءة والكتابة وأنكم قابلون للتعلم منذ اليوم. وقد طبّقت ما قاله الرئيس حرفياً إذ شرعتُ في التعلّم من كلّ ما حولي ومن حولي: من الدروس التي كنتُ ألقيها في الجامعات التي عملتُ بها، وكانت دروس مختلفة متنوعة، مثل تاريخ الأدب الإنجليزي، والنقد الأدبي، والقصة القصيرة، والرواية، ونظريات الترجمة، إضافة إلى محاضراتي على طلبة الدراسات العليا في مجال تخصصي: علم المصطلح وصناعة المعجم.
وحينما عملتُ خبيراً في مكتب تنسيق التعريب بالرباط، أخذت أتعلّم من مدير المكتب العلامة الأستاذ عبد العزيز بنعبدالله (خريج جامعة الجزائر)، الذي كان فقيهاً، ومحدِّثاً، ومؤرخاً، ولغوياً، ومعجمياً، وروائياً كتب عدداً من الروايات التاريخية باللغة العربية لمقاومة الحماية الفرنسية في المغرب. وعندما أصبحتُ مديراً في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، كان من حسن حظي أن المدير العام هو رجل الدولة المغربي الأستاذ عبد الهادي بوطالب الذي جمع بين ثقافته الإسلامية في جامع القرويين وبين الثقافة الغربية، وألّف ما ينيف على ستين كتاباً في الفقه الإسلامي، والقانون الدستوري، والتاريخ السياسي، واللغة العربية. فكانت سنوات عملي العشر معه وليمة معرفية متنقلة إذ كان يصطحبني معه في رحلات العمل من إندونيسيا وماليزيا إلى النيجر ومالي.
وحينما تركتُ العمل في المنظمة قبل عشر سنوات تقريباً للتفرّغ للقراءة والكتابة، طلبت مني الأمم المتحدة مراجعة الترجمة الإنجليزية ـ العربية لتقارير التنمية البشرية السنوية. ومن هذه التقارير تعلمتُ متطلبات التنمية البشرية وحقوق الإنسان بصورة عامة وكتبتُ في هذين الموضوعين.
يبدو لي أنني كنتُ محظوظاً بحيث أُتيحت لي فرص إشباع رغبتي في التعلُّم والنهل من المعرفة. وأتمنى أن تتاح فرص أفضل لأبنائنا الطلاب العرب.
أ ص : مجال اشتغالك الأكاديمي هو علم المصطلح و صناعة المعجم و البحث اللّغوي ، كيف تقيّم اللغة العربية في خضّم العولمة و التغيّرات في العالم ، هل ترى بأنّها لغة قادرة على الصمود أمام التغيّرات خاصّة و أنّ لغة العلم حاليا هي الانجليزية و نحن في بحث دائم عن المصطلح العلمي باللغة العربية؟
القاسمي : اللغة العربية لغة عالمية، وهي أطول لغات العالم عمراً وأقدرها على الوضع والعطاء بفضل نظامها الاشتقاقي، وهي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، والتي يتوق إلى تعلُمها مليار ونصف مليار مسلم في العالم ويؤدون شعائر دينهم بها، ولهذا أثّرت اللغة العربية في لغاتهم كالفارسية والتركية والملاوية والسواحيلية وغيرها. فمعجم اللغة الفارسية، مثلاً، يشتمل على ستين بالمائة من الألفاظ العربية كما تتشكّل الأبجدية الفارسية نفسها من الحرف العربي. وتحتل البلاد العربية موقعاً جغرافياً استراتيجياً في وسط العالم، ولها تاريخ حضاري ثري، وتتوفر على طاقات سكانية واقتصادية وسياحية هائلة. كل هذه المؤهلات تجعل من العربية لغة عالمية، ولهذا أضافتها الأمم المتحدة، منذ أربعة عقود من السنين تقريباً، إلى لغاتها الرسمية الخمس: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية. وطبقاً للعالم اللغوي الكندي أستاذ اللسانيات في جامعة ميغيل، وليم ماكي، الذي وضع مقياساً لعالمية اللغات، فإن ترتيب اللغات العالمية هو: الإنجليزية، العربية، الإسبانية، الفرنسية.
اللغة العربية لا تعاني مشكلة لسانية، ولا تعاني العولمة، وإنما تعاني الضعف المهيمن على أهلها. وقد أساءت السياسات التعليمية والتربوية والإعلامية والثقافية التي تنتهجها الدول العربية منذ استقلالها في أواسط القرن الماضي حتى اليوم، إساءة بالغة إلى اللغة العربية، لأنها سياسات جاهلة حقاً(... والجهل هنا بمعنييه: عدم المعرفة، والجور والظلم كما ورد على لسان الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلقته:
[ ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا] ...)
هذه السياسات العربيّة تصرّ على استعمال لغة المستعمِر القديم (الإنجليزية أو الفرنسية) لغةً لتعليم العلوم والتكنولوجيا ( الطب، الصيدلة، الهندسة، الزراعة، إلخ.) . وهذا ينم عن عدم معرفة بأبسط متطلبات التنمية البشرية في البلاد، ألا وهو نشر المعرفة العلمية والتقنية بين جميع أفراد الشعب. فتعميم المعرفة يستلزم أداةَ نفاذٍ إلى مصادر المعلومات ونشرها وتنميتها والإبداع فيها. وأداة النفاذ هذه هي اللغة الوطنية. ولا يمكن للغة أجنبية أن تقوم بهذا الدور، فنحن لا نستطيع محو الأمية بلغة أجنبية. وإذا درّسنا العلوم والتقنيات بلغة أجنبية في الجامعات، فإن العلم يبقى أجنبياً محصوراً في فئة محدودة من الذين تلقوا تعليماً جامعياً ويصعب نشره وتعميمه. ولهذا فإن ترتيب الدول العربية في سُلّم التنمية البشرية الذي يضعه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة سنوياً، يأتي في آخر السلّم. فمثلاً تحتل مصر الرتبة 120، والمغرب 125، والجزائر 108، أما إذا أخذنا دولاً كانت متخلفة جداً مقارنة بالبلاد العربية في منتصف القرن الماضي، ثم طبقت بعد ذلك سياسات تنموية رشيدة ومنها استخدام اللغة الوطنية في الإعلام وفي التعليم في جميع مراحله ومختلف تخصصاته، نجد أنها أصبحت من الدول المتقدِّمة ذات التنمية البشرية العالية، مثل فنلندة 13، وكوريا 28 ( لاحظ إيطاليا 21)، وغيرها. زرتُ هاذين البلدين، فنلندة وكوريا، ولم أجد في شوارعهما أية لافتة مكتوبة بالإنجليزية أو الفرنسية، وإنما فقط باللغة الوطنية التي تُستعمَل في التعليم والإدارة. كما لم أجد في أي منهما جامعة تدرّس بلغة أجنبية، وإنما باللغة الوطنية.
والسياسات العربية سياسات جاهلة بمعنى الظلم والجور لأنها تظلم اللغة وتظلم المواطن، فاستعمال العربية في دروس الدين والإنسانيات فقط وعدم استعمالها في دروس العلوم والتقنيات يؤدي إلى نمو اللغة في جانب وجمودها في جانب آخر، فتصبح مثل بطة عرجاء. كما أن الإدارة التي تخاطب المواطن باللغة الفرنسية أو الإنجليزية التي لا يجيدها تظلمه، وأكثر من ذلك فإن هذه الإدارة تهدد السلم الاجتماعي.، لأن استخدام الإدارة لغة المستعمر القديم (الإنجليزية أو الفرنسية ) في خطاباتها الموجهة للمواطنين إساءة لهم واستعلاء عليهم ما يزرع بذور التمرُّد في نفوسهم. أما المسؤول الذي يلقي خطاباً على شعبه العربي المسلم بلغة المستعمر القديم ، فإن منطوق ذلك الخطاب هو الفرنسية أو ألإنجليزية. أما مفهومه فهو: إنني احتقركم أيها الشعب، ولا أتكلم لغتكم الوطنية، العربية، وإنما أتكلم لغة الأسياد الراقية. إضافة إلى أنه يخرق دستور بلاده، لأن دساتير الدول العربية جميعاً تنصَّ على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية. وعلى أية حال، فدولنا العربية تمتلك دساتير وقوانين جيدة ولكن السلطات لا تحترمها. وهذا من خصائص الدول المتخلفة.
تصوّري، يا جميلة، أن اللغة العربية لغة رسمية في منظمة الأمم المتحدة، ولكن معظم ممثلي الدول العربية في هذه المنظمة يلقون كلماتهم بالفرنسية أو الإنجليزية. فلماذا تحتفظ هذه المنظمة الأممية بجهاز للترجمة بين العربية إلى اللغات الرسمية الخمس الأخرى؟ ولهذا فإن النية هناك متجهة لإلغاء اللغة العربية من قائمة اللغات الرسمية في هذه المنظمة.
إن أول درس نلقّنه لأبنائنا في جامعاتنا هو احتقار الذات واحتقار الأهل ونكوّن لديهم عقدة الخواجة (أي الشعور بأن الأجنبي أفضل منهم)، وذلك عندما نلقي عليهم الدروس باللغة الفرنسية أو الإنجليزية وليس بالعربية. إننا نقول لهم من اليوم الأول إن لغة والديكم ليست لغة محترمة وليست قادرة على تعليم العلم والتكنولوجيا (وهذه أكذوبة صدقها أصحاب القرار في الدول العربية، لأن علماء اللغة في الغرب علّمونا أن جميع اللغات قادرة على التعبير عن حاجات الناطقين بها، واللغة الفارسية تُستعمَل في إيران في تدريس الطب والعلوم والتقنيات، فاستطاع الطالب الإيراني استيعاب المعرفة والإبداع فيها، واستطاعت إيران استخدام المفاعلات الذرية لإنتاج الطاقة وإطلاق الصواريخ). الأتراك يدرسون باللغة التركية، والبلغاريون يدرسون باللغة البلغارية، والهنغاريون بالهنغارية، والإسرائيليون بالعبرية، وهي لغة ميتة أحيوها منذ أقل من قرن، والإندونيسيون بالملاوية لغتهم الوطنية، إلا العرب والأفارقة فإنهم يتعلّمون بلغة المستعمِر القديم ، الإنجليزية أو الفرنسية، وهذا سرّ تخلفهم.
