الرحيل - قصة قصيرة ا بقلم الدكتور علي القاسمي
نقلا عن صحيفة المثقف
التفتَ، رآها، فسرى بريقٌ خاطفٌ في عينيه وشبحُ ابتسامةٍ على
شفتيه، ينمّان عن سرورٍ خفيٍّ مخنوقٍ بحضورها. جلستْ على حافة سريره. أخذتْ
يدَه اليمنى بكفيّها، وأدنتها بلُطفٍ من كنزتها الصوفيّة بالقُرب من موضعِ
القلب بين الضلوع، وكأنّها تريد أن تهِبهُ شيئاً من دفئها وشبابها ونبض
فؤادها. أخذا ينظران إلى أحدهما الآخر بصمتٍ دون أن ينطقا بشيءٍ.
تأمَّلتْ عينَيه المُتعبتين، فبدتْ لها أهدابُهما مثل وريقات
زهرتَي عبّاد شمس ذابلتَين، وفي أغوارهما يخبو الضياء الذي عهدتْه. أطال
النظر في عينيها، فحيّرته المعاني. غابت منهما تلك الرقَّة وذلك الحنان،
وحلَّ مَحلَّهما تصميمٌ وعزمٌ على شيء لم يُدرِك كُنْهه. استفسر بعينَيه عن
حالها. لم تُجِب. هربتْ منها الكلمات، تعثَّرتِ العبارات ولم تبلغ
شفتَيها. حوّلتْ عينيها بعيداً عنه، ولكنَّها لم تستطِع أن تمنع الدموع من
الصعود والتجمُّع في عينيها الواسعتَين دون أن تنهمر عبراتٍ، مثل قطراتِ
الغيث المُتجمِّعة على زجاجِ نافذةٍ بعدَ ليلةٍ ممطرةٍ.
تحوَّلت نظراتُه من عينَيها إلى وجهها المليح، وقوامها
الأهيف، وهندامها الأنيق، فلمحَ إلى جانبِ حقيبتها الجلديّة ملفّاً
ورقيّاً. وبعد تردُّد لم يطُل، أشار بعينَيه إلى الملفِّ، فناولتْه إياه.
أخذه بيدَين مرتعشتَين، تصفَّحه بصعوبةٍ. بدا عليه أنَّه أدرك محتواه.
ألقاه إلى جانبه على السرير.
نظر إليها. كانت مُطرِقة ً. انتظر برهة. رفعتْ رأسها. التقتْ
نظراتهما. هزَّ رأسه أن لا تفعلي. ولكنَّه استشفَّ في عينيها عناداً
وتصميماً. أطرقَ برهةً كأنَّه يفكِّر في حِجة لإقناعها، ثمَّ نظر إليها
وقال بلهجةٍ آمرةٍ تشوبها نبرةُ رجاء وكأنَّه يلفظ وصيَّته الأخيرة:
ـ لا ترحلي.. ابقِ أنتِ.. لا تغادري البلاد.
جاهدتْ لتتكلَّم، ولكنَّ الدموعَ المُتجمِّعةَ في المآقي
خنقتِ الكلمات. بذلتْ مجهوداً كبيراً لتُخفي الدموع عنه، ولكنَّها لم
تتمكَّن، فانفلتتْ خارجةً من الغرفة، قبل أن تنهمر الدموع ُعلى خدّيها
الأسيلَين.
***
قصة قصيرة
علي القاسمي
صا
صا
عا
صا
عا
عح
عا
صا
ي
عا
فع
عا
ا
عا
ال
خ
عا
سا
عا
سح
سح
عا
دا
عا
اب
عا
دح
عا
ما
عا
جع
عا
جا
عا
ا
عا