أما السياسات الإعلامية في الدول العربية فهي عجيبة غريبة؛ تشجّع اللهجات العاميّة في الإعلام ، لذا نجد الدول العربية تتسابق مؤخراً في إنشاء إذاعات جهوية/محلية باللهجات العربية العامية، وتمتلئ فضائياتها باللغة الأجنبية، وذريعة المسؤولين أنهم يريدون عامة الشعب أن يفهم الإعلام بلهجته العامية، مع أن معظم أطفال هؤلاء المسؤولين لا يعرفون العامية مطلقاً، لأن لغة التحدُّث في منازلهم هي لغة المستعمر القديم الفرنسية أو الإنجليزية. وبدلاً من أن يعزّز الإعلامَ اللغة الفصيحة المشتركة أداةَ اكتساب المعرفة لدى أطفالنا، يقوم الإعلام بتدميرها. وهكذا تُهدَر حقوق الطفل اللغوية في بلادنا العربية دون أن يُعاقب الفاعل. فالإحصاءات تشير إلى أن معدل القراءة في الدول الأوربية 21 كتاباً باللغة الوطنية للفرد الواحد في السنة ، وفي إسرائيل 25 كتاباً بالعبرية للفرد الواحد في السنة، وفي السنغال 5 كتب بالفرنسية للفرد الواحد في السنة، وفي البلاد العربية كتاباً واحداً فقط لكل 80 عربي في السنة، فهنيئاً لأمّة " إقرأ".
أ ص : نحن ننتمي إلى أمّة لها مقوّمات حضارية و خصوصيات ثقافية، هل ترى بأنّ مناهج التربية عندنا تتقاطع مع مناهج التربية الغربية؟
القاسمي : لقد ورثنا نظامنا التربوي برمته من المستعمِر القديم، فهو نسخة سيئة مشوشة من الأنظمة التربوية التي وضعها المستعمِر في بلادنا أيام الحماية والوصاية والاستعمار، من أجل أن تلبي احتياجات الاستعمار نفسه وليس للاستجابة لتطلعات شعوبنا العربية وآمالها في التنمية والتقدّم والوحدة. وعند استقلال بلداننا العربية، استمر العمل بتلك الأنظمة التربوية المتهرئة، مع ترقيعات هنا وهناك بين الفينة والأخرى.
نظامنا التربوي الحالي نظام كسيح غير قادر على مواكبة التحولات الجذرية الجارية في المعرفة العلمية والتقنية، وعاجز عن استيعاب الانفجار المعرفي خاصة في تقنيات المعلومات والاتصال. وهو نظام منغلق غير منفتح على محيطه الاجتماعي والاقتصادي، وليس في مقدوره تحقيق التنمية البشرية وترقية الحياة الإنسانية في بلداننا.
قبل كل شيء، لا تستوعب أنظمتنا التربوية جميع الأطفال في سن التمدرس. فقد بلغ عدد الأميين في البلاد العربية مائة مليون أُّمّي، طبقاً لبيان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمناسبة يوم الأمية العالمي. وهذا يعني أن ثلث السكان العرب تقريباً من الأميين.
والملاحظة الثانية أن الدولة لا تقوم بواجبها تجاه المواطنين في توفير تعليم جيد لجميع أبنائهم في المدن والقرى والأرياف؛ وتسمح للبعثات الثقافية الأجنبية بفتح المدارس الأجنبية الخاصة لتربية أطفالنا على هواها وبلغتها الأجنبية وليس بلغة البلاد، إضافة إلى مدارس القطاع الخاص التي تستعمل اللغات الأجنبية في التعليم. ففي العواصم العربية نجد خليطاً عجيباً من المدارس الأجنبية: البريطانية والأمريكية والفرنسية والألمانية والإيطالية وغيرها، وهي تعلّم أبناء النخبة وتربيهم على حبّ تلك الثقافة الأجنبية والتعوّد بعاداتها السيئة وليست الخيرة. وخريجو هذه المدارس الأجنبية هم الذين سيتولون الحكم في بلادنا ولا يربطهم رابط مع الشعب وهمومه، أو يهاجرون إلى أوربا وأمريكا لشعورهم بالاغتراب الثقافي في أوطانهم. أما بقية أبناء الشعب فهم على نوعين: أطفال يتعلمون في مدارس حكومية سيئة وأطفال لا يجدون المدارس في قراهم، أو لا تسمح لهم ظروف أهلهم الاقتصادية بالالتحاق بالمدارس الحكومية إن وجدت.
استطاعت كوريا أن تحقق التنمية البشرية لشعبها خلال جيل واحد (من 1960 ـ 1985) عن طريق تعميم التعليم الإلزامي الجيد على نفقة الدولة باللغة الكورية الوطنية. وإذا وُجدت مدارس أجنبية فهي لأبناء الجاليات الأجنبية وليس للكوريين. وكذلك فعلت فنلندة وجميع الدول الأخرى التي حققت التنمية البشرية.
أما مناهجنا التعليمية فما زالت تحتفظ بمخلَّفات مناهج الاستعمار القديم، فتلاميذنا العرب، مثلاً، يعرفون عن تاريخ الثورة الفرنسية وحرب الاستقلال الأمريكي أكثر مما يعرفون عن الثورة الجزائرية، مثلاً، التي قدّم فيها الشعب الجزائري البطل المليون ونصف المليون شهيد من أجل الاستقلال والكرامة.
ينبغي أن نعيد النظر في أنظمتنا التربوية ومناهجنا التعليمية بحيث تعتمد آخر التطورات العلمية والتقنية، وتحافظ على ثوابت حضارتنا، وتستجيب لمتطلبات التنمية البشرية التي تتطلع إليها شعوبنا، وتشجع التفكير والإبداع بدلاً من الحفظ والتقليد. ينبغي أن نربي أطفالنا على حقوق الإنسان واحترام الحريات، خاصة حرية التعبير، بحيث تصبح جزءا من منظومتنا القيمية. ومن الضروري أن تمهّد هذه المناهج السبيل لوحدة البلاد العربية. أدرك تماماً أن سياساتنا القطرية ووسائل إعلامنا قد جعلت من شعار الوحدة العربية كما لو كانت قضية مستهلكة بل رجعية، ولكن الوحدة العربية ضرورة اقتصادية وسياسية، تماماً كوحدة الدول الأوربية ووحدة الولايات الأمريكية، بل ووحدة دول أمريكا اللاتينية القادمة. فهذا العصر هو عصر التكتلات الكبرى ولا مكان فيه للضعيف المنفرد. ويجب أن ندرك أن سياسات الدول الكبرى المهيمنة على العالم، لم تعُد تنصبّ على منع وحدة البلاد العربية وإنما تهدف اليوم إلى تقسيم كل بلد عربي. والتربية سبيلنا لغرس فضيلة التضامن والوحدة في نفوس رجال المستقبل. وأول متطلبات الوحدة أن تكون لغة التعليم في جميع الأقطار العربية، وفي جميع مراحل التعليم، لغة واحدة هي اللغة العربية الفصيحة المشتركة ( وهذا لا يتنافى، طبعاً، مع تعلّم اللغات الأجنبية بطرق تعليمية فعّالة وإجادتها).
أ ص : الإنترنيت أصبحت واقعا في حياتنا بسلبياتها و ايجابياتها ، في رأيك ما هي أحسن طريقة يسلكها المربّون لحماية الأبناء من سلبياتها؟
القاسمي : بالمناسبة، لقد وضع مجمع اللغة العربية بدمشق لفظ (الشابكة) مقابلاً لكلمة (الإنترنت)، والمصطلح العربي أفضل لأنه يسمح بالاشتقاق منه.
قبل كل شيء، ينبغي أن تدخل الشابكة في التعليم بثلاثة أوجه:
أولاً، درس يتعلم فيه التلاميذ كيفية استعمال الشابكة واستثمار إيجابياتها وتجنّب سلبياتها،
وثانيا، استعمال الشابكة وسيلة من وسائل البحث في العلوم والآداب، وتدريب الطلاب على ذلك.
ثالثاً، استخدام الشابكة بديلاً للكتاب المدرسي، أو مكمّلاً له على الأقل. وكان بحثي الذي قدمته إلى المؤتمر الخامس والسبعين لمجمع اللغة العربية بالقاهرة في شهر أبريل الماضي، ينصب حول هذا الموضوع.
أ ص : حدّثنا عن تجربتك في الترجمة، كيف تختار النصوص و هل فعلا تقف محايدا حين تنقل المشاعر الغربية إلى لغة تختلف عنهم هي العربية الدافئة أم أنّ هنالك خطّـا إنسانيــًـا مشتركـا؟
القاسمي : لا أعدّ نفسي مترجماً محترفاً. فقد ترجمت بعض الأعمال الأدبية الغربية التي استهوتني ووددت أن أُشارك القارئ العربي المتعة والذائقة الجمالية التي حصلتُ عليها من قراءتها. ولكنني لم أترجم ما ينبغي أن يُترجم إلى اللغة العربية من كتب العلوم والتقنيات. نحن بحاجة إلى مركز قومي عربي يضع خطة محكمة لما يترجَم إلى العربية طبقاً لاحتياجات التقدم العلمي والتنمية البشرية. فجميع نهضات الأمم قامت على الترجمة. فازدهار الحضارة العربية في العصر للعباسي كان للترجمة فيه نصيب كبير، وقامت النهضة الأوربية بعد العصور المظلمة على حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية، وساهمت حركة الترجمة التي تبناها الاتحاد السوفيتي بعد الثورة البلشفية سنة 1917 في التقدم العلمي في البلاد، وأطلقت إسرائيل بعد إنشائها على أرض فلسطين المغتصبة حركة للترجمة نُقِلت فيها عشرات الآلاف من الكتب إلى اللغة العبرية، أما العرب فلم يترجموا في العصر الحديث برمته سوى أقل مما تترجمه أسبانيا أو اليونان خلال سنة واحدة.
المترجم الجيد يستطيع نقل حرارة النص من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، فلا توجد لغة دافئة وأخرى باردة، كما أنه لا توجد لغة جميلة وأخرى قبيحة. إن الدفء في اللغة يتوقف على مقدرة الكاتب أو المترجم.
أ ص : ما هي حسب رأيك خصوصيات السرد الأمريكي مقارنة بالسّرد العربي؟
القاسمي : السرد هو أكثر الأنواع الأدبية انتشاراً في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك إقبال كبير عليه خاصة على القصص القصيرة التي تنشَر منها الآلاف سنوياً في دوريات عامة وأخرى متخصصة في القصة القصيرة. وتُمنَح لكتابها الجوائز في كل ولاية وكل مدينة تقريباً، ويصدر أفضلها سنوياً في سلسلة مشهورة عنوانها " أفضل القصص الأمريكية لعام ــ".
وقد دأب السرد الأمريكي على تصوير أحوال المجتمع الأمريكي وتحولاته ومشكلاته مثل: الهجرة إلى العالم الجديد ومشكلاتها، العنف والعصابات، معاناة الجنود وأهاليهم في الحروب التي تشنها أمريكا، الأوبئة والأمراض المستعصية كالسرطان ونقص المناعة، التمييز العنصري، معاناة كبار السنّ، المخدرات، إلخ.
ومنذ منتصف القرن الماضي تحوّل السرد الأمريكي من وصف الأحداث والوقائع إلى وصف الأحاسيس والمشاعر، وأخذ يلجأ إلى لغة شعرية تستخدم الرمز والإيحاء والتلميح، وأفاد من تقنيات السينما المتطورة في أمريكا. فالأديب هو الشاهد على عصره، كما يقال، ولهذا فهو يعكس في نتاجه الأدبي ملامح مجتمعه وحركته ومستواه العلمي والتقني.
إن حرية التعبير التي أصبحت قيمة من قيم المجتمع الأمريكي أدت إلى تعدد المدارس السردية في البلاد، فنجد الواقعية، والواقعية القذرة، والسوريالية، والعجائبية الفنتازية، وغيرها. وقد حاولتُ في كتابي " مرافئ على الشاطئ الآخر: روائع القصص الأمريكية المعاصرة" (بيروت: إفريقيا الشرق، 2003) أن أختار من كل مدرسة سردية قصة متميزة لكاتب بارز، وحرصت أن تتناول كل قصة إحدى مشكلات المجتمع الأمريكي.
أ ص: "رسالة إلى حبيبتي" بلغة و سرد يخرجـان عن المألوف تتحدث عن العراق حبيبتك المتألمة ، و تأخذنا إلى "صمت البحر" بتقنيات أخرى لا تقلّ روعة و جمالا ، ما هذا السرّ في تميز نصوصك السردية ، هل هو ثراء تجربتك العلمية ، الأدبية و الإنسانية؟
القاسمي : كنتُ منذ سنوات طويلة، ألجأ إلى كتابة القصة القصيرة مثل اللجوء إلى واحة للاستراحة من عناء العمل ولمكاشفة النفس، دون أن أنشر هذه القصص في مجموعات. وعندما تفرّغت من العمل، أخذت أصنّف هذه القصص حسب موضوعاتها (تيماتها) تمهيداً للنشر، فكانت مجموعة عن ذكريات الطفولة والوطن، وأخرى عن العلاقات الإنسانية، وثالثة عن الأحزان، ورابعة عن الموت، وخامسة عن قضايا علم النفس الموازي. والهدف من ذلك إصدار مجموعات قصصية وليس مجموعات قصص. والفرق بين الاثنين أن قصص المجموعة القصصية يربطها رابط موضوعي وأسلوبي، في حين أن مجموعة القصص لا يربط بين قصصها رابط محدد. ومعروف أن الموضوع يؤثر في اختيار الأسلوب والتقنيات السردية.
أ ص : تذكر أستاذ يوم اتّصلت بك أستشيرك في أسلوب سردي قال عنه البعض بأنهّ لا يمت للقصة القصيرة بصلة فقلت لي العكس تماما ، في رأيك و أنت المنظّر في النقد ألا ترى بأنّ القصة القصيرة هي أيضا تعرف مرحلة تطوّر مع تطوّر باقي الأجناس فنقرأ الرواية الجديدة و نقرأ القصيدة النثرية ، ما رأيكم؟
القاسمي : القصة القصيرة نوع أدبي جديد ما زال تحت الصنع، فهو يتطور يومياً، ولا يوجد تعريف محدد للقصة القصيرة، فتعريفاتها تتعدد بتعدد كتّابها الكبار. وقد قرأتُ ذات مرة أن القصة القصيرة تقع داخل مربع أضلاعه هي: التاريخ، والمقالة، والمسرح، والشعر؛ ويتفاوت قربها أو بعدها من هذه الأضلاع من قصة إلى أخرى. فلا يوجد قالب محدد لموضوع القصة القصيرة أو أسلوبها. لقد قرأت قصصاً قصيرة لكبار كتّاب القصة القصيرة الأوربيين والأمريكيين، فوجدت أن بعضها مثل مسرحية من فصل واحد، وبعضها الآخر مثل قصيدة شعرية، وبعضها الآخر مثل مقال سياسي. وسعى بعض القصاصين منذ ثلاثينيات القرن الماضي إلى كتابة قصة تتداخل فيها الأنواع الأدبية، من أجل الوصول إلى جمهور أوسع من القراء.
أ ص : أثير في مرحلة ما موضوع الأدب المغاربي و الأدب المشرقي و أنت المشرقي المقيم في الديار المغاربية ، رأيكم في هذا المصطلح ألا يجحف حق الأدب الواحد الذي هو الأدب العربي؟
القاسمي : أنا أؤمن بأن الثقافة العربية واحدة لها خصائص جوهرية مشتركة مميزة، مع توفرها على ثقافات فرعية ذات سمات ثانوية، كما أن اللغة العربية واحدة وتشتمل على لهجات أقليمية. ولهذا فإن الأدب المكتوب باللغة العربية هو أدب عربي واحد لأنه يمثل ثقافة واحدة، مع خصوصيات قطرية تتفاوت قوة وضعفاً من كاتب إلى آخر. إن هذه التسميات أو التقسيمات شبيهة بتقسيم الرواية إلى رواية نسائية ورواية ذكورية، وغير ذلك، وهي نتيجة تنظيرات النقاد المختلفين، ولا أرى ضرراً فيها. يمكنك أن تتحدثي مثلاً عن الأدب المصري، والأدب الجزائري، والأدب الفلسطيني، ما دامت أقطارنا غير موحدة. ولو توحدت هذه الأقطارـ كما توحّدت الأقطار الأوربية ـ لتمكّنا من الحديث عن أدب عربي واحد، في حين لا نستطيع أن نتحدث عن أدب أوربي واحد، لأن هذا الأدب يُكتَب بلغات متعددة، فدول الاتحاد الأوربي السبع والعشرين تتحدث بست وعشرين لغة. فاللغة عامل حاسم في تجنيس العمل الأدبي وتصنيفه، لأن اللغة تؤثر في الفكر كما تتأثر به. ولهذا فأنا لا أعد الرواية التي يكتبها كاتب عربي بلغة فرنسية رواية عربية، وإنما رواية هجينة. وهذا رأي شخصي قابل للمناقشة طبعاً. وقد تناولته بالتفصيل في كتابي: " العراق في القلب: دراسات في حضارة العراق" (بيروت: المركز الثقافي العربي، 2004) الذي ستصدر منه طبعة ثانية موسّعة عن الدار العربية للموسوعات في بيروت الشهر القادم.
أ ص : أيها البحر العظيم الذي وقفنا ننهل منه و هو في تواضع يمنحنا الجواهر هل من كلمة للمبدعين و الأدباء في الجزائر
القاسمي : أتشرف بزيارة الجزائر بين آونة وأخرى للمشاركة في المؤتمرات التي يعقدها المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر، وأتابع بإعجاب واعتزاز أعمال كثير من المبدعين والأدباء الجزائريين واستفيد منها. وفي الحقيقة، أنا الذي احتاج إلى كلمة منهم لتطوير عملي.
شكرا أن أعطيتمونا من وقتكم و من علمكم تقبل احترامنا الكبير
حاورته : جميلة طلباوي
لخميس 11 صفر 1441هـ الموافق لـ : 10 أكتوبر 2019م |
عزيزي القارئ جرّب أن تقف أمام البحر و أن تحاول سبر أغواره و إخراج كل الدرر من أعماقه ، هذا بالضّبط ما حدث لي و أنا أقف أمام هامة ثقافية و علمية شامخة، نهل من بحر العلم حتى أخرج اللآلئ دراسات و بحوثاً أكاديمية باللّغتين العربية و الانجليزية ، مجال اشتغاله الأكاديمي هو علم المصطلح و صناعة المعجم و البحث اللّغوي ، كلّ هذا لم يمنعه من الانشغال بالتربية و الفكر و بالإبداع لأدبي في مجال السرد، و للسّرد معه حكاية فهو يكتب بلغة من ضوء و دهشة تؤسّس لنصوص في منتهى الروعة و الجمال ، ليس هذا غريبا إذا ما عرفنا ثراء ثقافته و إلمامه بعدّة لغات و اطّلاعه على الأدب العالمي و ترجمته للعديد من الروايات و القصص الأمريكية الحديثة من الانجليزية إلى العربية.
انّه الباحث و الأديب العراقي المقيم بالمغرب الأقصى الدكتور علي القاسمي الحائز على عدّة أوسمة نذكر : وسام الأسد الوطني الذي منحه له رئيس جمهورية السنغال ليبولد سيدار سنغور عام 1975م بمناسبة مساهمته في تأسيس مدارس عربية إسلامية في داكار، و نال دروع عديد من جامعات حاضر فيها أو عقد مؤتمرات في رحابها مثل جامعة قناة السويس المصرية ، جامعة مراوي سيتي الفلبينية ، جامعة اليرموك الأردنية و جامعة ريو الإندونيسية. و هو الذي حاز أثناء دراسته العالية على منح جامعية عديدة من جامعة بغداد ، جامعة أكسفورد ، و جامعة تكساس. هو أيضا عضو في هيئة تحرير مجلة اللسان العربي –الرباط، و عضو الهيئة الاستشارية لمجلة الطفولة و التنمية بالقاهرة ، عضو سابق في هيئة تحرير مجلة الإسلام اليوم بالرباط و عضو سابق في هيئة تحرير مجلة التربية بالرياض و عضو الهيئة الاستشارية لمجلّة المصطلحية بفاس المغربية.
أمّا عن دراسته العالية فقد تلقى تعليمه العالي في جامعات في العراق (جامعة بغداد) و في لبنان (الجامعة الأمريكية و جامعة بيروت العربية) و جامعة أكسفورد في بريطانيا و جامعة السوربون في فرنسا و في الولايات المتّحدة الأمريكية جامعة تكساس في أوستن)، حصل على بكالوريوس (مرتبة الشرف) في الآداب و ليسانس في الحقوق و ماجستير في التربية و دكتوراه في الفلسفة في اللّغة التطبيقي . مارس التعليم في جامعة بغداد و جامعة تكساس في أوستن و جامعة الرياض و جامعة محمّد الخامس بالرّباط. عمل مديرا لإدارة التربية في المنظّمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة بالرباط، و غيرها من المناصب في المنظمة و مديرا للأمانة العامة لاتّحاد جامعات العالم الإسلامي ، يعمل حاليا مستشارا لمكتب تنسيق التعريب بالرباط ، عضو مراسل عن العراق في مجمع اللغة العربية بالقاهرة و في مجمع اللغة العربية بدمشق، هو أيضا عضو الهيئة الاستشارية للمركز الكوري للغة العربية و الثقافة الإسلامية في سيول .
مجالات اهتمامه متعدّدة تشمل التربية، تعليم اللّغة العربية ومناهجها، علم المصطلح، صناعة المعجم ، الترجمة و نظرياتها ، حقوق الإنسان، التنمية البشرية ، كتابة القصة القصيرة و الرواية ، النّقد الأدبي المعاصر، التاريخ الفكري ، التعليم العالي. يجيد الانجليزية و الفرنسية و يلمّ بالاسبانية و الألمانية. له العشرات من المؤلّفات بالعربية و الانجليزية في التربية و الفكر و علم المصطلح و النقد. ترجم روايات لأرنست همنغواي و عدّة قصص أمريكية معاصرة ، كما أصدر مجموعات قصصية : "رسالة إلى حبيبتي"، " صمت البحر"، " دوائر الأحزان" ، "أوان الرحيل "، "حياة سابقة"، وقصة طويلة للأطفال عنوانها " عصفورة الأمير: قصة عاطفية من طي النسيان للأذكياء من الفتيات والفتيان " تعلّم حقوق الإنسان بطريقة سردية شيّقة. كما ألّف معاجم في طليعتها " المعجم العربي الأساسي" (المنسِّق)، و"معجم الاستشهادات الموسع" .
كل ّ هذه المقدّمة لا تفي هذه الهامة الشامخة حقّها إذا ما رجعنا إلى السيرة العلمية للدكتور علي القاسمي الزاخرة بعطائه الجيّد و القيّم، نتشرّف اليوم باستضافته و هو الذي يفضّل الابتعاد عن الأضواء لكنّة لبّى طلبنا بكل تواضع لنجري معه هذا الحوار.
أصوات الشمال : سيدي الفاضل ها أنا أقف حائرة أمام زخمك المعرفي و مسيرتك الزاخرة بالعطاء الأدبي و العلمي و الإنساني، لا أدري من أين أبدأ فهل تسمح لي أن يكون سؤالي في البداية ، هذا الثراء و التنوع هل هو نتاج عبقريتك الواضحة أم إرادة في البحث عن الذات فكانت الرحلة حافلة؟
القاسمي : أولا، أشكرك على تفضلك بإجراء حوار معي، وأود أن أوجّه عن طريقك تحيةً طيبة حارة إلى جميع القراء الكرام. واسمحي لي أن أقول إنك بلطفك وكرمك وأدبك الجم قد أضفيتِ عليَّ في المقدمة صفات لا أستحقها، فأنا لستُ البحر على الرغم من أنني أعيش على شاطئ البحر منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وأنا لا أرى في نفسي أكثر من طالب علم محب للقراءة والتعلّم.
يصعب عليّ الإجابة على سؤالك الأول، وهو سؤال تختلف نظريات علم النفس في الإجابة عليه. ما الذي يجعل من الفرد شاعراً أو تقنياً أو متعدد المواهب؟ كلُّ ما أعرفه عن نفسي أن والدي رحمه الله شجعني منذ طفولتي المبكرة على القراءة المتنوعة، وحفّز حبّ الاستطلاع لدي، فصار اكتساب المعرفة من الكتب والرجال والجامعات يمنحني متعةً كبيرة. القراءة كالصلاة تعوّد ومحبة. حتى في عطلي الصيفية كنتُ أبحث عن جامعة تنظِّم دراسات صيفية. فذهبتُ ذات صيف وأنا في مطلع العشرينيات من عمري إلى جامعة أوسلو في النرويج لدراسة الأدب والتربية، والتحقتُ في صيف آخر في معهد غوته في مدينة " روتنبرغ أب در تاوبر" في المانيا لتعلّم اللغة الألمانية، ودرست في صيف آخر في جامعة مشيغان في آن آربر في الولايات المتحدة الأمريكية للوقوف على التقنيات التربوية خاصة مختبر اللغة.
وعندما حصلتُ على الدكتوراه من جامعة تكساس في أوستن ، وهي إحدى الجامعات الأمريكية العشر الكبرى آنذاك، ألقى رئيس الجامعة خطاباً في حفل التخرج قال فيه إن هذه الورقة التي نسلمها إليكم اليوم ( شهادة الدكتوراه) هي مجرد إشعار بأنكم تستطيعون القراءة والكتابة وأنكم قابلون للتعلم منذ اليوم. وقد طبّقت ما قاله الرئيس حرفياً إذ شرعتُ في التعلّم من كلّ ما حولي ومن حولي: من الدروس التي كنتُ ألقيها في الجامعات التي عملتُ بها، وكانت دروس مختلفة متنوعة، مثل تاريخ الأدب الإنجليزي، والنقد الأدبي، والقصة القصيرة، والرواية، ونظريات الترجمة، إضافة إلى محاضراتي على طلبة الدراسات العليا في مجال تخصصي: علم المصطلح وصناعة المعجم.
وحينما عملتُ خبيراً في مكتب تنسيق التعريب بالرباط، أخذت أتعلّم من مدير المكتب العلامة الأستاذ عبد العزيز بنعبدالله (خريج جامعة الجزائر)، الذي كان فقيهاً، ومحدِّثاً، ومؤرخاً، ولغوياً، ومعجمياً، وروائياً كتب عدداً من الروايات التاريخية باللغة العربية لمقاومة الحماية الفرنسية في المغرب. وعندما أصبحتُ مديراً في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، كان من حسن حظي أن المدير العام هو رجل الدولة المغربي الأستاذ عبد الهادي بوطالب الذي جمع بين ثقافته الإسلامية في جامع القرويين وبين الثقافة الغربية، وألّف ما ينيف على ستين كتاباً في الفقه الإسلامي، والقانون الدستوري، والتاريخ السياسي، واللغة العربية. فكانت سنوات عملي العشر معه وليمة معرفية متنقلة إذ كان يصطحبني معه في رحلات العمل من إندونيسيا وماليزيا إلى النيجر ومالي.
وحينما تركتُ العمل في المنظمة قبل عشر سنوات تقريباً للتفرّغ للقراءة والكتابة، طلبت مني الأمم المتحدة مراجعة الترجمة الإنجليزية ـ العربية لتقارير التنمية البشرية السنوية. ومن هذه التقارير تعلمتُ متطلبات التنمية البشرية وحقوق الإنسان بصورة عامة وكتبتُ في هذين الموضوعين.
يبدو لي أنني كنتُ محظوظاً بحيث أُتيحت لي فرص إشباع رغبتي في التعلُّم والنهل من المعرفة. وأتمنى أن تتاح فرص أفضل لأبنائنا الطلاب العرب.
أ ص : مجال اشتغالك الأكاديمي هو علم المصطلح و صناعة المعجم و البحث اللّغوي ، كيف تقيّم اللغة العربية في خضّم العولمة و التغيّرات في العالم ، هل ترى بأنّها لغة قادرة على الصمود أمام التغيّرات خاصّة و أنّ لغة العلم حاليا هي الانجليزية و نحن في بحث دائم عن المصطلح العلمي باللغة العربية؟
القاسمي : اللغة العربية لغة عالمية، وهي أطول لغات العالم عمراً وأقدرها على الوضع والعطاء بفضل نظامها الاشتقاقي، وهي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، والتي يتوق إلى تعلُمها مليار ونصف مليار مسلم في العالم ويؤدون شعائر دينهم بها، ولهذا أثّرت اللغة العربية في لغاتهم كالفارسية والتركية والملاوية والسواحيلية وغيرها. فمعجم اللغة الفارسية، مثلاً، يشتمل على ستين بالمائة من الألفاظ العربية كما تتشكّل الأبجدية الفارسية نفسها من الحرف العربي. وتحتل البلاد العربية موقعاً جغرافياً استراتيجياً في وسط العالم، ولها تاريخ حضاري ثري، وتتوفر على طاقات سكانية واقتصادية وسياحية هائلة. كل هذه المؤهلات تجعل من العربية لغة عالمية، ولهذا أضافتها الأمم المتحدة، منذ أربعة عقود من السنين تقريباً، إلى لغاتها الرسمية الخمس: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية. وطبقاً للعالم اللغوي الكندي أستاذ اللسانيات في جامعة ميغيل، وليم ماكي، الذي وضع مقياساً لعالمية اللغات، فإن ترتيب اللغات العالمية هو: الإنجليزية، العربية، الإسبانية، الفرنسية.
اللغة العربية لا تعاني مشكلة لسانية، ولا تعاني العولمة، وإنما تعاني الضعف المهيمن على أهلها. وقد أساءت السياسات التعليمية والتربوية والإعلامية والثقافية التي تنتهجها الدول العربية منذ استقلالها في أواسط القرن الماضي حتى اليوم، إساءة بالغة إلى اللغة العربية، لأنها سياسات جاهلة حقاً(... والجهل هنا بمعنييه: عدم المعرفة، والجور والظلم كما ورد على لسان الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلقته:
[ ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا] ...)
هذه السياسات العربيّة تصرّ على استعمال لغة المستعمِر القديم (الإنجليزية أو الفرنسية) لغةً لتعليم العلوم والتكنولوجيا ( الطب، الصيدلة، الهندسة، الزراعة، إلخ.) . وهذا ينم عن عدم معرفة بأبسط متطلبات التنمية البشرية في البلاد، ألا وهو نشر المعرفة العلمية والتقنية بين جميع أفراد الشعب. فتعميم المعرفة يستلزم أداةَ نفاذٍ إلى مصادر المعلومات ونشرها وتنميتها والإبداع فيها. وأداة النفاذ هذه هي اللغة الوطنية. ولا يمكن للغة أجنبية أن تقوم بهذا الدور، فنحن لا نستطيع محو الأمية بلغة أجنبية. وإذا درّسنا العلوم والتقنيات بلغة أجنبية في الجامعات، فإن العلم يبقى أجنبياً محصوراً في فئة محدودة من الذين تلقوا تعليماً جامعياً ويصعب نشره وتعميمه. ولهذا فإن ترتيب الدول العربية في سُلّم التنمية البشرية الذي يضعه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة سنوياً، يأتي في آخر السلّم. فمثلاً تحتل مصر الرتبة 120، والمغرب 125، والجزائر 108، أما إذا أخذنا دولاً كانت متخلفة جداً مقارنة بالبلاد العربية في منتصف القرن الماضي، ثم طبقت بعد ذلك سياسات تنموية رشيدة ومنها استخدام اللغة الوطنية في الإعلام وفي التعليم في جميع مراحله ومختلف تخصصاته، نجد أنها أصبحت من الدول المتقدِّمة ذات التنمية البشرية العالية، مثل فنلندة 13، وكوريا 28 ( لاحظ إيطاليا 21)، وغيرها. زرتُ هاذين البلدين، فنلندة وكوريا، ولم أجد في شوارعهما أية لافتة مكتوبة بالإنجليزية أو الفرنسية، وإنما فقط باللغة الوطنية التي تُستعمَل في التعليم والإدارة. كما لم أجد في أي منهما جامعة تدرّس بلغة أجنبية، وإنما باللغة الوطنية.
والسياسات العربية سياسات جاهلة بمعنى الظلم والجور لأنها تظلم اللغة وتظلم المواطن، فاستعمال العربية في دروس الدين والإنسانيات فقط وعدم استعمالها في دروس العلوم والتقنيات يؤدي إلى نمو اللغة في جانب وجمودها في جانب آخر، فتصبح مثل بطة عرجاء. كما أن الإدارة التي تخاطب المواطن باللغة الفرنسية أو الإنجليزية التي لا يجيدها تظلمه، وأكثر من ذلك فإن هذه الإدارة تهدد السلم الاجتماعي.، لأن استخدام الإدارة لغة المستعمر القديم (الإنجليزية أو الفرنسية ) في خطاباتها الموجهة للمواطنين إساءة لهم واستعلاء عليهم ما يزرع بذور التمرُّد في نفوسهم. أما المسؤول الذي يلقي خطاباً على شعبه العربي المسلم بلغة المستعمر القديم ، فإن منطوق ذلك الخطاب هو الفرنسية أو ألإنجليزية. أما مفهومه فهو: إنني احتقركم أيها الشعب، ولا أتكلم لغتكم الوطنية، العربية، وإنما أتكلم لغة الأسياد الراقية. إضافة إلى أنه يخرق دستور بلاده، لأن دساتير الدول العربية جميعاً تنصَّ على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية. وعلى أية حال، فدولنا العربية تمتلك دساتير وقوانين جيدة ولكن السلطات لا تحترمها. وهذا من خصائص الدول المتخلفة.
تصوّري، يا جميلة، أن اللغة العربية لغة رسمية في منظمة الأمم المتحدة، ولكن معظم ممثلي الدول العربية في هذه المنظمة يلقون كلماتهم بالفرنسية أو الإنجليزية. فلماذا تحتفظ هذه المنظمة الأممية بجهاز للترجمة بين العربية إلى اللغات الرسمية الخمس الأخرى؟ ولهذا فإن النية هناك متجهة لإلغاء اللغة العربية من قائمة اللغات الرسمية في هذه المنظمة.
إن أول درس نلقّنه لأبنائنا في جامعاتنا هو احتقار الذات واحتقار الأهل ونكوّن لديهم عقدة الخواجة (أي الشعور بأن الأجنبي أفضل منهم)، وذلك عندما نلقي عليهم الدروس باللغة الفرنسية أو الإنجليزية وليس بالعربية. إننا نقول لهم من اليوم الأول إن لغة والديكم ليست لغة محترمة وليست قادرة على تعليم العلم والتكنولوجيا (وهذه أكذوبة صدقها أصحاب القرار في الدول العربية، لأن علماء اللغة في الغرب علّمونا أن جميع اللغات قادرة على التعبير عن حاجات الناطقين بها، واللغة الفارسية تُستعمَل في إيران في تدريس الطب والعلوم والتقنيات، فاستطاع الطالب الإيراني استيعاب المعرفة والإبداع فيها، واستطاعت إيران استخدام المفاعلات الذرية لإنتاج الطاقة وإطلاق الصواريخ). الأتراك يدرسون باللغة التركية، والبلغاريون يدرسون باللغة البلغارية، والهنغاريون بالهنغارية، والإسرائيليون بالعبرية، وهي لغة ميتة أحيوها منذ أقل من قرن، والإندونيسيون بالملاوية لغتهم الوطنية، إلا العرب والأفارقة فإنهم يتعلّمون بلغة المستعمِر القديم ، الإنجليزية أو الفرنسية، وهذا سرّ تخلفهم.
أما السياسات الإعلامية في الدول العربية فهي عجيبة غريبة؛ تشجّع اللهجات العاميّة في الإعلام ، لذا نجد الدول العربية تتسابق مؤخراً في إنشاء إذاعات جهوية/محلية باللهجات العربية العامية، وتمتلئ فضائياتها باللغة الأجنبية، وذريعة المسؤولين أنهم يريدون عامة الشعب أن يفهم الإعلام بلهجته العامية، مع أن معظم أطفال هؤلاء المسؤولين لا يعرفون العامية مطلقاً، لأن لغة التحدُّث في منازلهم هي لغة المستعمر القديم الفرنسية أو الإنجليزية. وبدلاً من أن يعزّز الإعلامَ اللغة الفصيحة المشتركة أداةَ اكتساب المعرفة لدى أطفالنا، يقوم الإعلام بتدميرها. وهكذا تُهدَر حقوق الطفل اللغوية في بلادنا العربية دون أن يُعاقب الفاعل. فالإحصاءات تشير إلى أن معدل القراءة في الدول الأوربية 21 كتاباً باللغة الوطنية للفرد الواحد في السنة ، وفي إسرائيل 25 كتاباً بالعبرية للفرد الواحد في السنة، وفي السنغال 5 كتب بالفرنسية للفرد الواحد في السنة، وفي البلاد العربية كتاباً واحداً فقط لكل 80 عربي في السنة، فهنيئاً لأمّة " إقرأ".
أ ص : نحن ننتمي إلى أمّة لها مقوّمات حضارية و خصوصيات ثقافية، هل ترى بأنّ مناهج التربية عندنا تتقاطع مع مناهج التربية الغربية؟
القاسمي : لقد ورثنا نظامنا التربوي برمته من المستعمِر القديم، فهو نسخة سيئة مشوشة من الأنظمة التربوية التي وضعها المستعمِر في بلادنا أيام الحماية والوصاية والاستعمار، من أجل أن تلبي احتياجات الاستعمار نفسه وليس للاستجابة لتطلعات شعوبنا العربية وآمالها في التنمية والتقدّم والوحدة. وعند استقلال بلداننا العربية، استمر العمل بتلك الأنظمة التربوية المتهرئة، مع ترقيعات هنا وهناك بين الفينة والأخرى.
نظامنا التربوي الحالي نظام كسيح غير قادر على مواكبة التحولات الجذرية الجارية في المعرفة العلمية والتقنية، وعاجز عن استيعاب الانفجار المعرفي خاصة في تقنيات المعلومات والاتصال. وهو نظام منغلق غير منفتح على محيطه الاجتماعي والاقتصادي، وليس في مقدوره تحقيق التنمية البشرية وترقية الحياة الإنسانية في بلداننا.
قبل كل شيء، لا تستوعب أنظمتنا التربوية جميع الأطفال في سن التمدرس. فقد بلغ عدد الأميين في البلاد العربية مائة مليون أُّمّي، طبقاً لبيان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمناسبة يوم الأمية العالمي. وهذا يعني أن ثلث السكان العرب تقريباً من الأميين.
والملاحظة الثانية أن الدولة لا تقوم بواجبها تجاه المواطنين في توفير تعليم جيد لجميع أبنائهم في المدن والقرى والأرياف؛ وتسمح للبعثات الثقافية الأجنبية بفتح المدارس الأجنبية الخاصة لتربية أطفالنا على هواها وبلغتها الأجنبية وليس بلغة البلاد، إضافة إلى مدارس القطاع الخاص التي تستعمل اللغات الأجنبية في التعليم. ففي العواصم العربية نجد خليطاً عجيباً من المدارس الأجنبية: البريطانية والأمريكية والفرنسية والألمانية والإيطالية وغيرها، وهي تعلّم أبناء النخبة وتربيهم على حبّ تلك الثقافة الأجنبية والتعوّد بعاداتها السيئة وليست الخيرة. وخريجو هذه المدارس الأجنبية هم الذين سيتولون الحكم في بلادنا ولا يربطهم رابط مع الشعب وهمومه، أو يهاجرون إلى أوربا وأمريكا لشعورهم بالاغتراب الثقافي في أوطانهم. أما بقية أبناء الشعب فهم على نوعين: أطفال يتعلمون في مدارس حكومية سيئة وأطفال لا يجدون المدارس في قراهم، أو لا تسمح لهم ظروف أهلهم الاقتصادية بالالتحاق بالمدارس الحكومية إن وجدت.
استطاعت كوريا أن تحقق التنمية البشرية لشعبها خلال جيل واحد (من 1960 ـ 1985) عن طريق تعميم التعليم الإلزامي الجيد على نفقة الدولة باللغة الكورية الوطنية. وإذا وُجدت مدارس أجنبية فهي لأبناء الجاليات الأجنبية وليس للكوريين. وكذلك فعلت فنلندة وجميع الدول الأخرى التي حققت التنمية البشرية.
أما مناهجنا التعليمية فما زالت تحتفظ بمخلَّفات مناهج الاستعمار القديم، فتلاميذنا العرب، مثلاً، يعرفون عن تاريخ الثورة الفرنسية وحرب الاستقلال الأمريكي أكثر مما يعرفون عن الثورة الجزائرية، مثلاً، التي قدّم فيها الشعب الجزائري البطل المليون ونصف المليون شهيد من أجل الاستقلال والكرامة.
ينبغي أن نعيد النظر في أنظمتنا التربوية ومناهجنا التعليمية بحيث تعتمد آخر التطورات العلمية والتقنية، وتحافظ على ثوابت حضارتنا، وتستجيب لمتطلبات التنمية البشرية التي تتطلع إليها شعوبنا، وتشجع التفكير والإبداع بدلاً من الحفظ والتقليد. ينبغي أن نربي أطفالنا على حقوق الإنسان واحترام الحريات، خاصة حرية التعبير، بحيث تصبح جزءا من منظومتنا القيمية. ومن الضروري أن تمهّد هذه المناهج السبيل لوحدة البلاد العربية. أدرك تماماً أن سياساتنا القطرية ووسائل إعلامنا قد جعلت من شعار الوحدة العربية كما لو كانت قضية مستهلكة بل رجعية، ولكن الوحدة العربية ضرورة اقتصادية وسياسية، تماماً كوحدة الدول الأوربية ووحدة الولايات الأمريكية، بل ووحدة دول أمريكا اللاتينية القادمة. فهذا العصر هو عصر التكتلات الكبرى ولا مكان فيه للضعيف المنفرد. ويجب أن ندرك أن سياسات الدول الكبرى المهيمنة على العالم، لم تعُد تنصبّ على منع وحدة البلاد العربية وإنما تهدف اليوم إلى تقسيم كل بلد عربي. والتربية سبيلنا لغرس فضيلة التضامن والوحدة في نفوس رجال المستقبل. وأول متطلبات الوحدة أن تكون لغة التعليم في جميع الأقطار العربية، وفي جميع مراحل التعليم، لغة واحدة هي اللغة العربية الفصيحة المشتركة ( وهذا لا يتنافى، طبعاً، مع تعلّم اللغات الأجنبية بطرق تعليمية فعّالة وإجادتها).
أ ص : الإنترنيت أصبحت واقعا في حياتنا بسلبياتها و ايجابياتها ، في رأيك ما هي أحسن طريقة يسلكها المربّون لحماية الأبناء من سلبياتها؟
القاسمي : بالمناسبة، لقد وضع مجمع اللغة العربية بدمشق لفظ (الشابكة) مقابلاً لكلمة (الإنترنت)، والمصطلح العربي أفضل لأنه يسمح بالاشتقاق منه.
قبل كل شيء، ينبغي أن تدخل الشابكة في التعليم بثلاثة أوجه:
أولاً، درس يتعلم فيه التلاميذ كيفية استعمال الشابكة واستثمار إيجابياتها وتجنّب سلبياتها،
وثانيا، استعمال الشابكة وسيلة من وسائل البحث في العلوم والآداب، وتدريب الطلاب على ذلك.
ثالثاً، استخدام الشابكة بديلاً للكتاب المدرسي، أو مكمّلاً له على الأقل. وكان بحثي الذي قدمته إلى المؤتمر الخامس والسبعين لمجمع اللغة العربية بالقاهرة في شهر أبريل الماضي، ينصب حول هذا الموضوع.
أ ص : حدّثنا عن تجربتك في الترجمة، كيف تختار النصوص و هل فعلا تقف محايدا حين تنقل المشاعر الغربية إلى لغة تختلف عنهم هي العربية الدافئة أم أنّ هنالك خطّـا إنسانيــًـا مشتركـا؟
القاسمي : لا أعدّ نفسي مترجماً محترفاً. فقد ترجمت بعض الأعمال الأدبية الغربية التي استهوتني ووددت أن أُشارك القارئ العربي المتعة والذائقة الجمالية التي حصلتُ عليها من قراءتها. ولكنني لم أترجم ما ينبغي أن يُترجم إلى اللغة العربية من كتب العلوم والتقنيات. نحن بحاجة إلى مركز قومي عربي يضع خطة محكمة لما يترجَم إلى العربية طبقاً لاحتياجات التقدم العلمي والتنمية البشرية. فجميع نهضات الأمم قامت على الترجمة. فازدهار الحضارة العربية في العصر للعباسي كان للترجمة فيه نصيب كبير، وقامت النهضة الأوربية بعد العصور المظلمة على حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية، وساهمت حركة الترجمة التي تبناها الاتحاد السوفيتي بعد الثورة البلشفية سنة 1917 في التقدم العلمي في البلاد، وأطلقت إسرائيل بعد إنشائها على أرض فلسطين المغتصبة حركة للترجمة نُقِلت فيها عشرات الآلاف من الكتب إلى اللغة العبرية، أما العرب فلم يترجموا في العصر الحديث برمته سوى أقل مما تترجمه أسبانيا أو اليونان خلال سنة واحدة.
المترجم الجيد يستطيع نقل حرارة النص من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، فلا توجد لغة دافئة وأخرى باردة، كما أنه لا توجد لغة جميلة وأخرى قبيحة. إن الدفء في اللغة يتوقف على مقدرة الكاتب أو المترجم.
أ ص : ما هي حسب رأيك خصوصيات السرد الأمريكي مقارنة بالسّرد العربي؟
القاسمي : السرد هو أكثر الأنواع الأدبية انتشاراً في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك إقبال كبير عليه خاصة على القصص القصيرة التي تنشَر منها الآلاف سنوياً في دوريات عامة وأخرى متخصصة في القصة القصيرة. وتُمنَح لكتابها الجوائز في كل ولاية وكل مدينة تقريباً، ويصدر أفضلها سنوياً في سلسلة مشهورة عنوانها " أفضل القصص الأمريكية لعام ــ".
وقد دأب السرد الأمريكي على تصوير أحوال المجتمع الأمريكي وتحولاته ومشكلاته مثل: الهجرة إلى العالم الجديد ومشكلاتها، العنف والعصابات، معاناة الجنود وأهاليهم في الحروب التي تشنها أمريكا، الأوبئة والأمراض المستعصية كالسرطان ونقص المناعة، التمييز العنصري، معاناة كبار السنّ، المخدرات، إلخ.
ومنذ منتصف القرن الماضي تحوّل السرد الأمريكي من وصف الأحداث والوقائع إلى وصف الأحاسيس والمشاعر، وأخذ يلجأ إلى لغة شعرية تستخدم الرمز والإيحاء والتلميح، وأفاد من تقنيات السينما المتطورة في أمريكا. فالأديب هو الشاهد على عصره، كما يقال، ولهذا فهو يعكس في نتاجه الأدبي ملامح مجتمعه وحركته ومستواه العلمي والتقني.
إن حرية التعبير التي أصبحت قيمة من قيم المجتمع الأمريكي أدت إلى تعدد المدارس السردية في البلاد، فنجد الواقعية، والواقعية القذرة، والسوريالية، والعجائبية الفنتازية، وغيرها. وقد حاولتُ في كتابي " مرافئ على الشاطئ الآخر: روائع القصص الأمريكية المعاصرة" (بيروت: إفريقيا الشرق، 2003) أن أختار من كل مدرسة سردية قصة متميزة لكاتب بارز، وحرصت أن تتناول كل قصة إحدى مشكلات المجتمع الأمريكي.
أ ص: "رسالة إلى حبيبتي" بلغة و سرد يخرجـان عن المألوف تتحدث عن العراق حبيبتك المتألمة ، و تأخذنا إلى "صمت البحر" بتقنيات أخرى لا تقلّ روعة و جمالا ، ما هذا السرّ في تميز نصوصك السردية ، هل هو ثراء تجربتك العلمية ، الأدبية و الإنسانية؟
القاسمي : كنتُ منذ سنوات طويلة، ألجأ إلى كتابة القصة القصيرة مثل اللجوء إلى واحة للاستراحة من عناء العمل ولمكاشفة النفس، دون أن أنشر هذه القصص في مجموعات. وعندما تفرّغت من العمل، أخذت أصنّف هذه القصص حسب موضوعاتها (تيماتها) تمهيداً للنشر، فكانت مجموعة عن ذكريات الطفولة والوطن، وأخرى عن العلاقات الإنسانية، وثالثة عن الأحزان، ورابعة عن الموت، وخامسة عن قضايا علم النفس الموازي. والهدف من ذلك إصدار مجموعات قصصية وليس مجموعات قصص. والفرق بين الاثنين أن قصص المجموعة القصصية يربطها رابط موضوعي وأسلوبي، في حين أن مجموعة القصص لا يربط بين قصصها رابط محدد. ومعروف أن الموضوع يؤثر في اختيار الأسلوب والتقنيات السردية.
أ ص : تذكر أستاذ يوم اتّصلت بك أستشيرك في أسلوب سردي قال عنه البعض بأنهّ لا يمت للقصة القصيرة بصلة فقلت لي العكس تماما ، في رأيك و أنت المنظّر في النقد ألا ترى بأنّ القصة القصيرة هي أيضا تعرف مرحلة تطوّر مع تطوّر باقي الأجناس فنقرأ الرواية الجديدة و نقرأ القصيدة النثرية ، ما رأيكم؟
القاسمي : القصة القصيرة نوع أدبي جديد ما زال تحت الصنع، فهو يتطور يومياً، ولا يوجد تعريف محدد للقصة القصيرة، فتعريفاتها تتعدد بتعدد كتّابها الكبار. وقد قرأتُ ذات مرة أن القصة القصيرة تقع داخل مربع أضلاعه هي: التاريخ، والمقالة، والمسرح، والشعر؛ ويتفاوت قربها أو بعدها من هذه الأضلاع من قصة إلى أخرى. فلا يوجد قالب محدد لموضوع القصة القصيرة أو أسلوبها. لقد قرأت قصصاً قصيرة لكبار كتّاب القصة القصيرة الأوربيين والأمريكيين، فوجدت أن بعضها مثل مسرحية من فصل واحد، وبعضها الآخر مثل قصيدة شعرية، وبعضها الآخر مثل مقال سياسي. وسعى بعض القصاصين منذ ثلاثينيات القرن الماضي إلى كتابة قصة تتداخل فيها الأنواع الأدبية، من أجل الوصول إلى جمهور أوسع من القراء.
أ ص : أثير في مرحلة ما موضوع الأدب المغاربي و الأدب المشرقي و أنت المشرقي المقيم في الديار المغاربية ، رأيكم في هذا المصطلح ألا يجحف حق الأدب الواحد الذي هو الأدب العربي؟
القاسمي : أنا أؤمن بأن الثقافة العربية واحدة لها خصائص جوهرية مشتركة مميزة، مع توفرها على ثقافات فرعية ذات سمات ثانوية، كما أن اللغة العربية واحدة وتشتمل على لهجات أقليمية. ولهذا فإن الأدب المكتوب باللغة العربية هو أدب عربي واحد لأنه يمثل ثقافة واحدة، مع خصوصيات قطرية تتفاوت قوة وضعفاً من كاتب إلى آخر. إن هذه التسميات أو التقسيمات شبيهة بتقسيم الرواية إلى رواية نسائية ورواية ذكورية، وغير ذلك، وهي نتيجة تنظيرات النقاد المختلفين، ولا أرى ضرراً فيها. يمكنك أن تتحدثي مثلاً عن الأدب المصري، والأدب الجزائري، والأدب الفلسطيني، ما دامت أقطارنا غير موحدة. ولو توحدت هذه الأقطارـ كما توحّدت الأقطار الأوربية ـ لتمكّنا من الحديث عن أدب عربي واحد، في حين لا نستطيع أن نتحدث عن أدب أوربي واحد، لأن هذا الأدب يُكتَب بلغات متعددة، فدول الاتحاد الأوربي السبع والعشرين تتحدث بست وعشرين لغة. فاللغة عامل حاسم في تجنيس العمل الأدبي وتصنيفه، لأن اللغة تؤثر في الفكر كما تتأثر به. ولهذا فأنا لا أعد الرواية التي يكتبها كاتب عربي بلغة فرنسية رواية عربية، وإنما رواية هجينة. وهذا رأي شخصي قابل للمناقشة طبعاً. وقد تناولته بالتفصيل في كتابي: " العراق في القلب: دراسات في حضارة العراق" (بيروت: المركز الثقافي العربي، 2004) الذي ستصدر منه طبعة ثانية موسّعة عن الدار العربية للموسوعات في بيروت الشهر القادم.
أ ص : أيها البحر العظيم الذي وقفنا ننهل منه و هو في تواضع يمنحنا الجواهر هل من كلمة للمبدعين و الأدباء في الجزائر
القاسمي : أتشرف بزيارة الجزائر بين آونة وأخرى للمشاركة في المؤتمرات التي يعقدها المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر، وأتابع بإعجاب واعتزاز أعمال كثير من المبدعين والأدباء الجزائريين واستفيد منها. وفي الحقيقة، أنا الذي احتاج إلى كلمة منهم لتطوير عملي.
شكرا أن أعطيتمونا من وقتكم و من علمكم تقبل احترامنا الكبير
نشر في الموقع بتاريخ : الأربعاء 21 شعبان 1430هـ الموافق لـ : 2009-08-12
لتعليقات
عبد السميع بنصابر
الأديب الكبير الدكتور علي القاسمي عاش حياته متنقلا بين مختلف البلدان مدافعا عن اللغة العربية وتقلد مناصب عدة منها عضو مراسل عن مجمع اللغة العربية... كل ذاك بلا كلل ولا ملل..و نسأل الله أن يطيل في عمره ليبقى لنا رمزا ومنهلا للثقافة والمعرفة لا ينضب أبدا..
شكرا للأستاذة جميلة طلباوي وللاديب الكبير
وتقبلا خالص مودتي واحترامي
الأديب الكبير الدكتور علي القاسمي عاش حياته متنقلا بين مختلف البلدان مدافعا عن اللغة العربية وتقلد مناصب عدة منها عضو مراسل عن مجمع اللغة العربية... كل ذاك بلا كلل ولا ملل..و نسأل الله أن يطيل في عمره ليبقى لنا رمزا ومنهلا للثقافة والمعرفة لا ينضب أبدا..
شكرا للأستاذة جميلة طلباوي وللاديب الكبير
وتقبلا خالص مودتي واحترامي
أبو مهند
بارك الله بك، أستاذنا وعلامتنا الكبير الذي نعتز به. ونسأل الله أن يقيض للغتنا العربية من أمثالك الأفذاذ ما تتمكن به من النهوض من كبوتها التي آن لها أن تُؤذن بارتحال. والشكر أيضًا للأستاذة جميلة التي أجرت الحوار، وحبذا لو نقحت أسئلتها من الأخطاء النحوية التي لا تليق بمقابلة عن اللغة العربية مع علامة كالقاسمي.
بارك الله بك، أستاذنا وعلامتنا الكبير الذي نعتز به. ونسأل الله أن يقيض للغتنا العربية من أمثالك الأفذاذ ما تتمكن به من النهوض من كبوتها التي آن لها أن تُؤذن بارتحال. والشكر أيضًا للأستاذة جميلة التي أجرت الحوار، وحبذا لو نقحت أسئلتها من الأخطاء النحوية التي لا تليق بمقابلة عن اللغة العربية مع علامة كالقاسمي.
معد الجبوري
حوار جميل مع باحث فذ وأديب كبير ينطوي على تواضع جم وعلم غزير، وحس عروبي أصيل
تحية لصديقي العزيز المتألق دائما الدكتور علي القاسمي
تحية لمجلة أصوات الشمال وللأستاذة جميلة طلباوي
حوار جميل مع باحث فذ وأديب كبير ينطوي على تواضع جم وعلم غزير، وحس عروبي أصيل
تحية لصديقي العزيز المتألق دائما الدكتور علي القاسمي
تحية لمجلة أصوات الشمال وللأستاذة جميلة طلباوي
رامي أبو حمدي
نشكر المجلة و المحاورة على هذا اللقاء الهام بشخص د. على و بالمواضيع التي تم التطرق لها.
قدم د. علي اضاءة علمية وافية للبرهان على أن تعميم اللغة العربية في بلادنا، و تجديد نظام التربية في مدارسنا، هما ركنان اساسيان لانجاز النهضة و التنمية العربية. بيد أن تنفيذ هذه الافكار و نقلها من الحيز الاكاديمي الى الحيز السياسي ( على شكل برامج تعتمدها الوزارات) هو التحدي و هو المهمة الملحة. أعتقد أنه آن الأوان للجهات السياسية التقدمية و الثقافية في بلادنا، من أحزاب وجمعيات و أندية و نقابات..، أن تبادر الى تبني برامج ملموسة للتغيير التربوي، يصوغها أهل الاختصاص من أمثال د.علي، و تحولها الى مادة سياسية تكتل الرأي العام حولها بهدف تنفيذها. كل الاحترام للعقل الاكاديمي، لكن ينقصنا الفعل السياسي و استنهاض الناس، و الا - للأسف- لن يكون هناك أية قيمة عملية لهذه الافكار الرائعة.
نشكر المجلة و المحاورة على هذا اللقاء الهام بشخص د. على و بالمواضيع التي تم التطرق لها.
قدم د. علي اضاءة علمية وافية للبرهان على أن تعميم اللغة العربية في بلادنا، و تجديد نظام التربية في مدارسنا، هما ركنان اساسيان لانجاز النهضة و التنمية العربية. بيد أن تنفيذ هذه الافكار و نقلها من الحيز الاكاديمي الى الحيز السياسي ( على شكل برامج تعتمدها الوزارات) هو التحدي و هو المهمة الملحة. أعتقد أنه آن الأوان للجهات السياسية التقدمية و الثقافية في بلادنا، من أحزاب وجمعيات و أندية و نقابات..، أن تبادر الى تبني برامج ملموسة للتغيير التربوي، يصوغها أهل الاختصاص من أمثال د.علي، و تحولها الى مادة سياسية تكتل الرأي العام حولها بهدف تنفيذها. كل الاحترام للعقل الاكاديمي، لكن ينقصنا الفعل السياسي و استنهاض الناس، و الا - للأسف- لن يكون هناك أية قيمة عملية لهذه الافكار الرائعة.
جميلة طلباوي
القاص المبدع عبد السميع بنصابر
شكرا على مرورك الكريم ، فعلا نتمنى لأديبنا الكبير علي القاسمي طول العمر و الصحّة و أن يظلّ رمزا للثقافة و قدوة لشبابنا العربي ليدرك قيمة الوقت و قيمة العلم فيغتنم كلّ الفرص للنّهل منه، تمنّياتي لك بمزيد من التوفيق و تحية من خلالك الى كل المبدعين في المغرب الشقيق
احترامي الكبير
القاص المبدع عبد السميع بنصابر
شكرا على مرورك الكريم ، فعلا نتمنى لأديبنا الكبير علي القاسمي طول العمر و الصحّة و أن يظلّ رمزا للثقافة و قدوة لشبابنا العربي ليدرك قيمة الوقت و قيمة العلم فيغتنم كلّ الفرص للنّهل منه، تمنّياتي لك بمزيد من التوفيق و تحية من خلالك الى كل المبدعين في المغرب الشقيق
احترامي الكبير
جميلة طلباوي
أهلا و سهلا بشاعر الموصل الأوّل و الكاتب المسرحي الكبير الأستاذ معد الجبوري
سعدت و تشرّفت كثيرا بمرورك الكريم ، فعلا نعتزّ كثيرا بالأديب
و الباحث الأكاديمي الدكتور علي القاسمي ، نعتزّ بعلمه و بغيرته على اللغة العربية و بتواضعه .
جميلة جدّا هي هذه المقولة التي يردّدها دائما : لا أرى في نفسي أكثر من طالب علم محبّ للقراءة و التعلّم.
كم نحتاج لهذا الشعار في هذا العصر العصيب.
شكرا مرة أخرى تقبّل كلّ التقدير و الاحترام
أهلا و سهلا بشاعر الموصل الأوّل و الكاتب المسرحي الكبير الأستاذ معد الجبوري
سعدت و تشرّفت كثيرا بمرورك الكريم ، فعلا نعتزّ كثيرا بالأديب
و الباحث الأكاديمي الدكتور علي القاسمي ، نعتزّ بعلمه و بغيرته على اللغة العربية و بتواضعه .
جميلة جدّا هي هذه المقولة التي يردّدها دائما : لا أرى في نفسي أكثر من طالب علم محبّ للقراءة و التعلّم.
كم نحتاج لهذا الشعار في هذا العصر العصيب.
شكرا مرة أخرى تقبّل كلّ التقدير و الاحترام
جميلة طلباوي
الأستاذ رامي أبو حمدي
أهلا و سهلا بك ، شكرا على مرورك الكريم ، سعدت كثيرا لأنّ المواضيع التي تطرّقنا إليها نالت رضاكم.
طبعا يجب أن نثمّن بحوث و جهود العلماء و الأكاديميين و نأمل دائما أن يكون الغد أجمل بالنّسبة لأمّتنا العربية.
لك كلّ الاحترام و التقدير
الأستاذ رامي أبو حمدي
أهلا و سهلا بك ، شكرا على مرورك الكريم ، سعدت كثيرا لأنّ المواضيع التي تطرّقنا إليها نالت رضاكم.
طبعا يجب أن نثمّن بحوث و جهود العلماء و الأكاديميين و نأمل دائما أن يكون الغد أجمل بالنّسبة لأمّتنا العربية.
لك كلّ الاحترام و التقدير
عبد الكريم قادري
فعلا انا اقدر الجهد الذي تبذلينه الاستاذة جميلة طلباوي في التعريف بالاخر الذي نحن بحاجة الى فكره وانا اتابع بستمرار اعمالك ونشاطك الدؤوب في سبيل نشر الرسالة الثقافية
تقبلي مروري
عبد الكريم قادري
شاعر وكاتب
فعلا انا اقدر الجهد الذي تبذلينه الاستاذة جميلة طلباوي في التعريف بالاخر الذي نحن بحاجة الى فكره وانا اتابع بستمرار اعمالك ونشاطك الدؤوب في سبيل نشر الرسالة الثقافية
تقبلي مروري
عبد الكريم قادري
شاعر وكاتب
جميلة طلباوي
الشاعر و الكاتب عبد الكريم قادري
لك منّي تحية طيّبة و مرحبا بمرورك الجميل
شكرا جزيلا على كلماتك الطيّبة و على المتابعة و التشجيع ، كلمة أستاذة كلمة أكبر منّي و هو كرم منك و من الأساتذة الطيّبين هذا اللقب فإذا كان الدكتور علي القاسمي بكل زخم علمه يعتبر نفسه طالب علم فماذا أقول أنا ، ما أقوم به هو الواجب الذي تفرضه عليّ رسالتي الاعلامية و الثقافية.
لك الشكر الجزيل
أختكم جميلة
الشاعر و الكاتب عبد الكريم قادري
لك منّي تحية طيّبة و مرحبا بمرورك الجميل
شكرا جزيلا على كلماتك الطيّبة و على المتابعة و التشجيع ، كلمة أستاذة كلمة أكبر منّي و هو كرم منك و من الأساتذة الطيّبين هذا اللقب فإذا كان الدكتور علي القاسمي بكل زخم علمه يعتبر نفسه طالب علم فماذا أقول أنا ، ما أقوم به هو الواجب الذي تفرضه عليّ رسالتي الاعلامية و الثقافية.
لك الشكر الجزيل
أختكم جميلة
عباس بومامي
ثرية هي حوارتك الاستاذة و الاعلامية جميلة ولعل ما يلفت الانتباه الى حوارتك انك صيادة ماهرة ان في البر او في البحر او في السماء ، وذاك هو اسلوب الاعلامي المحترف بحيث يعرف كيف يظفر بصيد ثمين يغذي به نهم قرائه ومتتبعيه . شكرا لك الحضور الجاد و الدائم و الفعال عبر اصوات الشمال .
ثرية هي حوارتك الاستاذة و الاعلامية جميلة ولعل ما يلفت الانتباه الى حوارتك انك صيادة ماهرة ان في البر او في البحر او في السماء ، وذاك هو اسلوب الاعلامي المحترف بحيث يعرف كيف يظفر بصيد ثمين يغذي به نهم قرائه ومتتبعيه . شكرا لك الحضور الجاد و الدائم و الفعال عبر اصوات الشمال .
جميلة طلباوي
الأستاذ عبّاس بومامي
شكرا، شكرا جزيلا على كرم المتابعة و التشجيع ، ما أقدمه يعتبر نقطة في بحر عطائكم الثقافي و الاعلامي، رأيك النبيل أعتز به كثيرا و سأظلّ ان شاء الله أختار ضيوفي بدقة لتقديم الأجود كما يليق بأيكتنا الشامخة أصوات الشمال، و ما توفيقي الا بالله.
شكرا مرة ثانية و لك كلّ التقدير و الاحترام
أختكم جميلة
الأستاذ عبّاس بومامي
شكرا، شكرا جزيلا على كرم المتابعة و التشجيع ، ما أقدمه يعتبر نقطة في بحر عطائكم الثقافي و الاعلامي، رأيك النبيل أعتز به كثيرا و سأظلّ ان شاء الله أختار ضيوفي بدقة لتقديم الأجود كما يليق بأيكتنا الشامخة أصوات الشمال، و ما توفيقي الا بالله.
شكرا مرة ثانية و لك كلّ التقدير و الاحترام
أختكم جميلة
عزيز العرباوي
الدكتور علي القاسمي مبدع وناقد كبير ورجل تعليم موفق في عمله ...
ومترجم كبير وما يدل على ذلك القصة الرائعة لارنست همنغواي التي ترجمها مؤخرا وكتبت عنها دراسة بسطة منشورة بالعديد من المواقع ...
هذا المبدع والناقد والمترجم بحر من المعارف والفكر والإبداع بحق ...
نشكرك أختي جميلة طلباوي على هذا الحوار الذي أمتعنا مع هذا العملاق ...
تحياتي
الدكتور علي القاسمي مبدع وناقد كبير ورجل تعليم موفق في عمله ...
ومترجم كبير وما يدل على ذلك القصة الرائعة لارنست همنغواي التي ترجمها مؤخرا وكتبت عنها دراسة بسطة منشورة بالعديد من المواقع ...
هذا المبدع والناقد والمترجم بحر من المعارف والفكر والإبداع بحق ...
نشكرك أختي جميلة طلباوي على هذا الحوار الذي أمتعنا مع هذا العملاق ...
تحياتي
جميلة طلباوي
شكرا لأبي مهنّد على المرور الكريم و شكرا جزيلا على الملاحظة
هكذا أثبت لنا أنّه من هنا يبدأ الاهتمام بلغتنا الجميلة حين تكون لنا تلك الغيرة الجميلة عليها فننتبه للهنّات التي نقع فيها نتيجة الرقن على الحاسوب أو سهوا.
شكرا مرّة أخرى لك كلّ الاحترام و التقدير
شكرا لأبي مهنّد على المرور الكريم و شكرا جزيلا على الملاحظة
هكذا أثبت لنا أنّه من هنا يبدأ الاهتمام بلغتنا الجميلة حين تكون لنا تلك الغيرة الجميلة عليها فننتبه للهنّات التي نقع فيها نتيجة الرقن على الحاسوب أو سهوا.
شكرا مرّة أخرى لك كلّ الاحترام و التقدير
جميلة طلباوي
الكاتب المبدع عزيز العرباوي
أهلا و سهلا بك و شكرا على مرورك الكريم و على كلّ ما تقدّمه من أعمال أدبية مميّزة و من دراسات قيّمة منها الدراسة التي ذكرتها .
على عاتق رجال الإعلام و المثقفين تقع مسؤولية التعريف بهؤلاء العمالقة و تقديمهم نموذجا لشبابنا الذي هو في حاجة ماسّة في ظلّ العولمة و التغيّرات التي تشهدها مجتمعاتنا إلى النموذج الجيّد ليكونوا هم عمالقة المستقبل.
أشكرك مرّة أخرى و أتمنى لك مزيدا من التوفيق و التألّق
الكاتب المبدع عزيز العرباوي
أهلا و سهلا بك و شكرا على مرورك الكريم و على كلّ ما تقدّمه من أعمال أدبية مميّزة و من دراسات قيّمة منها الدراسة التي ذكرتها .
على عاتق رجال الإعلام و المثقفين تقع مسؤولية التعريف بهؤلاء العمالقة و تقديمهم نموذجا لشبابنا الذي هو في حاجة ماسّة في ظلّ العولمة و التغيّرات التي تشهدها مجتمعاتنا إلى النموذج الجيّد ليكونوا هم عمالقة المستقبل.
أشكرك مرّة أخرى و أتمنى لك مزيدا من التوفيق و التألّق
كُليزار أنور
الدكتور علي القاسمي المحترم
أكلما كبر الإنسان وتعلم أكثر أصبح أكثر تواضعاً.. وهذه الصفة فلسفة راقية بحد ذاتها
تقبل كل احترامي لعلمك ولتواضعك النبيل وأخلاقك السامية
بوجودكم ما زلنا نتعلم كل يوم
كُليزار أنور
الدكتور علي القاسمي المحترم
أكلما كبر الإنسان وتعلم أكثر أصبح أكثر تواضعاً.. وهذه الصفة فلسفة راقية بحد ذاتها
تقبل كل احترامي لعلمك ولتواضعك النبيل وأخلاقك السامية
بوجودكم ما زلنا نتعلم كل يوم
كُليزار أنور
محمد الصغير داسه
الدكتور علي قاسم ..رجل مبدع وناقدو من جهابذة التربية والمدافعين على اللغة العربية بل من الذين عملوا على ترقية الأداء وتشجيع العاملين في الحقل التربوي على الصمود والصبر....شكرا للمبدعة الفاضلة جميلة على هذا الاختيار الواعي...وعلى الحوار الذي أمتعنا كثيرا..وامد الله أستاذنا الكريم بعمر طويل وجعلنا في خدمة مشاريعه التنويريةلخدمة التربية والتعليم في البلاد العربية وسد الثغرات التي تشكو منها واعادة الاعتبار للغة العربية المستهدفة في عقر دارها ومن أبنائها.....شكرا على المبادرة وعلى التقديم الجيد والأسئلة المركزة والدقيقة....م.ص.داسه
الدكتور علي قاسم ..رجل مبدع وناقدو من جهابذة التربية والمدافعين على اللغة العربية بل من الذين عملوا على ترقية الأداء وتشجيع العاملين في الحقل التربوي على الصمود والصبر....شكرا للمبدعة الفاضلة جميلة على هذا الاختيار الواعي...وعلى الحوار الذي أمتعنا كثيرا..وامد الله أستاذنا الكريم بعمر طويل وجعلنا في خدمة مشاريعه التنويريةلخدمة التربية والتعليم في البلاد العربية وسد الثغرات التي تشكو منها واعادة الاعتبار للغة العربية المستهدفة في عقر دارها ومن أبنائها.....شكرا على المبادرة وعلى التقديم الجيد والأسئلة المركزة والدقيقة....م.ص.داسه
جميلة طلباوي
الكاتبة و الناقدة كليزار أنور
شكرا على مرورك العذب ، و كم جميلة تلك العبارة: " أكلّما كبر الانسان و تعلّم أكثر أصبح أكثر تواضعا"
هذه ميزة أخرى يتميّز بها هذا الرجل العظيم الذي منحني شرف إجراء هذا الحوار معه.
دمت راقية و متميّزة
و لك مودّتي و احترامي
الكاتبة و الناقدة كليزار أنور
شكرا على مرورك العذب ، و كم جميلة تلك العبارة: " أكلّما كبر الانسان و تعلّم أكثر أصبح أكثر تواضعا"
هذه ميزة أخرى يتميّز بها هذا الرجل العظيم الذي منحني شرف إجراء هذا الحوار معه.
دمت راقية و متميّزة
و لك مودّتي و احترامي
جميلة طلباوي
الأستاذ محمّد الصغير داسة
أشكرك جزيلا على المتابعة و التشجيع. مهمّ جدّا أن نتقرّب من علمائنا في مختلف المجالات على امتداد الوطن العربي حتى نعرّف الأجيال الصاعدة على العبقريات التي تنتجها الأمّة العربية الجميلة بأبنائها الحريصين على العلم و الأخلاق السامية. شكرا على مرورك الكريم .
تقبّل تقديري و احترامي
الأستاذ محمّد الصغير داسة
أشكرك جزيلا على المتابعة و التشجيع. مهمّ جدّا أن نتقرّب من علمائنا في مختلف المجالات على امتداد الوطن العربي حتى نعرّف الأجيال الصاعدة على العبقريات التي تنتجها الأمّة العربية الجميلة بأبنائها الحريصين على العلم و الأخلاق السامية. شكرا على مرورك الكريم .
تقبّل تقديري و احترامي